محمد رؤوف حامد
الحوار المتمدن-العدد: 4122 - 2013 / 6 / 13 - 13:51
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
"25 يناير" : ثورة من نوع جديد .. ومعنى جديد .. ومستقبليات جديدة
دكتور محمد رؤوف حامد
[هذا الطرح مُهدى الى
"ذكرى المرحوم الأستاذ الدكتور صلاح صادق"
أحد كبار القانونيين المناضلين ضد الفساد والمشارك الأصيل فى أحداث ثورة 25 يناير مع جماهير المواطن العادى حتى وافته المنية/ ديسمبر 2012 ]
يظن البعض بخطأ إطلاق مصطلح "ثورة" على الحركية التغييرية التى بزغت فى مصر مع 25 يناير 2012, والتى لاتزال تتقلب منذ إنطلاقتها, صعودا ونزولا, وأفعالا وردود أفعال.
فى هذا الخصوص يوضح الطرح الحالى ليس فقط أن الحركية التغييرية الخاصة ب 25 يناير هى ثورة, بل وأنها "ثورة من نوع جديد".
ولأنها ثورة من نوع جديد, فإن لها, فى حركياتها ومستقبلياتها, سياقات من نوع جديد, الأمر الذى – بدوره – يستدعى إنتباهات جديدة.
لماذا هى ثورة؟ ... , وماهى المعايير التى تؤكد ذلك؟ ... , ولماذا يكون من المهم أن يجرى التعامل معها من خلال إدراكات (وإنتباهات) من نوع جديد؟ ... هذه هى العناصر الرئيسية التى يجتهد الطرح الحالى فى جذب الإنتباه اليها, ... ومن ثم, جذب الإنتباه الى الخصوصيات فى مستقبلياتها.
أولا – لماذا هى ثورة ؟
(1)
العلاقة بين التغيير فى شكل الزمن .. والتغيير فى شكل الثورة:
عندما يتغير شكل الزمن, بمعنى التغيير النوعى و/أو الكمى فى حركياته, فإن قيمته (أى قيمة الزمن) تتغير.
دالة التغيير فى قيمة الزمن تتمثل فى معدل حدوث التطورات التغييرية, والتى تعنى معدل التصاعدات بشأن التغيير فى المنتجات, والأفكار, والعلاقات, و – عموما – معدل التغيير فى الحادثات Events.
وهكذا, الآن, ونحن فى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين, نشهد زمنا مختلفا بدرجة كبيرة (وفارقة) جدا, مقارنة بزمن الثورات التقليدية التى شهدها التاريخ على مدى القرون الثلاثة الماضية (من القرن ال 18 الى نهاية القرن ال 20), عندما كانت الثورات, فى الأساس, تغييرا فى نظام الحكم.
حاليا, وبعدما تغير شكل الزمن جذريا (على الأقل بفعل التقدم المتسارع فى العلم والتكنولوجيا على مدى النصف الثانى من القرن ال 20), صار للثورات مستقبلا مختلفا, الأمر الذى حاولنا جذب الإنتباه اليه (مع نهاية القرن ال20) من خلال طرح بعنوان "مستقبل الثورات" (العربى الكويتية – يناير 2000).
فى هذا التناول المبكر نسبيا, والذى ضُمن فى كتاب "القفز فوق العولمة" (دار المعارف 2003), كانت الرؤية تقوم على أساس أن منشأ الثورات فى المستقبل القريب سيكون "المعرفة", والتى قد أصبحت أكثر إتاحة للعامة.
وبتحديد أكثر, أشارت خاتمة أطروحة "مستقبل الثورات", المنوه عنها أعلاه, الى الحاجة الى خطوط إرشادية مرنة, تهدف الى الإستفادة من التغييرات النوعية البازغة, القادمة, بشأن "الثورة" كفعل مجتمعى تطويرى.
جاءت الإشارة الى هذه الخطوط الإرشادية تحت عنوان جانبى: "موقف الإنسان والسلطة فى البلدان النامية (أو ماينبغى عملة بواسطة شعوب وحكومات هذه البلدان)".
وضمن سبعة خطوط إرشادية جاء نص الخطين الأخيرين كالتالى:
- إستخدام الثورات الميكرو (أى الثورات فى طريقة الحياة نتيجة لمستحدثات العلم والتكنولوجيا) فى تطوير الفكر الوطنى والعمل السياسى القومى.
- النظر فيما ينبغى أن يُستلهم من الثورات السوبر (أى الثورات التى تتعلق بتغيير كامل على مستوى العالم – مثل التغييرات فى قوانين التجارة العالمية, وفى الإتصال, وفى الهندسة الوراثية, والذكاء الإصطناعى ... الخ), وذلك فيما يتعلق بإدارة الدولة وإدارة المجتمع الكبير (القطر / الإقليم)....
وهكذا, الجزئية رقم "1", تشير الى أن علينا أن نرى (أو أن نتوقع) أن "فعل الثورة" فى الزمن الحالى يختلف عما الفناه عن "فعل الثورة" فى زمن سابق, والذى كان يعنى – بإختصار – أن تنظيما يستولى على السلطة, ويُحدث التغييرات التى ينشدها.
