|
تحالفات غير مقدسة في الحرب على وفي سوريا
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 10:19
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
إن كان يجوز وصف الأيام الأولى للحراك الشعبي الشبابي في كل من تونس ومصر نهاية 2010 ومطلع 211 بالثورات ،فإن ما جرى بعد ذلك ،وخصوصا مع التدخل الغربي العسكري في ليبيا ثم ما يجري اليوم في سوريا ،بعيد كل البعد عن الثورة الشعبية بما هي تحرك ذاتي يعبر عن الإرادة الشعبية الحرة لإسقاط نظام دكتاتوري لإحلال نظام ديمقراطي بدلا منه،وبعيد كل البعد عما يوحي به مصطلح (الربيع العربي) ،فلا هو ربيع بما توحي الكلمة من تفتح وازدهار وأمل وحب وتغيير إلى الأفضل،ولا هو عربي حيث عناصر التدخل الخارجية أكثر حضورا من حضور الشعب ،وحيث البعد الإسلامي المتطرف يُغيب البعد القومي بل والوطني أيضا. في سوريا اليوم حالة غريبة وتحالفات غير مقدسة وعصية عن الفهم العقلاني الذي يضع أو يُحيل ما يجري إلى معادلة ثورة شعبية في مواجهة نظام دكتاتوري.نقول تحالفات غير مقدسة لأنها تعبر عن تقاطع مصالح أطراف خارجية يسعى كل منها لمصلحته الخاصة دون أي اعتبار لمصلحة الشعب السوري والذي نخشى أن يكون الخاسر الأكبر بعد انقشاع غبار المعارك. ليس هذا دفاعا عن نظام الأسد أو عن أي نظام عربي فمن حق الشعب السوري الأبي أن يعيش في ظل الديمقراطية وأن يضع حدا لحكم العائلة والحزب الأوحد، ولا داع لأن نعيد التاريخ الطويل من معاناة الشعب الفلسطيني على يد الأنظمة العربية بكل تلاوينها و النظام السوري لا تخرج عن السياق. إلا أنه بعيدا عن الحسابات الخاصة حتى وإن كانت ذات بعد وطني فإن ما يجري في سوريا يدفعنا للنظر في الأمر ضمن رؤية قومية إستراتيجية بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار مصلحة سوريا الدولة والمجتمع والتاريخ كما تأخذ بعين الاعتبار المصلحة القومية العربية أو المشروع القومي الوحدوي العربي الغائب عما يجري في المنطقة ،إن لم يكن المستَهدَف بما يجري . ما يجري من حرب في وعلى سوريا يجعلنا نستحضر ما جرى مع العراق وصدام حسين حيث تم توجيه نفس الاتهامات التي توجه اليوم للنظام السوري، وقد رأينا انكشاف زيف كل التهم الموجهة لصدام حسين، ورأينا ما آلت إليه الأمور في العراق وفي كل العالم العربي بعد حرب الخليج الثانية ثم تدمير العراق واحتلاله عام 2003 . في سوريا تتقاتل وتتواجه تحالفات غير مقدسة وغريبة من نوعها ،فتحالفات النظام السوري – إيران ،حزب الله ،روسيا الاتحادية والصين – مفهومة نسبيا حيث تقوم على أساس الروابط العقائدية والأيديولوجية والسياسية بالنسبة للطرفين الأولين ،وعلى المصالح الاقتصادية والإستراتيجية بالنسبة لروسيا والصين، إلا أن ما لا يمكن فهمه فهو التحالف الذي يقاتل النظام السوري و يمول المعارضة ويدعمها- إسرائيل، جماعة النصرة (تنظيم القاعدة) ،الإخوان المسلمين،حركة حماس ،قطر ودول الخليج،واشنطن والدول الغربية،تركيا ، الخ - . فما الذي يجمع هؤلاء ؟ وما أهدافهم ؟ ومن يمولهم ؟ وفي حالة سقوط نظام الأسد فما هو القاسم المشترك الذي سيوحد هؤلاء حول النظام الجديد بعد الأسد؟ ,ستطبقها جماعة النصرة التي تنحر معارضيها بالسلاح الأبيض؟ وأين سيذهب عشرات الآلاف من المقاتلين الإسلاميين غير السوريين عندما تضع الحرب أوزارها ؟ . ما يجري في سوريا أعاد القطبية الدولية بشكل حاد،وعزز الطائفية والمذهبية – شيعة وسنة- في المنطقة ،وفتت وحدة المجتمع السوري وباتت سوريا مهيأة للتقسيم ،وعزز من حضور جماعات تنظيم القاعدة التي ما زال الغرب وكل الدول العربية يصنفونها كجماعات إرهابية،وما يجري في سوريا عزز تهميش القضية الفلسطينية وجر بعض أطرافها إلى هذا الحلف غير المقدس مما جعل الفلسطينيين في سوريا ولبنان يدفعون الثمن، والأخطر من ذلك أن الشعوب العربية التي لم تقم بالثورة في بلدانها باتت مترددة في خوض تجربة الثورة على أنظمتها ،وهذا لعمري سبب مُفَسِر للتدخل الفج من الأنظمة العربية في مجريات الثورة السورية أو تحويلها إلى حرب أهلية دامية ،لتقول لشعوبها :أنظروا إلى ماذا تؤدي الثورة على النظام ؟ . كان الحديث في بداية الحراك الشعبي العربي يدور حول أن هدف الثورات العربية إسقاط أنظمة دكتاتورية واستبدادية فاسدة لا تؤمن بالديمقراطية، فهل هدف هذا التحالف غير المقدس الذي يقاتل في سوريا يؤمن بالديمقراطية والحرية ويريد تأسيس نظام ديمقراطي ؟ هل قطر ودول الخليج على درجة من الديمقراطية بحيث لا تقبل أن تتعايش مع أنظمة عربية غير ديمقراطية كنظام بشار الأسد ؟ هل تنظيم القاعدة يحشد ويقاتل في سوريا ويجمع عناصره من كل دول العالم لتخترق الحدود بتواطؤ وبتمويل من دول عربية لأن تنظيم القاعدة تنظيم ديمقراطي وديمقراطيته تجعله يرفض الصمت على وجود نظام غير ديمقراطي في سوريا وبالتالي يقاتل هناك من اجل الديمقراطية ؟ هل إسرائيل وواشنطن والغرب عموما يستفزهم غياب الديمقراطية في سوريا ودكتاتورية الأسد فقرروا مساعدة الشعب السوري المغلوب على أمره لإسقاط الاستبداد وتأسيس نظام ديمقراطي في سوريا ؟ أليست واشنطن والغرب كانوا حلفاء مبارك وزين العابدين طوال عقود من حكمهم الاستبدادي ؟ وهل الديمقراطية غائبة في سوريا وحاضرة في غيرها من الدول العربية الحليفة لواشنطن والغرب التي لم تصلها رياح الثورة ؟ وهل تحقيق الديمقراطية يجب أن يمر من خلال تدمير سوريا الدولة والمجتمع والتاريخ؟. قد يقول قائل إن الأمر لا يتعلق بالديمقراطية فقط، بل له علاقة أيضا بالدفاع عن الإسلام في مواجهة نظام علماني متحالف مع الشيعة،وأن جماعات الإسلام السياسي تقاتل من اجل سوريا مسلمة أو تحكمها الشريعة! ولكن عن أي إسلام وشريعة يتحدثون ؟ هل يريدون سوريا مسلمة على طريقة حكم طالبان وتعاليم تنظيم القاعدة وسلوكيات جماعة النصرة التي شاهدنا نماذج منها في سوريا؟ أم يريدون سوريا مسلمة على الطريقة السعودية ؟ أم يريدون سوريا إخوانية كالنموذج المصري ؟ وهل حكم الدين والشريعة مطبق في كل العالم العربي والإسلامي ولم يتبق خارج الأسلمة إلا سوريا ؟.وهل التدخل الأمريكي والغربي في مجرى الأحداث في سوريا يدخل في سياق السعي لأسلمة الدولة السورية وبالتالي فإن وقفة واشنطن والغرب مع المعارضة السورية تعتبر وقفة في سبيل الله كما يقول ويدعو القرضاوي ؟. ربما يعن للبعض الزعم بأن التدخل في سوريا والدعوة لإرسال الكتائب والجماعات المسلحة لسوريا كما طالب المجتمعون في المؤتمر الإسلامي لنصرة سوريا في القاهرة الأسبوع الماضي وعلى لسان أكثر من واحد ممن يسمون أنفسهم بـ (الدعاة) كصفوت حجازي والعريفي الخ ، يدخل في باب الجهاد ! ولنا أن نتساءل أليست إسرائيل أولى بالجهاد من النظام السوري ؟ وإن كانت جماعات إسلام السلطة لديها هذه الإمكانيات المالية الهائلة وهذه القدرة على إرسال الآلاف من المقاتلين إلى سوريا مخترقين حدود أكثر من دولة ،فلماذا لم يتم إرسال هؤلاء (المجاهدين ) إلى فلسطين والقدس؟ وكيف يجوز أن يطالب المجتمعون في مؤتمر القاهرة ومنهم قادة في جماعة الإخوان المسلمين بإرسال مقاتلين إلى سوريا لتحريرها من حكم نظام الأسد بينما طالبوا حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بل ضغطوا عليها للتوقيع على هدنة مذلة مع إسرائيل أثناء العدوان الأخير على غزة ؟ ولماذا لا يتم العمل أولا على استكمال تحرير سيناء قبل تحرير سوريا ؟ . الإجابة على هذه الأسئلة واضحة وهي أن إسرائيل حليف لواشنطن وبالتالي تعتبر خط احمر لا يجوز المساس به حتى لا تغضب واشنطن راعية وموجهة خطوات (الربيع العربي) وحليفة إسلاميي السلطة وحامية حمى كل الأنظمة العربية .
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات
-
العرب: من مقاطعة إسرائيل إلى التطبيع المجاني معها
-
لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
-
مصالحة فلسطينية كجزء من عملية تسوية برعاية أمريكية
-
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
-
غزة لا تمنح صكوك غفران لاحد
-
تغيرات الهوية في المشهد السياسي العربي وتأثيره على خياري الم
...
-
العصر الذهبي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
-
ما بعد قبول استقالة سلام فياض
-
اتفاقية الوصاية الأردنية على المقدسات وعلاقتها بالتسوية
-
إشكالية المسألة الانتخابية في مناطق السلطة الفلسطينية في ظل
...
-
انتخاب مشعل والقمة العربية والتنافس على التمثيل الفلسطيني
-
مهرجان غزة : الانتفاضة الوطنية المغدورة
-
متغيرات البيئة التمكينية للمصالحة الفلسطينية
-
غزة تستنهض الوطنية الفلسطينية مجددا
-
البيئة التمكينية والفرص المتاحة للمصالحة الفلسطينية
-
انجازات تحتاج إلى حاضنة وطنية
-
هل الدم الفلسطيني رخيص لهذا الحد؟؟
-
حرب الهدنة الإستراتيجية وترسيم الحدود
-
المطلوب عقلانية فلسطينية وبطولة عربية للرد على العدوان الإسر
...
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|