محمد بوتشكيل
الحوار المتمدن-العدد: 4131 - 2013 / 6 / 22 - 09:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
1- تقديم عام:
تعتبر رقصة ترحالت من أنواع الفنون الشعبية الأمازيغية المحلية لقبيلة اد براهيم إلى جانب الفنون الأخرى,كرقصة أحواش,درست,والناقوس,الهرمة,الحضرت,أحواش نتفرخين ,وكلها أشكال فنية أصيلة,إذ تعتبر أرثا حضاريا ثقافيا و فنيا توارثه الأجيال من جيل إلى جيل,فهي بذلك تعبير عن نمط التنشئة الاجتماعية والثقافية في قالب فني يحيل إلى منظومة قيم أخلاقية و سلوكية تحافظ على البنية الاجتماعية للقبيلة.
رقصة ترحالت من الرقصات التي يمارسها الرجال والنساء على حد السواء,سميت بذلك الاسم نسبة إلى الرحل الذي يمارسون نمط العيش المتنقل,فهي تلازمهم في كل مراحل الترحال إلى الاستقرار الذي عرفته قبيلة ايت براهيم,فبقيت طقسا يلازمهم بالرغم من حالة الاستقرار,فأصبحت تمارس بالخصوص في موسم الحصاد,و فصل الربيع حيث تكون الأراضي خضراء و يكثر الكلأ. ولهذه الرقصة طقوس خاصة,إذ تمارس في الليالي المقمرة,وقد تكون بدعوة من شاب يحاول كسب ود فتاة من فتيات القبيلة,فيدعوها إلى مقارعة و منازعة شعرية,يحاول من خلالها معرفة مواقف الشابة عن الحياة العامة والحياة الزوجية في قالب شعري رائع,بعيدا عن مكان تجمع الخيام,فتتجه الفتاة بمعية صديقاتها إلى المكان المحدد,الذي يحدد بعلامة مسبقة,أو بإشعال النار,و تتناول هذه المقارعة الشعرية بالإضافة إلى ذلك مواضيع تناقش الشأن المحلي والإنساني.
2- وصف رقصة ترحالت:
تتميز رقصة ترحالت بكونها رقصة مختلطة يشارك فيها الذكور والإناث على حد السواء ولا تستعمل فيها الآلات و يتم الاكتفاء بالتصفيق بالأيدي والضرب بالأرجل,يشارك فيها بين 5 و 8 أفراد من كل جنس ,ينتظمون في صفين متقابلين .فتبدأ من طرف الفتى و الفتاة المتفقان بقول:
Lfal umlil s3d umlil amin amin.
في بداية الرقصة يكون الإيقاع بطيئا, ويكون بترديد بيت شعري من طرف الذكور:
Uhu --;-- hu , hu ,hu
و تردد الفتيات:
Ihi, hi , hi , hi
و عندما يستقرون على موضع واحد يرتفع الإيقاع ليصبح سريعا,بترديد الشطرين.
بعد ذلك يترأس كل طرف شاعر يتكلف بنظم الأشعار للرد على أشعار الطرف المقابل.
تتم رقصة ترحالت وفق الأشكال التالية:
- الانتقالات الأمامية: تكون حين ينظم طرف معين فيتقدم نحو الأمام,تعبيرا عن القوة والهجوم,تقابله انحناءة الطرف الأخر تعبيرا عن التواضع و الطاعة.
ذكور إناث ذكور إناث
- الانتقالات الجانبية:تكون بطيئة,قد لا يحس بها المشارك في الرقصة,كما يمكن أن تدل على التراضي بين الطرفين.
