|
2 لغة القرآن الفصامية
العفيف الأخضر
الحوار المتمدن-العدد: 4142 - 2013 / 7 / 3 - 21:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ قراءة للقرآن بما هو وثيقة طبية واعترافات محمدية العفيف الأخضر
الفصل الثامن
2 ـ لغة القرآن الفصامية
رأينا في الفصول السابقة،أن إضطرابات محتوى الفكر،أي الأفكار الهاذية؛واضطرابات مجرى الفكر،أي ارتخاء التداعيات والانتقال من موضوع إلى آخر بلا رابط منطقي،هن ما يميز العلاقة بين السور وآيات القرآن.وسنرى الآن بعض أعراض الفصام الأخرى اللسانية في القرآن، من خلال ما يسميه الطب النفسي"اللغة الفصامية":إهمال النحو(أجرامِر)،أو تشويه الكلمات،أو إدخال كلمات غريبة أو غير مفهومة أو لا معنى لها...
السؤال:كيف ينعكس الفصام على لغة الفصامي؟
مع الفصام،تختل وظيفة اللغة،التي هي التواصل بين الناس،قليلاً أو كثيراً،حسب درجات الفصام وأنواعه.فتتعدد معانيها وتلتبس ألفاظها ويضطرب بناؤها ومحتواها.هذا الإختلال ملحوظ في الوثائق الأسطورية،الدينية والشعرية المتشابهة،القديمة والحديثة.يمتلك الطب النفسي وثيقة سريرية هي"مذكرات"لويي وولفسون:"السكيزو واللغات"،التي كتبها بالفرنسية شاب فصامي.روى فيها وولفسون كيف أنه،للإفلات من لغة"مضطهِدته""المتآمرة"مع أطباء مستشفى الأمراض العقلية على إدخاله إليه بين حين وآخر،أمه،اخترع طريقة لسانية في منتهى الإتقان،سمحت له بتغيير، بأقصى السرعة الممكنة،الإنجليزية،لغته الأم،لغة ـ أمه،إلى لغة أخرى،مؤلفة من كلمات فرنسية، ألمانية، عبرية أو روسية مساوية للإنجليزية من وجهة نظر المعنى والرنين.وقد نشرت"المذكرات" بتقديم الفيلسوف جيل دولوز. في دار جاليمار في السبعينات.أثار الكتاب ضجة فكرية وأدبية مازالت أصداؤها تتردد 3 عقود بعد نشره.في دراسة بعنوان"برج بابل"،كوصف للكتاب المتعدد اللغات،كتب ج.م.ج. كليزو، الألماني الحائز على جائزة نوبل لآداب:"إنها رواية محاكاة ساخرة على نحو مّا،تدمر نفسها في أشكالها الخاصة بها. تقسيمها كأبواب،طرائق السرد،الحوارات،الأشخاص، وحتى تأثير الأسلوب،نعثر في كتاب وولفسون على كل ما نعثر عليه في كتب فوكنر ودوستويفسكي.(1)(ملف وولفسون،أو قضية "اسكيزو واللغات"،ص 49 ،دار جاليمار 1974 ،باريس).
هذا الكتاب،الذي أهتم به لاكان،جدير بأن يصبح موضوعاً للمقارنة مع القرآن في رسائل جامعية، سواء في الجاماعات العالمية أو الجامعة التركية،الوحيدة اليوم في أرض الإسلام، التي تتمتع بحرية البحث العلمي والأدبي والفني.كذلك كانت الجامعة التونسية،من 1956 إلى 2010 ،قبل احتمال سقوطها تحت كابوس رقابة أقصى اليمين الإسلامي،عدو حرية التعبير والتفكير والبحث العلمي!.
لغة القرآن المؤلفة هي الأخرى من كثير من لغات عدة ـ فضلاً عن الكلمات الأجنبية،أو غير المعروفة أو غير المفهومة ـ كما أحصى ذلك أبو عبيد ابن المثنى في تفسيره، والسيوطي في "اتقانه" كما سبق التنوية بذلك.لا تختلف كثيراً عن لغة كتاب وولفسون.
نعثر في كتاب وولفسون،كما نعثر في القرآن على أعراض الخطاب الفصامي مثل الإقحام،والإهمال النحوي واللغوي وأيضاً وخصوصاً عن المتشابهات التي لا يعلم تأويلهن أحد.لذلك اشطرطت دار جاليمار على وولفسون القبول، بإعادة كتابة كتابه،مع المحافظة على جميع خصائصه اللغوية والأسلوبية، لكي يصبح قابلاً للقراءة بصعوبة أقل؛ ونعثر فيه أيضاً على شاعرية القرآن المكي.فكتاب وولفسون: "يراوح بين الواقع والحلم،بين نور الوعي الخافت والفانتازم ونور الواقع.مشهد لقاء الفصامي والقحبة مثال واضح على ذلك، كما كتب الطبيب النفسي بييار أولانيي.(2)ونلتقي فيه أيضاً بالتكرار،الذي نلتقي به في القرآن إذ أن ثلثه مكرر.يقول الطبيب النفسي مفسراً التكرار في كتاب وولفسون:"غالباً لا يستطيع وولفسون تذّكر نهاية الجملة، نظراً لأن حماسه أربكّه.وهكذا كان يعيد من جديد تكرار الجملة، كرسام يعيد رسم نفس اللوحة،حالماً بأن يتذكر هذه المرة باقي الجملة مرة واحدة كما بمعجزة(...)يكرر نفس الكلمات الأربع أو الخمس 30 أو 40 مرة.(3) كما حار مثقفوا قريش في تصنيف القرآن بين الشعر وسجع الكهان،لا يترك أيضاً كتاب وولفسون مجالاً لتصنيفه:"فهو كتاب ليس كالكتب الأخرى،هذا الكتاب ليس لا شعرياً ولا محاكاة علمية"(4).
