/ باريس
ساهمت
مصادفات البرامج الزمنية العالمية في تقريب حدثين يسيران في نفس الاتجاه : على كل
ضفة من ضفتي المحيط الأطلسي ، تبرمج الجيوش مسألة تحديث تجهيزاتها للعقود القادمة ،
وتتوجه للمسؤولين السياسيين مطالبة برفع موازناتها المالية من سنة لأخرى.
في
الولايات المتحدة الأمريكية ، اغتنمت القيادات العسكرية فرصة الانتخابات
الرئاسية لتقديم وثيقة تحتوي على تصوراتها التحديثية للأعوام 2010 ـ 2020 ، وهي
وثيقة تحتوي على التوجهات العسكرية اعتمادا على الدروس المستخلصة من العمليات
الخارجية الأخيرة. وفي فرنسا ، كمثال على الدول الأوروبية ، ومنذ أن صادق البرلمان
على ميزانية عام 2001 ، بدأت المشاورات لتحديد التوجهات الجديدة للجيوش خلال
الأعوام 2010 ـ 2015 وينطبق الأمر أيضاً على كل من بريطانيا وألمانيا .
ولكن هذا
التوافق الزمني على ضفتي المتوسط ليس مجرد مصادفة فقط. يحتاج السلاح الحديث إلى عقد
كامل من الدراسة والتصنيع قبل أن ينشر ويستخدم على مدار 40 عاماً في بعض الأحيان .
والعمليات العسكرية الأخيرة في البلقان وأفريقيا وغيرها الهادفة إلى إعادة السلام
أو المحافظة عليه تدعو إلى إعادة النظر بصورة جذرية في أنظمة الدفاع. هذا هو التحدي
الذي يتوجب على الكثير من الدول ( خصوصاً دول حلف شمال الأطلسي) ، مواجهته.
في
الولايات المتحدة الأمريكية ، يتوجب على الرئيس الجديد حال انتخابه ، الإجابة على
سؤال يطرحه خبراء البنتاغون : هل يتوجب ، أم لا ، أن تصل النفقات العسكرية إلى ما
يساوي 4 بالمائة من قيمة الناتج الداخلي الخام ؟ في عام 1996 ، كانت هذا النسبة
تساوي 5،3 بالمائة ، وانخفضت إلى 3 بالمائة في عام 1999 . وبما أن الموازنة
العسكرية اليوم تساوي 300 مليار دولار تقريباً فإن نسبة 4 بالمائة ترفعها إلى 435
مليار دولار في عام 2002 ، وإلى 538 مليار في عام 2007 ( حسب تقديرات البنتاغون )
.
القضية ليست سهلة . تريد الجيوش الأمريكية الحصول على شرعية ودستورية
موازناتها عبر الزمان ، وذلك لتلافي أن تكون عرضة لأهواء وتقلبات الكونغرس . وتدعي
القيادات العسكرية أن هذا الأمر يعتبر حيوياً بالنسبة للجيوش الأمريكية للعمل
والحصول على ما يلزم من تجهيزات ضرورية لتلبية متطلبات تعهدات واشنطن في المناطق
العالمية التي تواجه فيها المصالح الأمريكية الخطر. يقول المدافعون عن نسبة 4
بالمائة : إذا أردنا المحافظة على أمن دائم ، وعلى جيوش قادرة على مواجهة أزمات
الغد، يتوجب إقرار موازنات متنامية عبر الزمان.
أما في فرنسا ، فإن الجدل يدور
حول أهداف أخرى ، إضافة إلى رغبة الجيوش في مواجهة التحديات المستقبلية. يتمخض أهم
سؤال مطروح عن الملاحظة التالية : يستمر الفرق بين الأوروبيين والأمريكيين في مجال
البحث العسكري التكنولوجي والتنموي في الازدياد ، وتستمر الهوة في الاتساع. وعلى
وجه الخصوص في فرنسا ، حيث الموازنات المخصصة للبحث العسكري أقل بثلاثة عشر ضعفاً
من مثيلتها الأمريكية، ويصل الفرق إلى خمسة وعشرين ضعفاً فيما يتعلق بمجال
البحث التكنولوجي .
أما في الدول الأوروبية الأخرى، فإن التوجهات مماثلة لما
يحدث في فرنسا. تبقى التكنولوجيا الأمريكية سيدة الموقف دون منازع . لدرجة أن
المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية ( في لندن ) يعرب عن اعتقاده ، في تقريره
الأخير ، أن الاتحاد الأوروبي لم يمنح نفسه الوسائل المالية اللازمة لتحقيق طموحاته
التكنولوجية في المجالات الدفاعية ، وأن مجموع جميع موازنات دول الاتحاد الأوروبي
المخصصة للأبحاث العسكرية لا يساوي سوى 25 بالمائة مما تخصصه الولايات
المتحدة الأمريكية .
ماهو سبب هذا الفرق ؟ أعربت دول الاتحاد الأوروبي، مرات
عديدة ، عن رغبتها في بذل جهود مالية تتقاسمها الدول الأعضاء . ولكن شيئاً لم يتحقق
. لسببين : الأول ، تريد كل دولة الحصول، في المقابل ، على أكبر قدر ممكن من
الفوائد التوظيفية لصناعاتها العسكرية. كما تؤدي هذه المنافسة إلى تعطيل المساهمات
في الموازنات العسكرية الاتحادية، نظراً لتناقض المصالح والمعطيات. أما السبب
الثاني ، فهو أن مواصفات معاهدة ماستريشت لا تمنح للدول الأعضاء سوى القليل
من الحرية فيما يتعلق بسياساتها المالية الوطنية. وهذا ما يدفع الدول الأعضاء
إلى التخفيض ، أولاً وقبل كل شيء ، في المصروفات العسكرية .
كلينتون ، أولوية التجارة
بعد مرور تسعة أشهر على إستلامه الحكم، في سبتمبر
1993، وصف بيل كلينتون اتفاق التبادل التجاري الحر الشمال ـ أمريكي ( ألينا ) بأنه
" يمثل أهم ركائز الدور القيادي الأمريكي في المنطقة وفي العالم بأكمله" . وكان
الرئيس الأمريكي قد اضاف قائلاً : " بعد أن كسبنا الحرب الباردة، يتوجب علينا
مواجهة تحديات أكثر صعوبة لتعزيز النصر والديموقراطية والحرية " . عبّرت هذه
التصريحات في ذلك الوقت عن استراتيجية بيل كلينتون التي يمكن تلخيصها بكلمتين:
الإنفتاح التجاري والانخراط في الشؤون العالمية، وذلك على عكس استراتيجية سابقيه
التي كانت تتمثل في استراتيجية التطويق. هكذا يمكن القول أن الرئيس الأمريكي
منح الأولوية للعلاقات التجارية العالمية، وهذا ما يدعى اليوم بالعولمة.
بدأ
عهده الرئاسي بتوقيع اتفاق ( ألينا ) الذي كان قد برمجه الرئيس السابق جورج
بوش، ثم بنجاح مفاوضات أوروغواي روند ( جولة أرغواي ) التي نتج عنها ولادة منظمة
التجارة العالمية. ثم استمر بتعزيز منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا ـ المحيط
الهاديء . وأخيراً ، بفشل قمة منظمة التجارة العالمية في سياتل ، والاتفاق مع الصين
للإنضمام لهذه المنظمة .
باستثناء الكوسوفو، التي سيقترن تاريخها بالرئيس
كلينتون، بذل الرئيس الأمريكي أقصى جهوده لتطوير التجارة العالمية. صحيح أن مسائل
الحرب والسلام تحتل المركز الأول في السايسة الأمريكية، ولكن التجارة تحتل المركز
الذي يليها بالضبط، بل المركز الذي يوازيها .
