سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 4124 - 2013 / 6 / 15 - 01:38
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
1 - حتى لانعزز الثورة المضادة
ينبغى حين ننظر الى الحركة الشعبية التى تبلورت حول حملة تمرد على مدى الأسابيع الأخيرة , وإتساع نطاقها , وتجاوزها لأطرها النخبوية المحدودة الأولى أن نميز بين الدلالة التاريخية الموضوعية لنضال جماهيرى شعبى , وبين شتى التيارات الأيديولوجية والسياسية التى تتوزع هذا النضال . بمعنى آخر , علينا أن نميز بين القوة الموضوعية الإجتماعية التلقائية الجارفة القائمة أمام أعيننا , وبين الافكار, والنظريات , والسياسات والبرامج التى تلهم هذه المنظمة السياسية أو تلك هادفة الى حصار الحركة الجارية فى نطاقها , وحدودها هى , لاجمة إياها , موظفة طاقاتها لخدمة مصالحها الطبقية , أو الفئوية . واذا كان من الصائب أن التوقيعات وحدها لاتسقط أنظمة , وكذلك الأوهام الدستورية السلمية حول تغييرها , حيث لابد من تبلور قوة ملايينية فاعلة تعززها بأدواتها وأهدافها ( فلايمكن إجبار هذا الجناح البورجوازى الإسلامى بواسطة الضغط والإقناع على تغيير سياساته , وبالأحرى تخليه طوعا , وبشكل ودى عن السلطة التى سعى لها عبر الثمانين سنة الأخيرة ) , وأن الإنتخابات الرئاسية المبكرة فى ظل ذات النظام لاتكفى لإحداث أى نوع من أنواع التغيير الجذرى, بل حتى تحقيق أهداف ثورة25 يناير الأصلية التى قامت من أجلها ( أهداف لامطالبات فالأخيرة لاتولد سوى الأوهام ) . كما أن إصلاحية قيادات الحركة الموجودة فعليا فضلا عن متزعميها ومحاولى ركوبها ممن ينتمون لصنوف سماسرة الليبرالية الكبيرة , والصغيرة , هذا اذا لم نذكر جناح الثورة المضادة الفلولى العسكرى الذى يصارع من أجل تثبيت حصته " الدستورية " , أومن أجل نصيب أكبر فى الثروة , والسلطة الرافض للآثار الإقتصادية والسياسية للأيديولوجية الدينية الإخوانية على جناحه البورجوازى – أن يضع لهذه الحركة أفقا يبدد زخمها بما يخدم مصالحه وحدها , ولايجاوزها قاطعا الطريق على تجذرها , فقد بات من الضرورى لكل العناصر والاتجاهات الثورية الجذرية الراديكالية مهما كانت ضآلة وزنها الكلى داخل القوى السياسية الديموقراطية الثورية , أن تسعى بكل مالديها من طاقة قابلة للتمركز الى أن تلتئم معا , لتؤثر فيها بتحريرها من إطارها الإصلاحى , وبإعطاءها شعارات ثورية , وقيادة راديكالية من خلال كل الأدوات والوسائل الدعائية والتحريضية والعملية . لقد أشار بعض رفاقنا محقين إلى أن آخر يونيو سيكون يوما ( أياما ) فاصلا , مؤكدين بقولهم هذا على أن التوقيت الصائب للإطاحة الشعبية بالإخوان , وحلفائهم هو الآن -- مادام الزخم مستمرا على هذا النحو , وموازين القوى تميل لصالح قوى الثورة -- وإلا لن يحدث أبدا ! مشددين على أهمية عدم تفويت فرصة تاريخية , غير أن هذا القول ينبغى أن يفهم على وجهه السليم , أى ليس بوصفه نهاية النضال حتى حال إنتصار الثورة المضادة وذلك أسوأ الإحتمالات , وأنه لايعنى شيئا سوى التشديد على توتير القوى , ومركزتها , ورفعها الى أقصى طاقاتها سياسيا , وعمليا , وميدانيا , فالحروب تتصل , والمعارك تتصل, والإنتصارات تزيح الهزائم , وأيا ماكان مآل الثلاثين من يونيو, وأيا ماكانت نتيجته , فما من ضمانات بالإنتصار يمكن أن تعطى من أحد لأحد , وليس أسوأ معنويا من تصور إحتمال واحد بآثاره إن لم يتحقق , وإذا كان علينا أن نختبر قوانا مستندين الى حركة جماهيرية مليونية شعبية ... إذن فلنختبر قوانا , ولنبذل أقصى طاقاتنا لتحقيق الانتصار . غير أن علينا أن نقول أنه أمام قوى الثورة الجذرية حرب طبقية طويلة الأمد – ليس حتميا أن تكون دائمة متصلة ولا أن تتخذ شكلا واحدا – حتى تحقق جمهوريتها