|
ماركس والتحليل النفسي/تجربة فيلهلم رايخ..نموذجا(1)
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 13:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكتابة عن سيرة فيلهلم رايخ الشخصية متعذرة،وبالغة الصعوبة،اذا فصلت عن عمله ونشاطه العلمي والفكري-التحليل النفسي العيادي،الكتابة النظرية،نشاطه السياسي والاجتماعي داخل التنظيم الحزبي وخارجه،محاضراته،جدله وحوارته ونقده- والذي هو كل لايتجزأ،فلا فكاك بين حياته الخاصه وشأنه اليومي،وبين مشاريعه العلمية وممارساته:تحليلا نفسيا،وتأليفا نظريا،ونشاطا سياسيا داخل الوسط الحزبي والعمالي.لقد تقطعت به السبل،ومشروعه لم ينجز بكامله،فقدكان القلق والاحباط والخيبه والعداء والنقمة تلاحقه(الايرينيات)،وجاءت زيارة(هادس)!المفاجئة له وهو في الستين من عمره ،ليسدل الستار عن حياة غنيه وصاخبه.كرس حياته كلها لتحقيق اهدافه الفكرية والسياسية والجنسية،ورؤاه النفسية،بالبحث عن مخرج للمعضلة الانسانية الشائكة،ومن اجل القضاء على كل اشكال الالم والعبودية والاغتراب الطبقي،ولكنه لم يفلح في ذلك -وان ترك تأثيرا لا يمحى في الحاضر والمستقبل-وان كان له شرف ونبل المحاوله المخلصة والعنيدة،والتي نذر لها حياته،وانفق سنينه من اجل هدفه السامي ذاك.كتب مايزيد على المائه والعشرون كتابا:في الجنس،والتحليل النفسي،والسياسة،وعلم الاجتماع،والبيولوجيا،والفيزياء العضوية والكونية،وكتب العشرات من المقالات والدراسات،وفتح العديد من العيادات النفسية والجنسية المجانية للعمال في المانيا والنمسا،ومن الطريف انه لم يترجم من كتبه الى العربيه سوى ثلاثة او اربعة كتب على ما اظن؟!لم يكن فيلهلم رايخ مجرد طبيبا،ومحللا نفسيا،ومنظرا سياسيا،وعالما اجتماعيا،او فيزيائيا مرموقا،ومناظلا ثوريا فقط.بل كان ايضا مبدعا في مجال اختصاصه السايكولوجي بأكتشافه"طاقة الحياة" الاوركونorgone-الافتراضية-،وحالما طوباويا بتلقيح الماركسية بالتحليل النفسي،لايمانه العميق بأن التحرر الجنسي لاينفك عن التحرر الطبقي للبروليتاريا،وكانت تراوده رؤى وتصورات وحلول فريدة لم يسبقه اليها احد.كان رايخ شخصية شديدة الالتباس،اكتنفها الغموض،وسوء الفهم،وخلقت لها اعداءامن كل المعسكرات:محفل التحليل النفسي الجيتوي،الكنيسة،الحزب الشيوعي،الفاشية،النازية،اقصى اليمين ،واقصى اليسار،كان يسبح وحيدا ضد تيارات جارفة!.ورغم انه عاش في الظل،ولم يسعى للظهور،او طلب الشهرة،الا انه كان ندا مكافئا لفرويد،ان لم يتفوق عليه،ببعض طروحته.ففي حين يقدم فرويد تصورا عن الانسان وجهازه النفسي،يؤدي الى الغائه،لانه يجعل منه خاضعا لاشتراطات(الهو)ego،ومحكوما بمحددات اللاشعور،يؤدي التحليل النفسي الى نفي الحرية والارادة عن الكائن الانساني،ويجعله مسيرا للاشعور،ودوافع الهو الغريزية.يرى رايخ العكس،وخاصة في كتابه(الشخصية الغريزية)وهو دراسة حول المرض النفسي للانا،وفيه ابدى عداءا للانا في حين كان فرويد يتعاطف مع الانا،ويتوجس ريبة من الغرائز،"المستكبر،مؤسس واله التحليل النفسي"!.