|
القلق .. وقلق المستقبل ..مدخل نفسي
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 4116 - 2013 / 6 / 7 - 23:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عد القلق المدخل الرئيس لكل الاضطرابات النفسية كما عبر عنه سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي في كل كتاباته وطروحاته العلمية الخالصة ، ولا نغالي اذا قلنا أنه وضع لهذا المصطلح الاعتبار العلمي منذ ما يقارب المائة عام ، ورغم تطور العلوم النفسية البحتة في دراساتها الميدانية وصياغة المفاهيم الجديدة مثل دراسة الشخصية وأحوالها ، والدراسات التي تتعلق بالسلوك وأختلالاته والاضطرابات المصاحبة له فتعرف موسوعة علم النفس والتحليل النفسي القلق هو حالة من الخوف والتوتر تصيب الفرد وبتعبير فرويد أن ابرز وظيفة للقلق"الحصر"كعلامة تشير إلى وجود خطر أو بتعبير أدق وظيفة كأشارة إنذار ويرى فرويد في كل الاحوال أن للقلق- للحصرمصدراً مزدوجاً فهو "إما أن يكون نتيجة لعامل صدمي أو انه علامة على أن عاملا صدمياً من هذا النوع يوشك أن يقع مرة أخرى. يرى د.باسم فارس جاسم" في أطروحته للدكتوراه الموسومة قلق المستقبل ومركز السيطرة والرضا عن أهداف الحياة التي تمت مناقشتها في العام 1996 بجامعة بغداد – كلية الاداب –قسم علم النفس والتي عدت أول أطروحة جامعية تناولت هذا المفهوم"قلق المستقبل" بشكل علمي اكاديمي ميداني في ثقافتنا العربية. إن قلق المستقبل هو حالة انفعالية غير سارة تحصل للفرد نتيجة لتوقعه أحداثاﹰ-;- مؤلمة في مستقبل حياته ، تستقطب اهتمامه لمواجهتها . إن القلق بأنواعه مثل قلق الانفصال وقلق الخصاء والقلق العصابي والقلق الموضوعي والقلق الواقعي وقلق الامتحان والقلق الوجودي كلها ذات تأثير متباين على الشخصية فالقلق الوجودي يرى أننا نشعر بأننا مهددون لكننا حين نبحث عن سبب لا نجد شيئاً ، نحن نشعر بالخوف من شيئ ما لكننا لانستطيع أكتشافه ، القلق الوجودي خوف مجهول غير معلول ،عائم وغريب ، يمر الانسان بحالة رعب من لا شيئ . يعرض "د.باسم فارس جاسم"في اطروحته عن معاني عدة لمفهوم القلق ومفهوم قلق المستقبل تحديدا بقوله كما اوجزها بالنقاط التالية:
1 – إن القلق من حيث المصدر على نوعين׃-;- فأما أن يكون متأتيا من مصادر غير معروفة، وأما أن يكون من مصادر معروفة عند الفرد . 2 - القلق من حيث الاستمرارية أما أن يكون (حالة مستمرة) وحينئذ يوصف على أنه سمة تتسم بالثبات النسبي و أما أن يكون حالة مؤقتة تظهر في مواقف معينة . 3 - يكاد يتفق المنظرون على أن القلق يتضمن شيئاً من التوجس لشيء ما يهدد الفرد بالخطر۰-;- ويعرض ايضا لقلق المستقبل استنتاجات توصل لها وهي : 1- إن قلق المستقبل قلق موضوعي إذ تكون مصادره معروفة عند الفرد . 2- يمكن تشخيص مصادره المتمثلة بـ (المرض – الوهن الجسمي ـ الانعزال عن الآخرين – ضعف القدرة على مواجهة المتطلبات المالية في الحياة – ضعف القدرة على تحقيق ما تبقى من أهداف الحياة – الشؤون العائلية – تغير المفردات الاجتماعية والثقافية – ضعف القدرة على مواجهة مشكلات الحياة – تضاؤل متع الحياة …الخ) 3- إمكانية توقع أكثر مصادره إيلاما للفرد من خلال تحديد الفرد للمصدر المثير للقلق كأن يكون مالياً أو صحياً أو أسرياً . 4- إن بعض مصادر قلق المستقبل حتمي الحدوث (كالوهن الجسمي – تضاؤل متع الحياة) 5- إن عنصر التوقع يلعب دوراً مهماً في زيادة قلق المستقبل . 6- لخبرة الفرد (التكوينات) دور مهم في توقع الأحداث مما يزيد أو يقلل من مستوى قلق المستقبل . 7- يزداد قلق المستقبل نتيجة للموازنة غير المتكافئة بين إمكانات الفرد وتوقعاته في مرحلة منتصف العمر . 8- يزداد قلق المستقبل في منتصف العمر نظراﹰ-;- للتغيرات البايولوجية والاجتماعية والإخفاقات والنجاحات التي تحصل في هذه الفترة . 9- يزداد قلق المستقبل نتيجة لتقلص الفرص المتاحة أمام الفرد في مستقبل حياته.
