|
التشكيلي ستار كاووش لـ ( الحوار المتمدن):أنا ضد المحلية البحتة، وضد أن يكون الفنان رسام تذكارات وقلائد.
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1181 - 2005 / 4 / 28 - 11:29
المحور:
مقابلات و حوارات
استهل الفنان ستار كاووش مشروعه التشكيلي بطريقة مغايرة، وخارجة عن المألوف. فهو لم يبدأ بالمدرسة الواقعية مثل أقرانه ومجايليه الذين كرسوا سنوات طوالاً من حياتهم لتصوير الطبيعة، بل دشّن حياته الفنية بالمدرسة التعبيرية الألمانية متأثراً بالفنانَينْ الألمانيين المعروفين كريشنر وإيغون شيلله. وهو لا يخفي إعجابه بالمدرسة الوحشية الفرنسية. أما المذهب التكعيبي فهو يعده من التيارات التي أحدثت انقلاباً في ذائقته الفنية والجمالية. فرؤية الفنانين التكعيبيين تعتمد أساساً على هدم الأشكال، وإعادة صياغتها من جديد وفق مقترحات مغايرة لا تمت إلى التكوينات الأولى بصلة. في هذا الحوار يسلط الفنان ستار كاووش الضوء على تجربته الفنية التي امتدت زهاء عشرين سنة توزعت بين بغداد وكييف وأمستردام في رحلة طويلة حملت بين طياتها العديد من التجارب الإبداعية المتنوعة تنوع البصمات التي خلفها أساتذته المبدعون فائق حسن، محمد مهر الدين، وليد شيت وإسماعيل الشيخلي. وفي إجاباته المشاكسة التالية يرد ستار كاووش الذين الذي طوق عنقه منذ أيام التلمذة، لكنه كعادته لم يتورع عن إطلاق النار ضد فنانين آخرين يتقاطع مع رؤيتهم الجمالية والفنية. قدحنا حجر ذاكرته فتفجرت الكلمات من بين شفتيه مثل ينبوع رقراق. * كذبة بيضاء * كيف تبلورت رؤيتك البصرية، ومتى اكتشفت في نفسك شطحات الموهبة الأولى التي قادتك إلى مسار الفن التشكيلي دون غيره من الأجناس الإبداعية؟ وهل أنت مدين لأحد بشهرتك الفنية؟ -قد لا أغالي إذا قلت أن المكونات الثقافية والفنية تعود إلى مرحلة الطفولة، وإلى تلك اللحظات المتلألئة التي قادتني إلى غواية الرسم. إذاً، أنا لم أعش طفولة عادية لأن تخطيطاتي العفوية الأولى كانت عندي أجمل من اللعب مع أطفال الحارة. أنا ،على سبيل المثال، لم ألعب كرة القدم طوال حياتي، ولم أجد لذة في اللعب مع الأطفال، لأن لذتي الحقيقية كانت تتحقق عندما أشرع في الرسم، وأتيه بين ألوانه البراقة. وربما أكون من الناس المحظوظين لأن الذي درّسني مادة الرسم في المرحلة المتوسطة هو الفنان الأستاذ عبد الخالق الركابي الذي أصبح الآن روائياً مشهوراً، وقد اكتشف موهبتي عندما رسمته خلسة، لكن الطلبة المشاكسين سرعان ما خطفوا مني هذا التخطيط العاجل ليضعوه بين يديه آملين أن أنال عقابه الصارم، لكن الذي حدث هو العكس تماماً. إذ نادى عليّ، وقال لي بالحرف الواحد: ( أنت رسام موهوب. ) ثم تناول القلم، وشرع يخطط ( فيكراً ) آخر بجانب الصورة التخطيطية التي رسمتها.. فجأة، زايلني الخوف، وأحسست أنني الطالب الأكثر أهمية بين طلاب مدرسة ( الانتفاضة ) في بغداد. وأتذكر، في العام ذاته، شاهدت، أول مرة، معرضاً فنياً في منطقة ( باب المعظم ) وكم كانت دهشتي كبيرة حينما شاهدت عدداً كبيراً من اللوحات الفنية المعلقة على جدران الصالة الأنيقة. وعند ذاك تساءلت في نفسي قائلاً: ( متى سيأتي اليوم الذي أعلق فيه لوحاتي على جدران هذه الصالة؟ ). ثم بدأ هذا الهاجس يكبر في داخلي حتى تحقق حلمي في إقامة معرضي الأول وأنا لما أزل طالباً. ومن المفارقات النادرة ذهبت في حينها إلى جريدة الجمهورية، ودخلت مباشرة إلى مسؤول الصفحة الأخيرة، وطلبت منه أن ينشر خبراً عن المعرض، ومن شدة ارتباكي قلت له: ( يسلمون عليك الشباب! ) فردّ عليّ بلطف كبير من دون أن يضعني في دائرة الإحراج ويسألني مثلاً: مَنْ هم هؤلاء الشباب؟ لأن المسألة كلها كانت كذبه بيضاء ساقني إليها الارتباك. وفي اليوم الثاني وجدت الخبر منشوراً في حقل ( عيون المدينة ). ثم توالت الكتابات عن تجربتي الفنية في مختلف الصحف والدوريات العراقية. * معطفي الخاص * في أحاديثك الصحفي تتوقف دائماً عند فناني المدرسة التعبيرية الألمانية، لكنك نادراً ما تتوقف عند أساتذتك في أكاديمية الفنون الجميلة. ما الذي يشدك تحديداً إلى المدرسة الألمانية؟ -في السابق كنت منشدّاً إلى كثير من الأسماء الفنية العراقية والعالمية. أما الآن فأنا منشد لنفسي فقط. لقد تأثرت، كما تعلم جيداً، برسامي المدرسة التعبيرية الألمانية، وبالذات، بالفنانَينْ كريشنر وإيغون شلله، كما أعجبت جداً بالرسامين الفرنسيين الوحشيين، والسبب هو وجود مقاربات كثيرة بين الوحشية الفرنسية والتعبيرية الألمانية. كما أحببت الفنانين التكعيبيين. عراقياً تأثرت بالأساتذة الذين درسوني في أكاديمية الفنون الجميلة أمثال الفنان فائق حسن، كاظم حيدر، وليد شيت وإسماعيل الشيخلي. وقد بذل هؤلاء الأساتذة جهداً كبيراً في رفدنا بالمعلومات الأساسية للرسم، لكنني في النهاية نزعت معاطفهم، وإرتديت معطفي الذي يتناسب مع مقاييسي الخاصة، ووضعت خطواتي على الطريق الصحيح الذي يفضي إلى البحث والمواظبة من أجل تقديم نماذج إبداعية جديدة. * التجربة اللونية *ألم تظهر لمسات من مؤثرات هؤلاء الأساتذة وتقناياتهم في لوحاتك لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، وهذا أمر طبيعي أن يستفيد الطالب من أساتذته كما حصل لأغلب الفنانين في العالم علماً بأن التأثر ليس عيباً على الإطلاق؟ -لقد أفدت كثيراً من الفنان فائق حسن، ومن تجربته اللونية تحديداً، كما أفدت من طريقته في رسم الموديل. إذ كان يعطينا ملاحظات قيمة داخل الأكاديمية، كما كان يصطحبنا خارج بغداد لكي نرسم الطبيعة بطريقة واقعية، أما أنا فكنت الطالب الوحيد الذي يرسم الطبيعة بطريقة تعبيرية. وذات مرة علّق الفنان إسماعيل الشيخلي على أحد المعارض قائلاً: ( سوف يتوقف الوزير أمام لوحات الفنان فائق حسن، ولوحات ستار كاووش، لأن فائق حسن هو أعظم رسام في العراق، وستار كاووش هو الفنان الوحيد الذي يرسم الطبيعة بطريقة تعبيرية/ وحشية. ) ثم أضاف: ( أنا درسته الرسم، وهو متمكن منه، ولكن دعوه يرسم الأشياء التي يفكر بها، وأنا لا أريد أن أحدده بقالب معين. ) كما أفدت كثيراً من أستاذي الفنان كاظم حيدر الذي درسني سنة واحدة، ثم اختطفه الموت من بين أيدينا. لقد رفدنا بأفكار ومفاهيم فنية لا يمكن أن يتنكر لها أحد. * موضوعات بسيطة * كيف تتشكل النواة الأولى للثيمة في لوحتك. هل تنضج في مخيلتك أولاً، وهل تأخذ وقتاً طويلاً كي تفرغها على القماشة؟ وهل صادف أن ترسم مباشرة من دون التفكير في ثيمة اللوحة؟ -غالباً ما أقوم بتنفيذ سكيجات سريعة بقلم الحبر للموضوع الذي يثير انتباهي، وأحياناً أفكر في الموضوع طويلاً، ثم أنفذه على الورق أو على القماشة، لكنني أحبذ الطريقة الأولى. فعندما أشاهد ( لقطة ) ما في الشارع أحولها مباشرة إلى موضوع خاص بي، وأنا، كما تعرف جيداً، أميل إلى رسم الموضوعات البسيطة، لكن هذه الثيمة التي ألتقطها في الشارع قد تتغير في أثناء عملية الرسم بنسبة 80% والسبب يعود إلى طريقة معالجتي للوحة، وإلى التقنيات التي أستخدمها لتنفيذ العمل الفنيـة، إذ تظهر تضاريس لونية جديدة، ويتغير الملمس الأول للقماشة. اللوحة عندي أشبه بالمختبر، والوصول إلى النتيجة قد يستغرق وقتاً طويلاً، لكنه لا يخلو من متعة ذهنية وروحية وبصرية. فعملية الرسم هي اكتشافات مستمرة لبواطن عمل يولد ولادة عسيرة. * كثافة لونية * تقنية اللون الصريح، هل هي تقنيتك الخاصة، أم أنها مستعارة من فنان آخر؟ لماذا لا تميل إلى مزج الألوان كثيراً؟ ولماذا لا تحبذ الدرجات اللونية المتعددة للون الواحد؟ -أنا فنان قادم من الشرق، وجذوري ممتدة عميقاً في أرض العراق. ربما يكون حبي للألوان الصريحة انعكاساً لأوضاعي النفسية، فحتى ملابسي التي تراها الآن تحمل كل الألوان الصريحة من أحمر وأخضر وأصفر وبرتقالي. أنا أميل إلى هذه الألوان، وهذا الميل ليس تصنعاً أو افتعالاً، وإنما هو رغبة حقيقية للتمتع بهذه الألوان التي تبدو صارخة للآخرين. الكثير من فناني العالم يستخدمون هذه الألوان، وهي ليست حكراً على أحد. ولكل فنان طريقته الخاصة في الرسم. فلوحاتي فيها كثافة لونية، لأنها تعبر عن مزاجي الشخصي. وكارل أبل يحب الكثافة اللونية، وربما تعبر عن مزاجه الداخلي أيضاً. لكل شخص طريقته في رؤية الرسم حسب ما اكتسبه من ثقافة وتجارب وخبرات جمالية تختلف بالضرورة من شخص إلى آخر. أما الفنان فهو الوحيد الذي ينظر إلى عمله الفني من الداخل والخارج بشكل متوازن. * قلائد وأيقونات * لا زلت تعيش على ذاكرة الماضي. متى ستبدأ باستثمار الموضوعة الهولندية المنبثقة من الحياة في منفاك الجديد؟ -أنا ضد المحلية البحتة، وضد أن يكون الفنان رسام تذكارات وقلائد. لقد تحول البعض من الفنانين إلى بائعي أيقونات، وحينما تذهب إلى معارضهم تشعر وكأنك ذاهب إلى خان الخليلي أو تاج محل أو الساحة الحمراء. لكن عندما تذهب إلى معرض لفنان حقيقي تفاجأ باللوحات الأخاذة التي تمسمرك في محلك، وتبعث فيك دهشة لا حدود لها. أنا شخصياً، في الماضي والحاضر، لم أكن أهتم بالموضوع قدر اهتمامي بالتقنيات، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الفروقات البسيطة. فعندما أرسم أمي أو الملكة بياتريكس لا فرق عندي من حيث الثيمة، فكلاهما تصلح أن تكون موضوعاً للرسم، لكنني عندما أرسم أمي فمن المؤكد أنني سوف أحملها بالعديد من الرموز، أكثر مما أحمل وجه الملكة الهولندية. أنا رسام تشخيصي، أرسم شخوصاً، سواء أكانوا عراقيين أو أجانب، وأجد متعة خالصة في هذا الأسلوب. فمعرض ( الملك والملكة ) هو كذبة بصرية، لأنني عندما أرسم أناساً اعتياديين يعتمرون تيجاناً، إنما أمارس خدعاً بصرية، لأن الإنسان الهولندي لا يضع الآن تاجاً على رأسه، ولكنني أوهمه بوجود هذا التاج في حياته اليومية. أما بصدد الموضوعة الهولندية فأنها سوف تظهر رويداً رويداً في نتاجاتي القادمة.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المخرج هادي ماهود في فيلمه الجديد - سندباديون - أو - تيتانك
...
-
جهاد أبو سليمان في فيلمه التسجيلي - أستوديو سعد علي -: رؤية
...
-
أول امرأة هولندية تُصاب بجنون البقر، وتسبب هلعاً جماعياً
-
المخرج العراقي ماجد جابر في فيلمه التسجيلي الجديد - المقابر
...
-
الفنانة التشكيلية حنان عبد الكريم في معرضها الأخير: من الرمز
...
-
الروائي العراقي اليهودي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -:عند
...
-
الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نز
...
-
الفنان سعد علي في معرضه الشخصي الجديد - الحب في مدينة الليمو
...
-
التشكيلي زياد حيدر لـ ( الحوار المتمدّن ): اللوحة بالنسبة لي
...
-
حفل لسيّدة المقام العراقي فريدة في دار الأوبرا في مدينة نايم
...
-
أكرم سليمان في فيلمه الجديد - هلو هولندا -: دقّة المخرج في إ
...
-
المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: شعوب الشرق الأوسط هم
...
-
المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: الفيلم التسجيلي هو ع
...
-
جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: لو لم اكن مخرجاً وممثلاً، ل
...
-
مهرجان السينما العراقية الثاني في لاهاي: ملامح جديدة لأفلام
...
-
حدوس ثاوية
-
المخرج العراقي ماجد جابر: الحيادية والتلقائية هما من مقومات
...
-
المخرج هادي ماهود: علينا أن نستثمر هذه الحقبة لصناعة أفلام و
...
-
المخرج هادي ماهود: الإنسان البسيط يتحدث على سجيته، ولا يتصنّ
...
-
المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجا
...
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|