يمكن القول ،إذن ، أن دبلوماسية
بيل كلينتون تتميز بالأولوية التي يمنحها للتجارة العالمية. أهم مثال على ذلك ، هو
المثال الآسيوي : في عام 1993 ، عندما كنت آسيا في أوج نموها الاقتصادي ، أصبحت في
نظر واشنطن تحتل مركز الأولوية في مواجهة أوروبا التي أصبحت شريكاً تجارياً من
الدرجة الثانية . واصبحت أوساط واشنطن تتحدث عن وجوب إعادة النظر في التركيبة
الدفاعية من أجل أخذ هذه التوجهات بعين الاعتبار. ولكن، وبعد الأزمة الآسيوية في
عام 1996، تراجعت واشنطن إلى الوراء ، وأعلن نائب وزير الاقتصاد والتجارة : " تعتبر
الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا المنطقتان الأكثر إستقراراً في عالم تعصف
به الأزمات" ، ثم شرح أن النمو الاقتصادي في أمريكا مرتبط تماماً بالنمو
الأوروبي.
ولكن هذا لا يعني أن بيل كلينتون لم يعر الاهتمام للأزمات السياسية
التي توالت في أنحاء مختلفة من العالم: الشرق الأوسط ، يوغسلافيا ، هاييتي . الخ ،
ولا يعني أنه لم يكن لديه أهداف أخرى كتوسيع حلف شمال الأطلسي على أوروبا
الوسطى والشرقية . فقد زج نفسه شخصياً في مشروع السلام الفلسطيني ـ
الإسرائيلي طوال فترة حكمه، وحاول ، في النهاية ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه منه.
وبما أنه " تدخلي " ، في ميوله ، بعكس غالبية الجمهوريين ذوي اليول "
الإنعزالية " ، أرسل الجيوش إلى البوسنة والكوسوفو إلى جانب الأوروبيين.
ولكن
جهوده لم تتوج دائماً بالنجاح. لم ينجح على سبيل المثال في إنقاذ قمة منظمة التجارة
العالمية في سياتل ، بل يمكن القول أنه ساهم في فشلها عندما حاول أن يربط بين
العولمة وحماية الأيدي العاملة والبيئة .
على مدار ثمانية أعوام، ساهم بيل
كلينتون في تغيير معطيات وأساليب ممارسة الدور القيادي الأمريكي، الذي يتمسك به
بقدر ما يتمسك به الرؤساء الآخرون: على الأقل فيما يتعلق بالدبلوماسية ، ولكن بشكل
أكثر فيما يتعلق بالقوة العسكرية. اعتمد على القوة الاقتصادية والتجارية
والمالية والتكنولوجية لتصجير الدور القيادي الأمريكي إلى جميع أنحاء العالم
.
أهم الملفات أمام الرئيس الأمريكي الجديد
شكلت مسائل السياسة الخارجية
الأمريكية محوراً ثانوياً على مدار الحملة الانتخابية. إعتماداً على تصريحات
المرشحين وأنصارهما، نستطيع إستنتاج مواقف الإدارة المستقبلية تجاه الملفات الكبرى.
وفي جميع الأحوال ، يلعب الكونغرس دوراً مصصيرياً في جميع القضايا التي تلعب
الولايات المتحدة الأمريكية فيها دوراً مصيرياً .
الاقتصاد : تعتبر مسألة هبوط
الاقتصاد بهدوء من أهم التحديات التي ستواجه الإدارة المستقبلية. يشهد الاقتصاد
الأمريكي منذ عشرة أعوام فترة نمو لم يسبق لها مثيل. ورغم تباطؤ ضئيل لوحظ في
سبتمبر، فإن مخاطر تفاقم التضخم قد تدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاولة كبح
النمو عن طريق رفع نسب الفائدة. وهذا ما يشكل خطراً على النمو العالمي الذي يعتمد
بصورة رئيسية على النمو الأمريكي.
التجارة : بما أن العجز التجاري
الأمريكي بلغ 265 مليار دولار في عام 1999 وقد يصل إلى 350 مليار في العام الحالي،
فإن السياسة التجارية الأمريكية المستقبلية قد تتسم بالشراسة . ومن أجل الدفاع عن
مصالح مصدريها، تمتلك واشنطن سلسلة من القوانين التي تسمح لها بفرض عقوبات في حالة
المنافسة التي تعتبرها غير شرعية.
حلف شمال الطلسي: ما زالت التعديلات في تركيبة
المنظمة الأطلسية جارية وقيد المفاوضات، وقد تؤدي إعادة تعريف الروابط بين أوروبا
والحلف إلى نشوء سياسة أمنية مشتركة. أثار جورج بوش بعض المخاوف عندما اقترح سحب
القوات الأمريكية المشاركة في حفظ السلام في البوسنة والكوسوفو، وطلب من الأوروبيين
أن يحلو محلها. يعتقد الجمهوريون أنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية تركيز
جهودها العسكرية على أهداف واضحة ومحددة تتعلق بمصالحها الحيوية، وكذلك لتلافي
بعثرة قواها على مسارح متعددة، كما فعلت إدارة كلينتون حسب اعتقادهم.
الدفاع
الأمريكي : سيواجه الرئيس الأمريكي الجديد مطالب البنتاغون الذي يتمنى زيادة
نسبة الناتج الداخلي الخام المخصصة للمصروفات العسكرية. يتعلق الأمر بقدرة
الشروع في مشاريع باهظة التكاليف، كمشروع الدرع ضد ـ الصاروخي ( 60 مليار دولار ) ،
وبرامج أخرى تتعلق بطائرات قتال جديدة وغواصات نووية هجومية . يشكل مشروع الدرع ضد
ـ الصاروخي أهم مواضيع الخلاف بين واشنطن وموسكو. وتعترض الصين وغالبية الدول
الأوروبية على هذا المشروع .
البلقان : لا يكفي عزل سلوبودان ميلوسوفيتش
عن السلطة لعودة الاستقرار في المنطقة. بعد مرور خمسة أعوام على توقيع اتفاقات
دايتون، ما زالت البوسنة غير مستقرة، ولا يسمح الوضع فيها بسحب قوات سفور التي
تشارك فيها القوات الأمريكية . من جهة ثانية ، فإن وضع الكوسوفو لن يبقى خاضعاً
بصورة أبدية لقرار مجلس الأمن رقم 1244 الذي يضع المقاطعة تحت حماية الأمم المتحدة.
ستلعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً هاماً في اختيار اللحظة التي سيتم فيها وضع
حد لهذه الحماية العالمية، وفي اختيار ما سيليها: هل سيمنح الكوسوفيون حق
تقرير المصير أم لا ؟ وإذا كانوا سيمنحوه ، فبأية شروط ، وما هي الضمانات العالمية
لاستقرار المنطقة ؟.
العراق وإيران : بعد سياسة الاحتواء المزدوج من خلال العزل
والتهميش على مدار سنوات طويلة لكل من العراق وإيران ، فُصلت بغداد عن طهران منذ
وصول الرئيس الإيراني المعتدل محمد خاتمي إلى السلطة في عام 1997 . وبقي
العراق وحيداً كدولة منبوذة في نظر الجمهوريين والديموقراطيين. بعد
مرور عشر سنوات على تحرير الكويت، ما زال صدام حسين في السلطة. والعقوبات التي تصر
واشنطن على الاحتفاظ بها أصبحت تواجه بعض الاحتجاج هنا وهناك . المعارضة العراقية
مازالت مشتتة . والمساعدات التي تقدمها واشنطن لمقربيها من المعارضين بموجب قانون "
تحرير العراق " ضئيلة للغاية . أما إيران ، فإنها بدأت ، بمبادرة من رئيسها في
السير بخطوات بطيئة نحو كسر جدار الحذر المتبادل الذي يفصل بين الدولتين منذ سقوط
الشاه في عام 1997 .