ما كتبه هذا النفساني يذكرني بما كتبه طه حسين،بخصوص القرآن:"القرآن ليس نثراً وليس شعراً وإنما هو قرآن".فكما غّير القرآن الحقل الدلالي لكثير من الكلمات،غير"السكيزو"وولفسون الحقل الدلالي لكلمات كتابه.وكما أن القرآن مليء بالأخطاء النحوية والصرفية واللغوية كذلك كتاب وولفسون مليء بها!.
سنعالج في السطور التالية: الكلمات الأجنبية أو غير المفهومة؛إهمال النحو واللغة؛والإقحام؛ واضطراب النسق المنطقي.بما هن جميعاً أعراض للخطاب الفصامي كما يعرّفه الطب النفسي.
يعدد الطبيب النفسي سوسان أعراض الخطاب الفصامي:"اضطراب الفكر(...) فوضى التداعيات، اضطرابات الكلام،تشويه النطق،تشويه السيمانتيك[=اللغة والنحو والصرف]، الإنحراف بوظيفة اللغة، لي عنق النظام المنطقي(...)الفكر السحري(...)إهمال العمل(أبراجماتيزم)، إهمال النحو والصرف، ردود إنفعالية فظة(...)تدفق الخطاب،غموض الفكر(...)فكر تكراري،خيالي،ولا منطقي،التجريد،الرمزية، العقلانية السقيمة".(5)
الكلمات الأجنبية أو غير المفهومة:استشهاد الطبيب النفساني ينطبق على القرآن.وسأعطي عينات منه على ذلك:عينة عن استخدام الكلمات غير المفهومة في القرآن:"فلا أقسم بالخُنّس الجواري الكُنّس"(16،15 التكوير)يذكر السيوطي في تفسيرها بالمأثور:"عن علي ابن أبي طالب، فلا أقسم بالخنس:هي الكواكب تكنس بالليل وتخنس بالنهار،وعن ابن عباس الجواري الكنس هي البقر تكنس في الظل(...)وعن ابن عباس الخنس الظباء (...)سأل إبراهيم مجاهد:عن"فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس"قال مجاهد:لا أدري.قال إبراهيم ولماذا لا تدري؟:قال:إنكم تقولون عن علي أنها النجوم.فقال:كذبوا.قال مجاهد:هي بقر الوحش(...)وعن المزي:هي النجوم الدراري التي تجري وتستقبل المشرق(...)وعن الحسن:الجواري الكنس:البقر.أما عمر ابن الخطاب فرفض الإجابة عنها وضرب السائل بعصاه حتى سقطت عمامته وشتمه"(تفسير السيوطي).
وهذه عيّنة ثانية عن استخدام الكلمات غير المفهومة أو الأجنبية فيه:" وحدائق غلبا وفاكهة وأبا"(30 عبس)، حدائق غلبا:قال ابن عباس:طوال.و"أبا"قال :الثمار الرطبة،عن مجاهد "أبا":ما أكلت الأنعام؛وعن عكرمه "غلباً" :غلاظ(...)عن ابن عباس أيضاً"غلباً":شجر في الجنة يُستظل به.وسُئل عنها أبا بكر فقال:"أي سماء تُظلني وأي أرض تُقلّني،إذا قلت في كلام الله بما لا أعلم.قرأ الخليفة عمر ابن الخطاب وهو يخطب على المنبر إلى قوله"وأباً".فقال:"كل هذا عرفناه،فما الأب؟ثم رفع عصا كانت في يده فقال:"هذا لعمرو الله هو التكلف.فما عليك أن تدري ما الأب،اتبعوا ما بُيّن لكم هداه في الكتاب، فاعملوا به.وما لم تعرفوه فِكلوه إلى ربه"(انظر تفسير السيوطي للآية). حقاً لقد أصاب أمير المؤمنين عمر عندما وصف استخدام"الأب"في الآية بـ"التكلّفُ"[بريسيوزِتِ].وهو عرض للفصام كما يقول الطبيب النفسي سوسان ص 154 ، مصدر سبق ذكره.أما نصيحته للمؤمنين :"ما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربه"،هو تفسير للآيات المتشابهات:"وما يعلم تأويلهن إلا الله والراسخون في العلم"؛في نظر عمر"الواو"في "والمتشابهات"استئنافية وليست عاطفة؛فكل ما لم يفهمه المؤمن من القرآن"يكِله إلى ربه"!الذي أنزل إلى عباده قرآناً لا يفهمونه!
يبدو أن" الأب"كلمة سريانية تعني العشب.كل هذا يعيد إلى ذاكرتنا مرة أخرة قول السيوطي في "الإتقان":"لكل آية 60 ألف معنى".إذن بلا معنى.
الصحابة،حتى السواعد اليمنى منهم للنبي،مثل علي وأبو بكر وعمر لا يفهمون القرآن،أو تتابين أفهامهم.والحال أن القرآن نزل لهم، وأحياناً كثيرة بطلبهم، وبلسانهم"العربي المبين".وهذه عينة: "الخنس والجواري الكنس":"عند علي ابن أبي طالب،سكرتير الوحي الأول،هن"الكواكب"وعند ابن عباس، "حبر هذه الأمة"كما سماه النبي،:"البقر".أما عمر فرفض الإجابة،وضرب السائل كعادته...و أبو بكر يقول عن آية "حدائق غُلبا"(...)وأبا":"لا أقول في كلام الله بما لا أعلم"؛وابن عباس يفسر "غلبا": شجر يُستظل به في الجنة؛أما عكرمة فيقول"أشجار غلاظ". وعن "أبا" يقول مجاهد :هو ما أكلت منه الأنعام.أما عمر ابن الخطاب فاستشاط منها غضباً لأنه لم يفهمها،وشخصها بدقة طبيب نفسي معاصر،بأنها "تكلّف" الذي هو من أعراض الخطاب الفصامي؛تماماً كما شخصه الطبيب النفسي سوسان في كتابه:"الطب النفسي طبعة 2001 ـ 2002 ص 54 ".
