|
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 9
حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 4144 - 2013 / 7 / 5 - 20:23
المحور:
الادب والفن
- 9 - كان ذلك عندما اندلعت الثورة المصرية في يناير من عام 2011 وأغلقت بسببها المعابر المؤدية إلى غزة أو الخارجة من مطار القاهرة الدولي، فحصرا في مدينة العريش إلى أن يتيسر لهما الخروج بسلام . و كان خليل برفقة أحد الأصدقاء الذين يعرفون تالا معرفة عابرة، صادفاها في الشارع قبل غروب الشمس بقليل، عرفها عليه ثم سألها عن حالها وما إذا كانت بحاجة إلى أي مساعدة باستثناء خروجها من هنا لأن هذا الأمر لا يستطيعه ثم افترقا. خلال هذا اللقاء، كان خليل ينظر إلى وجهها قطعة قطعة يتفقده، كأني به يحاول استذكار أين رآه، وهي لم تعط بالاً بما يثير الشكوك . ومثل غيمة ثقيلة مشبعة ببخار الماء صادفتها موجة هوائية باردة، أو مثل بطل فيلم تعمد المخرج ظهوره وقت الضرورة وفي المواقف الصعبة المحرجة، أو ربما مثل شخصية روائية حاول كاتبها أن يوفر لها كل المقومات حتى تبقى محل نظر القارئ بغية متابعتها حتى النهاية أملاً في محاكاتها مع الواقع بكل بؤسه وغموضه أنصافاً للخطة الراهنة وعدم التجني عليها. هكذا أنطبع في ذاكرتها شخص يصعب تقليد سلوكه، وليس منسوخاً عن أحد، مستقلاً بذاته، فدخل عقلها وغدا صعباً عليها إخراجه، سجل حضوره أينما ذهبت، وعندما أوشكت على النوم في تلك الليلة كان يوقظها على ابتسامة ناعمة تداعب المشاعر وتسيطر عليها . انطبعت تصرفاته العابرة في مخيلتها فأشعل فيها حنيناً مبهماً فريداً، شكل جوهرة على نحو خاص به. إذن، فهو لم يكن منسوخاً ولم يكن يوماً فارس أحلامها. عرف مكان الفندق الذي تنزل به فتابعه منذ الصباح بانتظار خروجها، ولما خرجت سار خلفها بحرص شديد على ألا تراه، إلى أن وصلت محطة الأوتوبيس وصعدت إليه، فعل الشيء ذاته متجاهلاً وجودها حين الصعود كمن لم يشاهدها، ثم جلس في المقعد المقابل لها. جاءت عجوز بعد امتلاء الأتوبيس ووقفت إلى جواره أملاً في إجلاسها مكانة باعتباره أصغر الجالسين سناً، ولكنه لم يفعل لا لشيء إلا لأن من حقه البقاء جالساً، وكان على العجوز عدم الصعود أصلاً طالما امتلأ المكان، رغم أن العادة الدارجة امتلاء الأتوبيس إلى آخره بما في ذلك الممر. ذهبت العجوز تبحث عن مكان آخر بعد أن عرفت من تجاهلها الرفض من خليل للقيام وإجلاسها. عندها ضحكت تالا بصوت مسموع إشارة إلى وجودها، نظر إليها ثم ضحك وتبادلا أطراف الحديث من خلال سؤال وجهه خليل إليها: - إلى أين أنت ذاهبة؟ وقبل أن تجيب واصل حديثه: - لعلك تقتلين الوقت كما أفعل أنا الآن! ردت عليه: - هو كذلك. - إذن فلننزل عند هذا المفترق ومنه إلى شاطئ البحر، نسير حتى نتعب ثم نعود وقد أمضينا جزءاً من الوقت في الحديث الذي من الممكن أن يكون مفيداً لنا نحن الطرفين. - لا بأس. كانت الشمس دافئة إلى حد يسمح بموجبه العقل للوجه تحمل موسم الشتاء الذي يصعب فيه التنزه على شاطئ البحر. سارا على الرمال الصفراء في الوقت الذي كان فيه الشاطئ خالياً تماماً من الناس، وكان كلاهما مطرق الرأس لا يعرف من أين يبدأ الحديث، ثم فجأة توقف خليل فاستدارت تالا قبالته، آخذه النظر في عينيه برهة دون أن يحرك أي منها ساكناً وما لبث أن علا صوت الضحك، ولم تتمالك تالا نفسها وهي نضحك حتى كادت أن تسقط ، التقطها خليل كقطعة نقد معدنية نادرة، واستقرت في حضنه شفتاها تقابل شفتيه. لم يقوَ على عدم تقبيلها، تلك القبلة ذات المذاق الأول الذي يصعب تكراره والتي هي في المحصلة لا يمكن نسيانها مدى الدهر. بعد ذلك، قادها إلى الكورنيش الممتد داخل البحر قرابة المائة متر عبر ممر ضيق ينتهي بغطاء من القرميد الأحمر، وشاطئ مدينة العريش مشهور بها على امتداده، سارا دون أن تصدر منهما كلمة في وقت كان كلاهما يحاسب نفسه على هذا السلوك الطائش الذي لا ينم عن رشد واتزان، وعندما وصلا إلى النهاية نظر خليل في عينيها وشيء من الارتباك يحاصره، ثم قال: - إنني اعتذر منك يا تالا على السلوك غير المؤدب الذي قمت به دون وعي لما أنا فاعل . صحيح أنني أحببتك منذ اللحظة التي التقيتك فيها ولكن أن يصل بي الأمر إلى هذا الدرك و أنا الذي أزن تصرفاتي قبل الأقدام عليها بدقة هو ما يزيد من خجلي منك . ومع ذلك، كنت أرغب من كل قلبي أن تستمر علاقتنا البريئة حتى نتمكن من التعرف على بعض بمعزل عن سابقه نكون