أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - نزلاء حتى إشعار آخر - للمخرج فرات سلام: فيلم تسجيلي يقتحم قلب المأساة، ويصوّر عائلة عراقية تعيش في - دورة مياه -















المزيد.....

نزلاء حتى إشعار آخر - للمخرج فرات سلام: فيلم تسجيلي يقتحم قلب المأساة، ويصوّر عائلة عراقية تعيش في - دورة مياه -


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1183 - 2005 / 4 / 30 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


بعد سقوط النظام الدكتاتوري في بغداد بدأ المخرجون العراقيون برسم ملامح جديدة للسينما العراقية التي تتمحور حول الإنسان، وهمومه اليومية، وتطلعاته لغد أفضل في ظل الدعوات " المشوّشة " التي تنادي بالحرية، والديمقراطية، والعيش الرغيد. وقد أُتيح للمخرج العراقي أول مرة أن يصوّر بقدر ما من الحرية، لأن الشرطي، أو العنصر الأمني، أو الذي يمتلك ناصية القرار ما يزال يتعامل بالذهنية القديمة التي تخشى عدسة الكاميرا، وتخاف الفضائح التي قد يفجرّها الإعلامي الذي يعمل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. وبالرغم من وجود هذه المصدّات والحواجز التي تُبعد الإعلاميين عن ملامسة الحقيقة أو الاقتراب منها، إلا أن السينمائيين العراقيين الجدد قد تخطوا هذا الحواجز الخطيرة، وقدموا لنا حقائق صادمة، مذهلة لم يكن الوصول إليها سهلاً أو متاحاً من قبل. ومن بين هؤلاء المخرجين المجازفين الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم، كما يقال، وذهبوا إلى قلب الحدث بعد سقوط التمثال مباشرة طارق هاشم، ميسون الباججي، سعد سلمان، هادي ماهود، وليد المقدادي، ماجد جابر، أوروك علي، محمد الدراجي، سنان أنطون، فرات سلام، وآخرين لا يسع المجال لذكرهم. ومن بين الأفلام التسجيلية المهمة التي تسنى لي أراها هو فيلم " نُزلاء حتى إشعار آخر " للمخرج فرات سلام. وتكمن أهمية هذا الفيلم الوثائقي القصير " مدته 13 دقيقة " أنه ذهب إلى قلب المأساة، وكشف لنا عن فجيعة شرائح واسعة من فقراء الشعب العراقي المشردين الذين لا مأوى لهم بحيث أن أحدهم " هو وأفراد عائلته " قد سكن في " دورة مياه " تابعة لأحد المقرات الحزبية!
قوة المقتطفات ودلالتها العميقة
انتقى المخرج فرات سلام ثلاثة مقتطفات مهمة جداً في نقل الحقائق الدامغة التي صدمت المتلقين، إضافة إلى مقتطف رابع يعبّر عن وجهة نظر مضادة للنزلاء الجدد الذين اقتحموا دوائر الدولة، والمقرات الحزبية والأمنية في طول البلاد وعرضها لأن بعضهم كان يسكن في بيوت مستأجرة، غالية الثمن، تثقل كاهلهم، بينما كان الآخرون الذين كانوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر يسكنون في الأنفاق أو تحت الجسور، أو الساحات العامة مثل " ساحة الطيران " وسواها من الميادين العامة، أو في بيوت الصفيح، أو في المنازل العشوائية المؤقتة في " حي طارق " الكائن " خلف السدّة " أو في نطاق المياه الآسنة التي لم يستطع أن يعيش فيها حتى إنسان ما قبل التاريخ! أما الشخص الثاني الذي اصطادته عين الكاميرا الذكية، والذي يمكن أن يكون ثيمة الفيلم الرئيسة، وجوهره، ولسانه الفصيح الذي يعبّر عن حقيقة مأساة الفقراء العراقيين المنهوبة حقوقهم في وضح النهار، هو الموظف الذي يعمل في " معهد الطب العدلي " التابع لوزارة الصحة، والذي يسكن بحسب توصيفه في " تواليت أو مرافق صحية " كي يقي أطفاله حر الصيف اللاهب، وبرد الشتاء القارص، والأهم من ذلك أنها تحمي أطفاله من الرصاص الطائش، أو القنابل التي قد تسقط بشكل عشوائي، وتصيب أحدهم مقتلاً. ومن المفارقات أن هذا الموظف الصحي المقتنع بقدره المشؤوم يتحدث عن شخص آخر يسكن تحت سقيفة من الصفيح المضلّع، وكأنَّ السكن في " دورة المياه " هو أفضل من