يرفض رايخ مساومات الانا،لانه يعتقد ان اشباع الغرائز لاكبتها هو الحالة السوية.تأثر به كارل يونغ،والفرد ادلر،وآنافرويد،خاصه في كتابها(الانا والآليات الدفاعية) حيث بنت دراستها على ابحاثه،وتأثر به ايضا اريك فروم،والذي حاول الجمع بين ماركس وفرويد،وهربرت ماركوز،خاصه في كتابه الاشهر(ايروس والحضارة)،وفروم وماركوز من كبار (مدرسة فرانكفورت)الفلسفية النقدية.اعتقد رايخ ان التحرر الجنسي صنوا للتحرر السياسي الطبقي،وركز على الدور الاجتماعي للجنس،ودرس العلاقة الجدلية بين الاستبداد السياسي والكبت الجنسي،ودعى لثورة جنسية تحرر الغرائز وسلطة الجسد من التحكم الاستهلاكي المرتبط بنظام السوق الرأسمالي.فالجنس وظف عبر التاريخ من خلال سلط الاساطير والاديان والايديولوجيات والنظم السياسية والثقافات،للكبت والضبط والتحكم الاجتماعي والسياسي،وترويض الكائن الانساني منذ الولادة،وتنشئته على الانصياع والطاعة والخضوع للاوثان السياسية والدينية والاجتماعية،حتى اصبح الجنس(تابو).محرما مقموعا مدنسا قبيحا مرهوبا وشيطانيا..الخ من ادانة وتحريم وتجريم ونبذ واقصاء،بأسثناء المجال الضيق والخانق لمؤسسة الانجاب الشرعي والتكاثر المبارك من قبل شبكة عنكبوت السلطات بكل اشكالها وتلاوينها،اما النظام الرأسمالي،فقد استغل الجنس ابشع استغلال،فتعامل معه كسلعة،وروج له كتجارة عالية الربح،وخلق له سوقا لبيعه وشراءه،وسعره كبضاعة غرائزيه موهومه ومتوهمة،وابقى باب الاشباع الكامل مواربا،ليزداد الطلب،مع العرض المثير والمتنوع والمتجدد،واستخدمه ايضا من الجانب الاخرلقمع واخضاع الطاقات الاجتماعية المحرومة والحبيسة ولجمها،ليسهل التحكم بها،ووظفه بفاعلية ونجاح كجهاز قمع وكبت لانتاج الشعور بالذنب والاثم لدى الافراد،وخاصه الشبيبة من كلا الجنسين،ليقبعوا تحت نير السيطرة،كعبيد واسرى للاضطرابات السايكولوجية والسلوكية،من هلوسات وذهان وهستريا،وامراض نفسية اخرى عديدة،وليغذي القمع الذاتي،والكبت اللاشعوري،والتنفير الديني والاخلاقي من الدنس الجنسي الشيطاني المصدر!،وينعش الاوهام والاساطير،ومركزية الذات،والتشظي الاجتماعي،والتقوقع الفردي،وشل القدرات العقلية،والنشاط الاجتماعي الطبيعي والسويبأتجاه التغيير والتحرر،وتبليد المشاعر،وتربية الفرد على الخنوع والاستكانه للاعراف والتقاليد الاجتماعية المتكلسة.فالطاعة الاجتماعية ضرورية لتأبيد الانظمة والمحافظة على السلطة القائمة واعادة انتاجها،والانصياع الاجتماعي اذا ما استمر لفترات طويلة لايبني المجتمعات بل يهدمها ويدمرها....لقد جرى التعتيم والتشويه على حقيقة رايخ ومسخها،واستهين به وسفه عمله وعلمه،رغم انه واجه كبار عصره:لينين،فرويد،اينشتاين،مالينوفسكي،فوريل.حاور بعضهم،واختلف واشتبك مع البعض الاخر..كان همه الوحيد مكافحة الالم ومنح السعادة للجميع،وبناء مجتمع خالي من الامراض النفسية والعقد والقهر والكبت والاضطهاد.مجتمعا حرا مفتوحا على اليوتوبيا الممكنه والمحتمله،مجتمعا لاقمع فيه ولا فوضى،يجد فيه الجميع قدرا من المساواة في العدالة والحرية،مجتمعا خاليا من الاحقاد والعلل.