|
نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتاجه و لكل حسب حصته
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 01:00
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أولاً / إعتبارات نظرية يطيب لأساطين الفكر الرأسمالي اليوم تصوير ما يطلقون عليه إسم " إقتصاد السوق " كما لو كان هو المصير المحتوم و الشكل الوحيد الممكن للإقتصاد . و من المعلوم أن هذا النمط المشوه من الإقتصاد قائم على سيادة مبدأ العرض و الطلب ، و الذي يحدد لوحده قرارات الإستثمار و الإنتاج و التوزيع ، و الذي تتحدد فيه أسعار السلع و الخدمات عشوائياً بعملات ورقية لا قيمة حقيقية لها . و على العكس من كل هذه الأكاذيب ، ستصف هذه الورقة نمطاً فريداً من الإنتاج ، و الذي نشأ و تطور في قارة أمريكا الجنوبية ، و ساد قروناً كاملة ، ليخلق واحدة من أعظم حضارات العالم قبل الرأسمالية ؛ و كل ذلك حصل بدون إستخدام النقود ، و لا الأسواق ، و لا التجار . ذلك هو نمط الإنتاج الأنديزي ؛ و الذي أثبت – بما لا يدع مجالاً للشك – الإمكانية العملية لخلق نمط إنتاج إشتراكي حقيقي بدون نقود قائم على أساس تشريك وسائل الإنتاج ، و برمجة الإقتصاد ، و تأمين الدولة لفرص العمل لكل المواطنين القادرين ، و توفير السلع و الخدمات لهم بتكفلها باستشراف الطلب الإجتماعي لتأمين العرض في سوق قائمة على العمل و التوزيع الجماعي . ثانياً / المقدمة أقصد بـ " نمط الإنتاج الأنديزي " ذلك النمط المتفرد من الإقتصادي القائم على إقتصاد الدولة المبرمج و الذي ساد - قبل الغزو الأسباني لقارة أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر – على طول الشريط الأنديزي الممتد من كولومبيا حالياً و لغاية الحدود الجنوبية لتشيلي . و يشتمل هذا الشريط – المحصور بين ساحل المحيط الهادي غرباً و قمم جبال الأنديز شرقاً – حالياً على أجزاء من كولومبيا و تشيلي و بوليفيا و الإكوادور و بيرو و الأرجنتين ، و بطول 4000 كم ، و عرض أقصاه 500 كم . و يعود تاريخ نشوء هذا النمط من الإقتصاد في المراكز الحضرية الأنديزية إلى عصور قديمة ، و لكنه أصبح تدريجياً – و لأسباب موضوعية سنأتي على ذكرها – هو النمط السائد للإنتاج على طول هذا الشريط على الأقل منذ عام 1100م ؛ و بلغ أوجه في عهد أمبراطورية الإنكا طوال القرنين الرابع عشر و الخامس عشر ، و لغاية سقوط هذا النمط الفريد من الإنتاج كنتيجة مباشرة للغزو الإستعماري الأسباني بقيادة السفاح " فرانسسكو بيزارو " لمدينة " كوزكو " في البيرو – و هي العاصمة السياسية لإمبراطورية الإنكا عام 1532م – و هو الغزو الذي تكفل بإبادة هذه الحضارة عن بكرة أبيها ، و موت ما لا يقل على 90% من سكانها الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن عشرة ملايين نسمة ، و نهب ما لا يقل عن 300000 كغم من الذهب منها . ثانياً / الجغرافيا و المناخ لا يمكن إعتبار هذا الشريط الأنديزي مكاناً مثالياً للحياة ؛ فالمنطقة الساحلية الشمالية الغربية منه هي واحدة من أكثر الصحاري جفافاً في العالم ( صحراء أتاكاما) و التي لم تسقط عليها و لا قطرة مطر واحدة على الأقل طوال الخمسمائة عام الماضية . أما سلسلة جبال الأنديز الشاهقة ، فتبدأ من شرق الصحراء هذه ، و تتميز بسفوحها الشديدة الإنحدار جداً ، و التي تجعل زراعتها تحدياً جدياً . و قد حلت شعوب الأنديزية هذه المعضلة ببناء المدرجات الصناعية الرائعة و ملئها بالتربة الخصبة المجلوبة من الوديان إلى أعالي الجبال . و إلى الشرق من جبال الأنديز ، هناك الغابة الرطبة لمنابع نهر الأمازون و التي تسكنها القبائل الصعبة المراس . أما سفوح جبال الأنديز ، فأن مناخاتها المحلية تفرض على السكان نمط الأنتاج المتاح . فعلى إرتفاع ما بين 2000-3500 متر يمكن زراعة الذرة ؛ فيما تزرع محاصيل البطاطا ( التي كان الأنديزيون هم أول من نشر زراعتها في العالم ) في المناطق الأعلى و لغاية 4000 م . أما في المناطق التي يزيد إرتفاعها على ذلك ، فتتخصص برعي حيوانات اللاما و الألباكا لإنتاج الأصواف و اللحوم . و تزرع الفواكه و الكوكا و التشيلي و القطن و غيرها من المحاصيل في المناطق التي يقل إرتفاعها عن 2000م . هذه البيئة الجغرافية-المناخية المتخصصة الإنتاج طولياً جعلت إعادة التوزيع للمنتجات بين مختلف السكان أمراً لازماً لضمان الإكتفاء الذاتي للسكان من مختلف المواد الغذائية و خيوط الصوف و القطن . رابعاً / الأوجه الإشتراكية للإقتصاد الأنديزي تميز الإقتصاد الأنديزي بما يلي : 1. إعتبار العمل واجباً على كل شخص قادر على العمل . 2. عدم وجود النقد بتاتاً ، و لا طبقة التجار ( الباعة بالمفرد و الجملة ) ، و لا ما يسمى بـ " إقتصاد السوق " لكون تبادل السلع يتم موقعياً و عيناً . 3. الملكية المشتركة للأرض و العمل الجماعي في الإنتاج و تهيئة مستلزماته ( قنوات الري ، شق الطرق ، الخ ) . 4. إنشاء الدولة مخازن ضخمة للمواد الغذائية لغرض إعادة التوزيع . 5. التخصص في الإنتاج الذي يتركز على الرعي و أنتاج مختلف المواد الغذائية و الملابس حسب طبيعة الأرض و المناخ . 6. فرض ضريبة الدولة على المواطنين القادرين على العمل تسدد حصراً كقوة عمل جزئية . 7. التكافل الإجتماعي التواجبي (تبادل التعاون بين أفراد المجموعة الإنتاجية ، من العائلة إلى العشيرة ) . 8. التوزيع المركزي للإنتاج ، و تكفل الدولة بتجهيز المراكز الإنتاجية بالمحاصيل الزراعية و حيوانات الرعي ، و حتى بالغذاء في مناطق و أزمان القحط ، عبر شبكة متطورة جداً من طرق النقل بواسطة حيوانات اللاما ( لم تستخدم حضارة الإنكا " العجلة " في النقل ) . يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 4
-
كابوس الدوّامة الإنفلاشية
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 3
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1
-
الديك و عضو البرلمان
-
الحب الخريفي في ترجمة لقصيدتين عربيتين
-
الماركسية و الأخلاق / 2
-
ثلاثيات عتيقة
-
معالي الوزير السيادي الخطير
-
أحلام زنزانة الإعدام
-
العبقريون الثلاثة
-
الماركسية و الأخلاق
-
قصة حبيبين
-
الغربان و الحمير
-
قطاع الخدمات في النظام الرأسمالي من وجهة نظر ماركس
-
القرد و الجنّية و الغول
-
رد على د. مجدي عز الدين حسن : الإعتباطية و القصدية في اللغة
...
-
أبا الصّفا / مرثاة للشهيد الشيوعي الدكتور صفاء هاشم شبر ، أس
...
-
الإمتحان
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|