إناث ذكور
ذكور
إناث
3- دراسة تحليلية نقدية لأشعار رقصة ترحالت:
لا تستقيم رقصة ترحالت بمعزل عن الأشعار و المرددات التي يستعملها ممارسيها,فالعلاقة بين الرقص كتعبير جسدي و الغناء كتعبير صوتي,علاقة وطيدة أشبه بما يكون بعلاقة الجسد والروح ,فلأشعار رغم بساطة الكلمات و وضوح المعاني,التي يستقيها الشاعر من بيئته و محيطه,تظل مرتبطة بسياق معين تتفرد به يجعلها تصنف ضمن قائمة السهل الممتنع,إذ يستعصي على غير الملم بالبيئة المحلية و حيتياث الموضوع الذي يخوض فيه المتحاوران.
فيصعب علينا تحديد محددات الحوار الشعري في رمزيته و صوره الشعرية وايحائيتها في علاقة مع الأشكال الإبداعية الشعرية الأمازيغية و استبيان سياقاتها العامة. المرتبطة بالمكانة الاجتماعية والفكرية,الاعتبارية لقائل شعر ترحالت الذي يسعى إلى مناقشة وفهم وإقناع الطرف الأخر في حوار شعري بالغ الحكمة والبلاغة.
النموذج1:
- الشاعر:
Usiɣ-;---;-- l3win ad n ḥ-;---;--ujju imil uṛ-;---;--iɣ-;---;-- d
Yan i3dln an ḥ-;---;--ujju ɣ-;---;-- ufus nnk
Iwa tigni n ufud akk n tt akk namer
Imma amarg iffuɣ-;---;-- tasa nw
Ha n ur giɣ-;---;-- lqqaḍ-;---;--i wala rais
Lliɣ-;---;-- ijra iɣ-;---;--ka ad nsrs talluḥ-;---;--t
Ssuq igan ljdid is t3mmert
Ku yan d inna ɣ-;---;-- tujjan ar smssaɣ-;---;--n
Z3ma tt nit albaz allat nit ixf
Nkkin aiɣ-;---;--in largug inna tram nnkt
- الشاعرة:
Ur igi z3met awlidi ka iyyi ixassan
Is akka t3jjabɣ-;---;-- uhmv i kra ɣ-;---;-- mind
Immaggar kulu d ignna 3lanin
- الشاعر:
Ssuq n igldan afa n sawal
Illa mad yusin aḍ-;---;--ar an ka ẓ-;---;--urn
Ur akk issin i l3b ula iga winns
Nfrh a ljid iɣ-;---;-- ka dik nsallamɣ-;---;--
- الشاعرة:
Mani ira yan ad lli ur issin
Nttan ar ka giz s ndillifn iḍ-;---;--arn
- الشاعر:
Maniɣ-;---;-- kullu gaddan ait l3aql
Illa nit gan lḥ-;---;--aj ira an ka ẓ-;---;--urn
- الشاعرة:
iɣ-;---;-- nn ikcm kra s innaɣ-;---;-- ur xalidn
iknna n yufa id bab nns ilhu disn
islḥ-;---;--il ad ur ijlla ait l3aql
- الشاعر:
zud tisdal n lmizan ad gan mind
a ku yan d inna s uzn ara yawi
- الشاعرة:
ddunit kullu lmizan ad as iliqn
أشار الشاعر في بداية القصيدة انه كان قاصدا الحج, لكنه عدل عن قراره.ليحج بين يدي محاورته,ففصح لها في رغبته في الترحال و التنقل في صورة بلاغية رائعة مشبها تجواله وتحريكه لرجليه بخياطة الأرجل.فلم يعد يستهويه الشعر والرقص, كما انه ليس بقاض وشاعر ولما وقع له ما وقع تنازل عن كل شيء وتساءل عن السوق الجديد وهو كناية عن مقارعة شعرية جديدة,لينازل فيها محاورته طالبا منها أن تختار موضوعا لمناقشته.
تجيبه الشاعرة بان الشجاعة لا تنقصها وإنما تعجبت عن افتخار و ترفع و تكبر بعض الناس أمثال الشاعر كأنه يحمل السماء على كثفيه.فأجابها مستطردا بأنها لم تفهم مقصده,إذ كان يقصد سوق الملوك ولا يريد اللعب ولا الرقص وإنما الزيارة لكنها لم تقبل منه قوله و تساءلت عن سبب تطفله على الشعر و الرقص فيجيبها أن لكل شخص قدراته ومؤهلاته التي تختلف من شخص إلى أخر,فلامته بقولها أن من يقصد مجلسا لأول مرة عليه أن يتبع منهج من سبقوه حتى لا يثير غضبهم.