(2)
نوعية القيادات الجديدة (المرتقبة) لهذه الثورات الجديدة:
بعد أكثر قليلا من عقد من الزمان من نشر مقال "مستقبل الثورات" دعت المتغيرات الى طرح أحدث بعنوان "مستقبل جديد للثورات : ثورة المفكرين", والذى نُشر الكترونيا فى فبراير 2013, فى كل من "الحوار المتمدين", ومجلة "الوعى العربى", وشبكة "محيط", إضافة الى مواقع أخرى.
فى هذا الطرح الأحدث, جرى جذب الإنتباه الى أن الفعل القائد للتغييرات السياسية (فى الشمال والجنوب على السواء) قد سقط من أيدى القيادات السياسية التقليدية, كقيادات الأحزاب, والحكومات, وحتى العسكر.
ذلك حيث أن التوجهات والقدرات عند معظم هذه القيادات التقليدية صارت واضحة التدنى, مقارنة بالتوجهات والقدرات التى بدت فى الرؤى والطموحات والمزاجات السياسية لجماهير المواطن العادى, والتى كان من شأنها إستحداث مايُعرف الآن ب "جماعية المواطن العادى".
وبينما أشار هذا الطرح الأحدث الى أن شعوب الجنوب, كما ظهر فى الحركيات التغييرية العربية الأخيرة صارت مناهضة, وبشكل جماعى, لتحالفات السلطة والفساد عند قياداتها, فإن هذا الطرح قد أشار أيضا الى أن شعوب الشمال, كما ظهر فى التظاهرات الكبرى المتتابعة فى العديد من العواصم الأوروبية, صارت هى الأخرى مناهضة (وبشكل جماعى) لما ظهر من قياداتها السياسية من تبعية للنيوليبرالية [أو الرأسمالية المحافظة/الشرسة], والتى إستحدثت مسارات التقشف وتسريح العمالة, ودفعت الى زيادة جنونية للفروقات فى الأجور والدخول, وتسببت أنانياتها فى سلاسل من الأزمات المالية.
وبناء على هذه المعطيات, أشار هذا الطرح الأحدث الى أن الشعوب, شمالا وجنوبا, صارت أقل ثقة فى السياسيين التقليديين, والذين صاروا – فى عمومهم - أدنى مصداقية عن أى وقت سابق, مما أدى بجماعيات المليونيات الثائرة, من جماهير المواطن العادى, أن تكون أشبه بالجسم الضخم الهائل فى قوته, لكن بدون رأس (أى بدون قيادة).
المدخل الى الرأس المنتظرة, أو الممكنة, كما أشار هذا الطرح الأحدث تتمثل فى جماعية (أو ثورة) المفكرين.
ما تقصد اليه إذن الجزئية الثانية هذه (رقم " 2"), هو أن الأصل فى الثورات الجديدة هو أنها تظهر وتتضخم بفعل الجماعيات الجماهيرية المناهضة لفساد الحُكام, أو لتبعيتهم للنيوليبرالية, وذلك دون قيادة.
ذلك يعنى أن القوة القائدة للجماعيات الجماهيرية "لاتظهر قبلا", أى لاتظهر قبل بزوغ هذه الجماعيات.
المسألة إذن فى هذا الفعل (أو الشكل) الثورى الجديد, أن الحركيات - الجماهيرية – الكبرى تبدأ وتتواصل دون قيادة بالمعنى المفهوم, وأنه إذا كان مقدرا أن تكون لها قيادة, فإن القيادة تتولد فى حينه من داخلها.
القيادة هنا قد تغيرت مهامها ومواصفاتها عن القيادة فى الثورات السابقة. هى هنا صارت (أو ستصير) منفذة لإلهامات الجماهير, وليست مُلهِمة للجماهير.
فى هذا الخصوص, أشار الطرح المشار اليه أعلاه, "مستقبل جديد للثورات: ثورة المفكرين", الى الدور المحتمل لجماعيات المفكرين كمدخل لصياغة "المسطرة", أو المعيارات الإسترشادية, التى يمكنها أن تكون معبرة عن طموحات وإرادات جماعيات الجماهير ومساراتها التغييرية.
وهكذا, فى الفعل الثورى الجديد (أو الثورات الجديدة) يوجد إختلاف جذرى فى "فكرة القيادة".
(3)
الإرتقاء الحلزونى .. سر ثورة 25 يناير و الثورات الجديدة:
إذا كنا فى وقت سابق قد حاولنا جذب الإنتباه الى أن "الإنسان العادى هو سر مصر" [سلسلة مقالات "سر 2007" – البديل - 17 الى 20 أكتوبر 2007], فإن أحد أسرار الديناميكية السياسية للإنسان العادى, قبل وبعد 25 يناير, تتمثل فى "الإرتقاء الحلزونى".
المقصود بالإرتقاء الحلزونى هو ظهور سلسلة من "التطويرات البسيطة المتصاعدة", والتى يمكن عند إكتماها, أو بلوغها حدا تراكميا معينا أن تقود الى "تطور جذرى".
