|
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 11
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4118 - 2013 / 6 / 9 - 20:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 11 ضياء الشكرجي [email protected] www.nasmaa.org وهذه هي الحلقة الأخيرة من مناقشتي للمناظرة بين الربوبي (الإلهي اللاديني) عيسى الربوبي، والمسلم الدكتور السرداب (هيثم طلعت) المحترمَين. د.س: الدكتور السرداب. ع.ر: عيسى الربوبي. ض.ش: ضياء الشكرجي في الختام أريد أن أطرح على الدكتور السرداب افتراضا. أقول دعنا نتعامل، كما كنا طلاب متوسطة، عندما تعلمنا بدايات الهندسة، فهناك مفروض، وهناك مطلوب إثباته، وهناك برهان. مثلا إذا افترضنا أن أمامنا مثلثا يبدو متساوي الضلعين، وأحد زواياه 45°، فإذا سلّمنا بكونه متساوي الضلعين، فستأتي النتيجة حتما بأن تكون زاويته المقابلة لهذه الزاوية مساوية لها أي 45° أيضا، فيكون مجموع الزاويتين 90°، ولكون مجموع زوايا المثلث 180°، تكون بالضرورة الزاوية الثالثة 90°، أي أننا أمام مثلث قائم الزاوية ومتساوي الضلعين، وهو نصف المربع. النتيجة تابعة للمقدمات، فلو تبين أن إحدى المقدمات خاطئة، كأن يكون الضلعان اللذان بديا لنا متساويين، غير متساويين، بل هناك تفاوت يسير، هذا التفاوت سيجعل الزاوية الثانية بكل تأكيد ليست مساوية للأولى، أي ليست 45°، بل أقل أو أكثر بقليل، وبالتالي لن يكون أمامنا مثلث قائم الزاوية، ولا متساوي الضلعين، ونبقى لا نعرف النتيجة إلا بمعرفة معلومة ثانية أو معلومتين، إما بمعرفة زاوية ثانية، أو بمعرفة طول ضلعين من المثلث. ولو اكتشف ذلك شخص واحد من مئة شخص، ورتّب الأثر على ذلك، فلا يمكن للتسعة وتسعين الآخرين أن يلوموه، لأنه رتب الأثر على يقين وقطع وصل إليه. لذلك دعني أفترض – وهو مجرد افتراض - أن بعض المقدمات ثبتت لي صحتها، ولم تثبت لك. بالنسبة لي سأعوّل على صحة المقدمات، وأخرج بنتيجة تابعة لها. وهنا أريد أن ألتزم ببعض شروط الإسلام نفسه، ليس من قبيل أنها ملزمة لي ابتداءً، ومن حيث المبدأ، لإني أعتمد مرجعية العقل، لكن مع هذا أريد أن أسايرك وألتزم بشروط الإسلام، من كتاب، وسنة، وقواعد أصولية وفقهية وكلامية، وضعها علماء أصول الفقه، والفقهاء، وعلماء الكلام. ابتداءً دعني أمرّ على بعض نصوص القرآن، وأبين كيف رتبت عليها الأثر في بلورة موقفي من الدين. 1. يقول القرآن: «لا إِكراهَ فِي الدّينِ»: من هنا اخترت عقيدتي من خارج منظومة الدين، وبلورت لاهوتي التنزيهي باختياري الحر، رافضا أي إكراه يمارس عليّ، من أجل الإيمان بدين، لا يرضاه عقلي، ولا إنسانيتي، ولا إيماني بربي وتنزيهي له. 2. ثم يقول القرآن في سياق نفس النص آنفا: «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ»، لو افترضنا أني بعد البحث توصلت إلى نتيجة أن الرُّشد الذي عليّ اتباعه يكمن في اللادين فاعتنقته. 3. ثم يواصل القرآن النص آنفا بقول: «فَمَن يَّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى». لو افترضنا أني بعد البحث المضني والدقيق والصادق والمتجرد وصلت إلى قناعة راسخة أن الدين يمثل أحد مصاديق الطاغوت، فتركته لتحقيق شرط الإيمان الحقيقي بالله. 4. ثم يقول القرآن: «أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ، فَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافاً كَثيراً»، ولنفترض أني تدبرته جيدا جدا وبدقة ودراسة متجرد، فوجدت فيه اختلافا كثيرا، ومن هنا علمت أنه «لَو كانَ مِن عِندِ الله لَما وَجَدتُّ فيهِ اختِلافاً كَثيراً». 5. والقرآن نهاني أن أكون من الذين «قالوا بَل نَتَّبِعُ ما أَلفَينا عَلَيهِ آباءَنا»، أو من الذين «قالوا حَسبُنا ما وَجَدنا عَلَيهِ آباءَنا»، أو من الذين «قالوا بَل وَجَدنا آباءَنا كَذلِكَ يَفعَلونَ»، أو من الذين «قالوا بَل نَتَّبِعُ ما وَجَدنا عَلَيهِ آباءَنا»، أو من الذين «قالوا إِنّا وَجَدنا آباءَنا عـلى أُمَّةٍ وَإِنّا عـلى آثارِهِم مُّهتَدونَ»، حتى «لَو كانَ آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شَيئًا وَّلا يَهتَدونَ»، فتركت ما كان عليه آبائي، مستغفرا لهم ربي، لأنهم لم يكونوا يدركون خطأ ما يتبعون، إذا ثبت خطأه كما ثبت عندي، واتبعت عقلي، فنزهت الله، والتزمت بما أمرني به ضميري، فنزهت إنسانيتي، ما استطعت إلى ذلك سبيلا. والآن لنمر على حديث نبوي، وثلاثة قواعد وضعها علماء ثلاثة ميادين من العلوم الدينية المعتمدة في الإسلام، ألا هي علم الكلام، وعلم أصول الفقه، والفقه. 