|
حلازين ليلة الخوف
صباح نيسان
الحوار المتمدن-العدد: 4108 - 2013 / 5 / 30 - 02:10
المحور:
الادب والفن
بعد الساعة الثانية عشر ليلاً توقفت اصوات الاطلاقات النارية المتكررة كل ليلة تقريباً ، خرجت المرأة من غرفتها وتوقفت امام الحديقة تسترق السمع خوفاً من وجود اصوات غريبة على الشارع الرئيسي حيث يقع بيتها ، كانت تخاف على ابنائها وبناتها حد الهذيان ، وتتوجس من الاخبار السيئة المتلاحقة ، فالتفلزيون في صالة الضيوف ينقل لها كل يوم مشاهد الدمار والموت والنار ، فترسم مخاوفها صورة سوداء داكنة ، كانت تتهرب من مخاوفها وتحاول قدر الامكان ان تلون هذهِ اللوحة بتفاءل وأمنية تتكرر مع ادعيتها كل ليلة ، عسى ان يكون القادم افضل لم تسمع شيئاً في الخارج ، لكنها شعرت بقشعريرة مفاجئة تسري في جسدها ، اغمضت عيناها ، ثم فتحتهما ، فتسمرت في مكانها عندما تراءت امامها ومضات فسفورية وحركات بطيئة بين الحشائش ، تقدمت ببطئ ، ثم انحنت الى الامام ، فأبصرت بكل جوارحها هذهِ المسوخ الصغيرة المتناثرة هنا وهناك ، اعتدلت بوقفتها ، ثم عادت خطوتين الى الخلف ( ايها الرب الرحيم ، يالله ارحم عبادك انا كنا من الظالمين ) رددت دعائها عشرات المرات فتقدمت مرة اخرى ، وامعنت النظر نحو احد هذهِ المسوخ ، كان جسده رخوياً ، ولونه اسود يميل الى الخضرة ، ولديه مجسان اماميان ، وحجمه ضعف اصبع اليد ، لاتزال تنظر اليه عندما ايقنت انها شاهدته في حلم ليلة سابقة من كوابيسها المتكررة ، وادركت ايضاً ان معركتها معها في ذلك الحلم على وشك البدء حين تحولت فيه الى افاع سوداء تفتح افواهها بأنياب طويلة معقوفة ، وتطلق شرورها من عيونها الحمراء ، كان الكل نيام حين قررت ان تهاجمها بنفسها قبل ان تبلغ جبروتها ، وتحولها المحتم ، فدخلت الى المطبخ وعادت تحمل عبوة من المبيد الحشري ، فأطلقت نحو اول مسخ تواجهه ، فتحققت مخاوفها عندما بدأ هذا الصغير بأفراز سائل اصفر ، سرعان ما تحول الى رغوة صفراء تحولت تدريجياً الى مادة فسفورية ، ثم الى مادة هلامية فتقوقع داخلها ، ثم تحرك فجأة فأحدث فجوة وهرب من رغوته بين الحشائش ، أيقنت المرأة ان عائلتها في خطر كبير ، وانها امام معركة مصيرية معركة .. حياة او موت . وضعت قدمها على ارضية الحديقة الترابية الرطبة ، فشعرت بأنها تلج حلمها ، استدارت يميناً ويساراً وبيدها دلو كبير من مادة النفط الابيض ، فسكبته على زوجين منها ، فتحركا على دون ان يصيبهما اذى ، فتحركت الى جهة اخرى وسكبت كمية كبيرة حتى طاف فيه احدها ، لكنه حرك ذيله وخرج الى الضفة الاخرى سالماً ، كان العرق يتساقط من انفها مع كل انحناءة ترقب ، فخرجت وادعيتها لاتزال تتردد بين شفتيها ، بعد قليل عادت ومعها عبوة من ( قاصر ) تنظيف الملابس ، فأغرقت به مجموعة منها ، لكنها ظلت تتحرك وتفرز مادتها الصفراء الفسفورية ، وتنكمش على نفسها ثم تتحرك هنا وهناك ، خرجت المرأة وخوفها يتوازن مع دقات قلبها المتسارعة ( سلاماً وقولاُ من رب رحيم ، سلاماً وقولاً من رب رحيم .... ) . جلست على ارضية المرمر وظهرها يستند على الحائط امام الحديقة (وينك اخوي صالح ) ؟؟ فتحركت فيها مخاوفها منذ بداية ازمنة الحرب والموت والدمار ، كل شيئ تجسد امامها بين الحشائش الخضراء ، اصوات الرصاص وعويل النساء ، والجوع ،ومطر السياب وليالي الخوف الطويلة التي ما ان تبلغ صباحها حتى تعود مرة اخرى الى غروبها الجديد ، غروب يحمل بين طياته فترة زمنية اخرى ، وصالح الذي مات في احدى الحروب الطويلة والذي احزنها حياة مديدة ، عادت واستنجدت بهِ اليوم ، فهو الوحيد الذي اختار طريق الخلاص مبكراً ، حينما كانت روحه لاتزال ملكه فقط .. دوى انفجار قريب وتعالت اصوات الطلقات ، لكنها رغم ذلك اغفت اغفاءة قسرية ، واستجاب جسدها لفكرة الانهيار . عند الفجر وبعد طلوع الشمس بقليل ، خرج ابنها من باب المطبخ ، فرأى أمه متكورة على نفسها تحت الشباك ، فركض نحوها ، ثم هزها بقوة ، ففتحت عيناها ببطئ ممسكة بهِ من ذراعيه ( اوليدي بعدكم طيبين )؟؟ جفت دموعها اثناء نومها لكن دموعه حملت امه الى داخل البيت ، وهو يردد على مسامعها ( اسم الله عليج يوم .. والله ما كو عرابيد ).. في الليلة التالية ، والتي بعدها ، وعند الساعة الثانية عشر ليلاً تخرج الام الى حديقة الدار ، وبيدها عصا انتزعتها من ممسحة البيت ، وتبقى تدور حتى طلوع الشمس ، بعد ان تغادر مخلوقات الحديقة الغرائبية عالمها ، غير آبهة بتوسلات ابنائها ودموع بناتها ، لاتسمع سوى ادعيتها الروحية وتوسلاتها بالخالق الواحد الاحد .. ولم تفهم ما قاله ابنها من انه استطاع ان يجد الحل ، وان هذه المخلوقات ليست سوى حلازين ليلية ، وان المزارعة أمل الحداد من بلاد غربتها اعلنت لنا ان الملح هو قاتلها ، وهو من سيدحرها قبل ان تبلغ جحورها ، ، لكنها رغم ذلك ظلت كل ليلة تدور حول حديقتها ، وتردد ادعيتها في ظلام حزنها الشديد ، وتبحث عن يد تمتد لها ، ارهقها الانتظار ، وانهكتها التوسلات: ( وينك اخوي صالح .. وينك) ؟؟؟
#صباح_نيسان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النخلة جودي / قصة قصيرة
-
مصابيح مظلمة / قصة قصيرة
-
الصيف يأتي زائراً / قصة قصيرة
-
الدراما العراقية : قراءة في مسلسل ( فاتنة بغداد )
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|