الديموقراطية , ثم بعد ذلك نظامها الإشتراكى فى سياق ثورة إشتراكية عربية – أممية . ولاشك أن الإطاحة بهذا الجناح البورجوازى الكبير الاسلامى للثورة المضادة يمثل خطوة إلى الأمام علينا ألا ندخر وسعا فى إنجازها . وعلينا بصفة أخص كشف , وفضح الفخاخ , والمصائد الإمبريالية , والإصلاحية الإنتهازية منها والليبرالية التى تستهدف تحويل خط سير الثورة من الإطاحة به الى السير فى ركابه : طريق الصناديق الإستفتائية , والرئاسية , والبرلمانية , وكافة أوثان الدكتاتورية الرأسمالية . وقد تواترت بعض الأنباء أخيرا عن أن هناك مساع أمريكية ل " صندقة " الصراعات السياسية المحتدمة الجارية , بتحويلها الى مسار إستفتائى حول إنتخابات رئاسية مبكرة , إن إضطر النظام القائم لذلك . وهو أمر يؤدى لتبديد الزخم والطاقة الثورية التى تراكمت من خلال إختمار ضغوط الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الكلية , والجهود التعبوية لحملة تمرد رافضة لإستمرارسلطة الإخوان وحلفائهم , وليس فقط إستمرار مندوب مكتب الإرشاد فى الرئاسة , وإختزال الصراع الثورى السياسى الجارى ضد حكم الإخوان إلى مسألة إستمرار, أو عدم إستمرار الرئيس مرسى , الأمر الذى يستبقى ولايزعزع من سلطة الإخوان أصلا , ويحتفظ لهم بالإختراقات التمكينية التى قاموا بها منذ يونيو الماضى على قمة , وفى أجهزة الدولة المختلفة فضلا عن إعلانهم الدستورى, ودستورهم التيوقراطى عتبة الدولة الدينية , الأمر الذى لاحظه ورصده الكاتب الديموقراطى الثورى وائل عبد الفتاح وأعتبر محقا أن الصندقة مقبرة الثورة .
لاحظ بعض رفاقنا بصواب أن عدم إنجاز هدف الإطاحة بسلطة الإخوان السياسية بوصفها سلطة الرأسمالية الإسلامية المستغلة ( أحد جناحى الثورة المضادة ) وهزيمة قوى الثورة سيتمخض عنه تثبيتها لأمد طويل ولاشك أن هدم قلعة أثناء بناءها أيسر من هدمها بعد إكتمال بنيان أسوارها . نحن الآن أمام فرصة تاريخية تتميز بأننا نعاين وضعا ثوريا ( بعيدا عن أى تفاؤل قدرى ) , وهو ماينبغى إستثماره لأقصى درجة مع مايميزه من الميل الظاهر لميزان القوى لصالح الجماهير الشعبية التى تجلى سخطها بأسطع المعانى على السلطة القائمة خلال الأسابيع القليلة الماضية . " الآن أو إلى الأبد " , هكذا قال لينين ذات مرة بشأن إنتفاضة أكتوبر البلشفية ( وأيضا : ( إن التاريخ لايرحم تلكؤ الثوريين الذين فى إمكانهم أن ينتصروا ) – مع مراعاة فارق التوقيت الإجتماعى السياسى التاريخى . إن أنسب وقت للإنتفاض الثورى وتحيين أوانه تكون عندما يميل ميزان القوى لصالح قوى الثورة وواحدة من أهم علاماته وأكثرها حسما – غير مظاهرها المادية البشرية والعسكرية والفنية , والتنظيمية الضرورية بالطبع – هى تلك التى تقع فى ميدان الوعى حيث ترتفع الروح المعنوية الى الذرى , وتكتسى الحالة النفسية عند الجماهير بنزوع قتالى كفاحى حاسم يترافق مع تبدد أوهامها وتراكم خبراتهاالسياسية المتجمعة على مدى عامين ونصف , وإنهيار ثقة الفئات والطبقات الوسيطة بالسلطة السياسية الإخوانية وإهتزاز ثقة الأخيرة بذاتها . وعلينا أن نؤكد هنا أن إرتفاع الروح المعنوية لابد أن يواكبه الإعداد المادى العملى للدفاع الشرعى عن النفس فى مواجهة قوى الثورة المضادة وأجهزتها القمعية التى تعلن حيادها ووقوفها على مسافة واحدة من القوى السياسية المتنازعة , وهى إعلانات إختبرتها قوى الثورة قبل ذلك من خلال شهدائها . غير أن ذلك لايعنى إعتبار تلك الإجهزة " كتلة رجعية واحدة " فهناك تناقضات ( بين القيادات العليا والوسطى والدنيا ) ومواقف بداخلها يمكن استثمارها لصالح سياسات وأهداف الثورة دون أن يعنى ذلك "إيد واحده " بأية حال . بإستثناء من يقاتلون سياسيا وجماهيريا فى صفوف الثورة فعلا منضمين إلى صفوفها .