أسيا : تطرح الضفة المقابلة من المحيط الهاديء عدة ملفات
حساسة أمام إدارة ما بعد عهد كلينتون . كوريا : سيمنح الرئيس الجديد الأولوية
لكيفية التعامل مع التقارب الجديد بين الكوريتين ، لكيفية التعامل مع تغير المعطيات
الاستراتيجية المرتبط بتطور الوضع في شبه الجزيرة الكورية. تايوان : أما التحدي
الثاني الذي ستواجهه الإدارة الأمريكية الجديدة فإنه يتعلق بالعلاقة بين
الصين وتايوان، وبصعود قوّة الصين التي ترى فيها واشنطن منافساً إقليمياً . الهند
وباكستان: يتمثل الملف الثالث الهام في الخلاف الدائم بين القويتن النوويتين في
جنوب آسيا، الباكستان التي لم تعد قادرة على العثور على توازنها، والهند ، الأكثر
ثقة في نفسها والتي بدأ بيل كلينتون في توثيق علاقات أمريكا معها .
هل ستساند
القمة الإسلامية ياسر عرفات؟
بغياب الدعم الحقيقي من جانب الرئيس
الأمريكي بيل كلينتون للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ، بعد أن التقيا يوم الخميس
الماضي في واشنطن ، تلقى الزعيم الفلسطيني يوم أمس الأحد تشجيع ودعم وتأييد
منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في الدوحة في قطر .
وكما كان الحال في قمة الدول
العربية في القاهرة ، فإن الشهداء الفلسطينيين كانوا عامل تقريب بين 56 بلداً
يجمعهم انتمائهم للإسلام .
إلا أن القمة لم تلتئم بلا صعوبات أو عراقيل . فحتى
آخر لحظة كانت أسماء كبيرة مرشحة لعدم المشاركة بسبب تعنت قطر وعدم رغبتها في قطع
علاقاتها بإسرائيل وإغلاق مكتب رعاية مصالحها في الدوحة . ، إلى جانب الخلافات بين
البحرين وقطر بشأن بضعة جزر مجاورة لهما تدعي كل منهما ملكيتها ، وغياب
الرئيس المصري عن القمة الذي يعزوه البعض إلى إستياء مصر من قناة الجزيرة
القطرية التي يملكها وزير خارجية البلد المضيف للقمة الإسلامية وموقف هذه القناة
المعادي تجاه السياسة المصرية ودور مصر في القمة العربية الأخيرة .هذا بالاضافة إلى
الجفاء الدائم بين العراق من جهة والكويت والعربية السعودية من جهة ثانية مما
يعني ان التعايش المشترك بين المشاركين لم يكن بالأمر السهل .
كان
من السهل على الرئيس السوداني البعيد جغرافياً عن ساحة المواجهة أن يطلق صيحات
الجهاد والحرب المقدسة التي هي برايه " الوسيلة الوحيدة لإستحصال حقوق العرب
من عدوهم اللدود . كما طالب الرئيس البشير من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر
الإسلامي رفضهم السماح للولايات المتحدة الأمريكية، حليفة إسرائيل
الاتسراتيجةد للعب دور الوسيط . أما الرئيس الإيراني محمد خاتمي ، الذي وضع
شرطاً واضحاً لمشاركته مثلما فعل ولي العهد السعودي الأمير عبد الله ، ألا وهو قطع
قطر لعلاقاتها بإسرائيل ، فقد قدم شرطاً للسلام الدائم يتمثل بتنظيم استفتاء
يشارك فيه كل الفلسطينيين من مختلف الأديان " مسلمين ومسيحيين ويهود " لتحديد نوع
النظام المقبل للحكومة " وإنشاء دولة فلسطينية ديموقراطية على كامل التراب
الفلسطيني تضم أبناء الديانات الثلاثة وأن يكونوا متساوي الحقوق " ثم اضاف رئيس
وزراء ماليزيا محاذير محمد " علينا أن ندعم ونساعد قيادة الشعب
الفلسطيني " ثم عقب قائلاً " لايمكننا أن نتجاهل ، لا القوة الاقتصادية ولا
العسكرية لإسرائيل ولا الموقف المتحيز للولايات المتحدة الأمريكية لصالح
الدولة اليهودية ". ومن هنا يتوجب على المسلمين والعرب أن يجعلوا ردود
افعالهم وحماستهم عقلانية وموضوعية وبراغماتية على حد اعتقاد رئيس الوزراء الماليزي
.
وهكذا ، وبالرغم من نداءات دول مثل سوريا ، فإن البيان الختامي الذي
وزع على المشاركين ، اكتفى بمطالبة الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل بقطعها
أو تجميدها ، لكن دبلوماسي أفريقي علقّ قائلاً " إن من حق كل دولة أفريقية أن تتصرف
بحرية وفقاً لمصالحها " وليس في نية تركيا ، وهي دولة إسلامية كبرى ، تقيم علاقات
استراتيجية حقيقية مع إسرائيل ، قطع مثل هذه العلاقة تنفيذاً للتوصية الواردة
في البيان الختامي للمؤتمر . ومازال الخلاف قائماً بين الدول العربية
المتشددة والمعتدلة بشأن موضوع المشاركة في مؤتمر المتوسطية في مرسيليا
مع الاتحاد الأوروبي فالسوريون يعتقدون أنه ليس من المعقول في الظرف الحالي الجلوس
إلى طاولة واحدة مع الإسرائيليين بينما يرد المصريون والمغاربة أن اجتماع
مرسيليا يوفر للعرب منتدى ومنبراً دولياً وان مقاطعتهم للاجتماع سيزيد
من حرج الشركاء الأوروبيين أكثر مما يسيء إلى خصومهم الإسرائيليين .
ومنذ
لحظة افتتاح قمة الدول الإسلامية صرح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل
ثاني " بأن على إسرائيل أن تختار بين أن تعيش في سلام وأمن في هذه
المنطقة ، أو مواصلة النزاع لعشرات السنوات والأجيال القادمة " .
تضمن خطاب
الرئيس الفلسطيني في الدوحة الكثير من الاشارات إلى الإسلام والآيات القرآنية
والتركيز على الوحدة المسيحية ـ الإسلامية لدى الشعب الفلسطيني ، لم يدع
الرئيس الفلسطيني إلى وقف الانتفاضة بل على العكس أستنتج من خطابه ما يشبه الدعوة
للحرب المقدسة . وطالب الرئيس الفلبسطيني بوضع قوات دولية لحماية الشعب
الفلسطيني الأمر الذي لم يحظ بموافقة جماعية من جانب القمة . كما لم يحصل
الرئيس ياسر عرفات على موافقة القمة بالاجماع على مقترحات الزعيم الفلسطيني
بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فور إعلانها بلا قيد أو شرط .
أوبك
وسياسة الانتظار في رفع أو خفض كمية الانتاج
لم ينته الاجتماع الوزاري
لدول منظمة الأقطار المصدرة للنفط إلى إي تعديل يذكر في كميات وحصص الانتاج ، وقد
يحصل تعديل إذا استدعى الأمر ذلك حيث يمكن أن يتقرر أي خفض أو زيادة في كمية
الانتاج في الاجتماع القادم الذي سيعقد في 17 يناير كانون الثاني القادم .
