أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - مدن اخرى ..وقلق المكان















المزيد.....

مدن اخرى ..وقلق المكان


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 08:43
المحور: الادب والفن
    



صدرت للكاتب مظفر لامي مجموعة قصصية , افترض انها مجموعته الأولى . والقصص بمجملها محاولة لتكوين لوحة حياتية . اراد أنْ يعالجها ويضفي عليها الوانه , مرة يتعثر في وضع اللمسة المناسبة ,ومرة ينجح في وضع تلك اللمسة . لكنه ينغمر في عملية خلق ودمج عسيرة , فيوالف بين السرد والتحليل, ويدمج بين طرح الفكرة وتناول ابعادها , في اسلوب اقرب الى الحدة والتدفق منه الى التروي والأسترسال . وكأنه يريد ان يتخلص من عبيء اللحظة التي تفترض ان نكتب شهادتنا لعصر ننتمي اليه, نعيش لحظاته الحجرية .قد نكون ابطاله او ضحاياه . وهذا يقودنا – حتما - الى ماهية إنتماء القاص او الفنان , ودوره في استلهام الواقع الذي يعيشه وانعكاس ذالكم الواقع على رؤياه . هنا ينشأ العمل الأبداعي , ويتنامى من خلال استشراف الوعي ومحاولة منحه دفقة من الحياة , بإيجاد وعي موازٍ تختزنه تجربة قصصية ,أرادت أنْ تجتهد وتتلمس فحوى فعل الأنسان العراقي , في مرحلة زمنية متحركة وقاسية ,افرزت تغييرا مفاجئا , او غير متوقع ( اعني سقوط النظام الدكتاتوري ) مما جعل الكتابة ملحة ومرتبكة . لأنها ارادت ان تتنفس هواءا – يُفترٍض ان يكون نقيا – لتخلصها من حجرية القمع والخوف والتدمير .لكن الكاتب قد وجد نفسه يواجه مكانا فسيحا , حافلا بالأحتمالات والمخاوف . فهناك زوايا ضيّقة , وغرف تضجُّ بالأنين وابواب مقفلة وفضاءات ملتهبة ,وزوايا اسمنتية تحمي الروح الملتاعة , وغرف معتمة تُظهر للقارئ لحظات انسانية حافلة بالإلفة والحبور , وأنهرصغيرة يعزّ فيها صيد السمك , او بنايات متهالكة .او ردهات في مستشفى . واذا كان للمكان هذا القلق – والذي يختلف من قصة الى أخرى – فانه قد يفسر وفاء الكاتب لتلك البقعة الجغرافية المغموسة بالشجن . حيث حاول مظفر لامي جاهدا ان يلتقط منها , ما يمكن ان يتبناه كمفهوم معرفي , او اجتماعي , او سياسي قابل للجدل . ولقد استطاع ان يتجول في مجموعة من المواضيع التي كانت تطمح الى الأرتقاء الى ما هو شامل . واذا كان المكان قلقا الى هذا الحد فانّ الأزمنة المحيطة به تضيق احيانا حتى تتحول الى لحظة متأزمة ومدمرة , كلحظة الرصاصة الطائشة التي اغتالت الأم حينما فتحت الباب , او تتسع هذه الأزمنة لتصبح جامدة , ثقيلة وكأنها لاتتحرك كما رأينا بطل احد القصص وهو محشور بين الزوايا الكونكريتية بانتظار موت محتمل حيث يتجمد الزمن وكأنه لاينتهي, بينما يتطاير رصاص الموت في كل الأتجاهات. واحيانا يتعانق الزمان والمكان معا حتى يذوبان في بعضهما .وكأنهما ينحسران او يتمددان .
في قصته ( الظهيرة ) نكتشف جوانب غير مرئية لشريحة حياتية , يكون النهر والشمس مكونين متنافرين . فلولا حرارة الشمس اللاهبة لاستحال النهر اكثر عطاءا وأقل خوفا . يبدا القلق من المكان , وكأن الأشياء تتحد ضده وتتحرك باتجاهات لاتنتمي الى رغباته . لقد كشف لنا الكاتب حجم الضائقة الأقتصادية لمجتمع غير منتج . يعتاش بشكل طفيلي على رواتب شحيحة . ومع اليأس الذي تمثل في إخفاقه من الحصول على صيد من النهر , ينشأ أمل غير متوقع " ياعم لاتغضب منه . اصطاد سمكة " وكأن الأبناء قادرون على تحقيق ما عجز عن تحقيقه الكبار , مما يمنح الفكرة فسحة أمل قادمة.
وفي ذات الأطار تتحول المدن الى شقاء متنقل . فها هي بغداد تتحول الى مجهول حافل بالأحتمالات , يتشارك فيه الراكب مع سائق المركبة . المخاوف تترصد القادمين اليها , ثمة خوف من فشل العملية الجراحية , يرافقه همٌّ أمني في كل المفترقات . فالمدينة مفتوحة لأسوء الأحتمالات , قد تتجسد في شبح الموت الذي يترصد الخطوات . وعبر الذالكرة , ينتقل الحدث من قلق المكان الى وحشة الأزمنة ,حيث ذكريات السجون والمعتقلات . وحيث السلطة التي تلتقط الناس من دفيء مشاعرهم , وتقذف بهم الى الفناء. ولكن الكاتب لم يؤطر الحدث زمنيا , بل تركه سائبا , وربما لكي يقول ان للسلطة ملامح كالحة حتى وان اختلفت وجوهها ومسمياتها . كان ابطال القصص ينوؤون بعبيء اللحظة المعاشة . يستصرخون الخلاص وهم يعيشون أزمة الملاذ الآمن . ماهي احتمالات الموت لشخص وجد نفسة بين ميليشيات متقاتلة , تُمطِر الناس بالموت والرعب ! ؟ اي قوة كونية تستطيع ان تتحمل مايكابده بطل قصة ( مصادفة أخرى )في تلك اللحظة ؟ وهو يخير نفسه بين الموت انتظارا والموت هربا . بينما جسده يلتصق بالكونكريت لكنه يحاول النفاذ من قلب الأحداث العمياء بالكراهية والفوضى . "سأنفذ في أوج الصخب المطبق لبنادقكم ..ص12" هل كان يتحدى هؤلاءالقتلة ؟ هل كان نفاذه انتحارا , او محاولة للخلاص؟أو ان جميع الأحتمالات ممكنة لقاص يدوّن الألم ؟ . وفي قصة اخرى . يبرز سؤال عريض . اي حاجة تجعل مجموعة من الفنانين التشكيليين - حسب وصفه لهم - ان يعملوا في هدم بناء قديم لايدركون السر وراء هدمه ؟. كان الذي يعنيهم من العملية , هوالحصول على ما يسد حاجتهم اليومية من كسرة خبزوسيجارة . هؤلاء كان يعملون في غير مجال ابداعهم , ولكنهم كانوا محبطين من اختلال المعايير , حتى بان عليهم الأرهاق المعنوي الذي انسحب على مجهودهم الجسدي حينما ادركوا " اللعبة الأبدية للأسياد وكيف تواصل إستنساخ نفسها تباعا ...ص46" لقد وضع معادلة غير متوازنة بين المهمشين من جهة وبين من تسلقوا السلطة وهم لايستحقونها . ولكن الطرح القصصي لهذه المعادلة كان بحاجة الى بناء اكثر إحكاما . فلا يكفي ان نطرح فكرة دون ان نهتم بحرفيات الطرح فنيا .
لقد حاول الكاتب مظفر لامي ان يرسم المجتمع وفق منظوره , ملتقطا زوايا معتمة واخرى مضيئة , واستمر يمزج ما بين العتمة والضوء ليخرج بعض القصص التي تشبه اللوحات . وهي تنتمي الى مرحلة الحرب والحصار . لم يسمّ الأشياء بأسمائها , ولكنه أدان الفوضى واختلال القيم , وانتصر لأرادة المقهورين والمرضى والمتعبين ونزلاءالمعتقلات . كان يكتب وكأنه يصرخ رافضا اختلال القيم . وكأنه ايضا يريد بناء عالم جميل ملون , قد يشبه سجادة الحائك التي اخرجها من الصندوق القديم ليجد الألوان قد تشابكت واصبحت اكثرألقا وقدرة على التوغل في الحياة " يلامس خشونة النسيج بيد مرتجفة ويتابع حدود الأشكال , رفع رأسه حين دوت السماء برعد وبرق سبق انهمار مطر , مسّت قطراته الألوان , لتجلي عنها غبار السنين ..ص38" لقد كانت هذه القصة اقرب الى عملية البناء اللوني الذي يطمح باشاعة جو التفاؤل الذي يأتي حتى من صناديق الماضي القديم .
يمتلك الكاتب خميرة قصصية رائعة ,وقابلية على شد الأحداث , ولكنه -احيانا - يفقد خيوط اللعبة وتنفرط حبات القصة فتصبح أقل تماسكا. ولكن قصصه - بمجملها- تنمّ عن وعي وثقافة من ناحية الطرح , وجمالية في التعبير القصصي واساليبه الحديثة . اما من حيث اللغة , فقد تراوحت بين الجملة الحادة المحكمة , والقادرة على التأثير , وبين اللغة الركيكة اوغير المفهومة , والتي تحتاج الى الكثير من التشذيب والحذف . فالقصة القصيرة يجب ان تراعي الأناقة في اللغة , والأقتصاد في الجملة , والأعتناء - قدر الأمكان - بالصياغة . كما انني وجدت الكثير من الأخطاء النحوية واللغوية والأملائية . ومثل هذه الأخطاء تؤثر سلبا على جمالية العمل . كما ان الكاتب لم يوفق في إختيار العناوين المناسبة لقصصه . ان إختيار العنوان المناسب , يمنح العمل الأدبي حيوية اكثر . ولعل اختيار مدن اخرى وهو خارج النص هو افضل عنوان تبناه .



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجونوسايد في مصر
- رواية (كوميديا الحب الألهي) والذاكرة المعطوبة
- الرحيل ..وحزن اوتار العود
- علي دواي .. بصيص أمل في عراق جريح
- قف بالمعرة ..
- وأد الأطفال ..في بلاد النفط
- أحمد القبانجي .. سجينا
- بغداد عاصمة ..لأية ثقافة
- الوطن بعيون مهاجرة ( الأمن السياحي )
- شكري بلعيد .. وداعا
- لاشيء فوق العراق
- بهاء الأعرجي والمصباح السحري
- مباراة العراق في كأس الخليج
- رد على مقالة الدكتور عبد الخالق حسين
- الفتنة
- جذوع ملّت من الوقوف
- قصة قصيرة اوراق من يوميات حوذي
- هوامش على اقوال ممثل السيد السيستاني
- قسوة الظمأ في مجموعة جذور الفجر
- دراما الموت والحياة


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحمن خضير عباس - مدن اخرى ..وقلق المكان