|
هل من طريق ثالث ... بين الرأسمالية والاشتراكية ..؟ ..(5)
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 01:15
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
5- الاشتراكية الأخرى
لم تنفرد يوغسلافيا باعلانها الرغبة لأن يكون لها نظامها الاشتراكي المستقل يتناسب مع تطلعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعدما اقتنعت بأن النموذج السوفيتي بألياته المتاحة لبناء الاشتراكية لا يلبي تلك التطلعات. وكان من الواقعية بناء على ذلك أن ينظر للرغبة اليوغسلافية كاشارة ايجابية تصب في مصلحة الاشتراكية لا ضدها.
فالرغبة باجراء الاصلاحات كانت ظاهرة شبه عامة في دول اشتراكية أخرى ، عبرت عنها جماهيرها في محاولات عديدة وفترات زمنية مختلفة لكنها واجهت الفشل. وما شجع يوغسلافيا للبدء باصلاحاتاتها الاقتصادية هو موقعها المستقل في العلاقة مع المنظومة الاشتراكية بعد انسحابها منها، ولولا ذلك لما تمكنت بحرية اتخاذ قراراتها الاصلاحية الاقتصادية تلك ، بصرف النظر عن كونها منسجمة مع المبادئ الماركسية أو لا.
بناء على ماسبق لم يكن من السهولة الخروج عن أجماع دول المنظومة الاشتراكية ، لكن كانت هناك نوافذ محدودة للتصرف ضمن الخط العام والمبادئ الأساسية لنظام كرست له كل امكانيات الاستقرار ومعالجة الأزمات الاقتصادية التي قد تنشأ خلال تنفيذ الاشتراكية. وبنفس الوقت اتخذ الحذر من محاولات الدول الغربية لزرع بذور الانشقاق داخل المنظومة الاشتراكية ، ولهذه الأسباب اعتبرت المحادثات الجماعية والثنائية الطريق الصحيح والمكان الملائم لبحث الاصلاحات التي تنوي اجراءها الدولة الاشتراكية أو حزبها الشيوعي.
واذا ما أبدت أحدى الدول الأعضاء في المنظومة رغبة في اجراء تعديلات في سبل تحسين الأداء الاقتصادي فهو شأن داخلي يخص الدولة العضو في المنظومة. أما اذا نظر للتعديلات بكونها تراجعا عن الاشتراكية أو خروجا عن القواعد الاشتراكية مما قد يعرض وحدة النظام الاشتراكي للضعف فالقرار عند ذلك يتخذ جماعيا عبر التنظيم الاداري والسياسي السائد داخل المنظومة الاشتراكية.
وتلعب القيادات الحزبية دورا رئيسيا في مثل هذه الحالات ، فالاتصالات بينها وبين القيادة السوفييتية كانت مفتوحة بكل سبلها. وفي حالات نادرة يجري دراسة موضوعات الاصلاحات الخاصة بدولة عضو في مؤتمرات الحركة الشيوعية العالمية ، كما حصل مع كل من هنغاريا وجيكوسلوفاكيا ورومانيا والصين الشعبية.
ومع أن الاصلاحات الاقتصادية في يوغسلافيا قد تمت في عهد القائد السوفييتي الراحل جوزيف ستالين المعروف عنه بالحزم والانضباط والتشدد في حماية النظام الاشتراكي وتأكيد وحدته ، لكنه لم يتخذ اجراءات عقابية ضد الرئيس تيتو. بينما قام قائد سوفييتي آخر وهو نيكيتا خروتشوف بارسال قوات عسكرية سوفييتية الى هنغاريا لوقف اجراءاتها الاصلاحية ومنع انفصالها عن المنظومة الاشتراكية. وكان نكيتا خروتشوف ذاته قد تبنى خطا اصلاحيا و طبقه في الدولة السوفييتية في فترة وجوده على راس السلطة السوفييتية ، كان البعض منها قريبا من اصلاحات يوغسلافيا.
