فخرية صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29 - 09:30
المحور:
الادب والفن
ولادة
فخرية صالح
في هذا اليوم كان يُجبرُ كلّ بيتٍ على اشعال شمعةٍ لميلاد الطاغية
الرعبُ والاستنفار والحقدُ يغطي كل شارع وزاوية
كلّ خليةٍ من خلايا جسم العراقي عليها ان تستكين
تمط الشفتينِ لرسم ابتسامةٍ، خوفاً من أعين الرقابة
في ذات اليوم رقصت أمٌ عجوز صابرة أمامَ بيت ابنتها الأكبر
لتنبئها بصمتٍ طافح بالفرح
لم تر أمها تفرحُ وترقصُ منذ زمن طويل
وصدقَ حدسُ الإبنة
صرخت اختي بعدها خمسة عشر مرّة
ناشرةً ذراعيها على مداها
صرخت بهوس دامٍ
فهيمة ذات الثامنة والخمسين دهراً
قفزت مثل طفلةٍ مهووسةٍ خمسة عشر مرة
نسيت انها تصرخُ في الشارع ضاربةً التقاليد
وبدون حجابٍ صرخت خمسة عشر مرة
ألصقت وجهها الحزين بوجهي وجلدها بجلدي وقلبها بقلبي خمسة عشر مرة
بجسمها النحيل حملتني وحملتها ، قبلت جبيني ووجهي وحتى يدي
وقبلتها ألف مرةٍ ومرة
حملنا ابنها .. وبكى :
عادت الخالة التي لم يرها حتى قبل الولادة
حدّقَ الجيرانُ والمارةُ بجنون أفراحنا خمسة عشر مرة
آلامنا التي دامت ثمانية وعشرين عاماً
انتهت في الثامن والعشرين من نيسان عام ألفين وثلاثة
كان البكاءُ في بغداد وفي ذلك اليوم بالذات هو الأعظم في حياتنا
كنت أصرخ من الفرح معهم
وكان ( القائد الضرورة ) يفتش عن جحرٍ مظلم يختبئ فيه
لم يجد حتى شمعة مستهلكة تضيء يوم ميلاده
والآن
الآن
في برلين
هذه المدينة الباردة حتى الموت
أتذكر تلك الولادة الجديدة في اليوم خمسة عشر مرة
وحنيني إلى بغدادَ يتجدد في اليوم خمسة عشر مرة
ليطفح معه بئر دموعي خمسة عشر مرة
لأسأل ما هو الوطن
ولماذا الراحة
وأين وطن الراحة
فألعنُ بعث كل فكر قومي فاشي
ألعنهُ في اليوم خمسة عشر مرة
ـ
كتب هذا النص قبل عامين حينما عدت الى بغداد في 28 نيسان بعد 28 عاما من الابتعاد القسري عن العائلة وعن الوطن . وصادف أن تكون العودة في يوم عيد ميلاد الطاغية .
#فخرية_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