|
عندما تقود جدتي سيارة في بغداد
سالم بخشي المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4105 - 2013 / 5 / 27 - 22:29
المحور:
كتابات ساخرة
عندما تقود جدتي سيارة! غمرتني فرحة عارمة و أنا أشاهد ، مشدوهاً ‘ سيارة فارهة تقودها امرأة عراقية ! و لم يكن مبعث هذه الفرحة و الدهشة ، إن امرأة في العراق تقود سيارة ؛ فقد تجاوزنا هذا الأمر منذ زمن بعيد و الحمد لله . يمكن أن تغمر مثل هذه الفرحة ، قلب مواطن سعودي متنور على سبيل المثال ؛ باعتبار أن المرأة هناك محرماً عليها حتى أن تقود حماراً ، و إن المنظمات الإنسانية تصارع هناك من دون جدوى ‘ ومنذ سنوات من أجل منحها هذا الحق الإنساني البديهي و البدائي و البسيط وان آخر حكم صدر بهذا الصدد هو الجلد لامرأة سعودية تجرأت وقادت سيارة في مدينة جدة! لكن مبعث فرحتي ، هي إن امرأة عراقية مسنة ، تعتمر ( عصّابة ) وهو لباس تقليدي للجدات و الأمهات الكبيرات في بعض مناطق بلادي العريضة . و غالباً لا تجيد هذه الجدة الكريمة أو الأم الفاضلة حتى أن (تفك الخط ) ، فكيف بإحداهن و هي تقود سيارة فارهة ! و ليس هذا فقط ، بل تُجلس بجانبها رجلاً و هناك آخر في المقعد الخلفي ، و تتجاذب معهم أطراف الحديث بصورة واثقة و كأنها تقود ( مشحوفاً ) في الأهوار الفسيحة الساكنة و ليس سيارة دفع رباعي في أكثر شوارع بغداد إكتضاضاً و جلبة . صحيح إن الظروف القاهرة في بلدي دفع بإحدى مواطناتنا العظيمات بأن تتخذ من السياقة مهنة لها و أن تقود سيارة أجرة ؛ لاعالة أطفالها السبعة بعد أن قضى زوجها ( صاحب السيارة الأصلي ) بانفجار إرهابي ، و أن تمارس امرأة عراقية أخرى بمنتهى الشجاعة و الكبرياء ، مهنة تصليح السيارات مع شقيقها في محل زوجها المرحوم لنفس السبب بعد أن عزّ عليها استجداء المنح والصدقات من المحسنين ! لكن أن يصل بنا الأمر من رقي لدرجة أن تقود جدّاتنا الريفيات ، السيارات كما هوالحال في العالم المتحضر . هذا ما لم يكن في الحسبان أو يدور في خلد أحدنا . هل أكرمنا الله لهذه الدرجة ، بعد أن منّ علينا و منحنا نعمة الديمقراطية الكاملة عقب عقود طويلة و مظلمة من التسلط والدكتاتورية المطلقة ! و هل وعى رجلنا حقوق نسائه و خاف الله فيهنّ و منحهنّ من الامتيازات ما جعل أقلهن تعليماً بهذه الدرجة من الرقي ؟! هل أنصفنا التاريخ حقاً و منحنا الفرصة من جديد لبناء حضارة إنسانية جديدة نضيفها إلى حزمة الحضارات الإنسانية المشرقة التي انبثقت من بلدنا سابقاً ، و أن نكف من قولنا ( كنا بهذا المستوى من الحضارة و الرقي ) و نقول نحن الآن بهذه الدرجة من الحضارة و الإزدهار ، و أن العراقي إذا ما منح فرصة حقيقية ، فإنه يصنع المعجزات ! لكن سرعان ما تلاشت أحلامي و ذهبت أدراج الرياح ، عندما توقفت السيارة المعنية عند الإشارة الحمراء و صارت بمستوى السيارة التي أركبها ؛ فوجدت الحاجة ( أم عصّابة ) أطال الله في عمرها ، لا تقود السيارة بالفعل ، و إنما تجلس في المقعد الأمامي و في الجانب الإيسر بالتحديد ؛ لأن السيارة التي تركبها ذات مقود في الجانب الأيمن بخلاف المعتاد في شوارعنا و هناك يجلس الرجل حيث يقود ! فأخذت أضحك من نفسي بصمت لئلا ينتبه الجالسين معي في سيارة الأجرة و يتصوروا بأنني مجنون ، و قلت في سري : لقد تصورت لوهلة فقط ، بأننا تطورنا حضارياً و اجتماعياً بسرعة صاروخية خارقة كتلك التي تطورت بها أنظمتنا السياسية ... لكن ، يبدو أن هناك كثيراً من الوقت لنبلغ ذلك . ربما نفس الفترة الزمنية الطويلة التي سيحتاجها سياسيونا لكي يتكيفوا ، فيمارسوا الديمقراطية الحقيقية و الكاملة التي مُنحِو إياها بهدية من السماء و بسرعة لم يكونوا يحلمون يوماً بالحصول على جزء يسير منها ! بمعنى أن يمارسوا السياسة بمنتهى العدل و الشفافية و الوطنية ، بعيداً عن التخندق و التحزب و الطائفية ، و أن يجلس كل منهم في الجانب المناسب و الصحيح لقيادة الأمور بكفائة و إنصاف و أن لا ينحرف عن مقود الوطنية و الأخلاق ، يميناً أو يساراً ، أو يوكل جميع أموره لغيره من الأطراف و يكون أطرش بالزفة كما تفعل الحاجة ( أم عصّابة ) أكرمها الله و أطال في عمرها !
#سالم_بخشي_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلان الحرب على السينما و المسرح
-
حوار مع رئيس الجمعية العراقية للدفاع عن الصحفيين العراقيين ا
...
-
من يكذب على من ؟!
-
آخر الصناعات الصينية... مقالات عربية!
-
لا تهملوا نملتكم النشيطة !
المزيد.....
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
-
الجزائر: ترشيح فيلم -196 متر/الجزائر- للمخرج شكيب طالب بن دي
...
-
وفاة النجم الأمريكي الشهير تيتو جاكسون
-
مصر.. استعدادات لعرض فيلم -إيلات- الوثائقي في ذكرى نصر أكتوب
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|