أمامها صاغرين وبالتالي تحول دون إعطاء حكم صادق عن مشاعرنا . ثم إنني... وضعت يدها على فمه حتى لا يكمل حديثه ويكتفي بهذا القدر من التأنيب ثم قالت: - لم يكن هذا الخطأ منك وحدك . لقد شاركتك في نصفه وينبغي علي الاعتذار منك حتى نتساوى فيما أقدمنا عليه وما اعتذرت عنه، لا سيما أن الحب لم يكن من طرفك وحدك، بل أنا أيضا لم أستطع النوم بالأمس جراء التفكير بك، واعترف إليك أن ما توصلت إليه هو الإقرار بالحب الذي أصابني عندما التقيتك . وبعيداً عن أي مؤثرات على قرارنا المستقبلي بعد التعرف على جوهر كل منا أؤكد لك أننا سنتذكر هذه اللحظة بكل تفاصيلها عندما نرتبط ببعضنا ونقف خلف أكتافها ونضحك ما وسعنا ذلك. - ولكن كيف سأسامح نفسي على هذا الفعل؟ - كما سأسامح نفسي ! خيم صمت متحفز ثم أخذهم الضحك إلى مداراته. لحظة ثم سحبته من يده وهي تقول: - هيا بنا نسير على رمال الشاطئ فهي مغرية في هذه الأجواء المشمسة . - مشيا كثيراً وتحدثا عن نفسيهما أكثر. وعندما تعبا من السير جلسا على الرمال الصفراء وفي عيونهما فيضاً من الحب آخذاً بالنماء والتعاظم . قالت: - هل تعلم أنني أجريت ذات مرة مقارنة بسيطة بين المؤسسات التابعة للتمويل الأجنبي وأنا أعمل في واحدة منها، بعد أن سمعت عن حجم الفساد الذي أصاب المؤسسات الرسمية الحكومية والخاصة، واكتشفت أن أهم ما يميز الأولى عن الثانية، هو أنها دائماً تضع موظفيها تحت أعين المتابعة اليومية الحيادية بعيداً عن الانتهازية والكيد من بعضهم البعض في حين أن الثانية تفتقر لمقومات العمل المؤسسي الخاضع للرقابة والمحاسبة وخلق الفرص والحوافز التي تشجع على التفاني في العمل والانتماء إليه، أي أنه باختصار، غياب العمل المؤسسي المبني على فرضية النهوض من واقعه الراهن إلى الأفضل والإفادة من تراكم الخبرة وتطويرها. - معك حق فيما ذهبت إليه، غير أن هناك شبهات كثيرة تكتنف عمل المؤسسات الممولة من الجهات الأجنبية وعلى رأسها تنفيذ أجندتها بما يخدم المصالح التي تدفعها للتمويل، فضلاً عن أن هذه المؤسسات مجبرة على الموافقة على الشروط التي تضعها هذه الدول رغماً عنها إن هي أرادت الاستمرار في العمل وهذا بدورة يحرمها من الاستقلالية وتكون بالتالي دائماً محل تساؤل عن الدور الذي تقدمه لصالح المجتمع، وهل هو يساوي الدور الذي يتم فيه خدمة الدول الممولة للمؤسسة. - هذا صحيح تماماً، ولكن إلى أي مدى يمكن لنا أن نستفيد من هذا العمل المؤسسي، هذا الأمر ينبغي أن يؤخذ في الحسبان عند محاكمة هذه المؤسسات وبالتالي العمل على خلق البدائل حتى يتم الاستغناء كلياً عن هذه الدول، مثل أن تعزز دور حقوق الإنسان داخل المجتمع وتمنع أي قمع يتعرض له المواطن بإصدار القوانين التي تحفظ له الحقوق التي نص عليها القانون الدولي. وكذا الحال بالنسبة للمرأة يجب علينا أن نعزز دورها المجتمعي من خلال المشاركة الفاعلة على كل المستويات والأمر نفسه عن الطفل والعامل، عن الكاتب والمثقف، عن الصحفي ودوره وحمايته وتوفير الأجواء له ليشكل رافعة تدفع نحو المراقبة والمحاسبة وخلق البدائل... الخ.
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 8
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 7
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 6
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 5
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 4
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 3
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 2
-
وتريات الحب والحرب : رواية الفصل 1
-
محمودالغرباوي الغائب الحاضر
-
أحمد سعدات .. الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
-
تونس بين الأمس واليوم
-
الفصل 30 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 29 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 28 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 27 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 26 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 25 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 24 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 21 من رواية تصبحون على غزة
-
الفصل 20 من رواية تصبحون على غزة
المزيد.....
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|