عامر الدلوي
الحوار المتمدن-العدد: 4111 - 2013 / 6 / 2 - 01:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كما يبدو فإن الشغل الشاغل اليوم لألاف المتهافتين على فتافيت الخبز الساقطة من مائدة السلطان – العبد في آن , هو الإقليم وكيف يبنى ويعمر ( بفلوسنا ) من إيرادات نفط البصرة التي تعتبر المورد المالي الرئيسي للميزانية العمومية للدولة العراقية الجديدة والتي يستحوذ هذا الإقليم ( المجرم و الظالم ) على مانسبته 17 % منها والتي هي في الواقع ليست منة من أحد بقدر ما إنها حصة الإقليم من الميزانية دستوريا ً وحسب نسبة عدد سكان المحافظات الثلاث إلى عموم سكان العراق .
لذلك راحت صفحاتهم الشخصية مواقع التواصل الإجتماعي تمتلئ بكلام فارغ كفراغ أدمغتهم .. من قبيل البصرة تعاني و كردستان تعمر وتعلو فيها المباني , لا بل إن بعضهم يدخل على صفحات الآخرين بشكل سمج مدافعا ً عن الفشل المركب لقياداته السياسية في إنجاز محطة تحلية مياه واحدة ولا نريد أكثر لمدينة البصرة رغم إن حزبه المأبون هو من يحكم البصرة منذ سبعة سنوات .. وهاهو اليوم يساوم على حكمها لأربعة سنوات أخرى مع شركائه في الفشل الإداري والمالي والسياسي بأن يتنازل لهم عن حكم ثلاثة أو أربعة محافظات جنوبية أخرى مقابل هذا .. وياليتهم يدافعون عنه بأمر مقنع أو يجدون أعذار مقبولة لهذا الفشل الذي لا يستطيع الصمود أمام حقيقة إعادة معظم الأموال المخصصة لأعمار البصرة ( حصتها من الميزانية ) سنويا ً إلى الخزينة العامة حتى يسهل نهبها من قبل أمين هذه الأمة .. وأمام حقيقة ما صرح به المحافظ ذات مرة بأن معظم مشاريع الإعمار موجودة على طاولة مجلس الوزراء منذ أعوام بإنتظار الموافقات على المباشرة بها .
وبدلا ً من أن يصب هذا البعض والعديد ممن ينقصهم الإطلاع على بواطن الإمور من أهالي البصرة النجباء جام غضبهم على رؤوس الحكام الفاسدين إداريا ً وماليا ً .. واللذين ينهبون أموال الأجيال القادمة من سكان العراق ويهربونها إلى الخارج ليستثمروها في بلدان الشتات التي آوتهم لربع قرن من الزمن ايام كانوا يحلمون برؤية حدود العراق .. صار هذا البعض يصب جام غضبه ( وبإيحاء من أئمة الفساد وفعل رهيب لرفيف نسمات العملة الخضراء ) على الإقليم و حكومة الإقليم ... رغم إن العديد منهم قد رأى بأم عينه الفارق الهائل في الإنجاز بين حكومة المركز وحكومة الإقليم .
ما يهمني في كل هذا هو كيف وصلت مستويات الإنجاز في الإقليم إلى هذا المستوى الذي دفع لإختيار أربيل عاصمة للسياحة العربية للعام 2014 ؟
وكيف وصلت حالة رئة العراق الإقتصادية ومنفذه البحري على العالم إلى هذه الدرجة من التردي رغم إني لم أزرها منذ سقوط النظام ولحد يوم الناس هذا ؟
الجواب في رأي المتواضع بسيط جدا ً ويتمثل في بناء مؤسسات الدولة بناء سليم والمحافظة على هياكلها و تطويرها بأستمرار إستنادا ً إلى قاعدة عريضة ومتينة متجسدة بفرض سلطة وهيبة القانون .
وللوصول إلى نتيجة منطقية لفهم هذا الفارق أجدني مضطرا ً لسوق بعض الأمثلة .. ما يخص البصرة معتمدا ً على ما ينقل إلي ومن مصادر موثوقة ولما يخص بغداد وأربيل .. كوني شاهد عيان .
في البصرة .. يقال إن الآية الكريمة مطبقة حرفيا ً هناك .. " كل حزب بما لديهم فرحون " إذ يمتلك كل حزب منها منفذه التسويقي على شط العرب ليصدر منه ما يسرقه من نفط البصرة عبر ثقب الأنابيب ونصب وسائل السحب والضخ عليها .
وفي البصرة والعهدة على الرواة .. ما زالت الحيانية على الحال الذي تركتها به عام 1989 إن لم تكن قد نالتها بعض التحسينات الهامشية .. و ما زال ماء الشرب يحمل نفس تلك الرائحة ونفس نسبة الشوائب إن لم تكن أكثر , وما زالت الأوساخ تملأ شوارعها والرواية هذه المرة وفيما يخص هذا الموضوع سمعتها من موظفين حكوميين , كانوا هناك في إيفاد لمدة أسبوع , وأنتشرت العشوائيات هنا وهناك لتشوه و تطمس الطابع العمراني المميز لها وتفشت البطالة بين قطاعات الشباب .. و ووووو .. إلخ .
