|
أبـــو ربيـــع والبغــــل.
فلورنس غزلان
الحوار المتمدن-العدد: 1180 - 2005 / 4 / 27 - 11:40
المحور:
كتابات ساخرة
لاتفارق البسمة محياه ، ولا يضن بها على أحد ...أحب الحياة بقوة..رغم أنه اتخذ منها لعبته ...يفلسفها على طريقته ...يطير من مكان الى آخر فوق غيوم أحلامه ...يهاجر بها راحلا على الدوام، جعبته مليئة بالأخبار...أخبار مغامراته الطريفة، والتي يتقن سردها...كراوٍ لقصص( الزير سالم ) يحب ركوب المخاطر...وبحكم موقع بلدته الحدودية، والتي تربط سورية بالأردن ، اتخذ من التهريب مهنة له، أو طريقا لحياته ...لا يتقن غيرها ، ولا يصلح لسواها !!!! وكلما اعتبرها الآخرون مغامرة غير محمودة العواقب، وتطيح برؤوس راكبيها...كلما ازداد تمسكاً بها مطلقاً ضحكته الرنانة ، والعابثة قائلاً:ـ "انها مهنتي التي اختارتني...هي من جاء الي ...تناسبني، وأناسبها ...انها بمقاسي ...لبستني كالثوب...كجلد ثان ...لا أعرف سواها ...تسير بدمي وتعبر شراييني ...تهواني وتعشقني ...كما أعشقها ...انكم لا تعرفون متعة الملاحقة، والتملص من شرطة الجمارك، والتحايل عليهم ...ثم النفاذ من بين براثنهم وحصارهم ...والوصول بسلام في النهاية ....انها ساعة الظفر!!! تساوي الملايين....انها الروعة بحد ذاتها ...في كل مرة ، وتحت وابل الرصاص المحيط بي، ومقدرتي على الخلاص وقهري للخطر ، ثم تمردي على القانون ...هنا تكمن المتعة ، والتي لا يعرفها ولا يفهمها الا من هم مثلي" !!! هكذا كان يجيب أبو ربيع أهل حارته ...، وهو يروي مغامراته التهريبية ...فوق المصطبة التي يتجمع عليها معظم رجالات الحي ، ويتابع الصغار والكبار اشاراته وضحكاته، وتتركز نظراتهم حول حركات يديه المعبرة بفرح طفل ، وكيف استطاع في احدى المرات أن يترك شرطة الجمارك غارقين في الوادي بعد أن جعلهم يلاحقوه من طرق وعرة يجهلونها ...وترك سياراتهم تغوص وتتوقف بينما نفذ بفرسه هازئا ساخرا منهم ، ودخل أحد البيوت التي اعتادت عليه واعتادها ، وعاد الى منزله فيما بعد، وكأن شيئا لم يكن !!! وكم من المرات طرق رجال الشرطة بابه باحثين عنه ...فيخرج اليهم والماء يرشح من يديه بحجة الوضوء .....ولم يكن من المصلين !!! اللهم الا صلاة العيد لأنه يخجل اللقاء بأهل الحي والبلد ...دون أن يؤدي معهم صلاة العيد ويشاركهم فرحتهم...، ويقوم بواجبه تجاه الجميع ...حيث يحبه الكل ، وتفتح له البيوت أبوابها لو طرقها يطلب الحماية ، أو الاختباء ...تحبه النساء ويحب الجميلات منهن ...يتغامزن حين يمر بهن ويطلق بعض مفرداته العذبة واللطيفة ...والتي لاتخدش الحياء ...أو تتجاوز العرف....مغامر بكل معنى الكلمة ...كم كنت أسترق النظر والسمع لأحاديثه وأتخيله بطلا من أبطال السينما الهوليودية ...يطارد الهنود الحمر !!! دارت الأيام ، وجاءت فترة الثمانينات بما حملته لسورية من ويلات وقمع وملاحقة ...وخاصة فترة الصراع بين النظام والاخوان المسلمين ...وصار التهريب سبة والتعامل به ...متهم سلفا بالتعاون مع الاخوان!!! ضاق الخناق على أبي ربيع ، وضاقت الحال ...لا يعرف مهنة أخرى ، ويعجز عن كسب رزقه بطريق مغاير ....حاولت زوجته اقناعه بالعدول عن التهريب والمخاطرة بحياته ...واقناعه بالعمل مع أهلها ، فقد كانت من طبقة الأثرياء في البلد ...رغم كونه قريبها ... لكنه يأبى أن يذل نفسه لهم ، ويفضل الموت على أن يعيش على فتات موائدهم، سيبقى مرفوع الرأس، ولن يتخلى عن مهنته ...سيستمر في عمله قدر المستطاع ...فالجميع يعرفه في السلطة وخارجها ويقول :ــ "أنا رجل لا أتعاطى السياسة ، ولا يهمني أمرها ...أنا مهرب فقط ...تطلب مني طلبية ، فألبيها ...