لقد
تعهدت المنظمة في الاستجابة لحاجة السوق النفطية . وبلغة الكارتل النفطي فإن
هذه العبارة التي أطلقها وزير الطاقة والمعادن الجزائري السيد شكيب خليل،
تعني أن منظمة الأقطار المصدرة للنفط لا تستبعد حدوث زيادة جديدة في الانتاج
إذا احتاجت السوق النفطية ذلك، كما تعني في نفس الوقت ان الدول الأعضاء في المنظمة
لن يترددوا في خفض كمية الانتاج إذا ما شعروا بأي خطر أو تهديد لأسعار النفط
المطبقة حالياً عند الخروج من فصل الشتاء الذي يستهلك كميات كبيرة من
الوقود.
لقد فضلت منظمة الأوبك أن تمنح نفسها المزيد من الوقت للتفكير والترقب
قبل إتخاذ قرار بهذا الشأن لذلك لم يصدر عن اجتماع فيينا الذي عقد يوم الاثنين 13
نوفمبر أي جديد في موقف المنظمة .
لقد سبق للكارتل النفطي أن أجرى أربع زيادات
في كمية الانتاج وصل مجموعها إلى 3،7 مليون برميل منذ بداية العام
الحالي وتعتقد الدول الأعضاء أنها قدمت كل ما كان يُنتظر منها. فوزير النفط
الفنزويلي علي رودريغيز الذي خلف الوزير النيجيري ريلوان لقمان في منصب
الأمين العام للمنظمة ، يعتقد أن المنظمة أدت واجبها تجاه السوق وأكثر . وبرأيه فإن
السعر المرتفع الحالي للنفط ليس بسبب منظمة الأوبك أو بسبب كميات الانتاج بل
يجب البحث عنه في أماكن أخرى ، خاصة من جانب مصافي النفط الأمريكية ومشاكلها
المتعلقة بطاقتها الانتاجية إضافة إلى الضرائب التي تفرضها الدول المستهلكة .
وانطلاقاً من مبدأ كفاية السوق من النفط الخام فسوف لن يعدل الكارتل النفطي عرضه
إلا في حالات الضرورة القصوى .
إن ما تبحث عنه الأوبك هو استقرار الأسعار
كما شدد السيد شكيب خليل . وهذه إجابة غير مباشر على قلق دول منتدى التعاون
الاقليمي لبلدان آسيا ـ الباسيفيك التي كانت تنتظر من منظمة الأوبك
زيارة في انتاجها لسد احتياجاتها الاضافية في فصل الشتاء .ولو جاء الشتاء
قاسياً فسوف لن تتردد المنظمة في رفع حصص الانتاج، وان آلية تعديل كمية
الانتاج حسب الحاجة التي اقرت في شهر آذار الماضي مازالت في حيز التنفيذ وسارية
المفعول وهي تعمل وفق قاعدة " العرض والطلب " . وفي كل مرة يطلب منها إجراء
التعديل تبادر المنظمة إلى تحليل حالة الاحتياط النفطي العالمي وما فيه
من مخزون والظروف الاقتصادي العالمية وعواقب فصل الشتاء ، ولكن استناداً إلى
تجارب الماضي فمن المعروف أنه من السهل فتح حنيفة النفط ولكن من الصعب
غلقها.
والجدير بالذكر أن حصص الانتاج في المنظمة تتوزع على الشكل التالي :
العربية السعودية 8،67 مليون برميل ، إيران 3،92 مليون برميل ،
فنزويلا 3،08 مليون برميل ، الإمارات العربية المتحدة 2،33 مليون برميل ،
نيجيريا 2،20 مليون برميل ، الكويت 2،14 مليون برميل والعراق حوالي 2،3 مليون
برميل في إطار اتفاق النفط مقابل الغذاء فيصل الانتاج الكلي للمنظمة إلى حوالي 30
مليون برميل في اليوم وهو أعلى مستوى بلغه سقف الانتاج للمنظمة وبرغم الزيادات لم
يحصل أي تأثير على الأسعار التي ظلت تتراواح بين 22 و 28 دولار للبرميل
الواحة وتصل أحياناً إلى 30 دولار للبرميل .
عرفات وباراك يبحثان عن إستراتيجية
في
خضم تفاقم الوضع في الأراضي المحتلة وتصاعد العنف الذي أدى إلى مزيد من القتلى
والجرحى في انتفاضة القدس في كل يوم خاصة يوم أمس بمناسبة الاحتفال بيوم الاستقلال
الرمزي لفلسطين الذي يترافق مع تاريخ الإعلان الرمزي للدولة الفلسطينية في 15
نوفمبر 1988 في الجزائر ، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقتل ثمانية فلسطينيين
وجرح سبعة آخرين واعتقال خمسة عشر مسؤولاً في منظمة فتح وهي حركة السيد ياسر علافات
من بينهم ستة اشقاء وكلهم أعضاء في " التنظيم " وهي تسمية أطلقتها السلطات
الإسرائيلية لوصف مجموع الميليشيات الفلسطينية التي تقود الانتفاضة ومن بينها
فتح وتدرس الحكومة الإسرائيلية برئاسة إيهود باراك سبل الرد على مقتل أربعة
إسرائيليين في كمينين يوم الإثنين الماضي .
فإسرائيل والفلسطينيين يبحثون
في نفس الوقت عن إستراتيجية ما . فقد هدد إيهود باراك قائلاً : " إن قوات الأمن
ستصل إلى كل من يهاجم الجنود والمدنيين الإسرائيليين ". وأضاف وزير
الاتصالات بينيامين بن اليعازر ورئيس الوزراء بالوكالة لحين عودة باراك من
الولايات المتحدة الأمريكية ، : " إن من يعتقدون أنهم وحدهم الذين
يعانون من جهتهم فهم مخطئون . سنحاصرهم واحداً بعد الآخر ولن يفلت منهم أحد
من قبضتنا ولو احتاج هذا الأمر شهراً أو عاماً لكننا سنقبض عليهم جميعاً وما حدث
يوم أمس هو بلا شك بداية لسلسلة من الأعمال " ان هذه" الأعمال" التي أشار إليها
الوزير الإسرائيلي قد بدأت بالفعل قبل عدة أيام بإطلاق صاروخ من طائرة
هليكوبتر إسرائيلية على سيارة أحد الزعماء المحليين لمنظمة فتح في بيت لحم
وهو حسين عبيات في شارع يقع داخل قرية بيت ساحور وأدى إلى مقتل شخصين آخرين من
المارة ويحاول الجيش الإسرائيلي البحث عن افضل السبل لردع الانتفاضة وان الرد
العسكري الإسرائيلي ينطوي على رسالة سياسية ايضاً . فالاعتقالات تمت في المنطقة
الواقعة كلياً تحت الاحتلال الإسرائيلي سواء من الناحية العسكرية أو من الناحية
المدنية . إن دخول الوحدات الإسرائيلية الخاصة إلى المنطقة " أ " ، الواقعة
تحت إدارة السلطة الفلسطينية سيشكل تصعيداً وتفاقماً للموقف .لم تتجاوز القوات
الخاصة هذا الحد بعد حتى يوم أمس الأربعاء ورد مروان برغوثي قائدة انتفاضة القدس
الميداني :" إن الاعتقالات التي نفذتها اسرائيل والضربات العقابية لن توقف
الانتفاضة ولن تمنعها من الاستمرار حتى التحرير " رغم سقوط ثمانية شهداء جدد من
بينهم صبي بعمر السادسة عشر . لقد اصدر المجلس الأعلى للأمن أمراً لكل "
القناصة المجهولين " لوقف النار . ولا تعترف السلطة الفلسطينية بمسؤولية مباشرة عن
المدنيين المسلحين .
