|
عن تطور مفهوم الصراع من أجل البقاء..
فاتن نور
الحوار المتمدن-العدد: 4109 - 2013 / 5 / 31 - 09:26
المحور:
كتابات ساخرة
لا يحمل "الصراع" من أجل البقاء، كينونة البقاء بمقوماته الأساسية بالضرورة، كـ التغذية، والتناسل. ويظهر هذا بجلاء في عالم الإنسان، الحيوان العاقل. وهو من المفترسِات غير المتخصصة كما يصنفه علماء البيئة، أي التي تقتات على أي شيء حي تقريبا مثل فصيلة النمور والكلبيات. كما تقتات على نفسها بأكل لحوم جنسها (Cannibalism) في سنينها العجاف أو لضرورات أحوالها النفسية. أو بأساليب أكثر تعقيداً ومأساوية من الأكل بالمعنى الحرفي. فيما تلجأ الحيوانات المتخصصة الى الاكتفاء بالتغذية على نوع واحد من الأحياء، فهي بهذا أقل ذكاءً أو انتهازاً للفرص من سابقتها. يحكي التراث المثيولوجي للبشرية، عن أول صراع حصل من أجل البقاء بمقوماته الأساسية، وبصيغة الفوز بالأنثى الأجمل كما تسرده المرويات الإسلامية. وبمقوماته غير الأساسية، وبصيغة الفوز بقيمة ماورائية كما تسرده مرويات العهد القديم والمسيحية. وله صور أُخر في التراث كما في النصوص الفرعونية مثالاً. وتقع صوره هذا الصراع، لو ابتعدنا عن ظاهره المحكي الى رمزيته؛ في أطر مختلفة من التفاسير الفلسفية للتراث. فقد تظهر صورته في إطار الفكر العقلاني المتمثل بـ قابيل، وصراعه مع الفكر اللاهوتي المتمثل بـ هابيل. أو في إطار الخير المتمثل بـ هابيل، وصراعه مع الشر المتمثل بـ قابيل. وهذا الأخير قد يمثل المسيح الدجال الذي يمثل بدوره الفكر الماسوني في بعض التفاسير، وصراعه مع آلهة الخير والخصب والنماء المتجسدة في شخص هابيل. وهلم جرا... وتحت مظلة المثيولوجيا نترك سؤالاً هامشيّاً: هل بدأ الصراع من أجل البقاء في الأرض، أم في السماء بـ ابليس وآدم وحواء مع الرب؟. هذا لو صدقنا أن الصراع لا يحمل كينونة العنف الفيزيائي دائما. مثلما ضغطت قوى الطبيعة فدفعت اسلافنا الى الاقتيات على الحيوان؛ ضغطت حياتهم الجديدة القائمة على الصيد والافتراس بدورها، لانتاج وعي متطور يحيط بالعالم الخارجي، وحرضتهم على التجوال والانتشار جريا وراء الطرائد، بعد أن كانوا راسخين نوعا ما بالاقتيات النباتي. وهذا يذكرنا بمقولة ماركس الشهيرة " ليس الوعي من يحدد الحياة، بل الحياة من يحدد الوعي." تأخذ هذه المقولة بعداً مدوراً بتصورنا، فالحياة تحدد الوعي، والوعي يحدد بدوره الحياة. وهلم جرا في هذا المسلسل المتعاقب مع امتداد الزمن. ولهذا التحول في الاقتيات، الأثر الأبلغ في انتاج ردود أفعال جديدة كـ خصخصة العمل تبعا للجنس؛ خلقت وعيا تأمليا زاخرا بالابداع وقوة الخيال، أو وعيا اسطوريا. وفي هذا عبر ميرسيا الياد، مؤلف موسوعة "تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية"، وبتصرف؛ عن وحدة التاريخ الروحي للمفترسات العاقلة والذي بدأ مع إراقة الدم. فالمطادرة المستمرة والأماتة، انتهيا بمنظومة من التضامن الصوفي بين الصياد وضحاياه. والتي تكونت مفاهيمها في المراحل الأخيرة من التطور الى