أحضرها لمن يرغب بها ...أعمل حسب السوق" ،ــ وطبعا انه يقوم بتهريب كل شيء ...أقمشة ...مواد غذائية ...سلاح ...كل مايتاح له ...لكنه لم يقرب المخدرات على الاطلاق ــ كان شهما ...رجلا يافعا بكامل قواه الجسدية ...محبا للحياة ..له طفل صغير ...يحلم أن يبني له بيتا يشبه بيوت أخواله !! أرسله للمدرسة ، ويريده أن يتعلم ويبتعد عن ركوب المخاطر مثله ...لم يرغب أبدا أن يشابهه ...كان يقول هذا وفي حلقه غصة ...وأمام كبير الحي ..." ياأبا فلان...اني عشت يتيماَ، وذلني الفقر ، وأعمامي...عملت منذ طفولتي في بيادرهم ..حرمت التعلم والمدرسة ...رافقت حصاديهم ...جلبت لهم المؤونه والطعام ...كنت أكثر مهارة من أبنائهم بركوب الفرس ...كانوا يحسدوني ...لأني نحيل العود ..لقلة الغذاء ...لكني ماهر وسريع ..وكم من المرات أكلت علقة من العم الكبير ..كوني أسرق الفرس وأتعبها بالسباق ...وفي النهاية زوجوني ابنتهم ...علهم يبقوني تحت وصايتهم ، وبخدمتهم ...لكني اخترت التهريب ...لأكون حراً..انها المهنة التي تليق بيتيم مثلي "!! لكن فترة الثمانينات جاءت لتضع حدا للتهريب في المنطقة كلها ..خاصة في تلك البقعة ..وصار كل من يمتهنها مشبوها ومربوطا بالاخوان المسلمين !!! في احدى الأمسيات ، وكعادة أبا ربيع حاول التملص من دورية المخابرات ( آنذاك كانوا يقومون بالجولات الحدودية أكثر من الجمارك أو بمرافقتهم ) لكنه لم يفلح ..حوصر وضيقوا عليه الخناق ...هو على ظهر الفرس ووراءه بغل يحمل البضاعة ...لم يكن أمام أبا ربيع من مفر سوى النفاذ بجلده ..وما كان منه الا أن ترك البغل ...وهو العائق الأول لبطئه ...وهرب فارا بفرسه ...لكن المخابرات كانت أكثر حنكة من أبي ربيع ...تركوا البغل يسير الهوينا ..وتبعوه عن بعد ....البغل يعرف دربه وبيت صاحبه ...أبا ربيع ...ولم يستطع أبو ربيع طلب الحماية أو الاستجارة بأحد البيوت ــ آنذاك لم يعد أحد يجير أخاه! ــ دخلوا بيته ، وألقوا القبض عليه ...فالفرس مازالت ساخنة ...واقتادوه ...ذهب أبو ربيع، ولم يعــد !! حتى اليوم لم يستطع أهله اسقاطه من سجل النفوس ...لا يعرفون مصيره ...مثله مثل الكثير من المفقودين ..ابان الحقبة المشؤومة ...هذه قصة من وحي الواقع ..وبحرفية صادقة ..وبكل ألم عرفته في صغري ..ولم أعرف عنه البتة أي توجه سياسي، أو ديني ...وهل كانوا يسألون؟
#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قبـل أن يعـود المـوت من غفوتــه
-
الهــــويــة الســـوريــة البعثيـــة
-
فـي مثـل هـذا اليــوم ــ أقصد التاسع من هذا الشهر
-
لنعبــر معـــأ
-
مــن الــذاكــرة ( الحلقة الثانية ) في بيـــروت
-
مــن أم رشـــا الــى أبـــي رشـــا ..مع أمنياتي له بالخروج ا
...
-
الألــــــف
-
مــن الـــذاكــرة ( الحلقة الأولى ) ....على الحـــدود
-
نحــن والـــزعـــامــات.....أوطاننـــا، والشخصنــــــة....لم
...
-
أبشع أنواع الظلم .....أن تظلم المرأة نفسها
-
أنــا ليـــلـى ...ابنـــة بلـقيـــس... وحفيــدة هــاجــر
-
مــن هــم الخونــة، ومــن هــم الــوطنيـــون بــرأيــكــم؟
-
بـلا عنوان ، وهل للموت في الحـــلــة عنوان؟
-
فـي يـوم المرأة العــالمـي- بحث حــول التمييـــز ضــد المــر
...
-
فــي بــلادي
-
معــك يـامــوقـع الحـــوار في مشـــوار النـــور ضــد الظـــل
...
-
لمـــاذا؟؟
-
أيــــها الغــريــــب
-
المجتمعــات العــربيــة ، وجرائــم الشـــرف - في مشرقنا خــا
...
-
انتبهـــوا حيــاتــكــم مصــورة بالألـــوان
المزيد.....
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|