|
تساقط حجارة الهرم الأميركي
يوسف العادل
الحوار المتمدن-العدد: 1186 - 2005 / 5 / 3 - 14:09
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لم يكن الجبروت الأميركي ذات يومٍ جبروتاً،إلا بدلالة الجبروت السوفييتي،حيث كان هذان الندان يضبطان إيقاع الصراع العالمي في إطار وصاية كلٍ منهما على خندقه(الرأسمالي والاشتراكي) فتتحرك القوى والأطراف بانتظامٍ في مجرى الصراع وتنساق بمنحى وشدة الإستقطابات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية ولا تنفلت الأمور من أي عقال، فللحرب الباردة بأسها ومنطقها وطقوسها وأوجاعها ، ولم تكن في حينها لعنةً على أحد، فتلك قسمة الصراع الطبقي السياسي التي رضي بها الجميع. وكان المنطق يقتضي أن يتضاعف الجبروت الأميركي إثر انهيار الإتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن العشرين، ويضع الأمريكان العالم في قبضة قطبهم الأوحد،لكن سرعان مااخترم هذا المنطق ،وانفلتت المعايير ، وصار عصياً على الإدارة الأميركية أن تعيد الأمور إلى أي زمام، وعلى خلاف زمن الحرب الباردة وانتظام اصطفا فاتها،فإننا نشهد تعدداً لمراكز القوى،وتنوعاً للتحالفات والإستقطابات، فحلفاء الأمس باتوا أعداءً، وبات دفتر أميركاحافلاً بكل الاستحقاقات التي تؤسس في المدى غير البعيد لإنهيارالإتحاد الأميركي، ولعلنا لورصدناالحساب الجاري الأميركي منذ مطلع هذا القرن على الأقل لرأينا العجز سيد الموقف وذلك على خلفية المعطيات التالية: • أحداث 11 أيلول التي قدمت بياناً عملياً على عمق ونوعية النخر المستفحل في بنية النظام الإمبريالي الأميركي الذي طاش صواب إدارته التي لم تجد غير إحكام القبضة الأمنية وأحكام الطوارئ على رأس ديمقراطية المواطن الأميركي المزعومة التي ستجتبيها منه ثمناً لدرء مخاطر الإرهاب. • العزلة التي واجهتها الإدارة الأميركية على مستوى الثماني الكبار ودول العالم عشية احتلالها العراق ، حيث تنكرت لقيم المجتمع الدولي وشرعيته الذي استقر التعامل الدولي عليها، وذهبت مذهب الحمقى وقطاع الطرق إلى غرقها في المستنقع العراقي،حيث الفلتان الأمني المتصاعد إلى مستويات كارثية على خلفية المد الأصولي الإسلامي الجهادي المنتشر بفاعلية عالية من كشمير إلى فلسطين مروراً بالمحطة العراقية. • استقواء الإدارة الأميركية مكرهةً بالأوربيين لإخراج النظام السوري من لبنان والذي لولا تماسك الموقف الأوربي الحازم لاسيما الفرنسي لنجح هذا النظام في الإفلات ربما إلى أجل من استحقاقات القرار1559،ولعجزت هذه الإدارة عن سحب الورقة اللبنانية من يد النظام السوري كتعويضٍ لها عن لعنة الورقة العراقية، وبالطبع فإن الإدارة الأميركية ستقدم مقابل ظفرها اللبناني تنازلات للأوربيين من الكعكة العراقية( المشاركة الأوربية في إعادة إعمار العراق إضافة إلى نفطه) أومن أماكن أخرى. • استقواء الإدارة الأميركية كذلك بالأوربيين في احتواء إيران الممعنة بشكل مقلق للأميركيين في السير الجاد قدماً على طريق تنفيذ برنامجها النووي، مستفيدةً من هامش المناورة المتاح أمامها على صعيد التراخي الدولي حيالها،مالم تستجيب الإدارة الأميركية والأوربيون لمطالبها في تسهيل انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وإعطائها قطع تبديل لتحديث أسطولها الجوي المدني وبالضرورة رفع العقوبات الاقتصادية عنها والإفراج عن أموال إيرانية مودعة في البنوك الأميركية إضافةً إلى مزايا أخرى. • حراك المارد الصيني على البر الآسيوي في ثلاثة استعراضات قوة تحت سمع وبصر الأميركيين: 1. إقرار المجلس الوطني الصيني قانوناً يمنع تايوان(حليفة الأميركيين) من الانفصال عن الصين في تأكيد على وحدة التراب الصيني. 2. الأزمة الصينية اليابانية على خلفية تجاهل المناهج المدرسية اليابانية ماضي الاستعمار الياباني للصين في ثلاثينات القرن العشرين، وذهاب الصين بعيداً على خلفية هذه الأزمة في تحديها لليابان حليفة الأميركيين. 