أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - لحظة انهزام الخريف














المزيد.....

لحظة انهزام الخريف


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 4122 - 2013 / 6 / 13 - 22:34
المحور: الادب والفن
    


لحظة انهزام الخريف

كلما رأيتُ رجلاً وامرأةً في سن الكهولةِ يمشيان أو يجلسان معًا، لا أستطيع تجاهُل ذلك الصوت بداخلي؛ صوتٌ يكرر أمنية هائمة على وجهها فوق سطور السنين بأنْ تكونَ الحبيبة الأولى هي شريك العمر. هي مَن تُعدُّ الذكريات معها بالعقود: "هل تتذكرين حبيبتي عندما جلسنا هنا قبل أربعين سنة؟! فترد مبتسمة: "أربعون سنة!!! أيها العجوز :) . أنا ما زلتُ في ريعان شبابي"! ويختفي كل شيء إلا صوت ضحكنا الذي يتمدد باتساع الكون دون حرجٍ ولا تردد. لكن هذا كله مجرد خيال.

الخيال، على كل حال، نعمة، فهو الشيء الوحيد الذي لا يكبُر أو يشيخ كلما استقوى علينا العمر. ليست المسألة في أنْ نُحب مرة ثانية أو ثالثة أو رابعة. المسألة هي أننا بعد الحبِّ الحقيقي- الذي قد لا يأتي في العمر مرتين- نقارنُ حينًّا، ونبحثُ عن شبيه حبيبنا الأول حينًا آخر. نختزن بعض طاقاتنا، وتخوننا القدرة على الاختزان فنأخذ أناسًا بذنوب الآخرين! تزداد حساسيتنا وهواجسنا بعد التجربة الأولى بلا شكّ. حكاية تشبه المقولة الفلسفية الشهيرة بأنك لا تضع قدميك في النهر ذاته مرتين. الكل يتعلم بالخبرة الفعلية كيف يساير الحياة ويسير معها بينما يسير الزمن بالجميع. نكبُر؛ والكبر- بالمناسبة- نعمة؛ لأن آثاره البادية على أجسادنا ينبغي أنْ تكون دلائل للسلام النفسي، والاتزان الانفعالي، ومعاينة دروب الحكمة بخطوات أكثر هدوءًا من عقارب الساعات المجنونة. وويلٌ لمن تهرم أجسادهم وتتدكس أعمارهم بحصالات الزمن دون أنْ يغادروا محطات المراهقة.

إننا نحبُّ كبارنا؛ أمهاتنا، آباءنا، أساتذتنا، أقاربنا، مَن نصادفهم في الطرقات بملامح الشيوخ التي رسمت تجاعيدها الأنيقة المنبسطة خطوط من المحبة والتسامح وفيض المعرفة والسلام. نعم. فكلما كبرنا، ازداد بحثنا عن المحبة لا الحب الذي ينحصر في وعينا بشريك وحيد. كما يزداد شوقنا للهدوء والسكينة. كالأطفال بالضبط. تزيد براءتنا بعد أن تناسينا خبث أيام الشباب. ويزيد ما نُصدّره بكل تلقائية من أمانٍ وصدقٍ للمحيطين أينما حللنا. كما يزيد اندماجنا بسكون الليل فننعم به نومًا. ويوقظنا طلوع الشمس الجديدة لننعم ببعض طزاجتها قبل أنْ تنتبه إليها الملايين من عيون الضجيج والصخب.