السكن في تلك السقيفة النظيفة التي تخلو من رائحة الفضلات البشرية في الأقل. والأغرب من ذلك أن هذا الموظف المنتسب إلى وزارة الصحة مستعد لإهدار دمه، وعدم مغادرة " دورة المياه " إلا إذا تحوّل هو وأطفاله إلى جثث هامدة. يا تُرى ما هي طبيعة الحياة التي عاشها هذا المواطن البسيط، وما هي نوع المعاناة التي اضطرته لأن يفضّل السكن في " مرافق صحية " على أن يعيش في " الأنفاق أو تحت الجسور كما هو شأن بعض الفقراء المعدمين " ولنتخيل حجم الألم عندما يعلن هذا الموظف العراقي أنه يشكر الله على نعمة السكن في " دورة مياه "! أما المقتطف الثالث فقد كان لامرأة كبيرة السن لم تجد لها مكاناً في المقرّات الحزبية، ودوائر الدولة كلها فاضطرت لأن تفتح كوّة صغيرة في جدار غرفة مغلقة، مهملة، معلّقة آمالاً كبيرة على الحكومة الجديدة في أن تجد حلاً لهؤلاء المشردين الذين لا مأوى لهم. فهذه المرأة ليس لديها بيت تسكن فيه، كما أنها لا تستطع أن تدفع إيجار المنزل نظراً للفقر المدقع الذي تعاني منه، وهي تقبل السكن حتى في " خرابة " تؤمّنها الحكومة الجديدة. وهي تريد أن تتخلص على حد قولها من " هذه العيشة الزفت "! أما المقتطف الرابع فقد انتقاه المخرج من حواره مع رجل في منتصف العمر، يسكن في " حي القدس " أو " حي جميلة " والمعروف سابقاً بشارع " خير الله طلفاح " وهو للمناسبة اسم خال الرئيس السابق. وقد وصف الحالة متذمراً بأن أناساً غرباء قد جاؤوا بعد الأحداث، وسكنوا في هذه البناية التي كانت فرعاً للحزب لـ" مدينة صدام ". وقد نعت حالة هؤلاء النزلاء الجدد بأنها " مريبة " و " غير صحيحة "، وناشد الحكومة الجديدة أن " تجد لهم مكاناً آخر يسكنون فيه ". وأضاف هذا الرجل بأنهم " غير راضين عن وجود هؤلاء النزلاء الذين يسببون لهم مشكلات كثيرة " من دون أن يوّضح سبب هذه الريبة، أو نوع المشكلات التي يسببونها، ولم يبرر " وجودهم غير الصحيح ". بعد ذلك نسمع عبر تقنية الـ " Voice over " صوت يعلّق على هذه الأحداث المفجعة قائلاً: " بعد انهيار النظام الحاكم في العراق، وخلّو الدوائر الحكومية والمنظمات الحزبية من منتسبيها لجأت الآلاف من العوائل العراقية المتضررة حاملة همومها وأحلامها لتنشِئ في تلك البنايات مجمعات سكنية جديدة لهم، وفرضوا أنفسهم جيراناً للساكنين القدامى حولهم، ومشكلة للحكومة الجديدة. ". ثم يبدأ الفيلم، ونلج إلى تفاصيله الدقيقة التي تمتد بين الفاقة التامة، مروراً بالمخاطر اليومية في ظل الاحتلال، وانتهاءً بالهلع والمرض والحاجة الملّحة لتأمين هاجس الطعام.
رسم النهايات التي تضرب في الصميم
لو أرجأنا الحديث قليلاً عن الشخصيات التي اقتطف منها المخرج " جُملاً وعبارات مؤثرة " وتطرقنا عن الشخصيات السبع الأخرى التي رصدتها عدسة الكاميرا لاكتشفنا أن البداية كانت موفقة جداً، بينما لم تكن النهاية كذلك، فالرجل البدين الألحى كان سلبياً، ولم يتعاطف مع هذه الشخصيات المطحونة مادياً، والمسحوقة نفسياً، والذي كان يطالب الحكومة بأن تجد لهم حلاً، وقدّر تأثيرهم السلبي على الحي بنسبة " %50 " إن لم تكن " %100 " وكأنهم مسوخاً منبوذة، وليسوا كائنات بشرية لها حق الحياة والعيش الكريم. وهذا الرأي، وإن كان أقل حدّة، إلا أنه يتطابق مع رأي الرجل الذي يسكن في " محلة القدس، التابع لحي جميلة " والذي وصف حالة النزلاء الجدد على رغم بؤسهم وتعاستهم بأنها " مريبة " وغير صحيحة، وأوشك أن يقول من طرف خفي بأنهم " غير شرفاء ". ولو اختار أية شخصية من الشخصيات السبع المتبقية التي لم تظهر في المقدمة لكانت النهاية موفقة، وناجحة، وتنسجم مع المناخ العام للفيلم. وربما كان المتلقي سينسجم، ويتفاعل أكثر مع الشخصيات التي تناصر هؤلاء النزلاء، لا أن تقف ضدهم، خصوصاً وأن الأمريكيين قد أخرجوا