|
هل قامت في مصر ثورة؟
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 10:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أظن أن مصر شهدت في بدايات عام 2011هوجة مثل هوجة عرابي التي اندلعت قبل مائة وثلاثين عاما بالضبط ( عام 1881) وانتهت بعد صراعات عديدة إلى احتلال الإنجليز لمصر بفضل دعم الخديوي توفيق للهيمنة الأجنبية ، والاعتماد على الإنجليز في حماية حكمه وتدعيم كرسي العرش ضد الثوار . والفرق مختلف تماما فقد كان الثائرون هم ضباط الجيش من أجل حرية الشعب وكرامته ، وما حدث بعد هوجة يناير عام 2011 هو الموقف ذاته للخديوي بحرص القوات المسلحة على حماية مكاسبها وموقعها الحاكم والمتحكم في كل شيء بعد أن مارسوا قدرا من الحراسة الصامتة والحكيمة التي تبدو في ظاهرها حماية للثوار ومطالبهم ، إلى أن عمت البلاد حالة غير مسبوقة من الفوضى تتجاوز كثيرا ما حدث في يناير عام 1977، ولا تزال هذه الحالة مسيطرة تسود كل المرافق والمؤسسات والشوارع والقرارات والميادين والوزارات والانتخابات واللجان ووسائل الإعلام ، والأسواق و العلاقات والأحلام. فوضى شاملةتروع وتهدد و تتفوق في بشاعتها ما يمكن أن يتفتق عنه فكر الاحتلال وسلطته الغاشمة. فهل قامت في مصر ثورة ؟ .. الإجابة التي لا تحتاج إلى تفكير هي أن الثورة لم تقم في مصر لأن ما يجري على أرض الواقع يفتقد العقل والفكر والرؤية ، كما لم ينتج عنه أي تغيير إيجابي من أجل تطوير وسائل الإنتاج ولم يفض إلى تحسين الأحوال المعيشية لشعب طال به الشقاء والحرمان ، ولم تتحقق أدني مستويات العدالة الإجتماعية أو السياسية والقانونية ، وبالتالي لم تتوفر أية درجة من درجات الكرامة ، حيث يهان المواطنون في كل مكان وبكل الوسائل ويكفي الترويع والرعب والخوف على المستقبل ، وتكفي الأنفاق المظلمة التي نمر بها ليلا ونهارا، ويكفي ألا يرى المصريون مع كل صباح أية بوادر للأمل في المستقبل . فما الذي يثبت أن مصر شهدت ثورة ؟ إذ ليس شرطا أن يعتبر ما انتفض له المصريون ثورة لمجرد أنهم فقدوا ألفين من الشهداء وعدة آلاف من المصابين ، وليس شرطا أن تكون هناك ثورة لمجرد إزاحة رأس النظام السابق ممثلا في رئيسه فقط ، بينما رجاله يعملون بكل همة في تخريب البلاد ونهبها والوقوف حجر عثرة في طريق إرساء قواعد للديمقراطية والبدء في تنفيذ خطط التنمية ولا زالوا يشعلون الحرائق والفتن . فهل قامت في مصر ثورة ؟ .. لا شك أن من بين الدلائل على قيام ثورة انطلاق عجلة الإنتاج ، وهذا ما لم يحدث . كان يجب أن تزيد مساحة الأرض الزراعية وتتضاعف المصانع ، وقد حدث العكس .. نهبت الأرض وتوقفت آلاف المصانع .. كان يجب لتكون هناك ثورة تشغيل العاطلين الذين يقضون الأوقات على المقاهي ويبددونه أمام التليفزيون ويضطرون لإلهاء الفكر بتعاطى المخدرات وممارسة كل ألوان السرقة والاحتيال والخطف ، وممارسة أعمال البلطجة والتجارة في الممنوعات بكافة أشكالها ، وبدلا من تشغيلهم في مؤسسات الحكومة أو القطاع الخاص تزداد أعدادهم ويسهل عليهم ممارسة العنف والتعدي والتخريب . لنتوقف مؤقتا عن جلد أنفسنا ونمتنع مؤقتا عن المطالبة بتطوير جاد ومؤثر قد يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه ، ونسأل عن أمور مهمة جدا لبناء الدولة الحديثة ولا تتطلب غير عام واحد على الأكثر .. دعونا نتحدث عن أهم ما يلزم للدولة المصرية الجديدة التي قد يكون من اقترف إثم المشاركة في هذه الهوجة قد سعى لها وحاول مع زملائه تأسيسها بوصفها أولى عتبات المستقبل ، إنها المؤسسات والقوانين التي ترسم طريق الحرية والعدالة ودولة القانون وحقوق الإنسان والمواطنة .. وهي الديموقراطية التي تحتاج إلى كوكبة مميزة بالخبرة والعلم والثقافة لوضع دستور للبلاد. الدستور في الحقيقة موجود في مصر منذ عام 1923 وهناك دستور 1954 ، ودستور 1971 وقد وضع تلك الدساتير رجال القانون الثقاة والعلماء والخبراء المخلصون الذين يتميزون بالوطنية ، ويمكن خلال ثلاثة أشهر عبر لجنة مكونة على الأقل من ثلاثين فقيها إجراء تعديلات عليه ثم مراجعته من لجنة أخري من ثلاثين آخرين ، وكلتاهما تعمل في صمت ثم تخرج به لعرضه على المحكمة الدستورية العليا لتقول كلمتها ولا يجب استفتاء الشعب عليه فهذا وهم ولكن الواجب نشره في كتيب وإتاحة الفرصة للمثقفين والخبراء ومختلف أصحاب الرأي لتقديم رؤيتهم وملاحظاتهم خلال مدة أقصاها شهر، وإعادته للجنة التي حررته ثم تسليمه للمجلس الرئاسي المدني لإعلانه بعد عرض أخير على المحكمة الدستورية . فهل حدث شيء من هذا ؟ .. لقد اندلعت الحروب والمعارك ولا تزال ولم تكتب كلمة ولا تم اتخاذ أي إجراء. وتُبني الديمقراطية أيضا على برلمان نظيف ومعبر عن المستقبل لا عن الحاضر أو الماضي .. برلمان يتمتع بالفكر والرؤية السديدة والعلم ،وقد أكرمنا الشيطان بمجلس مشوه وعجيب لا ندري كيف تشكل فلا يجمع أعضاءه علم أو وحدة أو تجانس ولا يتميز بعضهم على بعض بالحصافة والخبرة ، ولا يتمتعون بالتواضع أو أدب الحوار ولا يعنيهم الوطن ولا يؤرقهم المستقبل.. برلمان غريب كأنه مكون من باعة وبحارة وعلماء حشرات وتجار ومرضي نفسانيين وبعض الأساتذة والتائهين في زحام القاهرة والباحثين عن الآثار والراغبين في العمل بالقنوات الفضائية . تشكيلة مرعبة تصلح مادة لمسرحية عبثية يمكن أن تنجح وتحوز الجوائز وتلقلى ترحيبا أكثر من أعمال يونيسكو وبيكت وغيرهما . كما تقتضي الديمقراطية انتخاب رئيس قوي ومثقف ووطنى من طراز رفيع ، فهل حدث شيء من هذا ؟ ..أبدا .. أبدا ، بل العكس ما حدث ،صراعات وتزوير وكذب ورشوة ودعايات فجة وابتزاز وصراخ وضرب وتهديد واستخدام لكل الأساليب الشرعية وغير الشرعية لاكتساب صوت ، وآخر من طلبوا رضاه الوطن وإن ابتغوا رضاء المواطنين .ولا تزال المعركة في الشوارع طاحنة. . ، لأن الحماقة تحكم وكذلك الجهل والفوضى والمصالح والتربص ، الأنانية ولذة الاختلاف والعماء والإقصاء تتسيد كل حوار، وكل قرار وكل اجتماع أو خطاب. قفز إلى سدة الحكم من ينتمي إلى جماعة المتأسلمين بشتى أطيافها ، وبدا واضحا أنه ليس صاحب القرار الأول ، فكل قيادات الجماعة تحكم وتحاول جاهدة محو ذاكرة الأمة وتغيير هويتها عبر وزارات التعليم والثقافة والإعلام ..انشغل الرئيس وجماعته بالمشروع الوحيد الذي يعنيهم وهو أخونة الدولة بحيث يستحوذون على كل المناصب دون احترام لكفاءات علمية ولا لقضاء أو قانون أو دستور ، ودون النظر لمشكلات الناس بعد أن توقفت كثير من المصانع وتراجع التصدير وتوقفت السياحة وتقلصت الإيرادات وأوشك الاقتصاد على الانهيار وهم مشغولون بقرض صندوق النقد بوصفه المنقذ رغم تفاهته ، والأمور السيئة جميعها تجتمع بجهلهم وعنادهم على مصر لتنهش استقرارها وتهدد مسيرتها ومن ذلك إقدام أثيوبيا على بناء سد النهضة بدعم إسرائيلي .
فهل قامت في مصر ثورة ؟ .. أرجو أن يذكرني أحد بدليل واحد يشير إلى قيام ثورة في البلاد .. أتمني أن أعثر على ملمح وحيد يؤكد أن ثورة حدثت في مصر .. بل أريد أن يقسم لي شخص أنه يعرف ما الذي يمكن أن يحدث غدا للدولة بناء على ما يجري اليوم . المفترض أن هناك دائما لكل المقدمات نتائج والعكس صحيح حسب علم المنطق ..إلا في مصر فالمقدمات لا تفضي للنتائج التي يجب أن تفتقت عنها .. النتائج لا علاقة لها بما سبقها . ففي أي زمان أو مكان يجري ما يجري في مصر ؟؟!! إنها بالفعل أسوأ مرحلة انتقالية في التاريخ وسوف تتصدر تفاصيلها صفحات الموسوعات العالمية بجدارة .
#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صندوق الحرية الأسود
-
هُوية مصر ليست إسلامية فقط
-
تعود سيناء أو يذهب مرسي
-
مرسي المالك الوحيد لقناة السويس
-
محاكمة النظام أو المواجهة
-
التحرك الحاسم ولو بالقوة العسكرية
-
جرح مفتوح
-
ابحثوا معنا عن .. الرئيس
-
لماذا قبلت ؟
-
من جرائم الجماعة في حق الشعب
-
أخيرا .. يا حبيبتي
-
بغيرالعقل والشجاعة .. لن تصبح رئيسا
-
ماذا ينتظرون ؟! !
-
الحرب الأهلية تدق الأبواب
-
الهُوية المصرية بين الإخوان والإنجليز
-
من يحكم مصر الآن ؟
-
رسالة إلى صديق إخواني
-
يا ناس .. وَجَبَت مُحاكمته
-
عقلية مرسي
-
جماهير لا تعرف معني الوطن
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|