فالمرض النفسي ليس قابلية واستعدادا فرديا للاختلال والنكوص بمواجهة البيئة الاجتماعية،بل ان البيئة الاجتماعية هي مصدر وسبب كل الشرور وضحيتها الفرد،لذا يجب ان ينصب العلاج على المجتمعات لا الافراد...من ثورة وحماس الشباب،الى التحليل النفسي،الى الشيوعية،الى الاورجازم الى الاورغون وصناديق الطاقة ثم الموت ،رحلة اوديوسيسية طويلة وشاقة دون عودة لاحضان بينلوبي الدافئة!بل لاحضان امنا الارض التي لاتتخلى عن ابنائها!.سنحاول ان نتتبعها عبر بيوغرافيا يختلط بها العام والخاص في سيرة رايخ،ولن ازعم انها كاملة ومفصلة ودقيقة،ولكنها مجملا شاملا لمحطات حياته الرئيسية كوجود وتاريخ وحياة وعمل.................... ................................................................................ يتبع في المقال القادم..........
وعلى الاخاء نلتقي......
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ورأيت الناس يخرجون من التاريخ افواجا!!!
-
شرعنة وقداسة القتل!/رجم ثريا..طقوس بربرية!!!
-
الموت الخجول!
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحلة الهروله من الامبري
...
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحلة الهروله من الامبري
...
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحله الهروله من الامبري
...
-
يعقوب ابراهامي في اخر واسرع مراحله!/مرحلة الهروله من الامبري
...
-
هوامل في يوم عامل!!!
-
وردة حمراء لشهداء آيار الاحرار...
-
مخاض البروليتاريا العسير الطويل...
-
نسر الماركسية الذي هوى مضرجا بالدم!/روزا الحمراء..(3)الاخير
-
نسر الماركسية الذي هوى مضرجا بالدم!/روزا الحمراء...(2)
-
نسر الماركسية الذي هوى مضرجا بالدم!/روزا الحمراء...(1)
-
رامبو المنفصم!/من متاريس الكومون الى حضن التجارة المصون!!!(3
...
-
رامبو المنفصم!/من متاريس الكومون الى حضن التجارة المصون!!!(2
...
-
رامبو المنفصم!/من متاريس الكومون الى حضن التجارة المصون!!!(1
...
-
القيامة المعطلة!!!
-
يانساء الشرق...انهضن..(البيان النسوي)الثاني
-
يانساء الشرق..انهضن..(البيان النسوي)_الاول
-
من انا؟!..من انتم؟!..ديالوج زرادشتي!!
المزيد.....
-
الملك سلمان يصدر أمرا بشأن قواعد إجراء التسويات مع مرتكبي جر
...
-
الصين تبني أكبر مركز قيادة عسكري في العالم يفوق البنتاغون بع
...
-
ِشريك موميكا حارق القرآن يعلق بعد مقتل الأخير
-
وزارة الدفاع التركية تعلن فصل 3 ضباط -تأديب وانضباط- و5 ضباط
...
-
عباس يهنئ الشرع بمناسبة توليه رئاسة الجمهورية العربية السوري
...
-
التلفزيون المصري عن صورة السيسي بصحيفة إسرائيلية: تهديد لا ي
...
-
-واتساب-: شركة تجسس إسرائيلية استهدفت مستخدمين
-
ترودو: جاهزون للرد في حال إصرار واشنطن على تنفيذ قرارها بزيا
...
-
الأمن العراقي ينشر تفاصيل القبض على قتلة محمد باقر الصدر
-
البوندستاغ الألماني يرفض مشروع قانون لتشديد سياسة الهجرة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|