هذا القرآن"المتكلف"،المتشابه،المتعدد المعنى وغير المفهوم،شأن الهذيان الذي ينتجه دماغ معطوب،جعل منه أقصى اليمين الإسلامي التقليدي مثل زغلول النجار وموريس بيكاي،والسياسي مثل الزنداني وغيره من دعاة الفضائيات،ينبوعاً لا ينضب له معين للطب،والفلك الفيزيائي،وعلم الإقتصاد، وعلم السياسة،وصناعة القرار والتشريع وحقوق الإنسان المسلم...إلخ.
الأخطاء اللغوية: القرآن لغة جديدة على لغة قريش.لذلك حاروا في تصنيفه:صنفوه مرة في خانة السحر،لوجود الكلمات غير المفهومة وبدايات السور الملغزة مثلا"كهيعيص"...والتي يستخدمها السحرة في رُقاهم وتمائمهم؛رد عليهم محمد:"(...)لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين"(7 الأنعام)؛ومرة في خانة الكهانة ،لوجود السجع فيه؛ومرة أخرى في خانة الجنون،لوجود الهذيان فيه؛رد عليهم نبي الإسلام : "فما انت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون"(29 الطور)؛وصنفوه مرة رابعة في خانة الشعر،نظراً لوجود نفحة شاعرية في القرآن المكي. فرد عليهم نبي الإسلام:"وما علمناه الشعر وما ينبغي له،إن هو إلا ذكر وقرآن مبين"(يس)؛ولمزيد الرد عليهم،لأن التهمة كما يبدو أصابت محمد في الصميم،هجا الشعراء خاصة في سورة الشعراء،وقتل بعض من هجوه منهم.
نقل نبي الإسلام، آية أنجيلية أخطأ الناسخ في كتابتها، بخطئها.الأية القرآنية هي:"إن الذين كفروا بآياتنا(...) لا تُفتح لهم أبواب السماء؛ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط"(40 الأعراف). هذه الاية محاكاة لآية الإنجيل:"من الصعب على الجمل أن يدخل في خرم الإبرة(...)" المقصود في هذه الحالة ليس الجمل بل الحبل الذي تُربط به السفن في مراسيها.فتّش المستشرق د.استيفن ألف منشط موقع "المصلح" http://www.almuslih.net الذي يترجم المصلحين في العالم العربي إلى الإنجليزية. فكانت نتيجة بحثه الفقرة التالية:" بان البطريق سيريل الإسكندراني (القرن الخامس م) تفطّن إلى أن "الجمل" في آية الإنجيل معناه الحبل (كاميلوس) وليس الجمل (كاملوس) كما كتب مؤلفي الأناجيل لكلمات المسيح".وهكذا فإن الخطأ لم يكن في الأصل الآرامي، الذي هو لغة الإنجيل،بل مصدر الخطأ هو الترجمة من الآرمية إلى اليونانية.وهكذا يبدو أن الترجمة التي استعار منها القرآن الآية،لم تكن من الآرمية إلى العربية،بل كانت من اليونانية إلى العربية.لذلك أعادت انتاج خطأ الترجمة اليونانية التي خلطت بين الحبل في الآرمية"جملا"والجمل في اليونانية. لغة الفصام هي دائماً جديدة؛"كآبة باريس"،أسس بها بودلير قصيدة"النثر".
اللامبالاة بالقواعد النحوية والصرفية واللغوية السائدة،هي عرض للفصام كما يشخصها الطب النفسي."إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون(...)"(29 المائدة)،اسم لإن، رفعه نبي الإسلام بدل نصبه،والحال أنه نصبه في آيتين أخريتين جرياً على القاعدة؛"ولا ينال عهدي الظالمين"(124 البقرة) بدل "الظالمون"بما هو فاعل؛"إن هذان خصمان اختصموا(...)"(19 الحج)؛والحال أن قواعد النحو تتطلب ليس الجمع بل المثنى"إختصما"؛"وخضتم كالذي خاضوا"(التوبة 69)،والحال أن المطلوب نحوياً:وخضتم كالذين خاضوا؛والأمثلة عن الأخطاء النحوية عديدة.المطلوب ليس إحصاء الإخطاء،بل معرفة مدلولها النفسي.
نلتقي أيضاً في القرآن بتشويه بعض الألفاظ بما هو عرض للفصام كما يقول الطب النفسي:مثلاً استخدم القرآن "سيناء"جرياً على القاعدة في آية:"وشجرة تخرج من طور سيناء"(85 الأنبياء). لكنه شوه الكلمة إلى سنين في آية:"وطور سينين"(62 والتين)،لضرورة السجع.وللسجع أحكامه:قيل أن والياً كان لا يتكلم إلا سجعاً؛استقبل ذات يوم قاضي قُم.في نهاية الجلسة قال له لتوديعه:أيها القاضي بقُم... ثم توقف فقد خانته السجعة. و أخيراً لم يجد إلا:قد عزلناك فقم.قال له القاضي:والله يا سيدي ما عزلتني إلا القافية!.
اتخذ المفسرون من أخطاء القرآن اللغوية موقفين:موقف تناسيها وعدم الإشارة إليها كالسيوطي،أو موقف تبريرها،نظراً لأن كلام الله معصوم من الخطأ،كما فعل الزمخشري...لكن سيدة جامعية مصرية خفيفة الظل بررتها تبريراً ذكياً ويساعدنا على إصلاح اللغة العربية:"ربنا أراد أن يقول لنا،من خلال الأخطاء النحوية،أن النحو ليس مقدس".
نعم،من دون إلغاء الإعراب،أي تغيير أواخر الكلمة،بالوقوف على السكون،كما طالب أحمد أمين في "فيض الخاطر"،ومن دون المنع من الصرف لجميع الأسماء وليس فقط على بعضها مثل ما جاء على وزن فعلان،كعدنان وحسان،أو على وزن مفاعل،كمساجد وكنائس،او الأسماء الأعجمية،ومن دون تبني المعجم الإصطلاحي،العلمي والتكنولوجي،كما فعلت العبرية والتركية والفارسية،فإن العربية ستبقى لغة القرآن حصراً،على مسافة سنوات ضوئية من لغة العلم والتكنولوجيا.
