أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس عبد الحسين - الشيخ والطفل














المزيد.....

الشيخ والطفل


فراس عبد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 4133 - 2013 / 6 / 24 - 15:20
المحور: الادب والفن
    


الشيخ والطفل

مع بدايات الصباح الرمادي الممزوج بنهايات الليل, نهض من فراشه الصغير ماشيا بصعوبة على طريق البستان الترابي اللزج من قطرات الندى المتساقط, صوت عصافير الصباح مع هدير ماء النهر ورائحه الورد المنتشرة على جانبي الطريق كانت سمفونية من الجمال والخيال.
لمحه من بعيد وسط ضباب الصباح وعرف وجوده من دخان ناره المتصاعد بصمت, ركض له مسرعا وبعد رؤيته صاح له الفلاح من بعيد (دخليني). فرد عليه مبتسما بصوته الطفولي الناعم (دخليني دخل سباحتي بطيني ولو طيفك هذاك الطيف يسعدني ويهنيني...).
شربوا الشاي سوية بعد ان احتضنه ببسمه حب وحنان, ضل الطفل يعاتبه لطول غيابه, وكيف يرجع خائبا باكيا صباح كل يوم عندما لا يجده في مكانه, تحدثوا طويلا وضحكوا كثيرا, ولم يفارقه النهار بطوله اكلوا الرمان سوية اصطادوا السمك من النهر القريب, لعبوا لعبه حل اللغز, رسم له ساعه على يده الصغيرة, مسك له الفراشات المختلفة, قراء له الاشعار وقص عليه القصص, لحين حلول المساء.
وفي المساء اجتمعت كل العائلة قرب النار, تذكر الصغير كيف كان الفلاح ساري يرتجف بردا قرب النار ماد يديه المتصلبة المتشققة والطين يغطيه لصدره, تغطي رأسه حبات المطر المتجمدة الممزوجة بلون الشيب الابيض, كان دائما يتسأل لماذا كان الفلاح هكذا دائما يأتي ليلا ويرتجف, ومن أجل ماذا ولأجل من؟ وكان لا يجيبه احد حتى بعد سؤاله المتواصل والمتكرر.
بدأ الفلاح ساري كعادته يحدثهم عن ظلم الاقطاع وجبروته, عن فقر الفلاحين وامراضهم وجوعهم, عن الزعيم وثورته, عن المادية الديالكتيكية وقوانينها, عن لينين وماركس وهيجل, عن اهميه ان تسود العدالة والديمقراطية بين كل البشر, و يقرأ للأطفال شعر مضفر النواب وعريان السيد خلف ليحفظوه عن ظهر قلب, كان يومآ جميل كباقي الايام التي يقضيها مع الفلاح وكل العائلة.
لحين ان مزق صمت المساء وابل من العيارات النارية من كل الجوانب, تبعثر كل شيء سادت الفوضى والصراخ والعويل من الاطفال مع ازيز الرصاص, كان الفلاح محتضن الطفل ولن يستطيع الهرب. دخلت عليهم كائنات اقرب للوحوش من البشر, جميعهم مدججين بالسلاح ويرمون عشوائيا, اصابوا الفلاح ساري في ساقه ركلوا الجميع سحلوا جميع الرجال والنساء, تلاشت صوره الفلاح ساري مع الذئاب البشرية وسط الظلام مع هدير سيارات اللاند كروز. لم يبقى سوى الاطفال, والدم المتجلط على الارض وسط الظلام والفوضى العارمة. واصطبغت الارض بالون الاحمر المسود. الطفل يبكي من شده الخوف والهلع, لماذا الانسان يقتل ويضرب اخيه الانسان. ولأجل ماذا يفقد انسانيته ويتحول الى كائن مفترس اعمى؟
من يومها عرفت كيف يمكن ان يكون الانسان بهذه القسوة والبشاعة والهمجية. ويتحول الى حيوانات بوهيمية غير واضحة الشكل والمعالم, تقتل وترفس وتسحل طريدتها, لكن حتى الحيوانات المفترسة لا تقتل ولا تأكل احد من بني جنسها. ولا تقتل حيوان اخر لأجل ان تعيش هي وصغارها فقط.
صوره الفلاح والدم المتجلط على الارض وصوت الرصاص والفوضى لم تفارق بال الطفل وافكاره طوال تلك السنين خصوصا قبل النوم, مرت ايام وسنين طويله قبل ان يدخل الفلاح بوجه المبتسم من باب البستان, قبل ذلك بأيام رأيت بعض الذئاب البشرية مرميه على قارعه الطريق والمزابل المنتشرة بعد ثوره الشعب عليهم.
من يومها عرفت معنى استمراريه الافكار وتناقلها من جيل لأخر وبقائها خضراء دائما, وبقاء الذئاب البشرية في كل الازمان والأمكنة كونها لا تموت تتكاثر مثل الاميبيا وتغير وجوهها دائما مثل الحرباء.
من يومها عرفت معنى الحرية, معنى الحياه والامل, عرفت معنى ان يحرم الطفل من حنان جده. بعد ان عرفت ان الفلاح كان جدي المناضل كاظم الناصر.



#فراس_عبد_الحسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثوره الصمت
- من المسؤول
- دموع تحت الصفيح
- احذروا الحليم اذا غضب
- شيوعيا انا
- التغيير بات بأيديكم
- كابوس
- الشيوعي العراقي ..والانتخابات
- الشباب والربيع العربي
- الاشتراكيه ...حلم البشريه
- مفهوم الديمقراطيه و الربيع العربي


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس عبد الحسين - الشيخ والطفل