فقال لها أن الناس ككفتي الميزان و قيمة كل واحد تساوي ثقل كفة واحدة, فتختتم الشاعرة بقولها إن الدنيا كالميزان.
إن هذه القصيدة تتمحور حول دور ترحالت في حياة الرحل وذلك حينما شبه الشاعر رقصة ترحالت بالحج, و أن فن ترحالت لا يزاوله الهواة إلا المتمكنون من النظم و القص,و التأكيد على ضرورة إقصاء المتطفلين ولا يلجه إلا أصحاب العقول النيرة و الراجحة,فشبه الشاعر الإنسان بالميزان الذي لا يمكن تحميل كفتيه أكثر من طاقتها,فشبهت الشاعرة الدنيا في صورة شعرية بديعة بالميزان تعبيرا عن العدل والمساواة.
النموذج2:
- الشاعر:
Ldi tasglt ad ldiɣ-;---;-- ixf ifulu
Ad snnɣ-;---;-- mani s tmdim ay waliwn
- الشاعرة:
Alalla mluka aq ara mlat annɣ-;---;--
A talli ittarun suf ur ilin aḥ-;---;--lig
Iḍ-;---;--arn a sa trbbu arraw nns slḥ-;---;--n
- الشاعر:
Nkkin ur giɣ-;---;-- lqaḍ-;---;--i aillis midn
Awal iɣ-;---;-- tnniɣ-;---;-- rbbi ra tn ikml
A walayni tizwit af iddula wawal nnm
- الشاعرة:
Lm3na tga zund ajarif yattuyn
Ur as idrk mndun ait l3aql
تندرج هذه القصيدة ضمن الشعر الذي يهدف إلى التسلية و القصيدة برمتها عبارة عن لغز الهدف منه التودد و قياس درجة الذكاء.
ويكون ذلك بعد أن يبدأ الشاعر ببيت يتودد فيه إلى محاورته محاولا كسب ودها و ثقتها لكي يتحقق له ذلك,تطرح عليه لغزا رغم بساطة تعابيره,يعبر عنه بصور رمزية تصعب تحديده,فتطلب منه أن يحدد تلك التي تلد بالثدي و لا بطن لها و تربي أولادها بالأرجل فيكونون أولادا بارين صالحين,فيجيبها بأنه ليس قاضيا لكي يعرف مقصد محاورته وهي إحالة إلى انه شخص متواضع و غير مغرور,ثم انتقل إلى حل اللغز الذي هو النحل,الذي يشقى ويكد لصناعة العسل,بجمع الرحيق بأرجله,ومنه يصنع العسل الذي يقتات منه أبنائه فيكونون بدورهم مستعدين للعمل و الكد.
فأقرت بذلك الشاعرة بذكاء الشاعر وان العاقلين فقط هم من يدركون مقصد الكلام المرموز ومعاني الأشعار,و ذلك تشريفا لمكانة العقل و العقلاء عند الامازيغ الرحل.
خلاصة عامة:
من خلال النموذجين اللذين تم تقديمهما من شعر ترحالت,يظهر على انفتاح الرحل على الحكمة والعقلاء,و ارتباطهم بمجالهم الطبيعي الذي يستعملون الرمز و الصورة و الكناية و الحوار قصد التعبير عن همومهم و مشاكلهم و اهتماماتهم و تصورهم للحياة و القيم الأخلاقية و الاجتماعية,فيكون بذلك الشعر بمثابة أداة تواصلية إخبارية إعلامية تساهم في تناقل الأخبار و تعليمية و ترفيهية تؤخذ منها المواقف و الحكم.
#محمد_بوتشكيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