"في القرآن كلمات لم يكن لها معنى.لكن المسلمين أضفوا عليها معاني لم تكن فيها" الطبيب ابو بكر محمد الرازي
غريب القرآن:"معجم غريب القرآن:مستخرجاً من صحيح البخاري"تأليف (محمد فؤاد عبد الباقي،دار الحديث،1950 )،أحصى آلاف الكلمات الغريبة عن اللغة التي كانت متداولة في مكة،زمان تأليف القرآن. كما يحتوي القرآن على كلمات غير مفهومة كثيرة،مثل كهيعيص،ألم،ن،ق،ص،طسم،غسلين،زقوّم... إلخ،مثل هذه الكلمات التي لا معنى لها منشرة أيضاً في الخطاب السحري بما هو خطاب فصامي. هذه الكلمات غير المفهومات هن عرض للخطاب الفصامي،الذي أشار إليه الطبيب سوسان قبل قليل، كما أن السجع في القرآن ليس مجرد تقليد لسجع الكهان وإنما هو حالة نفسية يمليها طور الإهتياج، في الذهان الإهتياجي الإكتئابي،فيغدو الأسلوب محموماً يتدفق كشلال، والكلمات منغّمة ومسجوعة، تماشياً مع حالة الباث النفسية،التي لم تعد قادرة على الكلام الهاذي إلا بتداعي السجع والقوافي.
لكن المفسرين،الذين كانوا يجهلون طبعاً التشخيص الطبي النفسي للخطاب الفصامي،حاولوا العثور على معنى لما لا معنى له! ذهب البعض إلى انها كلمات سريانية،وذهب البعض الآخر إلى أنها من أسماء الله الحسنى،مثل كهيعص،وروا في ذلك احاديث"صحيحة":ك،كافي،هـ،هادي،ع،عالم،ص،صادق.وفي رواية أخرى الكاف من الملك،والهاء من الله،والعين من العزيز،والصاد من الصمد؛وعن قتادة:"هن من أسماء الله والله أعلم"(انظر السيوطي في تفسير كهيعص).
وهي بالطبع لا معنى لها،إلا كعرض لمرض الهذيان الفصامي.لعل الطبيب أبو بكر الرازي(864 ـ 923 م)، هو الوحيد الذي تنبه،منذ 10قرون،إلى وجود الهذيان في القرآن.لكن التعصب الديني أباد كتبه. النتف التي وصلتنا منها كانت عن طريق خصومه،الذين استشهدوا به،كملحد.ظناً منهم أن ذلك سيكون موتاً ثانياً له!.
يقول الطبيب النفساني ميشيل مارشي ِ:"الهذيان يعبر عن نفسه في لغة تجريدية رمزية من الصعب النفاذ إليها.فهي لغة متشابهة وغير متماسكة،تعتمد على نمط التفكير السحري.وبما هي هذيان وتعبير عن الفكر السحري،فهي خارج النظام المنطقي.مبدأ السببية لا حتمية له في الفكر السحري كما في الخطاب الفصامي.التفكير الفصامي هو تفكير ما قبل منطقي،برِلوجيك،وسحري تسيطر فيه الرغبة على المنطق؛وهو خطاب يتغذى من التجريدات".
في الفصامي،يتصارع شخصان متضادان،عالمان لا يلتقيان،أفكار وتخييلات متنافرة.من هنا جاء إلالتياث والتشابه،والمعنى المزدوج السائدة جميعاً في النص القرآني.
يُشخّص الطب النفسي"الفكر السحري والعقلانية السقيمة بما هما من خصائص الخطاب الفصامي". الفكر السحري هو نواة القرآن الصلبة:"فإذا قضى أمراً،فإنما يقول له:كن فيكون".(117،البقرة)؛العقلانية السقيمة:العقلانية هي تطابق الفكر والسلوك مع قوانين العقل؛العقلانية السقيمة هي التي لا تعطي العقلي المكانة التي يستحقها في الدين.بل تساوي بين الخير والشر:"(...)وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم،وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم؛والله يعلم وأنتم لا تعلمون"(216 البقرة).حرية التمييز بين الخير والشر صُودرت من الإنسان،الذي أصبح مجرد آلة صماء رهن مشيئة الله أو بالأحرى مشيئة نبيه! مثال آخر عن هذه العقلانية السقيمة:"وما قطعتم من ليّنة[=نخلة]أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله"(5،الحشر).عندما أمر محمد بقطع نخيل بني قريظة،اعترض بعض الصحابة على قراره،لأنهم كانوا يعرفون أن النخيل سيعود إليهم.قبل إعتراضهم واستنزلت هلوساته هذه الآية العقلانية السقيمة:إذا طبقتم أمري وقطعتم النخيل،فذلك خير لأنه بإذن الله؛وإذا رفضتموه وتركتم النخيل قائمة على أصولها فذلك أيضاً خير لأنه بإذن الله.الخير والشر عند الله سواء، طالما كان ذلك بإذنه! والحال أنه في غياب التمييز بين الخير والشر تستحيل الحياة في المجتمع.
آيات التخيير والتسيير هي أيضاً تجسيد للعقلانية السقيمة في القرآن:تقرر آيات التخيير ان الإنسان هو الذي يخلق أفعاله،من خير أو شر،لذلك يُحاسب عليها يوم الحساب؛أما آيات التيسير فتقول إن الإنسان:مُسيّر من الله ولا خيار له فيما يفعل،ومع ذلك فهو مسؤول عنها،أي مسؤول عن أفعال لم يرتكبها باختياره بل كان مدفوعاً إليها بقضاء الله وقدره.
