أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمود عبد الغفار غيضان - أحنُّ إلى زمن المصاطب














المزيد.....

أحنُّ إلى زمن المصاطب


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 19:15
المحور: كتابات ساخرة
    


أحنُّ إلى زمن المصاطب

أيتها التكنولوجيا! أنا أتحدث إليك الآن بكل صدق. أشكرك على أشياء كثيرة؛ تُحضرين العالم كله وتضعينه بين أيدينا أينما ذهبنا.. تُمعنين في الترفيه عنا.. بضغطة زر واحدة على هاتفي أسمع صوت أمي من مسافة عشرة آلاف كيلو محبةَ واشتياقًا.. وبضغطة زر واحدة كذلك أرى صور الأهل والأصدقاء وأشاركهم أفكارهم في اللحظة ذاتها... أجلس في مكتبة الكرة الأرضية ومقهاها ودار عرضها ومسرحها الكبير.. لكنكِ وبكل أسف تسرقين أهم ما نحتاج أن نستمتع به في هذه الحياة : الزمن، والمقربين مِن الناس. تسيرين بنا نحو مزيد من التقدم وتسلبيننا إنسانيتنا. نعم. أنا شخصيًّا أشعر بذلك.. إنسانيتي تتآكل بالتدريج في هذا العالم المسعور ... تبدو لي كقطعة حديد نُزع عنها الطلاء وتُركت وحيدة في العراء... سأضرب لك مثلاً لعلك تفهمينني فتجدين سبيلاً للرد عليّ. كنا لا ننام لمشهد قتل مرعبٍ في أحد الأفلام.. بينما الآن.. نرى مشاهد قطع الرؤوس على ساحة السيد "يوتيوب" ثم نكمل ارتشاف القهوة بعد تغيير الموضوع متظاهرين ببعض الألم الذي ربما تتفوق عليه وخزة واحدة لناموسة طاعنة في السن... كنًّا نخاف أن نلتفتَ للحظة بعيدًا عن وجه محدثنا أدبًا واحترامًا.. الآن يجلس معي ذلك الصديق ولا يكف عن استخدام الهاتف مكتفيًا بالاعتذار أول مرة عن لمسه ومتعللاً بضرورة الرد.. تعرفين! لقد قررت أني لن أستخدم هاتفي بعد الثامنة مساء بمجرد عودتي إلى بلدي. وسأحرم الكمبيوتر مني كذلك في ذلك الوقت حتى الصباح.. إن كنتِ تفرضين عليَّ إيقاعًا لاهثًا.. فمعذرة لن أخرج لساني لاهثًا خلفك ككلب أدماه العطش.. سأفرض عليك أنا إيقاعي.. وصدقيني.. أنا أستطيع ذلك والأيام بيننا..

عزيزتي التكنولوجيا.. خذي آي فونك" وكمبيوترك الحديث ومكيفك وثلاجاتك وغيرها مما تتباهين به علينا.. لن أقول إنها أشياء غير مفيدة؛ خاصة والكهرباء لا تتوقف عن الانقطاع في بلدي. لا. أنا لستُ ناكرًا للجميل. لكني عزيزتي أحنُّ إلى بيوت قريتي بالطوب اللبن. بشوارعها المغبرة بتراب جلبة الخير كل صباح ومساء حيث يقف الزمن مرتين ليفتح جفن الحقول مع نسيم الفجر ويطبقهما بكل الخير مع حاجة الشمس لبعض الراحة بعد يوم عمل طويل. أحنُّ إلى طبق الطبيخ الذي تُحضره جارتنا لأمي قبل أن تمنع البوابات الحديدية الحديثة السمجة وصوله إلينا. أحنُّ إلى لهفة أمي توزيع طعامها والحلوى على الجيران بعد أن علت الجدران بين الجميع. أحن إلى جلسة المصطبة مع أكواب الشاي والضحكات الصافية لجالسين لا يملكون شيئًا سوى الحب لكنهم مع ذلك لا يهابون شيئًا. أحِنُّ إلى زمنٍ تتوقف فيه الأفراح بالعام لو مات أحد كبار العائلات في القرية. إلى انتظار اليوم الأربعين ليخرج أحدهم بعد الصلاة معلنًا فك الحزن كي يفرح مَن ينتظر الفرح.. إلى أن أنادي كل كبار السن بجدي وخالي وعمي حتى لو لكم أكن أعرفهم... تعرفين. بالأمس القريب في قريتي تلك. كان الميت قد دُفن للتو. وفي المنزل المجاور "دي جيه" صاخب في وقاحته ونطاعته. عزيزتي التكنولوجيا. آن وقت الاستمتاع بكوكب الشرق مع ذكريات لأصدقاء الثانوية العامة على الطريق بين غيضان والمشرك قبلي. نجلس بين الحقول. نضع الراديو الترانزستور بجابنا. ثم نسمع الوصلة الأخيرة على إذاعتها ونتحدث عن كل شيء وأي شيء دون ضجيج أو صخب. أقول لك الآن تصبحين على خير وللحديث بقية إن شاء الله.

محمود عبد الغفار غيضان
7 يونيو 2013م



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دفتر نوادر الأجانب مع العربية
- سلوى وتلصصٌ خاص على فرجينيا وولف
- أنا وابن خرداذبة في مدح كوريا سواء
- كوريا وثقافة الوجود داخل جماعة
- لهم -فيسهم- ولنا -فيس-.
- التاريخ يهزم الجغرافيا
- صعودهم لأعلى وصعودنا أبدًا لا يليق بنا
- أنت -رايح جاي- أم -اتجاه واحد-؟
- مينا ومارك وبيتر وشم النسيم مع الكوري الجنوبي -شادي-
- خامس المستحيلات في أساليب الانتقاد بين الكوريين والعرب.
- تلصصٌ على شاعر كوري
- تلصص في الوجع
- تلصص فيسبوكي
- محروس أبو فريد... طبيب الأحذية
- وهيبة... تسالي المصاطب
- العم -توفيق-... خواجة من زمن المصاطب.
- أبو رجل لم تكن مسلوخة
- تلصصُ الوداع
- بورتريهات الدهاليز 1- - أبانا الذي في منيل الروضة-
- تلصص على حين غرة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمود عبد الغفار غيضان - أحنُّ إلى زمن المصاطب