|
أحادية الفكر
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 00:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أحادية الفكر طلعت رضوان أثبتتْ تجارب البشر أنّ الأحادية تعنى الجمود ، الذى يعنى عدم التفاعل مع الطبيعة ومع المتغيرات الاجتماعية ومع بنى الإنسان . وأنّ عدم التفاعل يؤدى إلى الاستسلام للثبات . وبهذا الاستسلام تكون البشرية توقفتْ عند المجتمع (قبل الإنسانى) فلو أنّ الجدود لم يستجيبوا لقانون التطور، لكان البشر(حتى الآن) يأكلون اللحم نيًا ويعيشون فى الخيام وينامون فوق الأشجار، وبالتالى لم يكن بوسع الإنسان فى العصور القديمة (فى ظل الثبات) أنْ يتوصل إلى أهم الاكتشافات التى نقلتْ المجتمعات من مرحلة إلى أخرى أرقى ، أى اكتشاف الزراعة التى كانت السبب فى اختراع أدوات العمل . وبعد الزراعة توصل إلى المنجز الحضارى الثانى ، أى اختراع (الكتابة) كأداة للتواصل الإنسانى ، وهو الدور الرائد الذى قام به جدودنا المصريون القدماء باعتراف علماء علم المصريات . إنّ الحياة التى ترفض التفاعل مع الطبيعة ، أو مع المتغيرات الاجتماعية ، هى أبسط أشكال الأحادية. إذْ أنه بعد أنْ تجاوزت البشرية هذه المرحلة ، انتقلتْ إلى مرحلة أخرى ساد فيها أخطر أشكال الأحادية : أحادية الفكر التى ترفض استخدام العقل ، الذى يظل لقرون أسير خرافات السلف عن الآلهة التواتم . وأخطر ما فى هذه الأحادية انغلاق العقل ، والأدق إلغاء العقل ، الذى يسيطر عليه آخرون يفكرون بالنيابة عنه. ولو أنّ هذا الاعتزاز بما يراه ويؤمن به ، اقترن بالاعتراف بالمختلف معه دينيًا و اجتماعيًا و فلسفيًا ، لتجنّبتْ البشرية أخطر جرثومة تقتل الاستقرار والتقدم ، إنها جرثومة التعصب الذى بسببه تم اغتيال الفيلسوفه المصرية (هايباتيا) عام 415على يد المسيحيين الذين سبق أنْ شربوا من كأس التعصب السام على يد الرومان. ولم يهتم المسيحيون الأتقياء بدورها فى مجال العلوم الطبيعية والفلسفة. ولم يهتموا بأنّ علماء العالم كله كانوا يحرصون على حضور محاضراتها فى جامعة الإسكندرية. لم يهتموا بكل ذلك وأصروا على اغتيالها وتمزيق جسدها بعد أنْ عروها من ملابسها ، لأنها دافعتْ عن الديانة المصرية والفلسفة اليونانية. وبسبب التعصب تم حرق العالم والفيلسوف جوردانو برونو فى ميدان روما مع مطلع عام 1600لأنه أيّد نظرية كوبرنيكوس وجاليليو. وكتب أنّ السلام لن يسود البشرية إلاّ إذا اعتنقتْ ديانة مصرالقديمة المؤسسة على التسامح والتعددية. وبسبب التعصب تم اضهاد كل من الشافعى وأبى حنيفة وابن حنبل والأخير تعرض للضرب بسبب محنة (خلق القرآن) وتعرّض ابن عربى للاضطهاد لأنه أجاز إمامة المرأة للصلاة للرجال والنساء وأنّ تارك الصلاة ليس عليه قضاء ، رغم كتبه المهمة مثل (الفتوحات المكية) و(التدريبات الإلهية) وأشعاره التى تدعو للتسامح مثل ((لقد صارقلبى قابلا كل صورة/ فمرعى لغزلان وديرلرهبان/ وبيت لأوثان وكعبة طائف/ وألواح توراة ومصحف قرآن/ أدين بدين الحب أنّى توجّهتْ/ ركائبه فالحب دينى وإيمانى)) رغم ذلك ناله سهم التعصب فكفره السخاوى والتفتزانى وابن حجرالعسقلانى وابن حيان وغيرهم، فتأثر