لكن إطلاق النار إستمر في رام الله وجاء الرد الإسرائيلي
عنيفاً بإطلاق المدافع الرشاشة والقذائف الصاروخية على مصادر النيران الفلسطينية
والمدافع الثقيلة . وسقطت النيران على مبنى فلسطيني رسمي وهو وزارة الشؤون المحلية
التي يقودها صائب عريقات أحد المفاوضين الرئيسيين في سيرورة السلام عن الجانب
الفلسطيني. وهذا يشكل بدوره رسالة سياسية لصائب عريقات شخصياً. فرد حسين الشيخ ،
أحد قادة فتح في الضفة الغربية قائلاً : " سيظل الجيش الإسرائيلي
والمستوطنين أهدافاً لأبطال الانتفاضة " علماً بإن الفلسطينيين لم يهاجموا بشكل
مباشر إلى الآن أية مستوطنة إسرائيلية . ولم تصل الأمور حتى الآن إلى الحد
الأسوء لكن ذلك ليس بمستحيل .
فالفلسطينيون بدأوا يطالبون بترحيل
المستوطنين من الضفة الغربية وغزة المحتلتين بعد عام 1967 تمهيداً لإعلان الدولة
الفلسطينية المستقلة وقد أخذ الجيش الإسرائيلي هذا النداء مأخذ الجدية ووضعت القوات
الإسرائلية في حالة استنفار قصوى. وعند عودة باراك من الولايات لمتحدة الأمريكية
اجتمع بأعضاء وزارته وبالمستشارين العسكريين والخبراء الإسرائيليين في المجال
الأمني ، مع عدم إستبعاد إستئناف الجهود الدبلوماسية بمناسبة مراسم دفن السيدة ليا
رابين زوجة رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين فقد التقى المبعوث الأمريكي للشرق
الأوسط دنيس روس بياسر عرفات في غزة والتقى وزير الخارجية إيغور غيفانوف بنظيره
الإسرائيلي شلومو بن عامي للتباحث في هذا الموضوع ـ أي موضوع الوساطة لإيجاد
حل سلميللأوضاع المتفجرة ـ .
تتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط شديد من
الشارع اليمني وخاصة المستوطنين للسماح للجيش بالرد ودخول المناطق الفلسطينية
وقمع الانتفاضة واستخدام اسلوب الشدة والتخلي عن سياسة ضبط النفس التي يمارسها
إيهود باراك حالياً . وكانت السيدة ماري روبنسون المفوضة السامية لحقوق الانسان في
الأمم المتحدة قد صرحت بأنها سترفع تقريراً للجمعية العمومية عن انتهاكات حقوق
الانسان التي شهدتها بنفسها في الراضي المحتلة قائلة : " سيتضمن تقريري ما شهدته
بنفسي " وذلك بعد التقائها بالأمين العام للجامعة العربي الدكتور أحمد عصمت عبد
المجيد وبوزير الخارجية المصري عمر موسى . وقد صرح الدكتور أحمد عصمت عبد المجيد :
" أعلمتني السيد روبنسون بكافة الجرائم التي ارتكبتها غسرائيل والتي شهدت
عليها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة " . وأخيراً فإن الطرفين
الرسميين ، الفلسطيني والإسرائيلي ، يتخبطان في مأزق الانتفاضة التي دخلت في
طريق مسدود وما زالا يبحثان عن مخرج دبلوماسي وسط تفاقهم لحالة العنف على أرض
الواقع .
منطق الحرب يستقر في إسرائيل والأراضي المحتلة
د.جواد بشارة ـ
باريس
مازال رئيس السلطة الفلسطينية السيد ياسر عرفات يعتقد
بإمكانية التوصل إلى سلام قبل نهاية فترة حكم بيل كلينتون التي تنتهي رسمياً
في 20 يناير / كانون الثاني 2001، حسب تصريحه يوم أمس الخميس. ورد عليه رئيس
الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك بصورة حاسمة مستبعداً هذا الاحتمال كلياً بعد أن
قدم لوحة سوداوية للوضع القائم :" في ظل حالة العنف السائدة حالياً ، لاتوجد
أية فرصة للتفاوض بشكل جدي " وتنبأ بصراع حامي وطويل بين إسرائيل
والفلسطينيين مضيفاً "ان الرد العسكري الشديد لا يضع نهاية لسبعة اسابيع من
اراقة الدماء " .
لكن هذه التصريحات المتبادلة والمتأرجحة بين الشد
والجذب والمزايدات والترهيب والترغيب لاتعكس حقيقة الموقف تماماً .
عندما
أطلق ياسر عرفات في 22 أكتوبر الماضي عبارته القاسية ضد باراك في مؤتمر القمة
العربية " ليذهب إلى الجحيم " رداً على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن " وقف
العملية السلمية " علّق إيهود باراك أمام المقربين منه على تصريح عرفات قائلاً : "
يريدني أن أذهب للجحيم للالتحاق به لمواصلة المفاوضات " ..
من المؤكد أن
حالة من الاضطراب والحيرة تسيطر على قادة الدولة العبرية فهم لا يعرفون ماذا
يريد عرفات . فبالرغم من تطمينات العسكريين الإسرائيليين بأنهم يمسكون بزمام الأمور
في ايديهم بفضل قوتهم العسكرية الكاسحة وتفوقهم العسكري الذي لا جدال فيه ،
إلا أنهم يواجهون هم وشعبهم معضلة عدم نجاحهم في إقناع الرأي العام العالمي
بشمروعية سلوكهم بالرغم من سيطرة حلفائهم وأصدقائهم في اللوبيات الصهيونية
وقوى الضغط على أغلب وسائل الإعلام الدولية . ومهما فعلوا فإن الحقيقة بادية للعيان
وهي صورة القوي المدجج بالسلاح ضد الضعيف الأعزل المسلح بالحجارة ، أي انعكاس
اسطورة ديفيد وكولياث . وهم يشعرون بصعوبة إسماع صوتهم وأنهم في موضع الاتهام
وخارج حظيرة الدول .
إن التدقيق في التحولات اليومية والمشاعر
الشعبية داخل إسرائيل يعكس حالة القلق من هذه العزلة الدولية .فعرفات لم يطلق
كلمة واحدة تفصح عن نواياه الحقيقية وتوضح اختياراته. فيكتفي بالمطالبة
بانسحاب القوات الاسرائيلية إلى مواقعها السابقة قبل الانتفاضة وتشكيل لجنة
تحقيق دولية تحت اشراف الأمم المتحدة ووضع قوات دولية فاصلة لحماية الشعب
الفلسطيني من همجية ووحشية جنود الجيش الاسرائيلي.