إن الثورة لاتؤمن بالكلمات فهى تختبر حقائقها بدماء مناضليها , والوقت الذى نعاينه هو وقت الإشتباك مع إعلانات الحرب الأهلية الصارخة المدوية , وبيانات خطط المواجهة الزاعقة , والتكتلات التى تعلنها السلطة ومناصروها , بإجتماعاتها السرية , والعلنية من الرئيس الى الشاطر مرورا بعبد الماجد والزمر وغيرهم . مايتعين علينا أن نفهمه هو أن علينا مواجهة هذا الواقع بإستعداد حقيقى لكل إحتمالاته فمن الغفلة التى لاتغتفر أن يذهب المرء الى الحرب بملابس السهرة , ومهما كانت قوى الثورة راغبة فى إنجاز مهامها بشكل سلمى بعيدا عن العنف فقد يفرض عليها فرضا كما دللت كل التجارب السابقة مع أجهزتها القمعية أو ميليشياتها أن تدافع شرعيا عن نفسها . ستسعى السلطة وقد بدأت بالفعل فى محاولات إجهاض تلك الحركة الشعبية الكبرى ولن تدخر وسعا فى ذلك ولاسبيل إلا تبديد تلك المحاولات حفاظا على ذلك الزخم الشعبى الذى يستحيل تجميعه دائما على هذا النحو . نحن لانستطيع أن نلغى الخطر الفعلى بالرؤى والإدراكات العقلية وإنما بإمتلاك كل أسباب القوة الحقيقية لتفاديه وهزيمته .
ليست هذه هى المرة الأولى فى التاريخ ( لمن يعتقدون أنه لاتشابه بين الثورات ) التى ترفع فيها قوى الثورة حزبا سياسيا إلى السلطة فينحو الى الإعتقاد طبقيا بأن الثورة قد أنجزت مهمتها بوصوله كما هو الحال مع الجناح الرأسمالى الإخوانى المناهض للثورة – وأن على قوى الثورة أن تعود أدراجها وأن تقر فى بيوتها . ولن أستفيض فى هذه المسألة التى تناولتها مقالات سابقة . غير أن المهم هو أن هذا الجناح يصبح معنيا أكثر من أى شئ آخر بالبرهنة لكافة القوى الرجعية – فى حالتنا عالمية , وإقليمية , عربية خليجية , ومحلية من رأسماليى الجناح القومى المناهض للثورة – أنه جدير بالإعتماد عليه وهو ماعايناه عقب 25 يناير بدءا بالإجتماعات الشهيرة مع عمر سليمان الى العلاقة مع المجلس العسكرى الى الدور القمعى التشريعى الذى لعبه البرلمان المنحل , الى العلاقة بإسرائيل وأمريكا طوال عام كامل . وتبخرت الوعود العاصفة التى أعطيت لجبهة فيرمونت الشهيرة ولقوى الثورة , ولم يتحقق منها أى شئ على الإطلاق . لقد جرت خيانة كاملة لأهداف الثورة . ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تبددت أوهام طلائع الثورة المقاتلة التى قدمت مئات الشهداء , وآثرت أن تستأنف معاركها ( أنظر مقال : دون كيشوتيوا الثورة والعاصفة الثورية المقبلة – على نفس الموقع ) واستغرقتها أوهام محاكاة الثورة الأصلية بإفتعال تكرار أحداثها , وتخيل أن دق طبول الحرب يحسم نتائج المعركة , والدعوات المتعجلة النابعة من رأس القيادات لا موازين القوى والواقع الفعلى , للعصيان المدنى والإضراب العام , والزحف الى الإتحادية وحصارها الى أن يتنحى الرئيس ... الخ . لقد ساد الإعتقاد الواهم بأنه كان بالإمكان تصحيح , أو إكمال تحقيق أهداف الثورة المغدورة بضربة واحدة , أو بمحاكاة ماحدث دون الإعتداد بميزان القوى , وخاصة مزاج الجماهير . الآن لدينا فرصة هذا الإلتفاف الشعبى , وهذا المزاج القتالى , وهو مايدعونا الى الإستعداد الفعلى الحقيقى الواقعى لاالكلامى ... ولابد أن نعلم أن بعضا من القوى المناهضة للثورة التى نواجهها تنتظر هذه الإنتفاضة المقبلة ل " تسوى " الأمر مع قوى الثورة , ولعل إستعدادنا الفعلى يحول دون أن تكون حركتنا هى مجرد شبه ثورة إضافية – التى قامت تاريخيا أحيانا بدور المحرض على انتصار وتعزيز دعائم الثورة المضادة . الأمر الذى حذر منه بعض رفاقنا .
