|
المارد العربي والصراع المذهبي
بكر ناطق
الحوار المتمدن-العدد: 4133 - 2013 / 6 / 24 - 21:26
المحور:
كتابات ساخرة
لا جدال أن الواقع الإنساني في تغير دائم ومستمر وفق ما تتطلبه الحاجات وما يتوصل إليه العقل البشري من ابتكارات في مختلف الحقول المعرفية. ويمثل التغير الحالة الطبيعية التي نخضع لقوانينها على جميع المستويات، لكن في المقابل لا بد أن تحدد مجتمعاتنا مسارات صحيحة تجنبها الضياع في اعصار التقلبات الذي زادت حدته في السنوات الأخيرة، وأخذ طابعاً راديكالياً يسير باتجاه معاكس للتقدم العلمي الحاصل في البلدان المنتجة للصناعة والمعرفة. كانت الأجيال العربية في القرن الماضي تتغنى بقوة المارد العربي خلال انتشار الأفكار القومية التي لامست عواطف الجماهير. ويعد العمل الفني الذي قدمه الموسيقار فريد الاطرش مع الشاعر حسين السيد معبراً حقيقياً ليس فقط للنظام السياسي وإنما لما يحمله الاحساس العربي الذي اشتركت فيه أغلب شعوب المنطقة، بغض النظر عن التوجهات الشوفينية التي سيطرت على مقاليد الحكم في تلك الفترة. وبسبب هذه التوجهات تحولت الثقافة العربية من نهج فكري وحضاري لشعوب الشرق تؤدي دورها الإنساني في العالم الى استبداد وانغلاق للآفاق فسح المجال أمام بذور الجهل والرجعية للإنتشار بين أبناء الأمة لتفرض مفاهيمها وإملاءاتها الخاصة. غاب عن بال الكثيرين أن ماردنا العربي لم يكن مارداً حقيقياً بل مجرد شعار نقنع فيه أنفسنا بأننا متفوقون في ظل التنافس الحضاري بين الأمم المتقدمة. فلم يصحو المارد من سباته الطويل ولم يكن مارداً إلا في الخيال أو الطغيان السياسي الذي يعطي هالة قدسية لأصحاب القرار في عالمنا العربي. وضاع هذا المارد في غياهب الجهل والتطرف المذهبي والفئوي وهو يحاول أن يعبر عن كينونته الهشة. فها هي أحداث الشرق الأوسط تتوسع فيها دائرة الخطر ولا تقتصر على الساحة السورية والعراقية، حيث يجد لبنان نفسه أمام منزلق خطير خصوصاً بعد تفجر الوضع في مدينة صيدا الذي يهدد بقية المناطق في عموم لبنان. كذلك ما يجري في مصر من إشكالات سياسية وفكرية تسهم بشكل فاعل في تحطيم الإرادة العربية الساعية الى رفد مجتمعاتها بمنجزات ملموسة على أرض الواقع وليس مجرد خطابات حماسية فارغة المحتوى. العالم ينهض وماردنا إن نهض من نومه، ينطلق باتجاهات هدامة تبدد طاقاته وتسطح تطلعاته ولن يجد نفسه إلا في أحضان الأمية والتعصب والتبعية العمياء التي تثير شجنه بشكل سلبي وتغلق منافذ عقله المحدود. لماذا نندفع صوب عواطف ونغني للشعارات فقط ؟ لماذا لم نصنع من الأغاني الحماسية والوطنية التي تلهم السامعين بجمال موسيقاها وقصائدها مجداً حقيقياً على أرض الواقع، خصوصاً وأنها جائت بفترة زمنية فيها ذائقية جماهيرة عالية تجاه الفن والإبداع في الميادين كافة ؟ قد يشير البعض الى أن الشعوب العربية لم تأخذ فرصها نحو الرفاه والتقدم باعتبارها تتعرض لضغوط خارجية. لكن ما شهدناه من حراك على الساحة السياسية العربية في السنوات الأخيرة يؤكد أن الفرص تأتي وفق المتغيرات التي تحدثنا عنها. خسرت اليابان عمرانها ومؤسساتها في الحرب الثانية وأصبحت أرضها خراباً وانهارت تشكيلاتها العسكرية كافة، لكنها لم تخسر عقلها البشري الذي استطاع خلال فترة قياسية أن يقدم نموذجاً حضارياً دان له احتراماً وتقديراً الجميع بما فيهم الدول التي وضعت قيوداً لهذه الجزيرة الصغيرة. دمرت برلين بالكامل في نهاية الرايخ الثالث لكن الفرد الألماني رغم ما قاساه من ويلات الحرب والديكتاتورية، استطاع أن ينهض من جديد في صناعته ونظامه الداخلي. إن الأزمة الفعلية في عالمنا العربي لا تكمن فقط في قمة الهرم السياسي بل في حالة الثقافة الاجتماعية التي تضع قيماً تتعارض مع مفهوم التقدم والبناء. فإذا أردنا لماردنا العربي أن ينهض من نومه الذي طال أمده، لا بد أن نحافظ على بيئتنا ونحترم القوانين والأفراد ولا نضع الأحكام المسبقة عليهم بحسب ميولهم وتبعيتهم المناطقية، ونوسع المشاريع الخدمية ونطور المناهج الدراسية بما يتلائم مع حاجاتنا، ونستفيد من أصحاب الخبرات ونوفر لهم الأجواء المناسبة للعمل والبحث العلمي والأكاديمي، ونتعلم من تجارب البلدان التي قطعت أشواطاً كبيرة في التقدم والعمران. فلا شيء مستحيل أمام الإرادة المخلصة الرافضة للإنجرار خلف شعارات الفتن المذهبية والمؤمنة بمارد حقيقي يتجسد في أفعالها العلمية والإبداعية.
#بكر_ناطق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلام للسلام وتحديات الواقع
-
التبادل الثقافي والنزعة الإنسانية
-
صقر قريش والهروب الى الأمام
-
الفردانية وبناء المجتمع
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|