هذه الايات قسّمت المتكلمين المسلمين إلى حزبين:حزب المعتزلة،الذي تمسك بالآيات الأولى وحاول تأويل آيات التسيير لصالح آيات التخيير،لأن الله عندهم عادل،ولا يجوز عليه أن يقدر على عباده الشر ويحاسبهم عليه.وتمسك حزب السنة بآيات التسيير،محتجاً بان الله يعمل في عباده ما يشاء؛ أي أن الله يقدر الشر على الإنسان ويحاسبه عليه! لخص السنة عقيدتهم في افوريزم:"إن يُثبنْ، فبمحض الفضل،وإنْ يُعذبنا،فبمحض العدل"!
من الضروري الإشارة إلى وجود لعب بالكلمات والسجع لا يجوز تصنيفهما في الهذيان.لأن المتلاعب بالكلمات أو الساجع يعي تماماً ما يفعل،ويفرّق بين"لعبة هذيانه"والواقع الموضوعي،كما يفعل مثلاً كتاب قصص الأطفال الخيالية،ورائدهم في العالم العربي، الملحد كامل كيلاني.أما في الهذيان الذهاني،فالمريض لا يعي بأنه يهذي.هذا هو الفرق بين الأنواع الأدبية السليمة وأنواع الهذيانات الدينية والدنيوية السقيمة.
في القرآن،كما رأينا،كلمات غريبة،غير مفهومة أو مُولّدَة،نيولوجيزم،:مثل"طور سنين".التوليد أو النيولوجيزم السقيم، هو كلام جديد غريب أوجده، ـ للدقة فُرض على ـ المريض،بواسطة تشويه كلمة، أو تعويضها بأخرى،أو قلب حروفها.هذا النيولوجيزم الهاذي لا علاقة له بالنيولوجيزم العلمي، الذي بُني لإتمام لغة علمية أو تكنولوجية، من أجل تحسين التبادل في وسط ما،علمي أو تكنولوجي أو مهني.
في النيولوجيزم العلمي، غاية التبادل أي التواصل هي الباعث على توليد الكلمات والمصطلحات الجديدة.أما في النيولوجيزم الهاذي فهذه الغاية غائبة.
اللغة المنشودة،التي تتحدث عنها الفلسفة النيوليتيك،أي التحليلية الأنجلوسكسونية،هي من نوع اللغة العلمية المغيّأة بالتبادل.وهي لغة لم توجد بعد.الفلاسفة النيوليتيك يطمحون لإيجاد كلمات، بدقة المصطلح الرياضي،تغطي معناها بالضبط، من دون مترادفات، ولا تورية ولا مجاز.بقصد الإفلات من اللغة السائدة،حمّالة الأوجه،التي تسمح بتأويلات لا نهاية لها.تحمل أحياناً المعنى ونصف المعنى وضد المعنى.وهو ما أسماه اللغويون أسماء الأضاد؛ مثلاً العلوش في لسان العرب هو في الوقت نفسه اسم للخروف واسم لضده الذئب.
أفترض أن هذه اللغة الفصامية،ورثناها عن أسلافنا البدائيين،الذين كانوا مازالوا في طور الفكر السحري،الذي يطلب من الواقع إعطاءه نتائج مخالفة لقوانينه،والفكر السحري عرض من أعراض الفصام.وهو أعدل الأشياء قسمة بين النصوص الدينية وخاصة القرآن.تماماً مثل العقلانية السقيمة.
الإقحام: الإقحام هو إقحام جملة خارج سياقها أو خارج حقلها الدلالي،هو أحد أعراض اللغة الفصامية، مثلاً: "سبحان الذي اسرى بعيده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"(1،الإسراء)،هذه الآية اليتيمة لا علاقة لها بالسورة التي ُسميت بإسمها، والتي،بين مواضيع أخرى، تتحدث عن بني إسرائيل!فهي إذن آية مقحمة.فاعل الإقحام هو نبي الإسلام نفسه،وليست لجنة جمع القرآن كما ظن مترجم القرآن بلاشير. وللتوضيح، للقارئ الفرنسي،أعطى بلاشير لسورة الإسراء عنواناً فرعياً هو "سورة بني إسرائيل"؛كذلك آية يونس اليتيمة،في سورة يونس مقحمة، ولا علاقة لها بسورته!؛ذُكر يونس،كل مرة مرة واحدة،في سورتين (النساء163)، و(الأنعام 86). وفي الصافات ذكر 8 مرات من 182 آية،متعددة المواضيع؛والنحل،لم يُذكر في سورة النحل إلا مرتين من 128 آية .القرآن كله كولاج، أي خليط من الآيات التي لا رابط منطقياً ولا حتى سياقياً بينها كما هو الهذيان.
وظيفة اللغة هي عادة التواصل.لكن قد يحدث أن تختل هذه الوظيفة،نتيجة لإختلال الدماغ المنتج لها.إضطراب الدماغ ينعكس في اضطراب التفكير،الذي ينعكس بدوره في إضطراب التعبير. وهذا ما يجعله عاجزاً،جزئياً أو كلياً،عن الوفاء بمهمة التواصل.وهذا ما حدث للغة القرآن،المتشابهة في كثير منها،أي الغامضة والملتبثة والمتناقضة.تجلى ذلك خاصة في الآيات المتشابهات،اللواتي لا يعرف :"تأويلهن إلا الله"كما تقول الآية.
مراجع لغة القرآن الفصامية
1 ـ ملف وولفسون أو قضية اسكيزو واللغات،ص 49 ، جاليمار 1974 ،باريس. 2 ـ بييار أولانيي،ص 75 مصدر سبق ذكره. 3 ـ نفس المصدر ص 3 . 4 ـ نفس المصدر ص 87. 5 ـ سوسان ص 154 مصدر سبق ذكره.
