|
فجر طفولته في وجوهنا أشلاء!!
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:22
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لهفي على مصرنا التي باتت تتناوب عليها الفواجع من كل جانب .. لم نكد نفيق من ألام جرح قتل أبنائنا على الحدود.. وتفجيرات طابا التي مازال جرحها ينزف حتى الآن في بيوت أهل العريش.. واحتقانات هنا وهناك.. تتفجر أحيانا في صورة فتنة طائفية، أو سخط شعبي يقابل بقمع ضار، حتى جاء حادث التفجير الأخير بالأزهر ليذكرنا أن علينا ألا نغمض الأعين.. وألا نحلم بنوم هانئ؛ فمازال باب القلب مفتوحا لتلقي مزيدا من الأوجاع في الطريق.. لهفي على بسطاء شاء قدرهم أن يكونوا في طريق الإرهابي.. يبيعون، أو يتسوقون، أو حتى يتسكعون.. وعلى أجانب جاءوا مسالمين ينشدون المتعة والثقافة في بلدنا.. لهفي على فقراء يتحايلون على قسوة ظروف الحياة بقروش قليلة يلتقطونها من سائح هنا وزائر هناك، فإذا بهم يواجهون الموت في حادث عبثي تاركين وراءهم من يتضورون جوعا بانتظار لقيمات كانوا سيعودون بها إليهم.. لهفي على أسرة استطاعت رغم شظف العيش أن تربي المحامي والمحاسب.. وكانت تأمل خيرا في ابن لها؛ انتزع حقه في التعليم والتفوق من أنياب الفقر والتحق بكلية الهندسة، فإذا به يتحول في لحظة إلى إرهابي، يرتكب أبشع جريمة يقدم عليها إنسان خلا من المشاعر والقيم.. ولعلي لا اعتقد أن هذه الأسرة فاقت من ذهولها حتى الآن، أو أن عقول أفرادها استطاعت أن تستوعب حقيقة أن هذا الطفل ذا الملامح البريئة يمكنه أن يقدم على فعلة كهذه.. نعم طفل!! بحكم القانون الذي يحدد هذه السن كحد أعلى للطفولة قانونا . لهفي أيضا على طفل في الثامنة عشر من عمره لم يزل .. كيف تحول فجأة إلى وحش متعطش للدماء، غير آبه بحياة الآخرين؟؟ .. هل كان والده الحداد البسيط رحمه الله يتخيل، ولو في كابوس أثناء نومه، أن هذا الولد الذي تحمل الكثير في سبيل تربيته وتربية إخوته تربية تشرفه وتعوض عذاب السنين، يمكن أن يصبح إرهابيا؟؟ . إرهابي؟؟.. هل تخيل حسن نفسه قبل شهور قليلة أو ربما أيام أنه يمكن أن يحمل لقبا كهذا؟ من هؤلاء الذين عبثوا بعقل هذا الطفل، وغيروا مجرى حياته من فتى يصارع الفقر لينتزع منه حق الحصول على شهادة جامعية مثل شقيقيه، ويثبت بها أن الإرادة مازالت تستطيع فعل المستحيل في بلدنا، إلى قاتل أثيم، يبيع نفسه وأهله ووطنه للشيطان؟؟ هذه السن التي هي عتبة كاد حسن أن يخطوها، بين طفولة تعيسة ورجولة تتشبث ببقايا أمل في حياة كريمة يحققها بتفوقه وتعبه ، وليس بواسطة أبيه أو نفوذ أسرته.. هذه السن نفسها بما تحمله من نقاء نفس، ومثالية في الأفكار ورغبة تواقة إلى الانتماء.. ربما كانت إحدى نقاط ضعفه التي نفذوا منها إليه..كل من في مثل هذه السن يبحث عن انتماء؛ بعض أترابه يجدون هذا الانتماء في أندية الديسكو، أو مصاحبة الفتيات، أو شلة النادي . . البعض الآخر يجده في التعصب لناد رياضي.. وهناك البعض الذي يجد ضالته في الانتماء إلى فكرة أو قضية.. فهل كان ضيق ذات اليد ورقة الحال، مع التربية الصالحة التي غرستها أسرة حسن الفقيرة في أبنائها هي التي أبعدته عن مصاحبة رفاق السوء الذين يقضون وقتهم في صحبة الفتيات أو تعاطي الخمور والمخدرات، فإذا به يقع في يد من هم أعتى وأكثر شرا؟ ولكن ، هل وجد حسن قبلها من يسلحه بما يواجههم به؟ أين تلك التوعية التي لقيها من مجتمع يتنازعه من ناحية تيار يكره الحياة ويحرم كل شيء ويرفض كل من عداه، ومن ناحية أخرى تيار آخر أدار ظهره لكل القيم وأباح كل أنواع المتع الحلال والحرام لكل من يقدر على تكاليفها؟. هل وجد سوى إعلام توزع بين النقيضين.. وواقع قاس شديد القسوة على الفقراء؟.. لقد ذكرت والدة حسن أنه عندما تغيب عن البيت ذهبت لتتفقد ملابسه لتعرف أي ملابس كان يرتديها. وفي سياق حديثها عرفنا أن ملابس حسن كانت عبارة عن طاقمين فقط ارتدى أحدهما يوم الحادث! وقالت أيضا أن مصروفه الشهري بلغ 30 جنيها شهريا.. ولكم أن تتخيلوا ما الذي يمكن أن تلبيه هذه الجنيهات الثلاثون من حاجة شاب في مثل سنه طول الشهر.. شاب هذه ظروفه يشاهد على شاشات التليفزيون (قبل أن يحرم على نفسه وأهله مشاهدته) أنماط حياة استهلاكية يعيشها شباب في سنه، وربما أقل منه تفوقا وكفاءة لكنهم يرفلون في نعيم مقيم.. حتى أنني من كثرة ما شاهدت من مسلسلات في الفترة الأخيرة بت أعتقد أني الوحيدة في مصر التي لا تمتلك فيلا من طابقين بحمام سباحة ويملؤها الخدم ويحوز كل فرد من أفرادها سيارة فخمة (في أحد المسلسلات سمعت كمال الشناوي يقول لزوجته ليلى طاهر انه أفلس ولم يعد يملك إلا خمسة ملايين جنيه بخلاف القصر الذي يعيشون فيه، فصرخت في جزع هائل: ونعمل بيهم إيه خمس ملايين جنيه؟).. لنتخيل معا ما الذي يدور في ذهن حسن عندما يشاهد هذه المسلسلات .. وبأي طريقة يمكن أن نصحح له ما يقوله آخرون له من أن مشاهدة التليفزيون حرام.؟.. شاب في سن الانتماء والتمرد يقاسي هذه الحياة ويعاني مما يراه من تناقضات في مجتمعه ولا يجد أمامه وسيلة تعبير حقيقية عن نفس، لا في أجهزة إعلام، ولا في أندية شباب، ولا في أنشطة طلابية بالجامعة، مع ما نعلمه جميعا من ضآلة ـ إن لم يكن انعدام ـ فرص التعبير عن النفس سواء في الجامعة عن المجتمع. خطأ من إذا الذي دفع هذا الطفل ليقع فريسة من زينوا له الجحيم على أنه جنة الخلاص؟ لا شك أنه ليس خطأ الأسرة التي كافحت بشرف وربت الأبناء تربية حسنة بشهادة الجيران والمعارف ليصبحوا شبابا يفرحون القلب الحزين.. وأكاد أقول ليس أيضا خطأ الطفل الذي وقع بين أيد لا ترحم، دفعته لارتكاب جريمة كان هو وأهله أول من دفعوا ثمنها.. للأسف.. هي خطيئتنا جميعا.. نحن الذين سهلنا سبل إغواء حسن لارتكاب جريمته.. نحن الذين سكتنا طويلا على طرفي التطرف.. من يكرهون الحياة، ومن يزينون احتساء متعها حتى الثمالة للقادرين..وفتحنا لهم قنوات الإعلام يرتعون فيها ويزرعون هذه التناقضات في أذهان أطفالنا.. وكبحنا أي فكر عاقل يمكن أن يناقش مشكلات الشباب والمجتمع بموضوعية .. وسددنا أبواب الحوار..نحن الذين سمحنا بسيطرة الرأي الواحد وفرضنا على الطفل منذ نعومة أظفاره فكرة أن مناقشة الكبار عيب.. وأن الأدب هو أن يسمع كلام الكبير دون أي اعتراض وينفذ ما يطلبونه لأنهم الأعلم بمصلحته.. وعليه أن يكبت داخله أي نزوع للاعتراض أو حتى التفكير، وأن يقمع كل بذور الاختلاف ، وإلا فسيناله الأذى الفادح من هؤلاء الكبارـ أي كبار في أي دائرة من دوائر حياته.. فظل يسمع كلام الكبار في البيت وفي المدرسة وفي الجامع وفي الدولة.. وكان مهذبا لم يناقش ولم يعترض، ولم يطالب حتى بأن يعبر عن رأيه.. ظل يكبت داخله استفساراته، واعتراضاته، ونوازع التمرد فيه، يكبت.. ويكبت.. ويكبت..حتى تجمعت داخله كل هذه النوازع.. وتضخمت إلى أن أصبحت أكبر من قدرته على قمع نفسه؛ فكان لابد أن تنفجر طفولته أشلاء، تلطخ بدمه ودم الضحايا وجوهنا جميعا!!
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عندما -نستوردنا
-
ديمقراطية -هوم دليفري-
-
العصيان المدني سلاح لايجب ابتذاله
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|