إن قلق المستقبل له أعراض تسبقه ربما يستطيع الفرد تشخيصها بنفسه لانه يعيش احداثها قبل الوقوع ويستطيع تحييدها كاجراء ستراتيجي يلجأ له الفرد لاستعادة التوازن النفسي ، فالعلماء وأطباء النفس وضعوا بعض معالم قلق المستقبل للأشكال السريرية للقلق بوجه عام يمكن إدراج قلق المستقبل تحت (انفعالات القلق) كشكل سريري إذ تشخص أعراض (انفعالات القلق) بالعصبية والتوتر والانزعاج وسرعة الانفعال والغضب وصعوبة التركيز والنسيان والتعب وتوقع السوء ، علما بأن هذه الأعراض في تبدل مستمر تبعاً لنوع الخطر الذي يهدد الفرد كما ذكرها (د.علي كمال ود. أحمد عكاشة) وحينئذ يمكن أن تعدْ مصادر قلق المستقبل كُلا أو بعضاَ تشخيصاً تفريقياً مهماً فضلا عن مؤشرات الحالة النقية لهذا النوع من القلق كما أكدها (د.باسم جاسم فارس). إن قلق المستقبل يضرب نرجسية الانسان في عمر معين وقد تجاوز ريعان الشباب ولم يخطو بعد نحو مرحلة منتصف العمر "ما بعد الاربعين من العمر" فالانسان يحتاج لمراجعة لكي يبدأ المصالحة مع النفس، هذه المصالحة هي صداقة جديدة مع الذات أو لنقل أنها قراءة لاحداث الحياة بعمر البلوغ المتقدم .. ولا نغالي اذا قلنا انها صداقة النفس التي تعيد التوازن هذه الصداقة هي اساس التوازن لكي يعرف الانسان كيف يصبح صديقاً لنفسه ، ونتسائل هل المصالحة مع النفس ممكنة ، وإلى أي مدى ؟ هنا نتسائل.. هل المصالحة مع النفس اسهل من المصالحة مع الاخرين في البيئة الخارجية . إن صداقة النفس تتطلب رحلة شاقة طويلة مع فهم قدرات الفرد وصراعاته وآماله وأهدافه وعملياته الدفاعية اللاشعورية من كبت وتبرير وتسامي واسقاط ومبالغة ..الخ إنها استراتيجيات عملية في عمر قد تصلبت فيه الافكار وابتعد قليلا عن المرونة والليونة ، لابل بدأت معها تصلب أعضاء الجسم في عمر ما بعد الاربعين . تؤكد أدبيات علم النفس وكتاباته الميدانية العملية بأن المصالحة مع النفس صعبة لأن هذا يعني التوفيق والتناسق بين قدرات الفرد وأهدافه وترويضه المشاكل البيئية والخاصة والمادية وطاقاته المتاحة فعلا للعمل، وبما ان هذا من الاستحالة نظراً للتغيرات البيئية المستمرة في حياة الفرد والتغيرات الجسدية فهنا يكون الانسان دائما عرضة للاحباط الذي يؤدي إلى القلق وقلق المستقبل وربما حتى الميول العدوانية التي تؤدي إلى الكفاح والخلق والاستمرار في الحياة.. أنه لايستطيع ان يقف مكتوف الايدي والعالم يسير وهو في هذا العالم بدوامة الحياة ، فيجاهد ويكافح لان غير ذلك استسلام وخذلان ،ان الانسان في كفاحه يبحث عن الرضا النفسي أساساً ،رضا بالواقع وما هو موجود فعلا في الحياة ويقود هذا الى الرضا عن النفس ،فالرضا عن النفس هو البحث عن النفس والكفاح الدائم للوصول إلى درجة من القناعة النفسية التي تسعد الفرد ومن حوله دون آهآت وتألم أو حقد أو حسد أو غيرة..