ولنيكيتا خروتشوف الذي عرف بليبراليته السياسية والاقتصادية قد اتخذ موقفا متطرفا تجاه الولايات المتحدة في الأزمة الكوبية كاد أن يشعل به حربا عالمية ثالثة. فقد أثبت في موقفه ذاك أن الاتحاد السوفييتي لايساوم في مسألة الدفاع عن حلفائه. كان ذلك في اكتوبر عام 1962 إبان أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا.
وقد اندلعت تلك الأزمة بعد أن نصب السوفييت سرا صواريخ موجهة باتجاه الولايات المتحدة على الجزيرة الكوبية ، كانت تلك الصواريخ تحمل رؤوسا نووية قادرة على تدمير اهداف داخل الولايات المتحدة. لقد صورت طائرات U-2 الأمريكية سرا تلك الصواريخ مما أثار غضب الرئيس الراحل جون كندي. وبعد اجتماعات طويلة لعدة أيام عقدها كندي مع مستشاريه قرر ارسال سفنه الحربية لمحاصرة كوبا لمنع السوفييت من نقل امدادات عسكرية اضافية للجزيرة الكوبية قبل غزوه لها.
لم يخبر الأمريكيون السوفييت بالاجراءات التي اتخذوها ولا باكتشافهم للصواريخ خلال الأيام الثلاثة التي تلت اكتشافهم لها ، لكن في 22- 10 - 1962 توجه الرئيس الأمريكي بخطاب للأمة الأمريكية عبر التلفزيون اعلن فيه ان على السوفييت سحب الصواريخ من كوبا وتدمير قواعدها فورا. لا أحد كان يعلم كيف سيتصرف الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف عند سماعه بالحصار المضروب على كوبا والطلب الأمريكي بسحب الصواريخ.
ونقلا عن القائد العام العسكري السوفييتي في كوبا أناتولي كريبكوف أنه قال " الكارثة الذرية كانت وشيكة ، وكنا نحسب الوقت بالدقائق لا بالساعات أو الأيام ، وان أزمة الصواريخ قد قربت العالم من حرب ذرية. فقد كانت القوات العسكرية الأمريكية في قمة استعداداتها. وكانت القوات السوفييتية هي الأخرى مستعدة لاستخدام السلاح النووي للدفاع عن الجزيرة الكوبية اذا ما تعرضت للغزو."(19)
وفي 26 أوكتوبر ارسل نيكيتا خروتشوف رسالة انفعالية الى الرئيس كندي ، اقترح فيها ازالة الصواريخ السوفييتية من كوبا اذا ما تعهدت الولايات المتحدة بعدم مهاجمة كوبا. لكن في يوم 27 أوكتوبر اسقطت الدفاعات السوفييتية طائرة تجسس أمريكية U-2 فوق الأراضي الكوبية. بعدها أرسل خروتشوف رسالة ثانية الى الرئيس كندي مضيفا شرطا آخر وهو سحب الصواريخ الأمريكية من تركيا في مقابل سحب الصواريخ السوفييتية من كوبا. كان العالم يحبس أنفاسه لثلاثة عشر يوما قبل أن تلوح في الأفق بوادر تناقص حدة التوتر.
خلال ذلك اتصلت الخارجية الأمريكية بالسفير السوفييتي في واشنطن أناتولي دوبرينين لاعلامه بموافقة الولايات المتحدة على الطلب السوفييتي بتعهد أمريكي بعدم مهاجمة كوبا مقابل سحب الصواريخ السوفييتية من كوبا. في 28 اكتوبر اعلن خروتشوف انه سيزيل الصواريخ ويعيدها الى الاتحاد السوفييتي معبرا عن ثقته بأن تلتزم الولايات المتحدة بعدم مهاجمة كوبا. وفي اتفاق منفصل ظل سريا لمدة 25 عاما وافقت الولايات المتحدة بموجبه على ازالة صواريخها من تركيا.