3 ـ هذيان المتشابهات
"أنا الجرح والسكين / أنا اللطمة والخد أنا العضو والعجلة / والضحية والجلاد بودلير:ديون أزهار الشر" "الطب النفسي،ص 153،مصدر سابق"
********* الخطاب القرآني هو ترجمة لمشاعر وهلاوس وهذيانات نبي الإسلام.يعكس إضطرابات شخصيته النفسية وازدواجية مشاعرها المتناقضة في شتى حقول التعبير،التي تتميز بالتفكك والتناقض والتشابه،الذي يجعل النص القرآني مغلقاً عن الفهم،الآية التي اعترفت بوجود التشابه،والتي أسست له،في القرآن:"وهو الذي أنزل إليك الكتاب، منه آيات محكمات هن أم الكتاب؛وُأخر متشابهات.فأما الذين في قلوبهم زيغ، فيتبعون ما تشابه منه:إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله؛وما يعلم تأويله إلا الله.والراسخون في العالم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا(...)"(7،آل عمران).
هذه الآية المؤسسة للآيات المتشابهات والمعترفة بها،هي نفسها متشابهة:من قرأوا "الواو "في" والراسخون في العلم"عاطفة جعلوا العلماء مشاركين لله في تأويل الآيات المتشابهات.أما من قرأوا "الواو"اسئنافية لجملة جديدة،فجعلوا الله وحده مختصاً بتأويل آياته المتشابهات.القراءة الأولى التي جعلت"الراسخون في العلم"شركاء في التأويل،تقدم مخرجاً من مأزق الآيات المتشابهات؛لكنها لغوياً لا تستقيم؛الآية لا تسقيم لغوياً إلا إذا جعلنا الواو اسئنافية،أي أن"الراسخون في العلم"يعترفون بأن المحكمات والمتشابهات كلهن من عند الله،وليس من عند محمد، كما زعم خصومه.لكن هذه القراءة السليمة لغوياً سقيمة منطقياً؛إذا كان الله هو الوحيد المختص بتأويل المتشابهات،فلن يعلمها المسلمون قط.لأنهم لا يشاركون الله في علمه، وبعد محمد انقطع خبر السماء!.لكن القرآن لا ينقصه التناقض كما رأينا.
الآيات المحكمات حصرها السيوطي في"الإتقان"،في آيات الأحكام الشرعية.هذه الأخيرة تتراوح بين 600 و 500 آية نُسخت منها 120 آية فتبقى أقل من 500 آية محكمة،والحال أن القرآن يشتمل على 6236 آية،أي تبقى أكثر من 5700 آية"لا يعلم تأويلهن إلا الله"وحده. وهن،كما قيل،آيات القصص والرموز،اللواتي اتخذهن المتصوفة ينبوعاً لإلهامهم الصوفي.
كيف يمكن تفسير انتاج نبي الإسلام لآيات محكمات واخرى متشابهات؟
النواة العامة لشكيزوفرينيا أو الفصام هي انشطار الفكر أو الوحدة النفسية إلى شطرين سليم وسقيم؛في مجالات ولحظات يسيطر الشطر السليم،فيكون سلوك الفصامي سوياً، ويكون خطابه قابلاً للفهم إلى حد كبير على الأقل.وهنا يتم انتاج الآيات المحكمات،المتعلقات بالأحكام أي بالحياة اليومية،بالإيحاء من الآخرين أو بالإيحاء الذاتي،أي عندما يرغب نبي الإسلام في حضور الهلاووس للرد على استفتاء أو على موقف آني؛لكن في حالات اخرى يسيطر الشطر السقيم على الشطر السليم،فيتم انتاج الآيات المتشابهات بأقصى درجات الهذيان.فتكون غير قابلة للفهم من العقل البشري،أي يتكفل العقل الإلهي وحده يفهمها:أي لا أحد !.
في مكة،كان نبي الإسلام خاضعاً لضغوط نفسية هائلة ولكبت متفجر لغرائزه وميوله الجنسية والعدوانية،التي ستنطلق من عقالها في المدينة،ليس فقط من مثقفي قريش بل ومن عائلته أيضا،التي لم تصدقه كنبي، وبعد موت عمه،أبو طالب،اضطهدته بقيادة عمه الآخر،أبو لهب،الذي كان يطارده باستمرار ليقول لمن يحاول النبي ضمهم إلى دينه:لا تصدقوه"إنه مجنون".هذا المناخ المتوتر كان مناسباً لتواتر نوبات الهذيان والهلاوس،ربما الحادة،التي تفرض نفسها، الملائمة لإنتاج الآيات المتشابهات بالهذيانات والهلاووس.ومعروف أن أعراض الفصام درجات متفاوتة،تتراوح بين حدود دنيا ومتوسطة وقصوى.عند محمد تراوح هذا الحد بدرجات متفاوتة حسب موضوع الهلاووس والإنفعالات والمواقف الآنية التي وجد نفسه فيها.
أما في المدينة،فقد تغير حاله من النقيض إلى النقيض،فلم يعد موضوع هُزء،من عائلته ولا من خصومه القرشيين،الذين كان شديد الحساسية لكل ما يقولونه عنه، فيسجله في القرآن بكل أمانة: "وإن رأوك أن يتخذوك إلا هُزء"(36،الأنبياء).سخرية المنافقين منه في المدينة، لم تدم طويلاً،ولكن يواجهها من موقف قوة؛وكانوا هم في موقف ضعف ودفاع.فقد غدا منذ الآن نبياً معروفاً ومعترفاً به ويرأس أمة ونواة فيدرالية قبلية، ستتحول شيئاً فشيئاً إلى إمبراطورية، فأرخى العنان لجميع مكبوتاته في مكة.فشعر لأول مرة بالثقة في النفس، فلم تعاوده الشكوك في رسالته التوحيدية الخالصة، مثلما كانت تنقض عليه بين حين وآخر في مكة، حتى أنه تمنى"إفتراء "قرآن آخر ليصالح به الشرك القرشي مع التوحيد اليهودي ـ المحمدي، ولا حاول الانتحار كما في مكة.قد يكون هذا هو ما يفسر تناقص حالات وحِدّة الهذيان المنتجة للآيات.في مكة أنتج 4663 آية تحت تأثير بُرحاء الوحي،أي الهذيانات والهلاووس الحادة.أما في المدينة،وفي فترة زمنية تقريباً مماثلة، فلم ينتج إلا 1573 آية،أي تناقص معدل انتاج الآيات،تحت نوبات الهذيان الأليمة،بنسبة الثلث تقريباً.