ويتساءل
الزعماء الاسرائيليون حول معنى محدودية هذه المطالب وهل من المعقول أنها هي
فقط الأهداف المعلنة الوحيدة لحركة عنيفة أدت إلى استشهاد مايزيد على الـ 200
قتيل ومئات الجرحى ومرشحة للمزيد من القتلى في الأيام القادمة ؟ يأتيهم الجواب
بصورة غير مباشرة على لسان مروان برغوثي القائد الميداني لأنتفاضة القدس عندما يصرح
بأن " الانتفاضة ستستمر طالما بقي الاحتلال " . المقربين من إيهود باراك
يعتروفون همساً أن ياسر عرفات قدم في كامب ديفيد الثاينة " تنازلات مهمة ولن
يمكنه أن يقدم أكثر منها" . "فالقدس ليست ملكه وليس من صلاحياته البت في مصيرها
وتقديم المزيد من التنازلات بشأنها " . ويعتقد خبير إسرائيلي آخر " أن عرفات
استراتيجي فاشل لكنه تكتيكي ماهر " ويعرف كيف يقتنص الفرص فهو يعرف أن الانتفاضة
اندلعت ضده وضد سياسته بقدر ما هي ضد الاسرائيليين . بينما علق أحد المعلقين
الأمريكيين هو ادوارد لوتفاك قائلاً : " ان ياسر عرفات يرتكب كل عشر سنوات خطأ
جسيماً ، فهو يراهن بكل ما ربحه وأنجزه خلال هذه الفترة بلعبة بوكر" . ويضرب
على ذلك أمثلة متعددة على قائمة الاخفاقات التي واجهها ياسر عرفات : في أيلول
الأسود عام 1970 وفقدان قاعدته الاستراتيجية في الأردن بعد معارك دامية ، هروبه من
بيروت بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 موقفه الخاطيء في حرب الخليج
الثانية وتأييده لحصان خاسر فيها هو صدام حسين وخسارته للدعم والتأييد الخليجي
المادي والمعنوي ، موقفه الضعيف في قمة كامب ديفيد الثانية في تموز 2000 .
ويأمل القادة الاسرائيليين أن يحالفهم الحظ هذه المرة أيضاً ويتعرض ياسر عرفات
لأخفاق ذريع في خياراته الحالية .
لذلك وطدت اسرائيل نفسها على قبول الأمر
الواقع والعيش في حالة حرب مجذرة حالة فقدان الثقة بين الطرفين المتحاربين ، حتى لو
كان الخط الرسمي المعلن هو الاستعداد لاستئناف المفاوضات، لكن الحاجز النفسي
المتأزم بين الجانبين يجعل من المستحيل تصور إمكانية إجراء النقاشات في وقت قريب
.لقد اتخذت الانتفاظة انعطافة أخرى فلم تعد انتفاضة حجارة فقط بل تبادل نيران ضد
الجنود والمستوطنين والميليشيات المسلحة المدنية الخارجة عن إرادة السلطة
الفلسطينية ويرد الجيش الاسرائيلي يومياً بعمليات قصف بالمدفعية الثقيلة وطائرات
الهليكوبتر والصواريخ والقذائف المدمرة التي تستخم في الحرب الحقيقية التقليدية
والضحايا هم في غالبيتهم من الفلسطينيين إلى جانب عدد قليل من جنود الاحتلال
الاسرئيلي الذين بدأوا يسقطون قتلى أو جرحى .
التصعيد العسكري مرشح
للتفاقم .والحرب الاقتصادية بدأت.فقد هددت شركة الكهرباء الاسرائيلية بقطع التيار
الكهربائي عن المناطق الفلسطينية وهذا بحد ذاته يشكل ضغط اقتصادياً ـ سياسياً
على السلطة الفلسطينية ويعتبر بمثابة الاشارة المادية والعملية الأولى لما سيكون
عليه " الانفصال " عن الفلسطينيين .
يستحيل على اسرائيل زج آلتها العسكرية
الجبارة ضد الفلسطينيين العزل والقتال في مناطق صغيرة ومحدودة المساحة . هناك
تكهنات لم تطرح بعد على الشارع يجري تداولها بين عدد محدود من المسؤولين
الاسرائيليين حول امكانية التخلي عن أكبر مساحة ممكنة أمنياً من أراضي الضفة
الغربية وهجر بعض المستوطنات المزروعة داخل المناطق الفلسطينية وجذبها لحدود الخامس
من حزيران 1967 لتعزيز حمايتها مع ابقاء السيطرة الاسرائيلية على وادي الأردن
.
لقد بدأ الشارع الاسرائيلي يتململ تجاه الفلسطينيين " ليتركونا
بسلام وكل واحد في مكانه " فلقد دب الملل والتعب في نفوس الاسرائيليين
بعد ثلاثين عاماً من احتلال الضفة الغربية وغزة ويأملون بهدوء ولو نسبي على جبهات
المواجهة .وأول خطوة في هذا لمجال حرمان 12000 فلسطيني من أعمالهم داخل
اسرائيل منذ شهر ونصف والسؤال إلى متى سيتحمل الفلسطينيون هذا الوضع المزري
؟
هل
تعاني أوروبا من عقدة الدونية ؟
مازال يبدو للكثيرين أن أوروبا تشك في
نفسها . من انحدار قيمة العملة الأوروبية الموحدة ـ اليورو ـ إلى استمرار الركود في
التنمية ـ مروراً بالصعوبات التي تواجهها أوربا في ميدان الاصلاحات البنيوية
واستحالة التوصل إلى الاتفاق حول مستقبل سياسي موحد يتأرجح بين الفيدرالية
والكونفدرالية والاتحاد الشكلي ، وغير ذلك من المشاكل الحادة والأسباب التي
تدعو للقلق من المستقبل . وفي ما يشبه عملية الجلد الذاتي والاعتراف
الكنسي لتحرير النفوس ، يقوم القادة والزعماء الأوربيون بعرض قاموس للأخطاء
والسلوكيات، خاصة عندما يتوجهون إلى جمهور يضم بين صفوفه أمريكيين . وهؤلاء
الأخيرين يصيبهم الخيلاء والغرور لأن ذلك يكرسهم في دور المتفوقين الذين يؤيدون هذا
التشخيص ويقولون إن على أوربا أن ترفع نفسها لتصل إلى مصاف ومستوى الولايات المتحدة
الأمريكية .
مرت فترة زمنية كان على الأوروبيين استخدام خطاب " ألماني " الملامح
لكي يأخذهم الآخرون على محمل الجد ، واليوم صار عليهم استخدام خطاب " أمريكي "
الملامح .
فماذا يقول الأوروبيون عن أنفسهم ؟
أن عملتهم اليورو ضعيفة
بنيوياً وتكوينياً وأن أوروبا منطقة متكلسة ، وبسبب ديماغوغية قادتها ،وإنه
لايمكن إجراء أية إصلاحات جدية طموحة فيها . وبرؤية تسرّع الحكومات باتخاذ القرارات
المرتجلة والسيئة بحجة تخفيف كاهل شعوبهم ولو جزئياً من تبعات وانعكاسات "
الصدمة انفطية المصغرة " أو خفض الضرائب بدلاً من خفض العجز في الميزانية ،
وبالتالي ، وبعد كل ما قيل ، فكيف يمكن تصور إمكانية القيام بإصلاحات بنيوية
جذرية ومؤلمة في صلب التركيبة الأوروبية ، وهي بالضرورة مؤلمة ،إذ من
شأنها في نهاية المطاف اتاحة الفرصة لأوروبا الاستفادة من نتائج الاقتصاد الجديد ؟
بل أكثر من ذلك ، يقولون أن أوروبا ـ أو بعض أعضائها ـ لم تتردد في التخلي عن
سياسة التقوى الاجتماعية وربط الشغيلة بثمار التوسع ، لذا لايجب أن تصيبنا
الدهشة من انطفاء بريق التنمية الأوروبية سريعاً فقيود العرض التي تصطدم بها القارة
العجوزة هي التي تعوقها من ملاقاة مجال واسع من التوسع والانتعاش الاقتصادي
الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم .
من الاجحاف عقد مقارنةبين
الاتحاد الأوروبي ـ الذي لم يصبح بعد الولايات المتحدة الأوروبية ـ والولايات
المتحدة الأمريكية في سنوات التسعينات كما لو كان الاقتصاد على ضفتي المحيط
الأطلسي قد شهد نفس الظروف والشروط ، وان أوروبا تقهقرت باتجاه التردي بسبب نظام
الحماية الاجتماعية الذي اتبعته، بينما تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية
باتجاه الترقي بسبب عدم تبنيها لمثل هذا النظام المُكْلف .