و في بغداد .. التي فازت بعدة مراتب عالمية .. حكومتها .. تقبع في آخر قائمة رابطة الشفافية الدولية للدول الأكثر فسادا ً في العالم .. خامس اسوأ مدينة للعيش في العالم .. وووووووووو .. إلخ .. أنتشرت العشوائيات بشكل مقزز .. واستولت عصابات الأحزاب الدينية على خيرة اراضيها و وزعتها على مناصريها , وفي أسوأ مثال على السلب , قام أحدهم بالإستيلاء على قطعة الأرض العائدة لوزارة الدفاع في منطقة الشعب والتي كانت تضم معهد الدفاع الجوي وقاعدة للصواريخ المضادة للطائرات , و قسمها لقطع صغيرة وباعها للحواسم بسعر رمزي في حينه ( 100 دولار .. لا تذكر في عقد البيع + 30 ألف دينار عراقي هي التي تذكر في العقد ) لتخرج علينا بعدها شعارات مطبوعة على الحيطان في كل مناطق بغداد مفادها أن : أنتخبوا مرشحكم لرئاسة الجمهورية السيد ........... الهلالي وهو نفس الشخص الذي باع قطع الأراضي تلك والذي كان يمتلك مكتبا ً لدلالية العقارات قبل سقوط النظام السابق .
علما ً بأن قطعة الأرض هذه قد اصبحت حيا ً للعشوائيات تمت تسميته بحي الصدرين .. واليوم حركة البيع والشراء فيه قائمة على قدم وساق لتلك العشوائيات .. دون أن يعلمنا السلطان ويرينا دروسا ً في فرض هيبة الجيش والدولة ويعيد تلك الأرض لوزارة دفاعه .
في بغداد هذه والتي يحكمها أيضا ً محافظ من حزب السلطان منذ سنوات عدة .. كنت اراجع حول حصة الكاز المخصصة من وزارة النفط لمولدة المؤسسة التي أعمل بها .. وقع أثنان من الموظفين المعاملة و وجهاني لتوقيعها من مديرهم السيد ....... الموسوي .. لم اجده في الغرفة .. لكنه جاء بعد دقائق .. شخص طويل القامة ملتحي يضع على كتفيه ( يشماغ أخضر اللون ) للتدليل على كونه سيد و لا يرتدي في قدميه سوى ( الشحاطة ) .
وفي اربيل التي تخلوا شوارعها الفسيحة المزدانة بالأشجار من أي أثر للأوساخ و تنطلق المياه عالية من نافورات جزراتها الوسطية وترتفع مبانيها شامخة مختلفة الألوان والأحجام .. وعلى ذكر ( شحاطة ) السيد المدير .. بينما كنت أقف في باب مديرية تربية أربيل بأنتظار العائلة .. إذ إقترب مني شاب وسلم علي بكل أدب وسالني على قدر ما فهمت من لغته .. هل أستطيع الدخول لمراجعة الدائرة .. قلت له أنا لست موظف الإستعلامات .. هو هناك وبأمكانك سؤاله .. ذهب إليه تحاور معه وعاد خارجا ً .. هنا سالته .. لماذا لم يسمح لك بالمراجعة .. مرة أخرى اجابني بكل أدب لأنني أرتدي الشحاطة في قدمي ويجب أن ارتدي الحذاء .. هذه الحادثة أكدتها وبشكل أكثر وضوحا ً .. حادثة أخرى لكنني لم أتصور جديتها في حينه .. شرطة المرور أوقفوا شابا يقود سيارة بي أم حديثة عند بارك سامي عبد الرحمن .. وأصطحبوه للحجز هو والسيارة .. لأنه كان يتردي بنطلون برمودا وشحاطة .. وجددت من قبل سائق معرفة قبل شهر .. توقف بعد عبورنا السيطرة بقليل .. وأخذ ينظر إلى الأمام بعيداً .. قلت لم توقفت .. قال أنظر لمفرزة المرور .. إنهم في العادة يقفون عند الجسر الجديد .. قلت و ما علاقة وقوفهم بك ؟ .. قال إذا موجودين فسنأخذ طريقا ً جانبيا ً لأني لا استطيع المرور من امامهم وانا أرتدي الشحاطة ..........!!!
هكذا تبنى مؤسسات الدولة وتفرض هيبة القانون من أبسط الأمور الحياتية صعودا ً لأعقدها .. رغم النواقص والشوائب الكثيرة هناك .. يكفي إنك لن تسمع صافرات مواكب المسؤولين والتي لاتزيد في أكثر الأحيان عن أربعة سيارات لأن أستعمالها ممنوع إلا في حالات الطوارئ .. يكفي إنك لاتسمع صوتا ً كريها ً اجش ينادي .. إطبك على اليمين .. رحم الله والديك .. يكفي إن أجرة التاكسي محددة داخل المدن في كل محافظات الأقليم بثلاثة آلاف دينار .. رغم إرتفاع اسعار البنزين .. وقلة كميات المدعوم منه المقدم لسواق التاكسي .. ويكفي إن مشكلة الكهرباء قد حلت هناك بما يزيد قليلا ً عن ملياري دولار بينما لم تحلها في المركز أكثر من مائة مليار .. ويكفي ... سلسلة لا تنتهي من الفوارق بين أوضاع الإقليم .. رغم كل ما موجود من الفساد .. وبين أوضاع المركز الغارق في بحر الفساد من أصغر مسؤول إلى رأس السلطة .
لذا أتوجه لمن خربت وضاعت بوصلته من أبناء محافظات العراق الجنوبية .. بنصيحة أخوية .. أتركوا التجديف بإتجاه الشمال .. و توجهوا بنقدكم ومسائلتكم .. نحو المركز ونحو حكوماتكم المحلية التي لم تقدم لكم شيئا ً طيلة السنوات المنصرمة رغم الإمكانات الهائلة المتوفرة لها .. إنتفضوا بمظاهرات عارمة ضد من يسومكم سوء العذاب المتمثل بهؤلاء و لا تبرروا لهم فشلهم فتكونوا كما يقول المثل الشعبي .. كمن يبحث عن حب الرقي في مكانه المعتاد .
#عامر_الدلوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