محمد رشو
الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 13:18
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الرعيان اشتروا قطعاناً، وعملوا على تنصيب كلاب الغجر تقود القطيع في غيابهم، الغنم يسرح في أرضٍ إعتاد أن تكون له، لكنها لم تعد، يعامَلون أسوء معاملة من قبل الكلاب و الرعيان معاً في النهار، و في الليل يأتي أولاد الرعيان ليمارسلوا الرذيلة في الغنم.
ذات يوم شرد أحد الحملان عن القطيع، وتمكّن من أن يفلت من نظرات الكلاب الشرشة وفي سهوة سكرة الراعي مدمن الكحول الأجنبي، شرد هذا الحمل إلى الطبيعة، إلى أرض أجداده، أكل منها و شرب منها و غنّى فيها أحلى القصائد، ولكنه بسبب عزلته توحّش، وتمرّد على كل ما هو مألوف، دون ضجيج، فصيحاته في الجبال لم تلق أذناً صاغية غير الصخور الصمّاء.
بعد أن كَبُر و اشتدّ عوده، قرّر أن ينزل الجبل، إلى السهل، حيث العيش الرغيد، وما أن وقعت أعين الرعيان و الكلاب عليه حتى حاولوا المستحيل لجلبه إلى قطيعهم، كونه ذو بنية قوية وجسد ممتلئ، ولعله يقوم بتحسين هذا القطيع الذي بات يعاني ما يعاني من أمراض وراثية سببها زواج القربى.
وبالفعل تمكن أحد الرعيان الكبار من ضمه إلى قطيعه بالحيلة و الكلام المعسول وبيعه الآمال، إلا أن روح التمرد كانت أكبر، وصوته الذي مازال يتردد بين حجارة الجبال هيهات أن يخفت بعد نزوله السهل، فقرر الثورة، الثورة على أساسيات الطبيعية، على بديهيات قابلة للجدل، على مسلمات لم يسلّم بها، على تاريخ لم يؤمن به، على وطن عاشه لكنه الآن غريب عنه، على مجتمع اعتاد الذل و الهوان و طاعة الراعي و الخوف من الكلاب.
الثورة كانت شاملة، عاصفة، مجرّحة أحياناً، و صادقة دائماً، ولصدقيتها إلتف حوله عدد من أصدقائه، شاركوه مالم يجرؤا على الحديث به سابقاً، آفاقهم قد اتسعت الآن بعد أن رأوا صوتا حرا يصدح حتى في السهل، آمالهم كبرت بعد أن رأوه يقدم نفسه ضحية على مذبح أفكاره و حرية معتقده، إلا أن أصواتهم بقيت خافتة، بانتظار أمر الراعي، وتلقين الكلاب لهم ما يجب أن يتحدثوه وما هو محرّم.
طردوه، أو هرب، أو استكان، أو قتلوه، وربما شربوا على لحمه كأسهم الخائنة، وضحكوا كثيرا، ولكنهم لا يدرون أنهم يقتلون أنفسهم به، فلحمه سمٌّ سيفتك بأجسادهم الممتلئة بفعل خيرات القطيع.
قدّم نفسه قرباناً، لينعم القطيع بحرية لم يكونوا مدركين لها إلا بشق الانفس، قتل نفسه ليقتل الرعيان، أما كلاب الرعيان، فلا خوف عليهم، فالكلب سيجد صاحبا جديداً أينما ذهب، و سيصبحون كلابا على أغنام أخرى، بانتظار أن يأتيها متمرد آخر يكون بمثابة مهديهم المنتظر.
#محمد_رشو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