وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4130 - 2013 / 6 / 21 - 12:48
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
الجذور الكهنوتية اليهودية لقبيلة الليمبا في زيمبابوي
ان المعلومات التي في خلايانا قد مرت من جيل الى جيل , فالمكتوب في شفرتنا الوراثية هو تاريخنا كنوع هجرتنا , معاركنا , بداية من اللحظة الاولى لميلاد البشرية , وقبل ذلك بكثير , لذا فمن الطبيعي ان يستخدم العلماء المعلومات للنظر الى الوراء في الزمن
ان فك شفرة جينوم الانسان يشبه قراءة كتاب ضخم . قراءة المعلومات في جينوم كل شخص يمكن ان تبين رواية شيقة لايمكن الوصول اليها باية طريقة اخرى .
تحكي قبيلة الليمبا Lemba رواية يصعب تصديقها . انها اسطورة يرويها الاباء للابناء دوما , وتحكي ان رجلا اسمه بويا هبط منذ ثلاثة الاف سنة الى الليمبا متجها من الاراضي التي تشغلها في الوقت الحاضر اسرائيل , اي فلسطين . تزعم الليمبا انها قبيلة ضائعة من سبط يهوذا .يزعمون انهم يهود وبعد رحلة طويلة اخذتهم عبر اليمن وعبر الصومال وعلى طول الشاطيء الشرقي لافريقيا , استقروا في النهاية في زيمبابوي .
قليلون الذين صدقوا قصة الليمبا . ومع ان الليمبا يحتفلون بالسبت اليهودي , ويرفضون اكل لحم الخنزير , ويختنون ابناءهم الذكور , الا انه لايمكن التعويل على هذه الروايات الشفاهية .الا ان العلماء قد وجدوا على الاقل بذرة للحقيقة في تلك الاسطورة التي عمرها ثلاثة الاف سنة ,بفضل المعلومات التي يحملها شعب الليمبا في جيناته .
في عام 1988 قام علماء الوراثة في الولايات المتحدة واسرائيل وانجلترا بتحليل الكروموسوم y لذكور الليمبا , وهو رزمة من الجينات تمنح الطفل الذكر ذكورته . انها تمر من الاب للابن , للحفيد .الاناث ليس لديهن الكروموسوم y ,لديهن نسخة ثانية من الكروموسوم X بدلا منه . الكروموسوم y مثير بصورة خاصة , فهو يحتوي على علامة قوية لارث الشعب اليهودي , الجينات الكهنوتية priestly genes طبقا للتراث اليهودي , فان الطبقة الكنوتية من الكهنة كانت مجموعة بشرية وثيقة الصلة بعضها ببعض , في الحقيقة وطبقا للاسطورة ,فانهم ينحدرون جميعا من نسل رجل واحد , هارون اخي موسى . ولقب الكاهن يمر من الاب الى الابن , الى الحفيد منذ القدم , تماما مثل الكروموسوم y ان تسليم منصب الكاهن من جيل الى جيل كان مشابها لتسليم الكروموسوم y من جيل الى جيل . وكل الكهنة اليهود ,( اذا كانت الاسطورة صحيحة ) ينبغي ان يحملوا الكروموسوم y نفسه الذي كان يحمله هارون شخصيا .
الواقع ليس بسيطا لهذه الدرجة . فكروموسومات y لدى الكهنة ليست متماثلة . لكن في العام 1997 وجد العلماء دلالة جينية للكهنوت اليهودي على الكروموسوم y . واكتشفوا ان الكهنة المعاصرين يتشاركون في الصفات الوراثية المميزة الى حد ما , حتى ان اليهود من غير الكهنة لم يمتلكوا نوع الجينات نفسها على كروموسومهم y . ولان اليهود يتسلمون الكهنوتية مع الكروموسوم y , فكل عضو في الكهنوت له المعلومات نفسها على الكروموسوم y , حتى لو اختلط الشعب اليهودي وتوزع في ارجاء الكوكب واختلطت جيناته بجينات اناس اخرين . فالكهنة ينقلون بايمان معلوماتهم الوراثية المميزة منذ الاف السنين , وكل اليهود الذين حافظوا على طبقة كهنتهم مجموعات فرعية من البشر الذين حملوا دلالات الكهنوتية .
لم يكن الليميبا استثناء . ومع انهم انفصلوا عن جذورهم , الا انه كانت لديهم طبقة من الكهنة تتشارك في معلوماتها الوراثية مع تلك الكهنوتية . وتشير هذه الدلالات الجينية الى ان كهنة الليمبا لهم سلالة الكهنة اليهود نفسها حول العالم . موضحة ان الليمبا لهم تراث يهودي ايضا . لقد كانت علامة مؤكدة, فاحتمال ان يكونوا قد طوروا تلك الدلالة المميزة ذاتيا من خلال طفرة عشوائية , ضئيل جدا بما لايذكر .
لاتوجد سجلات مكتوبة عن هبوط الليمبا من يهوذا ,الا ان جيناتهم اعطت صورة اكثر دقة لتلك الهجرة بما يستطيع اي مؤرخ . وقد استخدم علماء الوراثة المعلومات التي بداخل خلايانا لاعادة بناء هجرات بشرية اخرى كذلك .وبمقارنة المجموعة البشرية التي تتشارك في المعلومات الوراثية المميزة , كجين نوع الدم , استطاع علماء الوراثة رسم خريطة للكيفية التي هاجر بها القدماء وانتقلوا وتناسلوا .كما اوضحوا ايضا كيف تم تدمير الجنس البشري تقريبا .