بحدوث هذا التطور (أو التغيير الجذرى) تكون دورة كاملة فى الإرتقاء الحلزونى قد إكتملت, وتكون هناك دورة جديدة على أهبة البدء, متمثلة مجددا فى ظهور "تطويرات بسيطة متصاعدة", بإعتبارها تغييرات تطويرية للتغيير الجذرى الأخير.
بهذا المعنى كانت قد جرت الإشارة الى الإحتجاجات التى ملأت البلاد قبل 25 يناير, بإعتبارها "تطويرات بسيطة متصاعدة" يمكن عند إكتمالها أن تتحول الى "تطور جذرى", الأمر الذى قد حدث بالفعل بعد ذلك, متمثلا فى "25 يناير", وعلى وجه الخصوص فى إسقاط مبارك (المشروع القومى لإعادة التضبيط – البديل 18/10/2007 , ضمن مقالات "سر 2007").
بعد إسقاط مبارك تواصلت التغييرات, إيجابية وسلبية على السواء, بحيث تعرض شارع الثورة الى تواصل عملية الإرتقاء الحلزونى ("إحتياجات الإرتقاء بالثورة: الحركيات والقيادة" – البديل الإلكترونى – 1/5/2011).
ومع تواصل سلسلة التطويرات البسيطة والجذرية, وصل الشارع السياسى للثورة مؤخرا الى مالم يكن فى حسبان الرأى العام ذاته بعد الثورة مباشرة, أو بعد إستفتاء 19 مارس 2011, أو مع الإنتخابات (البرلمانية و/أو الرئاسية) عام 2012, وهو "ظهور رأى عام (أو إجماع) وطنى عريض وعميق بعدم صلاحية الإخوان (ولا الرئيس القادم منهم) لحكم البلاد".
لقد وصل الشارع السياسى للثورة الى هذه القناعة من خلال دورات تغييرية داخل مسار تلقائى للإرتقاء الحلزونى.
ولقد بدأ رصد هذا الإرتقاء الحلزونى (الإستشرافى) قبل الثورة, فى مقالات "سر 2007" (المشار اليها أعلاه), ثم جرى رصده كذلك بعد الثورة (فى "الإرتقاء الحلزونى للثورة" – كتاب "ثورة 25 يناير: من أين؟ والى أين؟ - سلسلة إقرأ – دار المعارف – 2011 – ص 105).
فى هذا الخصوص, يشير النص ص 110 فى الكتاب المشار اليه أعلاه الى أنه:
......" لو كان الحكام الفاسدون يدركون أهمية وعظمة الإرتقاء الحلزونى, ماوقعوا فى خطأ التلكؤ فى الإستجابة الى مطالب الجماهير, حيث هم فى النهاية يدمرون شعوبهم ويدمرون أنفسهم. لقد أخطأوا فى فهم الإرتقاء الحلزونى كمنهجية تلقائية للتغيير".
ويتابع النص ... "أما عن قوى الثورة, فلايصح (ولايجوز) أن تغيب عن مداركها أهمية وعظمة وخطورة الإرتقاء الحلزونى, حيث هو المحدِد (أو الموجه أو الراسم) للمسار الخاص ببلوغ أى ثورة لأهدافها, وللتعامل مع أية عقبات أو تحديات أو تحسبات يمكن أن تعترض هذه الأهداف".
ثم, ... "المسألة إذن أن القدرة على فهم الإرتقاء الحلزونى تُمكن من الإستشراف, والصبر على الصعوبات, وإيجاد (بل وإبداع) البدائل".
هكذا الجوهر الرئيسى للإرتقاء الحلزونى إذن. هو مسار للتغيير (أو التطوير) يحدث على مراحل. ذلك بينما تتكون كل مرحلة من مستوين من التطويرات / أو التغييرات. مستوى تطويرى بسيط تقود تراكماته الى إبداع مستوى تطويرى جذرى, تماما كما بزغت الثورة, وكما إنتقلت الثورة من تغيير الى آخر, حتى وصولها مؤخرا الى مستوى بزوغ "تمرد", كمجرد محطة فى المسار الإرتقائى التلقائى لشارع الثورة.
هذا المسار فى التغيير ينجم, فى مستواه البسيط المتصاعد, عن الإزدياد فى الإدراك السياسى وفى الوضوح فى فهم العامة, نتيجة للتعلم الذاتى من جدلية الأفعال وردود الأفعال, سواء عند السلطة القائمة, أو القوى السياسية, أو القوى المضادة للثورة ...الخ.
وعندما تتسع مرتبة الإدراك والوضوح لتضم عموم جماهير المواطن العادى, فإن الإدراك والوضوح, ومايترتب عنهما من معاناة, يؤدى الى جماعية فى فعل (أو فكر) تغييرى جذرى جديد, لم يكن موجودا من قبل.
ذلك تماما كفكرة "كفاية" عام 2004, والإحتجاجات الجماهيرية (خاصة منذ 2007), ومليونيات إسقاط مبارك (2011) ....... الخ, وحاليا "تمرد" (2013).
المسألة إذن أن التعلم الذاتى عند الجموع يُشكل ميكانيزما رئيسيا فى الإرتقاء الحلزونى لشارع الثورة.