قبل عدة أيام، كنتُ في طريقي لمنزل صديقٍ. مررتُ بأحد المحلات الصغيرة الشهيرة في كوريا "سفن إلفن" التي تقدم بعض الوجبات الجاهزة والقهوة، وتضع بعض الكراسي فيما يشبه المقهى بالرصيف الواسع بامتداد واجهته. شد انتباهي هذان العجوزان فيما فوق السبعين من العمر. أنيقان. ملامحهما هادئة. لا شيء يجرؤ على المرور بين المدى الخاص بأعينهما. كانت يداها تحضن يديه وتداعبه بكلمات حلوة تخيلتها كلها عندما لمحتُ ابتسامته وامتنانه. وددتُ أنْ ألتقط لهما صورة وأنْ أعنونها بمئات العبارات الخاصة التي تليق بهما، لكن التقاط صور الآخرين دون إذنٍ أمر يعاقِب عليه القانون هنا. وددتُ أن أشتري لهما قهوةً أو عصيرًا وأنْ أقدمه لهما وأرحل دون أن أنطق بكلمة واحدة، تاركًا ابتسامتي تتكفل بكل شيء لأجل أنْ يصلهما إحساسي بالفرح من أجلهما! بل لأكون أكثر صدقًا؛ مِن أجلي أنا أيضًا.

مضيت في المكان فحسب، فقد كان رأسي ومعه قلبي يطوفان حولهما كحُبابٍ مفتونٍ بالنور حدَّ الموت. كلما ابتعدتُ قليلاً. توقفتُ واستدرتُ ببطءٍ ثم نظرتُ إليهما. هل كانا حبيبين فرق القدرُ بينهما؟ هل رفضتُه أسرتها لفقره أم رفضتها أسرتُه الثرية ظنًّا أنَّ الفقيرات مثلها لا يعرفنَ سوى الطمع، كما يحدث في الدراما الكورية عادة؟ هل تخلى عنها وتركها للحياة بدونه ثم أعادته السنين إليها؟ أم أنها وجدت في غيره ما كانت تبحثُ عنه شابةً، ثم اكتشفت بعد وقتٍ طويلٍ أنها لم تحب سواه؟ هل ذلك الشوق المتدفق هو الذي فرض على مخيلتي هذا النوع من صور الفراق؟ ألا يمكن أن يكونا زوجين قد مرًّا بمحنةٍ وهما الآن يحتفلان على طريقتهما الخاصة وبمنتهى البساطة بانقشاعها؟ كان برأسي في تلك اللحظة الكثير من الأسئلة التي شاغبت حلمًا وحيدًا لن يتحقق. لكني على كل حال أحسستُ براحة وسعادة كما لو كنتُ أنا ذالك العجوز، وتلك التي تدفئ كل برودة الحياة والناس هي حبيبتي الوحيدة. شكرتهما وسأظل كلما ذكرتهما، فبهما تعلمتُ أنَّ أشجار الحب مهما شاخت يمكنها بكل سهولة أنْ تتغلب على أيِّ خريف!


محمود عبد الغفار غيضان
14 يونيو 2013م



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين -دروس- العقل و-ضروس- الحياة
- عزيزي اللص. جزاك الله خيرًا.
- مِن تأبَّطَ شرَّ إلى تأبَّط -سنجه- إلى المتأبطين أكياسًا.
- ما لك وما ليس لك هنا .... بسبعة أرواح (1)
- أحنُّ إلى زمن المصاطب
- من دفتر نوادر الأجانب مع العربية
- سلوى وتلصصٌ خاص على فرجينيا وولف
- أنا وابن خرداذبة في مدح كوريا سواء
- كوريا وثقافة الوجود داخل جماعة
- لهم -فيسهم- ولنا -فيس-.
- التاريخ يهزم الجغرافيا
- صعودهم لأعلى وصعودنا أبدًا لا يليق بنا
- أنت -رايح جاي- أم -اتجاه واحد-؟
- مينا ومارك وبيتر وشم النسيم مع الكوري الجنوبي -شادي-
- خامس المستحيلات في أساليب الانتقاد بين الكوريين والعرب.
- تلصصٌ على شاعر كوري
- تلصص في الوجع
- تلصص فيسبوكي
- محروس أبو فريد... طبيب الأحذية
- وهيبة... تسالي المصاطب


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - لحظة انهزام الخريف