بشر. طقوس البدائيين من الصيّادة في زمننا المعاصر، كالرقص الدائري حول الفريسة احتفاءً بها أو لطمأنة روحها، وتعليق العظام والجماجم على الأشجار أو تسطيرها في المدافن وما إليه من شعائر، تحكي عن جذورها لدى اسلافنا القدامى في أغوار الزمن السحيق، وتلقتي بشكل أو آخر، بطقوس المعتقدات الدينية المنظمة. مع التعقيد المركب الذي اصاب الحياة مع ردح الزمان في شتى مناحيها، بتطور العلوم والفلسفات والمعارف بشتى صنوفها وحقولها، وما انتجته من وسائل للانتاج والسيطرة النوعية على مصادر الطبيعة، تطور مفهوم الصراع من أجل البقاء، فتعددت أساليب الصيد، وتنوعت نظمها وقواعدها، استراتيجياتها وأيديولوجياتها، حتى لم نعد نشعر بأننا صيّادة "مفترسات" بل أبناء حضارة. وهذا شعور صادق تماما، فالحضارة والافتراس صنوان لا يفترقان. هذا لو فهمنا الافتراس كـ سنة من سنن الطبيعة عمرها نصف مليار سنة تقريبا، تعود بنا الى نهاية العصر الكامبري. وأن الاقتيات النباتي في المفهوم البيئي، افتراس أيضا، كون النباتات كائنات حية. وهي سنة تحفز الأضعف على انتخابات طبيعية للوقاية والدفاع وتخلق نوعا من التجديد والتوازن. وكل تجديد قد يلازمه خطر موت جماعي أو زوال كـ نتيجة عرضيّة!. بتناسل "ضرورات" البقاء وتنوع حقولها بشكل مهوول، وابتعادها اشواطا ضوئية عن ضروراته البدائية أو الأساسية، صار غير الضروي ضروريا للبقاء، ليس على قيد الحياة، بل على قيد حضارة. نختم هذا الجزء بسؤال بريء براءة العصر الحجري القديم، ذي شقين: إذا كنا نلهث كل يوم من أجل لقمة العيش "كما ندعي"، فلِم لا نخرج للصيد إلاّ من أجل الاستجمام، هذا لو وجدنا إليه سبيلا؟. وهل فعلا قد هجرنا الصيد والافتراس، كما بُلّغنا؛ منذ عشرة آلاف سنة تقريباً، بوقوفنا على التقانة الزراعية؟ سنحاول الاجابة عن هذا السؤال، في رحلة شيقة على متن الجزء الثاني مع لغة الطبيعة، الأكثر افصاحاً عن كينونة عوالمها. ومنها عالم المفترسِات العاقلة الذكية في صراعها المارثوني من أجل بقاء. ولام التعريف المتوقع ظهورها في "بقاء".. لم تسقط سهواً..
#فاتن_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقريع جسد المحنة..
-
حورية الغريقين..
-
احتكارالحقيقة وتجريم نسبيتها..
-
الصيام بين التقليد والتحديث..
-
حول الفن وعصبيات قراءته..3
-
حول الفن وعصبيات قراءته..2
-
حول الفن وعصبيات قراءته..1
-
تَرْسِيل خارج الإطار..
-
خدوش طفيفة المآل..
-
قبل الأوان بقليل..
-
التعددية الديكتاتورية في العراق..
-
حول مادية الجنة والنار..
-
سأشتهيكَ.. بالقليل من دغدغة الضجر
-
نحن أمة كرامتها الشهادة!
-
هل يمكن عصرنة الأنظمة الديكتاتورية؟
-
شجن المشهد المقلوب..
-
نهايات آيلة لسجال..
-
التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي..3/3- القسم الثالث
-
حوار مع الشاعرة العراقية فاتن نور.. حاورتها الصحافية المغربي
...
-
النزعة الأيديولوجية في تقييم النصوص الشعرية
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|