من ناحية أخرى, يمكن الإشارة الى أن "جماعة الإخوان", بإعتبارها صاحبة أجندة خاصة, وبالإعتبار لمنظوميتها, قد قامت بصناعة إرتقاءا حلزونيا خاصا بها, إبتعدت به عن حركية شارع الثورة, وإن كانت قد جندت (أو ركبت) حركية الثورة لصالحها ولصالح أجندتها.
ولكن, لأن هذه الجماعة (جماعة الإخوان) ليست هى جماعية الثورة, ولأنها لاتستطيع تغليب الشأن الوطنى على شأن الجماعة, فقد كان الإرتقاء الحلزونى الخاص بها (والذى مكنها جزئيا و/أو مؤقتا من المجلس العسكرى و ممن البرلمان ومن الرئاسة) إرتقاءا زائفا بمقياس "المسطرة الإفتراضية" للثورة.
ذلك بحيث كانت خطوة إرتقاء جماعة الإخوان الى السلطة هى فى حد ذاتها تغييرا بسيطا سلبيا, كان من شأنه أن يكون منبها لجماهير المواطن العادى بأن الجماعة لاتصلح لحكم البلاد وقيادة الوطن.
لقد كان هذا التنبيه بمثابة التغيير البسيط المتصاعد الذى ببلوغه حدث تغييرا جذريا فى شارع ثورة 25 يناير, والذى يتمثل ليس فقط فى رفض الإخوان, وإنما فى الفصل بين ماهو دينى ..., وما هو سياسى (أو وطنى).
فى كل ذلك, السر هو "الإرتقاء الحلزونى", وفى كل إرتقاء حلزونى وطنى يكون السر هو المواطن العادى.
وهكذا, تشير هذه الجزئية الثالثة (رقم "3") الى أن الجماعيات الجماهيرية فى صورها المختلفة هى صاحبة القرار فى مسار الثورة, وذلك مهما بدا من إنحراف للثورة, أو من خروجها عن مسارها المفترض. ذلك أن هناك مسارا مفترضا للثورة رغم عدم وجود قيادة لها. هذا المسار يتشكل بواسسطة ثنائية من العمليات الإرتقائية (البسيطة والجذرية), و التى ينشأ تتابعها من خلال الإرتقاء فى الفهم السياسى للمواطن العادى, الأمر الذى يحدث عبر "التعلم الذاتى".
بمعنى آخر, المواطن العادى هو "سر الإرتقاء الحلزونى", والإرتقاء الحلزونى أمر لا أحد (فردا أو كيانا) يستطيع الإلتفاف حوله, أو إيقافه, مهما بدا غير ذلك.
(4)
ثورة 25 يناير جزء موضوعى من التاريخ يصعب محوه أو تنحيته:
إذا كنا عامى 2005 و 2006 قد توقعنا (فى محاضرات منشورة) أن الشارع السياسى فى مصر مقدم على "نقطة إنعطاف", مابعدها ليس كما ماقبلها, "... مما يعنى بدء تقلص تدريجى للأغلبية الصامتة, وبدء تصاعد الإهتمام العملى المجسم بالشأن المجتمعى العام والتأثير فيه..." (مجلة العلوم الإنسانية واللاهوتية – الندوة الثقافية – عدد إبريل 2006 – السنة 46), ...
وإذا كانت التوقعات قد وصلت حد رصد دورة زمنية للتغيير, تم فى سياقها التنبؤ بقدوم تغيير سياسى كبير فى الفترة عام 2009 زائد أو ناقص عامين [ مقال "الإطار المرجعى والخوف من الديمقراطية – البديل – 20/10/2007", و مقال " الحركات الاحتجاجية .. ماذا سيتبقى منها بعد عامين؟" – البديل – 23/8/2008"], فإن المهم هنا ليس أن هذه التوقعات قد ثبتت صحتها, ولكن أن حركية المواطن العادى, والتى إستشعرتها هذه التوقعات, قد أدت بالفعل الى (وكانت هى الأساس فى) إحداث "نقطة الإنعطاف" و "بزوغ التغيير السياسى الكبير, والذى هو الثورة (ثورة 25 يناير).
الخاصية الجديدة التى جاءت بها, ومن خلالها, الحركية التغييرية الكبرى (أو الثورة) فى 25 يناير, وتتميز بها عما سبقتها من ثورات مصرية حديثة (الثورة العرابية – ثورة 1919 – ثورة يوليو 1952), هى أنها لم تحدث من خلال (أو من حول) تنظيم حزبى أو عسكرى, بل جاءت من خلال تلقائية تصاعدت فى إيقاعاتها وحدتها حتى شملت ملايين المواطنين العاديين, والذين تصرفوا ككتلة واحدة دون سابق ترتيب, ودون قيادة, فكانت جماعيتهم, وكان إسقاط نظام بكافة رموزه العليا.
معنى ماجرت الإشارة اليه هنا أن المواطن العادى فى مصر قد تغير, بحيث قد التحم مع حركية التاريخ دون طليعة من سياسيين, أو عسكريين, أو نخبة ما, بل وأنه قد سبق كل هؤلاء ممن كانوا (فى زمن سابق) يعتبرون قيادات.