والحال، يجدر بنا
القول أن أوربا لم تواجه نفس الظروف القاهرة التي واجهتها حليفتها على الطرف الآخر
من الأطلسي . فقد عاشت أوروبا عقد التسعينات الحافل بالتغيرات البنيوية من الحجم
الكبير : توحيد الألمانيتين ، السوق المشتركة ، خلق العملة الموحدة ـ اليورو
ـ ، و محاولة تاسيس جيش أوروبي موحدة أو قوات أوروبية سريعة التدخل.
لذا ليس من
الانصاف اتهام أوروبا بالجمود البنيوي والعجز في اللحاق بركب التقدم والتنمية
الكونية. فهي ربما تكون قد تحركت وحققت قفزات في العقد الماضي أكثر مما حققته في
العقود السابقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، ومن المؤكد أن ما حققته أوروبا
من منجزات في ظل الظروف التي ذكرناها آنفاً ، يفوق ما حققته الولايات المتحدة
الأمريكية لو كان عليها أن تواجه أو تتحمل أعباء جزء مما تحملته أوروبا . لكن
هذا لاينفي حقيقة أن السياسيين الذين رافقوا هذه التحولات والتغييرات كان
بعضهم من الحمقى وعديمي المهارة وغير موفقين في مساعيهم على فرض توفر حسن
النوايا لديهم ، وان ما تحقق لهو بمثابة استثمارات وانجازات هائلة لايمكن تجاهل
قيمتها إلا إذا أسأنا تقدير أهميتها .
إن ماحصل يمثل بالفعل إصلاحات
جوهرية وبنيوية هائلة لاتحصل إلا نادراً بهذا الحجم في قرن واحد . وإذا قارنا ما
حققته أوروبا من إصلاحات بنيوية تلام عليها اليوم ، وبشكل خاص الحماية
الاجتماعية أو الضمان الصحي وحق العمل ، في نفس الفترة، بما ذكرناه من تغيرات
جبارة( كالوحة الأوروبية والعملة الموحدة والسوق المشتركة ، وتوحيد ألمانيا )
، فإنها تبدو متواضعة وخجولة .
فالسوق الأوروبية المشتركة ، المعجّل أو
المسرّع القوي لعجلة التنافس حوّل الجهاز الانتاجي الأوروبي نحو الفعالية
القصوى وأنجز سبع نقاط اضافية في معيار التنمية العالمي . وبالرغم من التباطؤ
النسبي الذي عرفته مسيرة التنمية في سنوات 1991 ـ 1997 ، إلا أن النتائج الايجابية
للسوق الأوروبية الكبرى ستظهر إن عاجلاً أم آجلا وبشكل مؤكد .
أما العملة
الموحدة ـ اليورو ـ فهي الاستجابة القصوى لأوروبا منذ نهاية نظام " بريتون وود "
الاقتصادي العالمي. لقد تأخر اصدار العملة الموحدة ثلاثين عاماً لكنه وقت قصيرة
بالقياس إلى جسامة هذه الخطوة على الصعد السياسية والتاريخية والاقتصادية .
إن كلفة الاستقرار الاقتصادي والنقدي أكبر كثيراً في منطقة تتسم
بتعدد العملات النقدية ، عنها في منطقة تتسم بعملة واحدة . فقد اجتازت أوروبا
بفضل العملة الموحدة ، أعاصير عنيفة كان يمكن أن تطيح بها لو لم يكن لديها عملة
موحدة : صدمة تضخم هائلة ، الأزمة الآسيوية ، ارتفاع اسعر النفط الخام ، المنافسة
الأمريكية الشرسة ، الخ وعنما يطرح الجدل الدائر بهذا الصدد ذريعة أن ضعف
اليورو هو دلالة على ضعف أوروبا وعلامة رمزية على تكلس البلدان الأوربية العتيقة في
بناها الاجتماعية ، علينا أن نرد بأنه يجب أن نعرف حقيقة وهي أن العملات الأوروبية
كانت مرتفعة القيمة بشكل مصطنع ومبالغ فيه بالمقارنة بالدولار قبل إنشاء
العملة الموحدة الأوروبية ـ اليورو ـ وان هذه الأخيرة قد أعاقت التقييم المبالغ
به للعملات المحلية الأوروبية . فكل فترة ارتفاع قسري في قيمة الصرف
يقابلها حتماً فترة هبوط في تلك القيمة كما حصل للدولار نفسه فقد وصل
في فترة معينة إلى اقل من خمس فرنكات فرنسية عام 1995 ووصل اليوم إلى أكثر من سبع
فرنكات ونصف الفرنك .وإن البنك المركزي الأوروبي لم يتدخل في فرض قيمة صرف مصطنعة
لليورو حرصاً منه على المحافظة على مستوى التضخم وما يعاني منه اليوم ليس بالخطير
بل يمكن وصفه بالمزعج ليس أكثر .
وبما أن الأوروبيين لم يقيموا بشكل صحيح قيمة
ما أنجزوه ، فهم يلومون أنفسهم ويغرقون في عقدة النقص والدونية . يقولون أن أوروبا
أهملت الأمر الأساسي المتمثل بصيغة أن المستقبل يتجسد في القدرة على التجديد في
المجتمعات الأوروبية وفي قابليتها على تحشيد وتعبئة الذكاء والمال في نفس
الوقت لتحقيق السبق في مجالات التكنولوجيا الحديثة والاتصالات والتكنولوجيا
الحيوية والبيو ـ تكنولوجيا ـ ( الهندسة الوراثية والجينات والاستنساخ الخ )
، لذا ينبغي على أوروبا بالفعل أن تبذل جهوداً قصوى في مجال البحوث
والتطوير حتى لاتبدو بنياتها قديمة وغير ملائمة لأن المقصود هنا ليس اقل من الاعداد
للمستقبل .
تفاقم الوضع في الشرق الأوسط
يبدو أن سيناريو كارثي
بدأ يدور في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وقد تمتد فصوله لتشمل المنطقة كلها. غداة
نهار دموي بدأ بانفجار ضد حافلة مدرسية للمستوطنين اليهود وانتهى بغارات إسرائيلية
على قطاع غزة ، إقتنع الجميع بأمر بديهي مفاده : بعد سبعة أسابيع من بداية
الانتفاضة الجديدة ، دخلت المنطقة في حالة حرب حقيقية وفي دوامة عنف لا يوجد سبيل
للخروج منها . كتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية أمس أن " بعض الدلائل كانت تشير إلى
الاقتراب من نهاية الأزمة مع الفلسطينيين ، ولكن ذلك لم يكن سوى أوهاماً " .
بدأت حلقة جديدة من العنف أكثر رعباً وأكثر دموية من الحلقة السابقة ، إنها حرب دون
مخرج .
ويبدو ، أيضاً ، أن الأزمة تسير نحو الانتشار اقليمياً . يدل
استدعاء السفير المصري في اسرائيل ( حدث لم يسبق له مثيل منذ عام 1982 ) على
أن الدول العربية المجاورة لإسرائيل قد بدأ ينفذ صبرها. كانت مصر والأردن تعتبران
الدولتان الحليفتان لإسرائيل داخل العالم العربي. استدعت الأولى سفيرها احتجاجاً
على الاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين. في حديث لوزير الخارجية المصري، قال :
" تعتبر دعوة السفير المصري إشارة هامة وواضحة يتوجب على الاسرائيليين أن يستوعبوها
" .