الجمهور بالفقهاء لدرجة أنْ كانوا يبولون على قبره. وتعرّض عبدالحميد الكاتب بوضع طاسة محمية على رأسه حتى مات. وتعرّض ابن المقفع لتقطيع أعضاء جسده ورمها فى النار وهو ينظر إليها. وتعرّض الحلاج الذى حاول التوفيق بين الدين والفلسفة اليونانية للتكفير. وبعد سجن دام 8سنين وضربه بالسياط ثم أخيرًا صلبه وقطع رأسه وحرق جسده ، ورغم اجماع القضاة على تكفيره اعتبره الناس (العاديون) من المصلحين . وفى القرن 12م- 6هـ كانت أشد حملة على الفلاسفة فى دولة نورالدين ودولة صلاح الدين الأيوبى . وكان فى دولتيهما سلطان قوى للكهنوت الدينى من الفقهاء والأشعرية، وهم معروفون بعدائهم الشديد للفلسفة، فاستباحوا دم كثيرين مثل السهروردى الفيلسوف الذى قـُتل بأمرصلاح الدين الأيوبى. ورغم أهمية ابن رشد فإنه لم يحاول إصلاح الحكم أويُزيل العصبية بين المسلمين ولم يحاول نشرالتسامح بين الفرق الدينية. بل إنه لم يتورع عن رميها بالضلال والكفر. أما أبوالفرج الجوزى فقد كان حنبلى المذهب ، فكان يذم التأويل فى الدين . وفى سبيل تكريس الغيبيات قال ((إن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام)) وابن حزم الأندلسى كفـّرالصوفية. والإمام الغزالى شنّع على الفلسفة وكفـّرالفلاسفة مع أنهم كانوا يرون أنّ الفلسفة لاتتنافى مع الإسلام . وحتى ابن سينا لم يسلم من الطعن عليه فى دينه وتكفيره ، لأنه وقع فى ذات الخطأ المثالى ، عندما حاول التوفيق بين الدين والفلسفة ، وبينما انتقده الفلاسفة بشكل مهذب وعلمى وقالوا عنه أنه كان ((قصيرالنظر)) فإنّ الكهنوت الدينى كفـّره وتم تصنيفه على أنه ((من بين الزنادقة)) وبسبب التعصب فإنّ الحجاج بن يوسف الثقفى قتل معبد الجهنى لأنه كان يقول ب ((القدر)) أما الخليفة هشام بن عبدالملك فهو الذى أمر بقتل غيلان الدمشقى لأنه ((أول من تكلم بالقدر)) وقبل قتله أمر بقطع يديه ورجليه وصلبه. وحتى الإمام الشافعى لم يسلم من التعصب عندما قال ((كل قرشى غلب على الخلافة بالسيف واجتمع عليه الناس فهو خليفة)) وكان تعليق الأزهرى المستنير(عبدالمتعال الصعيدى) إنّ ((من يأخذ حقه بالسف يكون مغتصبًا . واجماع الناس عليه بعد ذلك لايصح أنْ يُسوّغ ما وقع فيه لأنه يكون ناشئـًا عن عجزهم)) وبسبب التعصب قال سفيان الثورى ((إذا نكح (= تزوج) المولى (= غيرعربى) امرأة عربية يفسخ النكاح)) وعندما رأى بعض المسيحيين المصريين الانتساب للعرب (هروبًا من الجزية) وقدّموا رشوة لأحد القضاة العرب الذى وافق ونسّبهم إلى قبيلة عربية اسمها (حوتكة من قضاعة) فثار العرب المقيمون فى مصر. وهجا شعراؤهم القاضى العمرى هجاءً خشنـًا ومن بين هؤلاء الشعراء (المعلى بن المعلى الطائى) الذى قال موجها حديثه للقاضى ((تقضى نهارك بالهوى/ وتبيت بين مغنياتك / فاشرب على صرف الزمان/ بما ارتشيتَ من الحواتك/ إنْ كنت قد ألحقتهم/ عربا، فزوجهم بناتك)) ولذا قال العرب فى أمثالهم الشائعة والمنتشرة فى مصر((يأكلها التمساح ولا يأخذها الفلاح)) إشارة إلى المصرى ، رغم أنّ المصرى كان يُزوّج بناته للعرب. وأبوالحسن الأشعرى بعد تبحره فى الاعتزال صعد إلى المنبروقال ((اشهدوا علىّ أنى كنتُ على غيردين الإسلام. وإنى قد أسلمتُ الساعة)) وكان تعليق الأزهرى المستنيرعبدالمتعال الصعيدى ((وحينئذ يكون المعتزلة فى نظره كفارًا لامسلمين. وكان الأجدربه ألاّيتنكرلمذهب مكث معتقدًا صوابه أربعين سنة، فلايصح نفى الإسلام عنهم أو يقال أنهم فساق مسلمون، وإنما هم مجتهدون يثابون على صوابهم ويُعذرون على خطئهم)) ورغم أنّ الإمام الغزالى كفـّرالفلاسفة ، فإنّ أتباعه وصل بهم التعصب لآرائه التكفيرية لدرجة أنْ قال كثيرون من الفقهاء ((لو كان بعد النبى محمد نبى لكان الغزالى)) (أمين الخولى – المجدّدون فى الإسلام – مكتبة الأسرة – عام 2001- ص 18) وفى العصرالحديث تم تكفيرفضيلة د. محمد حسين الذهبى وزيرالأوقاف الأسبق والتمثيل بجثته بمعرفة جماعة التكفيروالهجرة، رغم أنه قبل اغتياله بعاميْن أصدركـُتيبًا نشرته هيئة الوعظ والإرشاد بالوزارة فيه مناقشة ((بالتى هى أحسن)) من شيوخ فيهم الوزيرنفسه لمناقشة أفكارالتكفيريين، وقدّمهم الكـُتيب هكذا ((إنهم فئة صالحة يلتمسون نقاء العقيدة وصلاح الدين)) ورغم ذلك تم اغتياله ((لأنه لايفهم صحيح الدين)) وبعد اغتيال فرج فوده كتب صحفى له مقال أسبوعى ثابت فى الأهرام مقالتيْن ذهب فيهما إلى أنّ فرج فودة قتل نفسه بنفسه لأنه ((فسّر دورالجماعات الإسلامية تفسيرًا جنسيًا، وهذا هوخطؤه الأول. أما خطؤه الثانى فهوإتهامه لبعض أئمة المسلمين بأنهم كانوا من الشواذ جنسيًا. بل إنه فسّرإحدى آيات القرآن تفسيرًا جنسيا وهذا هو خطؤه الثالث والقاتل.. ولذا فهو ركب مطية الباطل التى قادته إلى حفرة بلا أعماق)) (أهرام – 13، 20/6/92) ذاك الصحفى (الأهرامى) نظرًا لأنه أحادى الفكرسابق التجهيزكتب ما كتب دون تقديم دليل واحد من مقالات أوكتب المرحوم شهيد الفكرفرج فوده. وهل كان رفعت المحجوب والرئيس المؤمن السادات ومحاولة اغتيال أ. مكرم محمد أحمد والأديب نجيب محفوظ من الكفار؟ إنّ آفة الأحادية مثل السوس الذى ينخرتلافيف المخ، فيقضى على أجمل وأنبل ما فى الإنسان، أى قدرته على التمييزبين الصواب والخطأ، قدرته على التعايش مع المُختلفين عنه دينيًا ومذهبيًا وفلسفيًا، قدرته على الإيمان بأنّ التعددية (وليستْ الأحادية) هى رافعة التقدم وضمانة الحرية. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنفس بالقصبة الهوائية العبرية
-
الأصل المصرى لقصة سندريلا
-
علم الآثار والأيديولوجيا العروبية / الإسلامية
-
دراما حياة ومأساة فيلسوفة مصرية
-
مغزى مصطلح ( إسرائيليات )
-
توضيح وشكر
-
شكر للأستاذ Jugrtha
-
حصان طرواده والأربعين حرامى
-
الدين والفلسفة : علاقة إتساق أم تعارض ؟
-
التعصب العنصرى والخصوصية الثقافية
-
السخرية المصرية عبر العصور
-
تعلق على ما كتبه الأستاذ أحمد مصطفى عن الشهور المصرية
-
الشهور المصرية فى الأمثال الشعبية
-
قهر الخوف بالسخرية
-
أخلاق فيلسوف وأخلاق داعية إسلامى
-
النكتة المصرية ومقاومة الاستبداد
-
الدكتور سيد عويس والشخصية المصرية
-
فلسطين بين الصهاينة والعروبيين
-
المغزى الاجتماعى للأمثال المصرية
-
عتمة افتراضية - قصة قصيرة
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|