وإذا كان المواطن العادى قد تغير الى هذا الحد (بحيث يصنع بحركيته تغييرا كبيرا يتلاحم به مع حركية التاريخ), فإن من الصعب – على أى كيان (مهما تستر بالدين أو بالسياسة أو بالرشاوى الإنتخابية أو برضا قوى أجنبية) أن يتجاسر بمحاولة محو أو تنحية هذا التغيير. ذلك ببساطة لأن ملايين المواطنين هى التى أحدثت هذا التغيير, وليس كيان ما (سياسى أو عسكرى) قائم بذاته.
لقد صار الشعب المصرى من خلال جماعية المواطنين العاديين قادرا أن يكون معلما لذاته, ومعلما للسياسيين وللعسكر وللنخبة.
مايستحق إعادة الإنتباه هنا, فى هذه الجزئية الرابعة (رقم "4") أن الثورة المصرية (ثورة 25 يناير) قد جاءت فى موعدها هذه المرة بواسطة شعب بأكمله, وليس بواسطة تنظيم ما.
وبينما هذه الحقيقة تعكس جديدا فى موضوعية الثورة كحركية تغييرية, فإنها توضح أن السبيل الرئيسى لإيقاف هذه الثورة بواسطة أعدائها يكمن بالذات فى تفتيت الجماعية, أى تفتيت الشعب.
من أجل ذلك تجرى المحاولات المستميتة من أجل تديين الدولة (والسلطة) كمقص يمكن أن يقطع مصر بالتدريج. أولا من خلال الإنتماءات الدينية (؟!), وبعدها من خلال الخلفيات الجغرافية و/أو العرقية, ...وهلمجرا.
إنها إستراتيجية خارجية فى الأساس, وتلتقى مع من يجعلون للمواطنة إطارا مرجعيا غير الوطن, أو من يرفعون من شأن أطرا مرجعية أدنى من مستوى الوطنية (مثل الإنتماءات الدينية والسياسية) فوق مستوى الوطن كإطار مرجعى, أو كإنتماء أعلى.
غير أن جماعية المواطن العادى تتعلم ذاتيا.
وهكذا, فى ختام هذا الجزء, والخاص ب " لماذا هى ثورة ؟ ", يتضح من النقاط الأربع السابقة مايلى:
- أن "الزمن" قد تغير جذريا, مما قد أدى الى تغير جذرى فى شكل الثورة عما كانت عليه فى زمن سابق.
- أن الشكل الجديد للثورات, والمتمثل فى جماعية المواطن العادى, هو القوة القيادية الأصيلة للثورة. أما عن القيادة فستتولد من خلال هذا "الشكل الجديد" لتكون خادمة له, ومنفذة لتوجهاته, بحيث قد إنتهى عصر القيادة الملهِمة (بكسر الهاء), وصار العالم على باب عصر القيادة الملهَمة (بفتح الهاء).
ذلك بمعنى أن الجماهير هى التى تُلهم القيادة (أو تشير عليها بما ينبغى فعله).
فى هذا الخصوص, ربما تأتى جماعيات المفكرين بإعتبارها الأقدر (أو الأنسب) من السياسيين على الحس (والتعامل مع) الشكل الجديد للثورة.
- أن ثورة 25 يناير, كحركية تغييرية, تنضج وتتطور ذاتيا من خلال الإرتقاء الحلزونى فى الفهم والممارسة والتوجهات.
ذلك يعنى أن أية فجوات تصيب شارع الثورة (مثل نقص الوقود, او الخلل الإقتصادى, أو صعود كيانات محدودة الأفق الى سلم السلطة وإتخاذ القرار) إنما هى فجوات مؤقتة لاتستمر.
السر فى ذلك هو الإرتقاء الحلزونى, والذى يُمكّن من عبور الفجوات مهما تنوعت, ويعيد الأفعال الى مسار الثورة مهما حدث فيها من إنحرافات.
كل ذلك من خلال الآليتين الثوريتين الجديدتين عند الجماهير, وهما "الجماعية" و "التعلم الذاتى".
- أن الثورة المصرية قد جاءت فى موعدها تماما (طبقا للدورة الزمنية للتغيير), ولكن ليس بقوة دفع من تنظيم أو كيان ما, كما حدث فى الثورات المصرية المعاصرة السابقة, وإنما بقوة شعبية تلقائية صدرت عن شعب بأكمله.
ذلك يعنى أن محاولات المحو والإضعاف لهذه الثورة, لايمكن إنجازها عن غير طريق تفتيت الشعب.
وإذا كان هذا الطريق يكاد يكون مستحيلا, فإن سر إستحالته يكمن فى أمرين, أحدهما "الدين الشعبى" والمترسب فى "اللاوعى" العميق عند المسيحيين والمسلمين, والذى يتضمن إنتماء كل منهما الى دين الآخر فى الممارسات (والسياقات) الإجتماعية. وكذلك الأُخوة بين كل منهما كإنعكاس لأصالة تاريخية خاصة.
