خديجة بلوش
الحوار المتمدن-العدد: 4123 - 2013 / 6 / 14 - 23:43
المحور:
الادب والفن
أتذكر أني كنت أخاف من الظلام... من همس الرياح تخترق شقوق الباب... تنفذ من مسامات جسدي النحيف.... أذكر أن أمي في فصل الخريف البارد كانت تشعل الحطب لنتدفأ.. طيبة جدا أمي وحنونة جدا.. كم أشبه أمومتها المفرطة بنا.. تجلس وسط الغرفة الصغيرة الباردة.. نلتف حولها كصغار القطط.. أراقبها تعانق الأصغر سنا... وأراقبها تنظر إليهم بشغف لم أدركه إلا حين أنجبت طفلي... كم مرة أمسكت نفسي كي لا أرتمي في حضنها ، كم مرة آلمت نفسي فقط كي تلتفت إلي وتهتم بي، لا ادري، لكن أمي تظل أروع الأمهات، اعرف أنها عانت الكثير.. صغيرة كانت حين أنجبتنا.. طفلة قلدوها مهام الأمومة قبل الوقت.. وكانت متفوقة في دورها.. تمنحنا الحب وتمطر إخوتي بالقبلات (لا أذكر أنها قبلتني) لكني اعشقها...أذكر أنها قررت مرة أن تلقنني درسا في البلوغ فقامت بشد شعري الأسود، لم ابكي ساعتها...كي أبرهن لها أني صرت امرأة ... لكني كنت أترك العنان لمطر الحزن يهطل حين يسدل الليل أستاره..انتحب بصمت يمزق روحي الغاضة...روحي التي سايرت الألم منذ أن وجدت...ولازالت..وأغلب الظن ستظل تعشق الألم...
تأخذني الرائحة لذكريات قديمة..مركونة في دهاليز الذاكرة العالق بها غبار الوقت والسنوات الجاحدة...لا انتمي إلا إلى رائحة أمي..وصوت أمي..وعطر أمي..وحزن أمي..وألم أمي...وطعام أمي....لا أظن أن طعاما أرضى غروري كطعامها...لذته تكمن في سر إعداده...اعرف الآن وبعد سنوات طويلة إن الأم تمنح الحب لأطفالها من خلال الطعام أيضا..كما ترضعهم من صدرها وتمنحهم عصارة روحها...تعد لهم طعاما بنكهات الحب والإيثار....أمي كانت تمدني بجرعات حب لا متناهية من خلال الطعام..
#خديجة_بلوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