|
عقيل علي طائر لن يتوارى وآدم باق في جنائنه
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 11:10
المحور:
الادب والفن
عقيل علي طائر لن يتوارى وآدم باق في جنائنه نعيم عبد مهلهل
إلى والت ويتمان صانع عقيل الأمهر..
يأذن الشعر لنا أن نكون أو لانكون ، أن الشعر هو عطر أرواحنا حين نفقد طرق الوصول إلى الحدائق . والشاعر خليقة مصنوعة من حدس طفولة أولى وغير ذلك لا يصلح لأحد أن يطلق عليه صفة أن يكون شاعر لأن روح الفطرة وحلمة النهد وإحساسه بما كان ينبغي أن يلازما ثقافته وروح صناعة النص لديه .والشاعر شكل الفنتازيا التي تبعد عن ذاكرة القارئ ومحتسي الكأس رتابة عيش اليوم الوظيفي وهو أي الشاعر بضاعة ممتعة لنا نحن من نود مصاحبته ولولا الشعر لما أكتسبت السماء تلك الزرقة الفاتنة وهطلت بالآمال وبطاقات السفر وجعلتنا نعشق ونسافر ونموت بشظايا المدافع . هذا مجتزئ من مقدمة كنت قد أخذتها من دراسة قديمة عملتها وأنا خائف من مغامرة كهذه أن تكتب عن للمجموعة الشعرية الساحرة لعقيل علي والمسماة وكنا قد حصلنا عليها مستنسخة وبطباعة رديئة بسبب كثرة الاستنساخ وأعتقد أنها في حينها كانت نتاج جهد الشاعر كاظم جهاد الذي جمع قصائد عقيل وصدرت عن دار توبقال المغربية ومر زمن طويل وعقيل لم يسمع سوى أن كتابا شعريا قد صدر له وأنه لأشهر لم يحصل على نسخة له وكنت أسأله وكان يجيبني:سيصل مثلما وصلت سفينة نوح . لم تكن قصائد الديوان بعيدا عن مخيلة الذاكرة . كانت أجراسها تقرع في أروقة طفولتي وصباي يوم كان عقيل يشتغل خبازا في مخبز المحلة وأمام بيتنا مباشرة وكان أقرب الأصدقاء أليه من أبناء الشارع الشاعر عبد العظيم فنجان وهو من قربني إلى هذا الكائن الذي كانت رؤاه لا تتعدى المفردات المتباعدة والجمل المبسترة غير أن لحظات خاطفة تومض كما برق الصيف يتحدث فيها عقيل علي بمدى خيال الوعي وذات ليلة نسى جبة الصمت وتحدث عن عالم سليم بركات قصة وشعرا لساعة طويلة وفي النهاية أهداني كامل أعمال بركات ومنها رواية جمهورية الريش < دولة ماهاباد الكردية > التي لازالت تذكرني بعالم الأذربيجاني الشيخ محمود الذي أهداه عقيل واحد من قصائده القديمة التي لازالت ورقتها معي بخربشتها الناعمة وخطها الغير منظم وكأن مدونات عقيل تكتب بمسمارية سومرية لكنها رغم عدم وضوح الخط وارتباك الحروف تظهر جملاً مفزعة وقد جاهدت كثيرا لأعود إلى هذه القصيدة التي أحتفظ بها وقصائد بخط عبد العظيم وسط كتاب غاتيان بيكون عن الشعر الفرنسي الحديث وكان قد أهداه ألي فنجان ولازلت طالبا واعرته إلى عقيل وأعاده ألي بعد أسبوع ولا ادري أن كان قراه أم لا ولكنه قال لي عليك أن تنتبه إلى عبارة شعرية في الكتاب هي الجنون بعينيه لبيار جان جوف تقول : < والجوع قاس كالنساء العاريات > وعدا ذلك لم يشر عقيل إلى شيء من روح الكتاب .. في تقديري مجرد انتباه عقيل لهذه العبارة الساحرة يعني أن عقيلاً قرأ الكتاب كله سوى أن أنجز القراءة أم لا وعبر سني اللقاءات الليلية لم أمسك من عقيل سوى تعقيب يأتي صدفة ومرات ينطق اللوح لحظة نشوة الشراب فيقول ما يقنعني أنه حقا من أهدى رئيس جمهورية مهاباد هذه القصيدة والتي عقب عليها بعد حين أنه يقصد في الآخر سليم بركات الذي يعتز بأدبه كثيرا حتى انه أدعى بأن سليما من أهدى له هذه المجاميع القامشلية : القصيدة : < طائر أسد أم قبضة ريح نحاسية أنت أيها الرخ مساحتك الجفن وصحراءك الأغماضة وروحك مزامير الرمل لايأويك ظلام الغابات ولاشمس المفارقة ولاحتى جبل كقرن غيمة أصمد ..