وأما الأمر الآخر,فيتمثل فيما صار يحدث عند المصريين من "تعلم ذاتى سياسى" بخصوص الثورة, وبخصوص أعدائها.
من كل ماسبق, يمكن إدراك أن الفعل الثورى الذى حدث, بدءا من 25 يناير, لايختص بالسلطة والإستيلاء عليها, حيث هو أعلى وأكبر وأكثر مدى من ذلك.
إنه يختص بما حدث من تغيير جذرى فى " الشخصية المصرية ". هذا التغيير الجذرى هو الثورة, ولأنه يختص بالشخصية المصرية, وليس بحزب, أو كيان محدد, فإنه (أى هذا التغيير) سيكون من شأنه نسج (أو إعادة نسج) التغييرات الخاصة بالجزئيات الرئيسية, كتلك التى تتعلق بديمقراطية الشارع السياسى, وشكل وحدود السلطة, ومنظومية التقدم التنموى ... الخ.
ذلك حيث كافة هذه الجزئيات (وغيرها) يُتوقع أن تكتمل فى النضج والتوليد من خلال الأصل الجديد , والذى هو "التغيير الثورى فى الشخصية المصرية".
ثانيا – ماهى المعايير التى تؤكد أن الحركية التغييرية التى بدأت فى 25 يناير 2011 هى ثورة؟
قبل الإشارة الى المعايير يجدر جذب الإنتباه الى أنه, طبقا لماحدث من تغيير فى شكل الثورة, أو طبقا للثورة من النوع الجديد (كما جرت الإشارة فى السطور أعلاه) فإنه يُتوقع للمعايير أن تتطور, وتتجدد, مع الوقت (ومع الأحداث).
وعليه, يمكن - حاليا - الإشارة الى معيارين أساسيين.
المعيار الأول هو ماحدث من تغيير فى الشخصية المصرية, كما ورد فى خاتمة البند "أولا" أعلاه.
أما المعيار الثانى فهو "إستمرارية الحركيات التغييرية" على كافة المستويات الجزئية والكلية. يأتى التواصل فى هذه الإستمرارية من خلال ماجَدّ داخل المصريين من خلال الرغبة والقدرة بشأن الفهم والتعلم, فيما يتعلق بالشأن العام.
هذا الجديد قد جعل الإتجاهات فى شارع الثورة تتواصل فى التبدل والتجدد, كرد فعل على أشياء, وبفعل أشياء أخرى. وفى معظم الأحيان يصعب الفصل الحاد بين الفعل ورد الفعل.
من أمثلة ذلك يمكن الإشارة الى:
- الرضا بالمجلس العسكرى, ثم نقض المجلس العسكرى.
- المجابهة الجماهيرية الصارمة لبعض التوجهات الجزئية التى كانت ترمى الى تحريم نزول المرأة الى ميدان التحرير (أو الميدان السياسى).
- الرضا بالإخوان ثم تعاظم النفور منهم وعدم قبولهم.
- الإكتشاف والتصدى لطبيعة علاقات وأفعال القوى المضادة للثورة (حادث مذبحة بورسعيد نموذجا).
- التعامل (الجماعى) الإبداعى, من جانب جماهير بورسعيد ومدن القناة, إزاء قرار سلطة الإخوان بفرض حظر التجول.
- الرضا بإستفتاء 19 مارس 2011, ثم الإكتشاف العام لدوره (أو للمقصد منه) فى تحريف مسار الثورة.
- بروز حس شعبى بوجود موائمة بين توجهات سياسات القوى الخارجية المعادية, والإخوان.
- بزوغ إتجاه عام ب "التمرد" على الرئيس, والمطالبة بخلعه, بعد التوصل العام الى إدراكات بعدم مناسبته للمنصب.
- تفوق الحركيات الجماعية للمواطن العادى, فى الإتجاه, وفى الأداء, على كافة الإتجاهات التى تحمل تضامنا مع الثورة و/أو معارضة لنظام الإخوان.
- وصول المواطنين العاديين الى الرؤية بالفصل بين الدين والسياسة.
وربما يعضد من صدقية المعيارين السابق الإشارة اليهما الملاحظة بأن, لاأحد الآن يمكنه أن يجزم بأن أى كيان, مهما علا شأنه, أو شخصية, مهما كان لها من خبرة, يمكنه / أو يمكنها الإعلان عن الخطوة الكبرى التالية فى مسار الثورة.
ذلك أن الوصل مع الخطوة التالية صار يأتى فى سياق إرادة جماعية تبزغ كإنعكاس لإدراكات جماهير شارع الثورة للحادثات الجارية.
وهكذا, فى إطار المعيارين الأول والثانى, وبالأخذ فى الإعتبار للملاحظة السابقة, يأتى التأكد بأن البلاد تعيش تغييرا جذريا (أى ثورة) من نوع جديد.
ثالثا – لماذا صار من المهم أن يجرى التعامل مع الحركيات التغييرية المتواصلة لثورة 25 يناير من خلال إدراكات من نوع جديد:
لأن "25 يناير" يمثل ثورة من نوع جديد, فإن الجدة تستدعى الإنتباه الى أن هناك إدراكات جديدة ينبغى من جانب المتعاملين مع الثورة أخذها فى الإعتبار وعدم تجاهلها. بعض هذه الإدراكات يتمثل فى التالى:
1) أنه, لايمكن لأى شخصية , مهما بلغ حذقها, أو أى كيان سياسى ما, بذاته, مهما كانت قوته, إحتواء الثورة كقيادة لها.