3. التقارب بين السلطات الصينية وبين المعارضة التايوانية إثر الزيارة التاريخية لزعيم هذه المعارضة إلى الصين مؤخراً، حيث اللعب الصيني ضد الأمريكان بطريقتهم التقليدية في تجنيد المعارضات على الساحات المطلوب التغيير فيها. طبعاً ولن ننسى المكانة العالمية التي باتت تحتلها الصين على مستوى نموها الاقتصادي المتصاعد المقلق للأميركيين، لاسيما وأن الصين ترابض على قارة يصعب بعد الإمساك بها أن تقوم لأحد قائمة( نفط و سوق واسعة وأيدي عاملة رخيصة وسلاح نووي ونمور آسيويون على قدم وساق هذه القارة.) • التحدي الدائم الذي تبديه كورية الشمالية( وهي ذراع صيني بامتياز) حيال الإدارة الأميركية فيما يتعلق بسلاحها النووي. • الهراوة النفطية التي تلاحق الاقتصاد الأميركي على مستويين متراكبين: 1. أكثر من نصف حاجة أميركا من النفط الخام تستورده من الخارج محدود الطاقة الإنتاجية، وتأثرها البالغ بارتفاع الأسعار بسبب تزايد الطلب العالمي على النفط لاسيما السوقين الصيني والهندي. 2. عدم قدرة التكنولوجيا الأميركية علي تلبية الطلب الداخلي من البنزين بسبب العجز في صناعة تكرير النفط والنقص الحاد في المصافي ، ولعل هذا مؤشراً آخر على النخر والأزمة البنيوية التي تعتمل داخل النظام الرأسمالي الإمبريالي الأميركي بكل الدلالات. ولقد ساقت الهراوة النفطية كلاً من بوش والأمير عبد الله إلى إعادة الدفء والوئام في العلاقات الأميركية السعودية التي أصابها الفتور بعد أحداث11أيلول ولأسباب أخرى متعددة،ولذلك كان لزيارة ولي العهد السعودي إلى مزرعة بوش طعمها النفطي الخاص. • خروج الدبلوماسية الروسية من انكفائها الذي فرضته ظروف انهيار الإتحاد السوفييتي حيث اتسم ماضيها القريب بضعف ومحدودية الفاعلية والأداء،إلى فضاء المبادرة والتحرك الأوسع، حيث تجلى ذلك من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي بوتين إلى كل من مصر ومنطقة السلطة الفلسطينية وإسرائيل حيث تقع هنا منطقة الصراع العربي الصهيوني وهذا يعطي أكثر من دلالة: 1. تأكيد استقلالية الدور والقرار السياسي الروسي في قضايا الصراع الدولي وبؤر التوتر،وذلك من خلال دعوة بوتين إلى عقد مؤتمر سلام في موسكو الصيف القادم يضم الأطراف المعنية دولياً وإقليمياً لتسوية الصراع العربي الصهيوني،ولعل ذلك تأكيداً وامتداداً للدور الروسي في مؤتمر مدريد1991. 2. إظهار أن هذه المنطقة هي منطقة نفوذ تقليدي للسوفييت وخلفائهم الروس لاسيما حينما أصر على صفقة الصواريخ الدفاعية لسوريا(الحليف التقليدي للسوفييت) وأكد على دعمه للسلطة الوطنية الفلسطينية غير آبهٍ بردود أفعال الأميريكان والإسرائيليين. وإذا تذكرنا المخطط الذي كان ينتظر روسيا غب انهيار الإتحاد السوفييتي حيث نية حلف الناتو بالتمدد شرقاً وتفتيت روسيا، التي كانت يومذاك تتسقط العون على عتبات السبعة الكبار(عهد يلتسن) الخ وكيف صارت الآن (عهد بوتين)واحدًا من الثماني الكبار،فيما يتوج رئيسها مسارها الصاعد بمرحلةً جديدة عبر الزيارة آنفة الذكر. ********
والآن فإن جبروت الولايات المتحدة الأميركية يعرج من الملفات العديدة التي تستعصي على البرمجة الزمنية لحلها، والتي تستنزف هذا الجبروت على الصعيدين الداخلي والخارجي مما يبقي الإدارة الأميركية لزمن بعيد في مرحلة إدارة أزماتها، بدلاً من إدارة مشاريع البناء والتطور، وإرساء ديمقراطياتها المزعومة، الأمر الذي يعني أن حجارة هذا الهرم ستنهار تباعاً، وللزمن منطقه الجائر في غالب الأحيان، وبالتالي فاندفاع الروس ومهما تكن وتيرة هذا الاندفاع إلى الساحة الدولية لإعادة إنتاج موقعهم التقليدي كقطب رئيس ، وصعودهم إلى جانب الصينيين والهنود، ستتكفل به هذه الحجارة الساقطة من هرم الأمريكان الذين سيسلمون مفاتيح قلعة هذا الزمان طوعاً,أويتحامقون. وللتاريخ نوسانه بين تفاؤل الإرادة وتشاؤم العقل.
#يوسف_العادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان المسلمون في سوريا، والضلال المبين
-
الحركات الإسلامية و الطريق إلى السلطة- حماس نموذجاً
-
البقاع آخر حصون النظام السوري
-
عيد الأم
-
الكاتب أكرم البني بين الإيمان والتمني
-
رهان الشعوب في القرن الواحد والعشرين
-
خسارة الأنظمة لا يعني ربح الأميركان
-
الديمقراطية والمواطن البسيط ورغيف الخبز
-
عشتار
-
مسكين هو الشعب اللبناني في عيد الحرية
-
وطأة الوجد
-
جورج بوش والمزحة العظمى
-
رفيق الحريري في ذمة الصراع السياسي
-
الكاتب ياسين الحاج صالح بين مقالين
-
الإدارة الأمريكية و العراق في قبضة شرم الشيخ
-
آفاق التغيير الديمقراطي في سوريا
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|