أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - ركبتان














المزيد.....

ركبتان


سها السباعي

الحوار المتمدن-العدد: 4108 - 2013 / 5 / 30 - 21:32
المحور: الادب والفن
    


في كل يوم تقف في الشرفة، تنتظر انكسار حرارة الشمس، لن تسمح لها أمها بالخروج إلا "لما الجو يطرِّي شوية". تهبط درجات السلم قفزًا وتكون أول الواصلين إلى الشارع. يتوافد الأطفال تباعًا من باقي شقق العمارة والعمارات المجاورة. ينفرد الأولاد الأكبر سنًّا بمساحة كبيرة في الشارع الهادئ وتبدأ مباريات الكرة، ويتركون المساحات الأكثر ضيقًا وحجارةً وترابًا للأصغر سنًّا، الذين تناسب هذه الجغرافيا ألعابهم المتنوعة؛ كهربا، لمس الحمام، كيك عالعالي، التي تتشارك جميعها في متطلبات الوثب والجري. لا يكاد يمر اليوم إلا وقد تعثرت وسقطت عدة مرات. تشعر بالألم منذ المرة الأولى، لكنها تتجاهله. مرة بعد مرة، ينبهها بعض الأطفال إلى بقع الدماء التي تلوث ذيل فستانها القصير، فتصرخ فيهم أن أكملوا اللعب. يزداد الألم مع الوقعة الثانية والثالثة، يتعاظم مع الرابعة والخامسة، وتبدأ بالشعور به ليس فقط في ركبتيها المجروحتين، ولكن في النبض ينطلق منهما عبر عروقها مارًّا بجسدها كله حتى رأسها، لكن صوت الصراخ المبتهج يقمع الآه في حلقها.

الألم لا يؤلمها، الألم يبهجها . فيما بعد، عندما تكبر، سيخبرها الأطباء أنه بالإضافة لمشاكلها العضوية التي سببت حالة عدم الاتزان المزمنة لديها، فهي مصابة أيضًا إلى درجةٍ ما بالمازوخية. وكانت ترى أنهم لا يفقهون شيئًا. الألم بالنسبة لها كان تعبيرًا عن السعادة في بعض الوقت وليس كل الوقت. لم تكن تستعذب ألم قرصة أمها الموجعة في فخذها كلما توسخت ثيابها أو تشوش شعرها. لكن جروح الركبتين، كانت شيئًا آخر. الجرح كان يلي الوقعة، والوقعة كانت بعد الوثبة، والوثبة خطوة واسعة مرتفعة قليلاً عن الأرض غالبًا بعد ركض سريع، لا يتحقق هذا إلا في الشارع وفي الأرض الخالية المتربة بين العمارات والممتلئة بالحصى والطوب. الشيء لزوم الشيء. فلماذا نرتضي حصولنا على الشيء ونتذمر من الشيء الذي يقدم لنا هذا الشيء؟! إنها منظومة متكاملة. لم تكترث حتى حينما استحال لون ركبتيها مع الوقت إلى سمرة ترابية تتباين مع لون ساقيها العاجي، حتى حينما برز مستواهما قليلاً عن المستوى الطبيعي نظرًا لتعدد الرضوض والكدمات.

ولم تكتفِ بالألم الذي تسببه الوقعات على التراب والحصى المسنن، أو على الأسفلت الخشن. لم تكن أمها تسمح لها بالنزول إلى الشارع مرة أخرى إلا بعد أن تشفى ركبتاها. ومتى ستشفى يا أمي؟ بعد أن تتساقط قشرة الدماء المتجمدة ويظهر جلدك مرة أخرى. وفي غفلة من أمها في الليل، تقشر هذه القشرة الثخينة، وهي تدعو ألا تتجدد الدماء السائلة تحتها مرة أخرى، لتسيل على ساقيها الصغيرتين، وتسيل دموعها الصامتة على خديها المنتفخين، ليس بسبب ألم تجدد الجرح، ولكن لأن فترة الاعتقال ستطول.

تقف اليوم في نفس الشرفة، تنظر إلى أشعة شمس العصاري التي لا تزال تنكسر في زاوية حنون، ولكن لم يعد الفستان قصيرًا، لم يعد الأطفال ينزلون إلى الشارع، ولم تُجرح ركبتاها منذ وقت طويل.



#سها_السباعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خريطة
- قراءة في ذات
- موستانغ
- آخر الشارع
- سألتُ مُعلمي
- عنكبوتٌ صبورٌ هادئ
- نجمةٌ ميتةٌ
- سأم القاهرة
- نقطة ومن أول السطر
- البجعة السوداء - من دار الأيتام إلى خشبة المسرح
- الضباب ومقر البرلمان
- في انتظار الحُكم
- وماذا بعد يا مصر؟
- قسَم الملعب وقسَم الميدان
- نهضة مصر - مسيرة تمثال
- كاتمة الأسرار – مصر والمرأة المصرية في أعمال محمود مختار
- إنها ليست كراهية، إنه حب امتلاك


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - ركبتان