أما مصالحة النفس فهي الوصول إلى قناعة خيالية والاستسلام لها ربما تقود صاحبها إلى أحلام اليقظة أو على الاقل ألعيش مع التمني . نحن جميعا بشر نمر بحالات من التذبذبات المزاجية أزاء مواقف الحياة واحداثها وهذه تصاحبها تغيرات انفعالية تجعل البعض منا يتناوب بين المرح والنشاط والاختلاط والآمال والتشاؤم والملل والكلل ولكن يبقى في داخلنا شيئا نفسياً ربما ننساه وهو أن الانسان في تغير مستمر وهو أحد خواص النفس البشرية ..كذلك الحال فيما يتعلق بالقلق أو قلق المستقبل ونتذكر دائما أن معظم الاضطرابات النفسية سببها صراع ذاتي وتفكير في النفس واضطراب في التوازن الداخلي ،صحيح أن المؤثرات الخارجية لها تأثير ولكنها تعمل من خلال تكيف الجهاز الذاتي الداخلي ولايوجد حل للهروب من الذات ومن النفس إلا بالمواجهة التي تؤدي الى استعادة التوازن .
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتماء والولاء وافكار أخرى
-
عن النفس واللاعنف
-
إصدارات علمية جديدة في علم النفس
-
الجماعة وبناء الشخصية
-
الواقع العربي اليوم ..الكل يتكلم ولا احد ينصت!!
-
البناء النفسي في الانسان .. المعنى والمبنى
-
المسايرة والانتماء ..الوحدة الجدلية بين الفردية والجماعية
-
الحصر النفسي ..الشئ ونقيضه؟؟
-
تربية الحروب والازمات ونتائجها
-
مقدمة في علم نفس المرأة للدكتور ريكان ابراهيم - عرض كتاب
-
بيان صادر من تيار الطموح والتغيير
-
أمن الدولة ازاح أمن المواطن
-
عرض كتاب مقدمة في علم نفس العرب للدكتور ريكان ابراهيم
-
الخطو نحو ..الطموح والتغيير
-
شئ من سيكولوجية الألم !!
-
انهم يعودون من جديد!! .. تيار الطموح والتغيير
-
تيار الطموح والتغيير والتيار المستقل الديمقراطي من هم ؟
-
المرأة في موقف دفاع ..لماذا؟
-
طفولة الانسان جدل مستمر
-
ثوار انتفاضة العراق 1991 من هم ْ؟
المزيد.....
-
فيديو طريف لكلب يقرع جرس منزل مالكته لإعلامها بعودته بعد فقد
...
-
الأمن الروسي يعلن تحييد 4 إرهابيين من -داعش- كانوا يستعدون ل
...
-
رئيس الوزراء يحذر أفغانستان.. القوات الباكستانية تعلن عن عدد
...
-
أساليب -معيبة- استخدمتها إسرائيل أدت لمقتل مدنيين في غزة - ن
...
-
قانون جديد - ما الذي سيتغير في انتخابات البوندستاغ؟
-
مصدر مطلع: الحكومة الانتقالية في سوريا لا تنوي خرق اتفاقيات
...
-
الخارجية الروسية: المعلومات عن مفاوضات مع باكو وأستانا بشأن
...
-
الحكومة الروسية: سنواظب على العمل سبعة أيام في الأسبوع خلال
...
-
الكويت.. إسقاط جنسية ناشط مزدوج في -السوشيال ميديا- يعيش بال
...
-
الشرطة الإيرانية تحتجز صحفية إيطالية في طهران
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|