في نهاية تسعينات القرن الماضي , قام علماء الوراثة في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو san Diego , بتحليل التفاوت الجيني لدى عدد من الرئيسيات , وهكذا راوا كيف يكون الاختلاف في تسلسل DNA لدى الافراد من نوع الى اخر . فافراد الشمبانزي والغوريلا متفاوتة جينيا ,علامة السلالات الكبيرة والسليمة , لكن مجمل الجنس البشري يمتلك اختلافا جينيا اقل مما لدى مجموعة متوسطة من عدد قليل من الشمبانزي .فما الذي يسبب هذا النقص الذي لايصدق في التفاوت الجيني لدى البشر ؟ . اذا كان علماء الوراثة على حق , فان شيئا ما في فجر الانسانية تقريبا قد طمس اسلافنا , مرض او حرب , او احدى الكوارث الانسانية تقريبا قد دمرت معظم تعداد السكان , وتقلص عددهم الى مجرد الف او بعض ذلك . وقد تمكنت تلك المجموعة القليلة من التشبث والتناسل , واعادت بناء الجنس البشري من هذا العدد الضئيل . لكن سلالاتهم ( اي نحن ) نمتلك تفاوتا جينيا قليلا . لقد تم دفع اسلافنا من خلال عنق الزجاجة الجيني , فكلنا ابناء وبنات هذه المجموعة الصغيرة من الرئيسيات . وكنوع , فقد تناسلنا نحن البشر بمشقة بسبب تلك الكارثة منذ عشرات او مئات الالاف من السنين . والشاهد الوحيد على تلك الكارثة تقريبا هو المعلومات التي بداخل جيناتنا , بالنظر الى مدى اختلاف جينوم البشر عن جينوم الشمبانزي , وجينوم الشمبانزي عن جينوم السمكة الكروية , نزولا الى اختلاف جينوم الدودة الشريطية عن جينوم البكتريا الزرقاء . يستطيع علماء الوراثة اعادة بناء الكيفية التي انتشرت بها المعلومات على مدى العصور من كائن الى اخر , عودة بالتحديد الى عصور ماقبل افتراق اسلافنا البشر عن اسلاف الشمبانزي منذ حوالي ستة ملايين سنة .
يمكن للعلماء ان يتتبعوا المعلومات بالعودة الى عصر الثدييات والديناصورات , وبالعودة غالبا الى اول حياة طفت على سطح المستنقع البدائي في الارض القديمة .
المعلومات في جينومنا كانت شاهدة على ولادة الحياة على الارض . انها تحمل كل علامات مرورها عبر العصور . حتى انها يمكن ان تمتلك علامات على الوقت الذي لم يكن فيه DNA وسيطا لانتقال المعلومات في الكائن الحي . اذ يعتقد بعض العلماء انه عند نقطة معينة ربما تم تخزين معلومات الحياة على جزيء مرتبط ب DNA لكن اكثر هشاشة , انه RNA . حتى ان بعض البيولوجيين يعتقدون ان المعلومات كانت مخزنة في وسيط مختلف قبل ذلك . لكن مهما يكن الوسيط الاولي لمعلومات الحياة , فانه من الواضح ان معلومات الحياة لها تاريخ قديم قدم كوكبنا , ان معظم هذا التاريخ محفوظ في داخل كل خلية من خلايانا .
العلماء لايعرفون كيف بدات الحياة على وجه الدقة , لكن خلود المعلومات تقريبا قد حفظ القصة التي تعود لبداية الحياة الاولى . الحياة معقدة جدا , ووجودنا ليس محددا كليا بجيناتنا .والبيئة ايضا تؤثر على تطور الكائن الحي , كما يفعل الحظ بعفوية وعشوائية . والبشر لديهم القدرة لتجاوز اوامر المعلومات المنقوشة في كل خلية . فلدينا عقول مثيرة للاعجاب .
نحن كائنات قادرة على التواصل والتعلم بعض من بعض . ويمكننا تمرير المعرفة من جيل الى جيل , وان نبني عليها . وبمساعدة قرون عديدة من الجهد , سيكون العلماء قاب قوسين او ادنى من تعديل شفرتنا الفوراثية وتغيير المعلومات بداخلها . فكيف نكون عبيدا للمعلومات اذا كنا قادرين على تعديلها حسب ارادتنا ؟
اللغة والكتابة اتاحتا للبشرية الابقاء على معارفها الجماعية المتراكمة وحفظها حتى لو مات كل الاشخاص الذين جمعوا تلك المعارف . وبمجرد حفظ تلك المعلومات كانت الاجيال التالية تراكم عليها . وفقط عندما جاء البشر بطريقة لنقل المعلومات وحفظها استطاعوا ان يصيروا على مسار التغلب على برنامجنا الوراثي غير العاقل والعنيد لنقل المعلومات وحفظها .
المصدر
كتاب ( فك شفرة الكون ) تاليف تشارلز سايف , ترجمة وتقديم ايمن احمد عياد , ط1 – 2012 – الناشر دار التنوير , بيروت , القاهرة , تونس .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