السبب فى ذلك يرجع الى أن العزم التغييرى الخاص بحركيات جماعيات جماهير المواطن العادى صار أقوى وأعمق من أى شخصية أو كيان.
2) أن القمم القيادية للمؤسسات الأعلى فى الدولة, مثل الحكومة والرئاسة والبرلمان ... الخ, منذ بزوغ الثورة وحتى الآن, هى قيادات مؤقته, والى حد ما شكلية. يرجع ذلك الى سرعة حراك شارع الثورة, والذى لن تقترب حراكه من الإستقرار إلا ببلوغ الوضع السياسى فى البلاد القدرة على المقاربة الفورية On real time بين كل من ممارسات السلطة من ناحية, وطموحات وإحتياجات الجماهير, من ناحية أخرى.
ربما هنا يجدر جذب الإنتباه الى سبب آخر يستحق الذكر, وهو أن معظم هذه القمم القيادية لم تكن قيادية أبدا فى معارك مجابهة الفساد فيما قبل الثورة.
3) أن إنجاز المقاربة الفورية بين كل من ممارسات السلطة, وطلبات وإحتياجات الجماهير, هى مسألة تقانية / فنية بالدرجة الأولى, ثم هى سياسية بعد ذلك.
هنا, نرجع الى منهج التسويق الدقيق (أو ال Micro-marketing), والذى فيه تكون مواصفات السلعة مطابقة لإحتياجات كل شريحة من جماهير السوق على حدى, مهما تضائل عدد أفراد الشريحة الواحدة, ومهما تنوعت الإحتياجات. ذلك بمعنى (موازى) أن كفاءة السلطة بعد الثورة تتحدد بمدى إمكانية إستجابتها التقانية للإحتياجات المتنوعة للمواطنين كشرائح مختلفة.
4) النقطة السابقة, والخاصة بالتسويق الدقيق, يمكن لمسها عند إدراك مدى إتساع تنوعات, وتعددات الإحتجاجات التى شهدتها مصر قبل ثورة 25 يناير, والتى لم تهدأ, بل قد زادت معدلاتها, بعد الثورة.
5) أنه كلما تأخرت السلطات, أيا كان نوعها, عن إيجاد منهج تكنولوجى سياسى فنى لمقاربة إيجاد حلول وإستجابات للإحتجاجات, فإن هذه الإحتجاجات تتسع حجما وتزداد تكرارا. الإتساع و الزيادة يحدثا نتيجة زيادة درجة اللامنظومية (أو ال Entropy) بشكل يؤدى الى درجات حرية ذاتية أكثر, لمنظومات إحتجاجية أصغر, وبالتالى تزداد معدلات الإحتجاجات, ويتواصل إزديادها.
6) أن تزايد درجة اللامنظومية, نتيجة تأخر السلطات عن التوصل الى مدخل تكنولوجى سياسى فنى لمقاربة الإحتجاجات, مع ما يتولد عن ذلك من تسارع فى تكاثر لمنظوميات إحتجاجية أصغر, إنما يؤدى مع الوقت الى إعادة تشكيل الشارع السياسى ككل بطريقة جديدة تماما.
ذلك كما لو أن المنظوميات الإحتجاجية الأصغر تشبه وحدات بنائية جديدة, يمكن أن تكون أساسا لبناء سياسى كلى جديد.
7) أن التعامل مع إحتياجات, وطلبات, وطموحات الجماهير, فى ظل الحركيات التغييرية المتواصلة للثورة, لايمكن أن يصل الى مستوى السلاسة والقبول مالم يعتمد على "المقاربة العلمية".
هنا, نتذكر خصائص وأساسيات المواد الجديدة New materials , حيث تكون لها خصائص أكثر مرونة وقوة, مقارنة بالمواد ذاتها فى صورتها الكلاسيكية, ذلك مع صِغر ملحوظ فى حجم جزئياتها, بحيث يمكن بصياغات (أو تشكيلات) جديدة أن تؤدى الى منتجات (أو مخرجات) ذات خواص لم تكن معروفة من قبل. هكذا الإنسان الجديد فى الثورة الجديدة.
8) بمعنى آخر, هناك حاجة الى تصورات إدارية سياسية جديدة, بحيث تعتبر بمثابة تكنولوجيات جديدة, للتصنيف وإيجاد الحلول, بخصوص مشكلات وإحتياجات وطموحات الجماهير.
9) أن الإتجاه العام فى الإدراكات الجديدة, كما جرى الإقتراب منها فى النقاط السابقة, يشير الى أمرين مكملين لبعضهما.
الأمر الأول هو "إشكالية القيادة" فى إطار حركية تغييرية (أو ثورة) من نوع جديد.
وأما الأمر الثانى فهو قدر التغيير الداخلى فى شخصية المواطن العادى فى مصر, والذى أدى الى تنشيط طاقته السياسية بأكثر من أى توقعات.