التجربة اليوغسلافية قوبلت بحملة انتقادات من جانب دول المنظومة الاشتراكية الأخرى ، لكن تلك الانتقادات لم تمنعها من استكمال التغيرات التي ارتأتها ضرورية لتطوير تجربتها. ليس هنا مجال بحث تفاصيل تلك التجربة ، لكن من المهم الاشارة الى أن طريقا اشتراكيا جديدا كان قد اخذ طريقه للتشكل ، وقد استقطب دولا اشتراكية اخرى للسير في طريق التغيير، بل أن بعضها قد ذهب أبعد كثيرا من النموذج اليوغسلافي.
نظر للاصلاحات الاقتصادية التي قامت بها يوغسلافيا باعتبارها نهجا تحريفيا خرج عن المبادئ الماركسية للاشتراكية ، تعرضت بسببه القيادة اليوغسلافية للنقد من قبل الحركة الشيوعية العالمية التي فرضت عليها العزلة السياسية. وبصرف النظر عن حجم وخطورة الانحراف عن المبادئ الاشتراكية فقد كان الموقف من المثال اليوغسلافي تحذيرا مذلا لدول المنظومة الاشتراكية الأخرى اذا ما قررت الحذو حذو يوغسلافيا. لكن العزل السياسي ليوغسلافيا واتهامها بالتحريفية واليمينية لم يمنع دولا أخرى من محاولة اجراء اصلاحات على نظامها الاقتصادي الاشتراكي ، وبالفعل واجهت المحاولات الاصلاحية التي قامت بها دول أخرى بالشجب والمعارضة. حيث نظر لها بمنظار الشك والريبة ، وذهب ضحية تلك الشكوك عددا من قادة الدول الاشتراكية وأعضاء بارزين في اللجان المركزية لأحزابها الشيوعية والعمالية.
حيث تعرض بعض أولئك القادة السياسيين للاعتقال والملاحقة وحوكموا وادينوا وحكم على بعضهم بالسجن والاعدام ، كما نحي آخرون من مناصبهم باساليب قسرية. لقد تركت تلك الاجراءات مشاعر غضب عميقة في نفوس شعوب أولئك السياسيين الذين أنتظروا وأيدوا محاولات الاصلاح التي اقترحها سياسيوهم. بالرغم من أن الادانة والعقوبات التي تعرض لها القادة السياسيين أولئك قد اتخذت من قبل اللجان المركزية لأحزابها الشيوعية ، لكن الجميع كان يعرف أنها قد تمت بتحريض أو طلب من القادة السوفييت.
كان من بين القادة السياسيين الذين تعرضوا لعقوبات بالتجميد والعزل فلاديسلاف غومولكا سكرتير عام حزب العمال في بولندا ، ويانوش كادار في هنغاريا. لقد أطلق سراحهم وأعيد الاعتبار لهم بعد فترة قصيرة من استلام نيكيتا خروتشوف قيادة الاتحاد السوفييتي. وحصل الموقف نفسه في ظل قيادة برجنيف للاتحاد السوفييتي ، حيث ارسلت قوات حلف وارشو الى جيكوسلوفاكيا عام 1968 لوقف تغييرات اقتصادية وسياسية عزم الكسندر دوبجك رئيس الحزب الشيوعي الجيكوسلوفاكي القيام بها دون التشاور مع المنظومة الاشتراكية سنشير لها في السطور التالية.
الموقف من الاصلاحات التي قامت بها هنغاريا قد اتخذ منحا أكثر مأساوية مما حدث ليوغسلافيا ، فقد اتخذت سياسات الاصلاح التي أعلن عنها عام 1955منهجا يمينيا متطرفا كان سييعيد هنغاريا الى الرأسمالية. حيث حاول رئيس الحزب والدولة امري ناجي وضع برنامجه الاصلاحي موضع التنفيذ بعجالة فاجئت العالم ، وبخاصة اعلانه الانسحاب من حلف وارشو ، ومطالبته بخروج القوات السوفييتية من البلاد وهي القوات التي حررته من الاحتلال النازي عام 1944. وبنفس الوقت أعلم الأمم المتحدة بأن هنغاريا دولة محايدة وطالبها بالتدخل الى جانب حيادية دولته.