فنحن معك نمسك أرغفة الخبز وأطالس القرية الفينيقية اصمد فكل آري معك > مرة كنت في العاصمة وذكرت لعقيل هذا النص فلم يتذكره ولكنه قال أنه ذات لحظة أهدى سليما قصيدة ورجاني عند عودتي للعاصمة أجلبها له . لكني نسيت وعقيل أيضا نسى .. يوم وصل إلينا طائر أخر يتوارى أعدنا حساب الرؤى لما يكتب في صحائف تسعينيات القرن الذاهب بحقائب الدادائية وشكل هذا الكتاب بالنسبة لي مغايرة ليأسي من ندرة الكتابات الحاذقة الجميلة والذكية تلك التي ترتدينا قبل أن نرتديها وكان الشعر المدون في الكتاب يعيد صدى ما يفلت من أفكار في يقظة عقيل وأنا أسميها صحوته مثل تلك التي قالها ذات ليلة باردة قرب الفرن المنطفئ للتو : < حقا كما يعتقد عظيم فنجان أن الشعر المدون بقلم الرصاص هو الشعر الذي تدونه الملائكة لانحن > واعتقد أن جميع قصائد الكتاب كانت مدونة بقلم الرصاص حتى التي لازالت أملكها بخطه البدائي النحيف كنظرته الخاطفة لكأس العرق وهي تخفي ثمالة الشعر والاعتكاف غير أن القصائد التي مزقت دهشة القراءة في هذا الكتاب حملت روحا كبيرة من معطيات الفهم لرؤية الشعر ومنهجيته الحقيقية أنها قصائد وعي وبلاغة بل لنقل أنها قصائد نحتت بيد خبيرة وكنت أقرأها لتعيد ألي الهيبة البيريسية والنثر الشاري وبعضا من فحولة الجنون الأول لأودنيس وفي الكتاب أيضا أداء صوفي محكوم بموسيقى العبارة ورؤاها المهيبة كما وصفه لرجل مهاباد < جبل كقرن غيمة >.. لا أعرف مقدار متعتي وسعادتي وأنا ألتهم القصائد بليلة سومرية شح فيها رز الكمية وشايها واعلن السيد الرئيس < الحبيس > أنه أغلق البارات وصنع صواريخ عابرة القارات . في تلك الأيام هبط علينا الكتاب المستنسخ طائر آخر يتوارى وبعدها جنائن آدم ولا يعرف أن كانت تواريخ كتابة القصائد وصدورها متداخله فثمة غموض في طريقة جمع قصائد في الكتابين وإصدارهما ولم يتحدث عقيل عن حقوق طبع وصلته ولكنه حدثني مرة أن الشاعر محمد بنيس كان يساعده بين حين واخر .. هذه خواطر لرؤى قراءتي لكتابي الشعر الملتصقين بجثة عقيل المتعبة التي أصدرتها المشاهد القاسية في مقالة بائسة ظهرت في إيلاف بخواطر مستعجلة وتهكمية وفيها رثاء حماسي لنهاية شاعر عراقي أعتقد أنه كان يكتب جيدا .. لا أريد أن أتحدث عن تصوراتي لدافع هذا المراسل الأيلافي ولا أريد أن أخشن فيه قساوته ولا أستخدام هذه الصور الظالمة في التشفي من المؤسسة الثقافية في الداخل لحسابات ولدت هناك وجاءت ألينا تحمل مزاجات الفسيفساء وتنوعها فقط أردت أن احمي سومريا من هذا الاعتداء على حريته وإنسانيته ورغبته بان يكون هكذا جراء القدر اللغز الذي ظل يلف عالم هذا الكائن منذ خواطر الكتابة الأولى على صفحات الراصد وحتى آخر القصائد التي نشرها في الصحف العراقية قبل السقوط . أذن هذه جناية بحق آدمية شاعر وكان على صياد الصور المؤثرة أن يداري الأمر بأكثر تحضرا ولا يري العالم أنكفاءة شاعر وضياعه ..وأي كان الأمر فأنا أرى أن نجومية عقيل علي موهبة كان أم أسطورة تحتاج إلى كشف حقيقة ستبقى رغم بؤس الفكرة التي جاءت مع الصور لتعزينا نحن مثقفي العراق أي كنا قبل أن تعزي عقيل علي نفسه .. أور السومرية 24ابريل 2005
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مارواه الطبري عن العشق السومري
-
ماركيز يكتب عن شاكيرا وأنا أكتب عن ماركيز وشاكيرا
-
الأصول الأرضية والسماوية للطائفة المندائية
-
الحرب بين تهديم الذاكرة وبناءها
-
البيت المندائي أشعل قلب الوردة بالحب
-
الاهوار ذاكرة البط والميثولوجيا ..الحرب
-
غاليلو يتأرجح من بندول ويتصل بالهاتف المحمول
-
السابح في العطر
-
ماتخيله ماكس مالوان في مقبرة أور المقدسة..محاكاة لعودة الأنك
...
-
يوم تولد الشمس علينا أن نفطم القمر
-
لتفاصيل السرية للحظة موت أبي
-
تصور بنزرتي لموت روائية وأميرة
-
أناشيد مندائية ..عندك يتوقف رقاص الساعة وينسى العالم أوجاعه
-
المندائية ..(الماء والطهارة والأيحاء )..المدونات أتموذجا
-
رسالة انترنيت الى القديس البابا يوحنا الثاني
-
.. بابا من الورد ..بابا من الآس ..بابا من خبز العباس
-
كيف تولد الأعنية .. الطور الصبي أنموذجاً
-
أغنية البرتقالة ومدينتنا العزيزة دبي
-
مكاشفة الروح الكبيرة للروح الصغيرة..ايها الولد للآمام الغزال
...
-
!تضاريس وجه المونليزا ..( مقاربة حسية مع وجه الوردة )..ا
المزيد.....
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|