أما الأردن ، فإنه يجد صعوبة قصوى في مقاومة الضغوط الجماهيرية التي تطالب
بالانفصال عن الدولة العبرية. تعتبر محاولة اغتيال نائب القنصل الاسرائيلي في عمان
يوم الأحد الماضي ( أصيب بجروح ) دليلاً على تفاقم شدة العداء لإسرائيل في البلاد.
وفي مواجهة دوامة العنف الخطيرة هذه ، دعا وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين (عندما
كان في عمان ) إلى الهدوء . أعلن بعد محادثاته مع الملك الأردني عبد الله الثاني أن
" الوقت قد حان للعودة إلى مائدة المفاوضات " . وقد أعربت موسكو أيضاً ، عن قلقها ،
ودعت المجموعة العالمية إلى التدخل بشكل أكثر جدية للحيلولة دون تفاقم الوضع إلى
درجة لايمكن السيطرة عليه .
ولكن يبدو أن الوضع وصل إلى هذه الدرجة . أمس ،
سمح للبوليس الفلسطيني باستخدام السلاح في الضفة الغربية وغزة في حالة ما إذا
أطلق الجيش الإسرائيلي النار على المتظاهرين . وفي الطرف الإسرائيلي ، فإن دعاة
الحرب قد ازدادوا عدداً ، وأصبحوا يمثلون الأغلبية . وفي مواجهة الاتهام بالخمول
والليونة الذي يوجهه إليه اليمين ، وبعدم القدرة وعدم الكفاءة الذي يوجهه
إليه اليسار، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه في حالة ضعف مطلق : تخلى عنه
الجميع، بما فيهم الأنصار والحلفاء. أما حزب شاس ( الديني ) الذي كان قد منحه
المساندة على مدار شهر مقابل معونات مالية سخية لشبكته المدرسية ، فقد أعلن أنه
سيسحب هذه المساندة في السبوع المقبل، في الوقت الذي يستعد فيه الليكود لتقديم
مشروع قانون حل الكنيست وإجراء انتخابات مسبقة .
هكذا ، يمكن القول باختصار أن
الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين أصبحت تشبه تلك التي دارت بين حزب الله
وإسرائيل : ستكون حرباً طويلة دون آفاق حل . يعتقد الكثير من الفلسطينيين أنهم
سيطردون الجيش الإسرائيلي من أراضيهم بالشكل الذي طردهم فيه حزب الله من
الأراضي اللبنانية في الربيع الماضي. وعلى غرار ما فعلوا على مدار سنوات في لبنان ،
ويعتقد زعماء إسرائيل أنه لا يوجد حل سوى القصف الجوي والمدفعي للمنشىت
والمواقع الفلسطينية ، وهو القصف الذي يقود إلى عمليات فلسطينية مضادة .
لا
يمتلك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ولا يمتلك رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود
باراك القدرة على وضع حد لدوامة العنف . تتعارض عملية الانفجار ضد الحافلة
الاسرائيلية يوم الاثنين مع تعليمات الرئيس ياسر عرفات . وتضع عمليات القصف
الإسرائيلي حداً لأوهام عودة المفاوضات. يبدو أن قرار القصف الجوي أتخذ ،
أولاً وقبل كل شيء لأسباب سياسية داخلية : من أجل انقاذ رئيس وزراء لم يعد أمامه أي
مستقبل سياسي .
ردود الفعل العربية على تفاقم الوضع في الشرق الأوسط
لا يكفي
القرار لإثارة حماسة الجماهير، ولا يلبي رغبتها بشكل كامل . ولكن دعوة السفير
المصري إلى القاهرة يوم الثلاثاء 21 نوفمبر ولفترة غير محدودة يعتبر منعطفاً
هاماً في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية ، ويشكل مفجأة لم يكن زعماء إسرائيل
بيتوقعونها. كان السفير محمد بسيوني يعتبر وجهاً بارزاً في اللقاءات الدبلوماسية في
الحياة السياسية الإسرائيلية . ورغم أن أوساط تل أبيب تقول أن هذه المغادرة لاتؤدي
إلى إعادة النظر في العلاقات بين الدولتين ، إلا أنها تلقي ضوءاً ساطعاً على تدهور
صورة الدولة العبرية في العالم العربي بعمق القصف الجوي الكثيف الذي شنته الطائرات
والبحرية الاسرائيلية على المنشآت الفلسطينية في غزة في اليوم السابق .
ولكن
الرئيس المصري حسني مبارك ، عندما أتخذ قرار سحب السفير المصري " للمشاورة "
تعبيراً عن " الاستياء الشديد " إزاء " الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب
الفلسطيني " ، أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد : الضغط على إسرائيل ، وإرضاء الرأي
العام العربي ، وخصوصاً المصري . تعتبر مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية
مع إسرائيل ( منذ عام 1982 ) ، وساهمت بشكل فعال في إقناع الدول العربية الأخرى
الأعضاء في جامعة الدول العربية بضرورة مساندة مشروع السلام، ولعب رئيسها دوراً
هاماً في الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين . ولهذا السبب بالذات ، فإن
الإسرائيليين والأمريكيين لا يرغبون إثارة إستياء مصر .
وقد أكد ذلك الناطق
بلسان البنتاغون ( كينيث براون ) الذي يرافق وزير الدفاع الأمريكي في رحلته الشرق
أوسطية: " لعبت مصر دائماً دوراً هاماً في مشروع السلام ، ونرغب في أن تستمر على
هذه الصورة " . بل إن مصر تتمسك بهذا الدور أيضاً ، يقول وزير الخارجية المصري : "
ستستمر مصر في نشاطها للمحافظة على آفاق مشروع السلام " .كانت فكرة استدعاء السفير
المصري شائعة منذ اسابيع . ولكن مصر كانت تتردد خشية إجراءات عقابية يتخذها
الكونغرس الأمريكي ضدها . منذ التوقيع على معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979،
تمنح واشنطن مصر مساعدة اقتصادية مقدارها 2 مليار دولار تخضع في كل سنة لموافقة
الكونغرس الأمريكي . ولكن عملية القصف الجوي الوحشي على أهداف تابعة للسلطة
الفلسطينية منحت الرئيس المصري مبررات إستدعاء السفير .يتطابق القرار المصري مع
قرارات القمة العربية التي انعقدت في القاهرة في 21 و 22 أكتوبر ، التي دعت
الدول العربية التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلى " تجميدها " . ويسمح ،
أيضاً ، للرئيس المصري حسني مبارك بإرضاء الرأي العام المصري الذي تطالب
غالبيته الساحقة بقطع العلاقات بشكل كامل مع الدولة العبرية. إنها المرة الثانية
التي يتخذ فيها قرار من هذا النوع منذ ثمانية عشر عاماً. كانت المرة الأولى في عام
1982 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا . استمرت عملية استدعاء
السفير في ذلك الوقت أربع سنوات .
لم تكن مصر الدولة العربية الوحيدة التي أعربت
عن إستيائها إزاء ما دعته الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، بالاستخدام
المفرط للعنف ضد الفلسطينيين. طالبت جميع العواصم العربية بتقديم الحماية العالمية
للشعب الفلسطيني.
دعا الملك الأردني إلى الوقف الفوري للإعتداءات الإسرائيلية ،
واحتفظ بقرار تأجيل إرسال السفير الأردني الجديد إلى إسرائيل . ودعا الأمين العام
للجامعة العربية الأمم المتحدة إلى إتخاذ إجراءات سريعة لوضع حد للعنف
الإسرائيلي . وصفت دمشق الدولة العبرية بأنها تستخدم أساليب نازية. أما الصحافة
السعودية ، فإنها أدانت سكوت المجموعة الدولية تجاه عمليات الإبادة الجماعية التي
ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.