ويذكر عن هذا الرجل تخبطه السياسي وقرارته المتعجلة التي لم يراع بها الوضع السياسي الدولي الجديد الذي تشكل نهاية الحرب العالمية الثانية ، فقام باطلاق حرية التعبير ، والغى الرقابة على الصحافة ، ووعد بالغاء نظام الحزب الواحد وبتشكيل حكومة ائتلافية من كافة الاحزاب الهنغارية. كما أفرج عن السجناء السياسيين المعادين للنظام الاشتراكي من السجون ، ووعد باجراء انتخابات عامة للبرلمان. ومن وعوده الاقتصادية اعلانه بأن طريق هنغاريا الاشتراكي سيكون وفق الظروف الوطنية الهنغارية. لكن بعد تردي الوضع السياسي والأمني وتصاعد الثورة المضادة للاشتراكية في هنغاريا تم في 4-11-1956استدعاء الجيش السوفييتي الذي كانت له قوات عسكرية في البلاد ، حيث تمكن من استعادة الاستقرار في البلاد. وبعد عودة الحياة السياسية الى وضعها الطبيعي تم تشكيل حكومة جديدة ، كما انتخبت قيادة جديدة للحزب الشيوعي الهنغاري تزعمها السجين السياسي السابق يانوش كادار أحد الذين انتقدوا سياسة سلفه امري ناجي.
وفي اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الهنغاري قررت فيه تنحية امري ناجي من قيادة الحزب والحكومة بسبب سياساته اليمينية المغامرة ، كما تمت محاكمته بناء على تهم وجهت اليه أدين بسببها بالخيانة واعدم هو وعددا من مشاركيه في الحركة والحكومة. علي الأسدي - يتبع الجزء السادس
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من طريق ثالث ... بين الرأسمالية والاشتراكية.. ؟...(4)
-
هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية...؟؟ ..(3)
-
هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية ...؟؟.. .(2)
-
هل من طريق ثالث .. بين الرأسمالية والاشتراكية .... ؟؟...(.1)
-
ما .. بعد الحرب الطائفية في العراق... ؟؟
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري .. المثيرة للجدل ...( الأخير)
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري ... المثيرة للجدل ... (3)
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري .. المثيرة للجدل..(2)
-
أطروحات الرفيق فؤاد النمري .. المثيرة للجدل..(1)
-
العراقيون ... وتحديات ما بعد الاحتلال..
-
الذكرى العاشرة لحرب ... ما زالت قائمة... (الأخير )
-
الذكرى العاشرة لحرب ....مازالت قائمة.. (3)..
-
الذكرى العاشرة لحرب .... ما زالت قائمة ....(2)
-
الذكرى العاشرة لحرب.. ما زالت قائمة.... (1)
-
اسرائيل .. وكردستان العراق...؛؛؛
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية...( الخامس)..
-
الصين الشعبية .... والانتقال الى الرأسمالية .. (4)..
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... ( 3 )...
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..
-
الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية ..(1)
المزيد.....
-
التقرير الصحفي الأسبوعي عن أخر تطورات العدوان وأشكال التضامن
...
-
وسائل إعلام إسرائيلية: سماع دوي انفجار قرب قيساريا ويجري الت
...
-
الإعلام العبري: سماع دوي انفجار قرب قيساريا شمال فلسطين المح
...
-
رحلة في تاريخ البيتزا.. من خبز الفقراء إلى موائد العالم
-
عرض ساعة ذهبية لجمال عبدالناصر مهداة من السادات في دار مزادا
...
-
تيسير خالد : يدعو وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية الفلسط
...
-
حماس تعلق على حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يخلد الذكرى 39 الشهيد أمي
...
-
سفينة صواريخ إسرائيلية تعترض مسيّرة في المجال البحري قبالة س
...
-
م.م.ن.ص// قافلة تضامنية مع معركة المعطلين بتاونات في يومها
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|