فما هي الكيفية التي كان محمد ينتج بها الآيات المتشابهات والآيات المحكمات؟ رأينا في هلوسات الكلمات السمعية اللفظية أن" الإيقاع متواتر جداً في الهلاوس السمعية المنغّمة والمسجوعة".
في الوحي،تبدو الهذيانات والهلاوس وكأنهن يقتحمن وعي النبي اقتحاماً لا حيلة له فيه. الوحي، في حقيقته العلمية،هو عملية كيميائية من صنع المخ المريض لا دخل للوعي فيه.النبي،هنا هو في حالة الشاعر،الذي يأتيه المخاض فيلد القصيدة في حالة انخطاف،فيما بين النوم واليقظة؛في أونريزم أو أضغاث الأحلام أو الحلم الهاذي، كالشاعر تماماً.لذلك كان معظم الأنبياء شعراء أيضاً.كما رأينا في حالة أنبياء إسرائيل وأنبياء عشار مثلاً.
في هذه الحالة النفسية المهتاجه والهاذية،يتم انتاج الآيات المتشابهات،اللواتي لا يعلم تأويلهن إلا الله.لإفتقادهن للروابط المنطقية و للمعنى .فعندما يصبح للآية 60 ألف معنى،كما يقول السيوطي في "الإتقان"،فمعنى ذلك أنه لا معنى لها.
االآيات المتشابهات،أي معظم القرآن،هن من انتاج الإيحاء الذاتي القهري،أي الهلوسة التي تأتي على غير انتظار،الصادر عن اختلال الفص الصدغي الأيمن،الذي أصيب، كما في حالات الصرع،كما تقول علوم الأعصاب؛فكرة الله نفسه هي من صنع هذا المختبر الهائل القائم في دماغ كل منا.في الإيحاء الذاتي القهري،النبي أو الشاعر هما في حالة الحُبلى التي يأتيها المخاض بغتة،فلا تستطيع إلا أن تضع.
هنا نلتقي بالنفحة الشاعرية في القرآن المكي،الذي قال عنه نزار قباني محقاً أنه"شعر الله"(انظر مقاله"الله الشاعر في القرآن"،مجلة الآداب 1954 على ما أذكر)،ومن الآيات اللواتي استشهد بهن في مقاله من سورة مريم:"وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا،فكلي واشربي وقري عيناً،فإما ترين من البشر أحداً فقولي:إني نذرت للرحمن صوماً،فلن أكلم اليوم أنسيا"(مريم)
كما نلتقي أيضاً في القرآن المكي بالأسلوب المحموم"الموقّع والمنغّم والمسجوع":"والعاديات ضبحا، فالموريات قدحاً،فالمغيرات صبحاً(...)"(سورة العاديات).ومعظم القرآن المكي هو من هذا الطراز.
الآيات المكية هن غالباً تداعيات للإيقاعات، والسجع،والخواطر والتخييلات الهاذية التي لا رابط منطقي بينها.المتشابهات،شأن الهذيان المبهم،تتسلسل بلا رابط منطقي بينهن؛تتوالى موضوعاتها بلا منطق بينهن،لذلك كان من الصعب النفاذ إلى معناهن؛إن كان لهن معنى!.
فكيف يتم انتاج الآيات البينات،آيات التشريع،اللواتي يرتجلهن نبي الإسلام إجابة عن سؤال أو للخروج من المواقف المحرجة؟
رأينا في فقرة الهلاوس:"أن الهلاوس يمكن أن يبحث عنهن المريض بنفسه"،أي بوعي للإجابة عن سؤال،لتقديم فتوى مثلاً:"ويستفتونك في النساء فقل:الله يُفتيكم فيهن(...)"(129 النساء)؛أو للخروج من مأزق،مثل مأزق مارية وحفصة أو في مأزق"حديث الإفك"حيث واجه نبي الإسلام إحراجاً نادراً:تطليق عائشه بالزنا او الإحتفاظ بها كزانية؟.في حديث" الإفك"،اتهم بعض الصحابة بمن فيهم أحب أصحابه إليه، علي ابن أبي طالب،عائشة بالزنا مع الشاب والشاعر صفوان بن المعطر؛عاش محمد طوال أيام وربما أسابيع وهو في صراع نفسي مرير، بين رغبته في الإحتفاظ بأحب زوجاته إليه، البكر الوحيدة التي تزوجها،عائشة،وبين رغبته في تطبيق شريعته . أخيراً تغلب الشطر السليم على الشطر السقيم من نفسيته،فاستنزلت رغبته لتبرئتها آية ـ حديث الإفك:"إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم،لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم.لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم.والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم"(11،النور).الآية،حديث عادي لا إلهام فيه ولا شعر ولا حتى الأسلوب المحموم... وهكذا ضحى نبي الإسلام بشريعته من أجل حبه.وحسناً فعل. والحق مع المعري: "إذا رجع اللبيب إلى حجاه[=عقله] /تهاون بالشرائع وازدراها".