آن أوان التخلص من كل الأوهام ومنها مايدور عن الجبهات , والتحالفات الذيلية وكذلك من إعتبار كل القوى السياسية المعادية " شركاء فى الوطن " أو أننا ينبغى أن نتحالف مع الجناح القومى المناهض وهو ذاته جزء من الثورة المضادة وممثليه شفيق , طنطاوى , عكاشة , بكرى , أبو حامد , إلخ ... ينبغى أن نجتاز هذا الإختبار التاريخى ... وأريد أن أختتمه بكلمة لى حول منطق الإتفاقات :
كلمة الى رفيق حول السير فى ذيل جناح الثورة المضادة " القومى الفلولى العسكرى " الذى يستهدف اسقاط جناح الاخوان " الاسلامى " فى حملة تمرد " مثلك " !!!!! : إعلم أنهم سيحاولون جرك للمستنقع -- استفد بخلافاتهم مع أجنحة أخرى فى السلطة لكن عليك ان تدرك انك المدافع الوحيد عن مطالب الثورة الجذرية , وهم لايشاركونك شيئا منها بل هم فى الواقع اعداؤها -- نظم نفسك تنظيما قويا فبدون تنظيم سيركبك الاكثر تنظيما شئت ام ابيت , توجه الى الطبقة الاساسية القادرة على التغيير وهى الطبقة العاملة والمستغلين والكادحين عموما فهم مربط الفرس فى اى تغيير ثورى حقيقى وبدونهم ستظل ذيلا دائما لقوى طبقية اخرى كما هو حادث الآن , واعلم ان اساليب النضال تصعيدا تنتهى بانتفاضة قومية ملاينية شاملة , فلا الهتافات ولاالشعارات النارية فى المظاهرات والاضرابات وبالأحرى التوقيعات تسقط انظمة , وأحذر أقوال الثوريين الملتبسة المشوشة التى تريد ان تجمع بين الحسنيين فترى حملة تمرد مثل ذبابة الرسول الكريم فى احد جناحيها داء وفى الآخر دواء ! بين حدودهم وحدودك , تخومهم وتخومك امام كل قوى الثورة -- ميز رايتك تمييزا حاسما , وسر منفردا , ووجه ضرباتك , ودعهم يوجهون ضرباتهم وحدهم --وضعهم تحت المجهر - لاتراعى الا اعتبارات الثورة معهم , فلاتجاملهم , او تقدر خواطرهم . وهم مستعدون لتغذيتك بالوعود والكلمات , فراقب مايفعلون ولاتهتم كثيرا بما يزعمون ويدعون - لاتحالف ولاجبهة ولااتفاق وخصوصا لادعم ولاتذيل - مواقف عملية يتخذونها بعيدا واتفاقيات نضالية مع الديموقراطية الثورية فقط من اجل تحقيق مطالب الثورة ..... غير ذلك اعلم انك انت الذى تنضم اليهم وهذا هو حال كل من يدعمونهم متذيلين دون تمييز ومن ماثلهم وسينتهون محققين اهدافهم هم لااهداف الثورة وصولا الى انتخابات رئاسية مبكرة وحكومة " وطنية " تضع اسس الانتخابات البرلمانية !!!
مقاومة الفاشية يعنى اسقاطها بجميع وجوهها المضادة للثورة لاتعزيز سلطة جناح ضد جناح والسير فى ركاب الاخير .
على كل الثوريين الجذريين أن يعملوا على تحرير " تمرد " , وأعنى الحركة الشعبية من أوهامها , وإصلاحييها , ومحاولى إجهاضها وتبديدها فعلى ذلك يتوقف تقدم الثورة . ... يتبع
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