كل الساكنين في دوائر الدولة الرسمية بما فيها من مدارس، ومراكز أمن وشرطة، وقصور مسؤولين سابقين، ومؤسسات، أما المقرات الحزبية فمن الممكن أن تكون مكاناً مؤقتاً يخفف من عذابات الناس الفقراء الذين كانوا هم الضحايا الأول للنظام البائد قبل غيرهم. فلو اختار الشاب الذي كان يسكن في الحي ذاته منذ ثلاث وعشرين سنة، والذي قال بأن هؤلاء النزلاء هم أناس فقراء ومتضررين، ولم يؤذوا أحداً لكان الاختيار موفقاً، فما الذي يمكن أن تتوقعه من أذىً يصدر من إنسان قَبِل السكن في " دورة مياه " أو من إنسان كبير يحصل على ألف دينار يومياً، ولديه إحدى عشر بنتاً، وثلاثة أولاد، أو من امرأة شابة لديها أربع بنات، وزوج مكسور الساق، ويقيم في مستشفى حكومي منذ مدة طويلة؟ وبالرغم من هذه الهنّة البسيطة التي ارتكبها المخرج في رسم نهاية غير موفقة تماماً، إلا أن الفيلم كان ناجحاً على مختلف الأصعدة الفنية. وقد استطاع فريق العمل المؤلَّف من زهير الجزائري، وضرغام فاضل، وعلاء صبري، وعلى وحيد، وحسن علي الدبو، ومحمد دلة، ويسرى جاسم، إضافة إلى المصوّر مروان كامل، ومخرج الفيلم فرات سلام من تقديم فيلم تفتخر به السينما التسجيلية العراقية التي تضع المتلقي وجهاً لوجه أمام حقائق صادمة تعرّي الواقع المزري الذي تعيشه شرائح واسعة من المجتمع العراقي في ظل الظرف الاستثنائي الراهن. ولا بد من التنويه إلى أن فرات سلام " مواليد بغداد 1967 " هو خريج قسم السينما عام 1988، وعمل مخرجاً تلفازياً وإذاعياً قبل أن يغادر العراق إلى ألمانيا عام 1991. وبعد سقوط النظام السابق أخرج خمسة أفلام تسجيلية من بينها " بيّاع- بغداد " و " حديث الأهوار " و " نساء فقط ". وسنتوقف مستقبلاً عند الفيلمين الأخيرين اللذين عُرضا في الدورة الثانية لمهرجان الأفلام الوثائقية العراقية في لاهاي، ونالا استحسان المشاهدين.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخرجة الإيرانية رخشان بني اعتماد: - سيدة أيار - إدانة صارخ ...
- التشكيلي ستار كاووش لـ ( الحوار المتمدن):أنا ضد المحلية البح ...
- المخرج هادي ماهود في فيلمه الجديد - سندباديون - أو - تيتانك ...
- جهاد أبو سليمان في فيلمه التسجيلي - أستوديو سعد علي -: رؤية ...
- أول امرأة هولندية تُصاب بجنون البقر، وتسبب هلعاً جماعياً
- المخرج العراقي ماجد جابر في فيلمه التسجيلي الجديد - المقابر ...
- الفنانة التشكيلية حنان عبد الكريم في معرضها الأخير: من الرمز ...
- الروائي العراقي اليهودي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -:عند ...
- الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نز ...
- الفنان سعد علي في معرضه الشخصي الجديد - الحب في مدينة الليمو ...
- التشكيلي زياد حيدر لـ ( الحوار المتمدّن ): اللوحة بالنسبة لي ...
- حفل لسيّدة المقام العراقي فريدة في دار الأوبرا في مدينة نايم ...
- أكرم سليمان في فيلمه الجديد - هلو هولندا -: دقّة المخرج في إ ...
- المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: شعوب الشرق الأوسط هم ...
- المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: الفيلم التسجيلي هو ع ...
- جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: لو لم اكن مخرجاً وممثلاً، ل ...
- مهرجان السينما العراقية الثاني في لاهاي: ملامح جديدة لأفلام ...
- حدوس ثاوية
- المخرج العراقي ماجد جابر: الحيادية والتلقائية هما من مقومات ...
- المخرج هادي ماهود: علينا أن نستثمر هذه الحقبة لصناعة أفلام و ...


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - نزلاء حتى إشعار آخر - للمخرج فرات سلام: فيلم تسجيلي يقتحم قلب المأساة، ويصوّر عائلة عراقية تعيش في - دورة مياه -