1. يقول نبي الإسلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، فلو افترضنا أني وجدت أكثر ما في الدين يريبني، فتركته إلى الإيمان الفلسفي اللاديني، وإلى مرجعية العقل وحاكمية الضمير، وإلى لاهوت التنزيه، لأنه لا يريبني. 2. الأصوليون نسبة إلى علم أصول الفقه يقولون: «القطع حجة»، ولنفترض أني وبكل صدق مع نفسي ومع ربي، ومن غير اتباع لهوى، أو تهرب من التزامات، وصلت إلى القطع في لاإلهية مصدر الدين، كما وقطعت في أن إيماني بالله لا يتم إلا بنفي الدين وتنزيهه جل وعلا عنه، فعوّلت عـلى قطعي، الذي هو حجتي بين يدي الله؛ فهو الحجة لي التي تعذرني بين يديه، وحجته عليّ التي تلزمني بلوازمها، وتُنجِّز مسؤوليتي بين يديه، وبين يدي ضميري، بحيث أكون لو خالفتها، عاصيا لله، حسب قناعتي القطعية، وهذا ما يسميه بعض علماء الأوصول بـ«الحجة المُعذِّرية»، و«الحجة المُنجِّزية»، مع تحفظي اللغوي على المصطلحين. 3. الفقهاء والأصوليون يقولون: «لا تقليد في الأصول»، أي في العقائد، ويجيزون أو يوجب بعضهم التقليد في الفروع حصرا، أي في الأحكام الفقهية المستنبطة من الكتاب والسنة، فتركت التقليد في الأصول، وأعملت عقلي، فأوصلني إلى الإيمان بالله، وأن الإيمان به لا يبلغ تمامه إلا بتوحيده، وأن توحيده لا يبلغ كماله إلا بتنزيهه، وأن تنزيهه لا يبلغ ذروته إلا بنفي الدين عنه. 4. ويقول فريق من الفقهاء: لا يجوز التقليد والاتباع لمن بلغ درجة الاجتهاد، ولنفترض أني أصبحت واثقا من اجتهادي، لا بمعاييرهم، بل بمعايير العقل والفطرة الإنسانية السوية، وبما أني قاطع باجتهادي - والقطع حجة مرة ثانية - فتركت تقليدي واتباعي لهم، واتبعت اجتهادي الذي هو بتقديري بمنزلة لن يبلغوها، فعوّلت على اجتهادي، الذي أراني أهلا له. لنفترض أنه ثبت صحة المقدمات التي ذكرتها، فأين المشكلة؟ وألا أكون عاصيا لله، إذا ما خالفتُ كل ما أراه قد تمت الحجة لي وعليّ فيه؟ أليس هذا عندئذ – بالنسبة لي على ضوء ما تقدم - بمثابة نزعي الألوهية عن الله، وإلباسي إياها للدين، فيصبح الدين هو الإله الذي يُعبَد من دون الله، فيُطاع فيما لا طاعة فيه لله؟ أخيرا شكرا للمتناظرَين، الربوبي السيد عيسى (الربوبي)، والمسلم الدكتور هيثم طلعت (السرداب)، وأعتذر منهما إن شطحت مني عبارة فيها ما لم يرُق لهما، وكذلك شكري للسيد عبد الله خلف الذي أشار لي إلى المناظرة، وشكرا للقراء الذين تابعوا هذه الحلقات باهتمام وصبر، وشكرا للمعلقين، بما فيهم الذين اختلفوا معي، وشكرا لله، الذي لا أبلغ شكره، حتى لو نُوِّحتُ، بل أُبِّدتُّ في عمري، ولم أشغله إلا بشكري إياه، لكني مع هذا أعلم أني لو انشغلت بشكري إياه عن سائر اهتماماتي في الحياة، لما حسبه لي شكرا، لأن الشكر حق الشكر، هو توظيف نعمه في بناء الحياة، والعطاء، والنشاط، بما في ذلك فيما قد يشغلنا عنه، فيما لا يؤاخذنا فيه، ولو إني أكاد أدعي أني قد لا أعرف غيابا له عن وعيي، على أي نحو كان، ومن أهم ألوان الشكر عبر توظيف النعم، هو توظيف العقل، حتى لو أدى إعماله إلى الخطأ في إصابة الحقيقة، حتى تلك الحقيقة المتمثلة به، جلّت محامِدُ كماله، وتنزّهت معاني جلاله، وتألّقت آياتُ جماله. بدأت الحلقات الإحدى عشرة من هذه المناقشة في 22/05/2013 وانتهيت منها بتوفيق الله في نشر الحقلة الأخيرة هذه في 10/06/2013. وستتبعها مواضيع ذات علاقة، ومنها، بل ربما أولها «التنزيهية»؛ ذلك النص الذي يمثل خلاصة عقيدتي، مع شرحها. 09/06/2013
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 10
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 9
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 8
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 7
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 6
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 5
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 4
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 3
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 2
-
مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 1
-
رسالة من الله إلى الإنسان
-
دويلات شيعية وسنية وكردية ومناطق متقاتل عليها
-
الفرائق الخمسة من اللاشيعة واللاسنة
-
الموقف من الأقسام الستة لكل من التشيع والتسنن
-
الطائفيون واللاطائفيون واللامنتمون لطائفة 2/2
-
الطائفيون واللاطائفيون واللامنتمون لطائفة 1/2
-
لماذا وقعت على «إعلان البراءة من الطائفتين»
-
ال 3653 يوما بين نيساني 2003 و2013
-
مع جمانة حداد في «لماذا أنا ملحدة»
-
قضية القبانجي تؤكد خطورة ولاية الفقيه علينا
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|