10) أنه, وإن كان الشارع سيقوم بتوليد قيادات خادمة له, تقوم على تنفيذ إحتياجاته من خلال إستلهام للمسارات المؤدية لإنجاز هذه الإحتياجات, من حركيات شارع الثورة ذاته, فإن من الوارد (أو من الممكن) أن تستطيع المقاربات الذهنية العلمية لحركيات شارع الثورة (من حيث خصائصه وإحتياجاته) أن تساهم فى تقصير المسافة (أى الى حد ما بعمل مايشبه ال Short cut) بين الإحتياج والتنفيذ.
11) أن دور المقاربات الذهنية / العلمية / التقانية فى فهم ومقاربة ودعم إحتياجات الثورة صار أعلى وأكثر أهمية من أى دور للسياسيين التقليديين.
هذه حقيقة قد تساهم فى الإستشراف لدور خاص بجماعيات المفكرين [يمكن هنا الرجوع الى "جماعية المفكرين الوطنيين : مطلب ثورى عاجل"].
12) أن المدخل الفاعل الأكبر فى المقاربة الذهنية العلمية التقانية لحركيات شارع الثورة, بالشكل الذى يتوازى مع رنين الثورة (أى مع شدة حركياتها, والتى تنتقل بسرعة, أفقيا ورأسيا) يأتى من المعارف العلمية بأكثر جدا من المعارف الأيديولوجية, وإن كان للمعارف والأحاسيس الأيديولوجية فائدة جمة كجماليات (هنا يمكن الرجوع الى " الإدارة أيديولوجية القرن ال 21" فى كتاب "إدارة المعرفة – سلسلة إقرأ – دار المعارف - 1998).
13) ذلك بمعنى أن المقاربات التى تكون على غرار الحس الداخلى (أو الجوهر) فى علم "بحوث العمليات", والذى يمكن الإشارة الى مشكلته البحثية بأنها تحقيق الأمثل من حلول Solutions برغم (ومع الأخذ فى الإعتبار ل) المحدوديات (أو التحديات) بشأن الموارد والإمكانيات, تكون أكثر نفعا فى سيناريوهات إنجاز إحتياجات ومطالب جماهير الثورة, مقارنة بالمقاربات التى تنتظر التوافق بشأن تحليلات الصراعات الطبقية, أو بشأن مراجعات ما كان يفعله السلف الصالح منذ مئات السنين.
هذا - بالتأكيد - مع الإحتفاظ بالقدرة على حسن إستخدام الأيديولوجيات الفلسفية والدينية كإطار جمالى لما قد يعتبر مثاليا Ideal , أو أمثل Optimal.
14) بمعنى آخر, يمكن القول بأن الحركيات التغييرية الخاصة ب (والقائمة على) إحتياجات ثورة جماهير المواطن العادى, لن تنتظر من أجل التحليلات الطبقية أو الدينية التاريخية. ذلك أنها فى عطش لحلول فورية, تقوم على المنهج العلمى فى التفكير, وعلى توظيفات "العلم" و "الإدارة".
من ناحية أخرى, التأثرات بالأيديولوجيات المختلفة (فلسفية / دينية / سياسية ...الخ) تأتى بشكل غير مباشرعبر ما كان قد ترسب منها (وعنها) فى الوعى واللاوعى (أو فى الثقافة) عند جموع الناس.
خاتمة - الذهنية كإطار مرجعى رئيسى لثورة 25 يناير:
فى خاتمة هذا الطرح يمكن القول بأنه, إذا كانت الحركات التغييرية, والمتمثلة فى الطرح الجارى فى نموذج "ثورة 25 يناير", متسارعة الإيقاع, ومتقدمة (أو مختلفة) عن المعنى الكلاسيكى للثورات, وسابقة لرؤى وإستيعابات وحركيات السياسيين, فإن هذه الحركيات تنبع من الذهنية الوطنية التى تنطلق تحت تأثير مخزون الحس الوطنى فى اللاوعى, جنبا الى جنب مع مكتسبات الوعى الوطنى (والإنسانى), من خلال التعلم الذاتى, خاصة بعد الثورة.
من هذا المنظور تكون هذه الحركيات التغييرية فى حاجة بإستمرار الى مؤثر ذهنى وطنى نقى, وراقى, يستطيع أن يبدع "مسطرة" نسبية, يمكن الإسترشاد بها, والقياس عليها, أو إعتبارها كمصباح يساهم فى إستجلاء الطريق, من خلال الشحن ببطارية (أو طاقة) الحركيات التغييرية للثورة.
من المفترض فى هذه "المسطرة" أن تكون قادرة على التطور, وأن تقدر "جماعيات المفكرين الوطنيين على مقاربتها. بمعنى آخر, توجد حاجة لوضع تصور ذهنى – نسبى – لإستحقاقات مسار إستكمال الثورة. ذلك بحيث يكون من شأن هذا المسار أن يتلائم (ويتوائم) مع إيقاع حركيات الشارع السياسى للثورة. إنه موضوع يستحق تناولا قائما بذاته.
#محمد_رؤوف_حامد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