في الهلاوس،اللواتي جئن حسب طلب المهلوس،الهذيانات لا يخلعن باب وعي المهلوس،أي النبي لا بإلهام شعري ولا بأسلوب محموم. فرغبته، هي التي استحضرتهن لتنتج بهن كلاما يوميا، في مشاكل الحياة اليومية،التي يدبرها الجزء السليم من نفسية محمد بشكل عادي او يكاد. غير منغّم،غير موقّع وغير مسجوع.لهذا السبب نلتقي في القرآن ـ الحديث المدني بالجمل الطويلة الرتيبة،والخيال المكدود وحتى بالسجع،إذا وجد،فهو سجع ركيك ومضجر،إلا نادراً كما في سورة الرحمان مثلاً.آيات الأحكام الشرعية نموذجاً.إقرأ مثلاً لا حصراً سورة النور:"سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا، وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ؛ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا. وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ، فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ: أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ،(6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ؛(7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، (8) وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (9)(النور). بإمكان أي كان من عرب مكة والمدينة، أن يملي هذه المواد الشرعية بلا أدنى عناء.
هاذا الأسلوب الفقهي الرتيب،هو من انتاج الهلاوس،التي إستُحضرت من المهلوس لتشريع عقوبات بدنية مرعبة.فضلاً عن أن هذا النداء لعدم الرأفة والرحمة من"نبي الرحمة"،يجعل القارئ يشعر بالقشعريرة بين الكتفين!.
القرآن المدني، في معظمه،افتقد"سحرالبيان" المبثوث في معظم القرآن المكي.كما افتقد اللاعنف الفعلي على الأقل.لأن العنف الرمزي،في القرآن المكي، مثل التهديد بنهاية العالم أو التعذيب الفظيع لسكان جهنم، هو عنف رمزي ونفسي لا يطاق.
أفترض أن معظم القرآن المدني أحاديث عادية،في قضايا الحياة اليومية.خارج الهذيانات والهلاوس الحقيقية منهن والزائفة. ونعرف الآن من قطعة مصحف أبي ابن كعب،900 آية،أن الحديث والقرآن بقيا مختلطين،حتى إصدار نسخة جمع القرآن،التي فصلت بين ما قررت أنه قرآن وما قررت أنه حديث.
تدخلت بعض دول الخليج لمنع طبع وحتى تداول هذه القطعة من مصحف أبي بين الباحثين.لكن لحسن حظ الإسلام،الذي ينتظر الإصلاح الضروري وربما المحتوم،توجد منها الآن عدة نسخ عند الإخصائيين في القرآنيات، منهم 3 مسلمين.قيل أن أحدهم حققها وقدم لها وأودعها بدار نشر أوربية للنشر بعد موته.
حالة نبي الإسلام مع الوحي،كحالة المتنبي مثلاً مع الإلهام الشعري:قصائده،التي فرضت نفسها عليه شعر خالص.أما القصائد، التي فرضها على نفسه تحت ضغط المناسبات فتفتقد الشاعرية. وهذه حالة القرآن المكي فهو شعر غير منظم؛ أما المدني فـ"قصيدة نثر"،تفتقد شاعرية الشعر وتفتقد تماسك النثر.فضلاً عن سوء محتواها الشرعي،القتالي،الجهادي والهجائي أحياناً!
كثيرون هم الفنانون،والشعراء والروائيون ،الذين عانوا الأمرين من المعضلة التي طرحها عليهم استخدام الكلمات المتداولة، للتعبير عن معيش نفسي سديمي.وهكذا فقد يحدث أن لا يكون التعبير عنه إلا متشابهاً،مبهماً،متناقضاً ينطوي على الشيء ونقيضه الوجداني:ودّ وصدّ ،حب وحرب،ميتوس و لوجوس، ايروس وثاناطوس. إيروس، رمز غرائز الحياة؛ثاناطوس،رمز غريزة الموت.وهذا ما جعل الإنتاج الذهاني عند كبار الشعراء والفنانين،الذين كانوا في الوقت نفسه فصاميين كبارا،متشابهاً،كما هو عندإدجار آلان بو، فوكنر،بودلير... اراجون نشر ديوان شعر،من ألفه إلى يائه،هذيان مطبق:بيش، تبيش،إش،أشي...إلخ. وقد علق عليه لويس عوض قائلاً:إن هذا الديوان حير النقاد! وحار النقاد في تونس من تعبيرات هاذية جاءت في رواية السّد للمسعدي:"هلهبه،هلهبه،ُصٌبّحت صهبّه،إني أنا الخالقة الربة..."لم يفكر أحد منهم في إنها هذيان متشابه لا يُفهم رأسه من ذنبه!
لغة الفصام لغة جديدة،ليست مرصودة لتكون لغة تداول للمألوف،ولا حتى للقابل للإدراك من العواطف والأفكار.
الانتاج الديني والأدبي المتشابه،والمتناقض وجدانياً،يضع قارئه في مأزق،يجعله عاجزاً عن التركيز، وأقل من ذلك عن لقط رأس خيط يقوده إلى معنى مّا للنص.
#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهذيان الفصامي: 1 هذيان النسيان
-
الهذيان الإهتياجي الإكتئابي وهذيان نهاية العالم
-
نداء الى تحالف عسكري تونسي جزائري ضد الإرهاب
-
هذيان الشعور بالذنب
-
هذيان التأثير والمس الدينيين
-
ما هذيان الهلاوس؟
-
ما الهذيان؟
-
ما النبوة وما الأنبياء؟
-
طفولة محمد
-
من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ - مقدّمة
-
شهادة تأريخية : نقد الدين - نقد الديكتاتوربة الحزبية - نقد ت
...
-
محمد: من شاعر ونبي في مكة إلى مشرّع ومحارب في المدينة
-
الحلقة الثالثة: هل تحديث العربية ممكن؟
-
الحلقة الثانية: لا علوم بدون مصطلحات - هل إصلاح العربية ضرور
...
-
الحلقة الأولى: هل إصلاح العربية ضروري وممكن؟
-
بورقيبة لم يقتل ابني،بن علي لم يقتل ابني وراشد الغنوشي قتله
-
8 من التربية الجنسية الدينية إلى التربية الجنسية العلمية
-
7 من أجل انتصار دين العقل
-
نداء إلى انتهاك الشعائر الغبية
-
اصلاح الإسلام ضروري وممكن
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|