|
تساؤلات حول مستقبل الاسلام
عبد عطشان هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 4105 - 2013 / 5 / 27 - 14:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في البدء ،لايدعي هذا المقال بأنه قادر على تقديم اجابات جاهزة ومطبوخة مسبقا لتقرير او نفي واقع الاسلام المستقبلي بصورة دوغماتية كما يفعل الاسلاميون عادة ، ولكنه يسعى لالقاء المزيد من الضوء على هذه المسألة واكتشاف الجزء المغمور منها سعيا منا لفهم اعمق واشمل للجوانب الشائكة لهذه المسألة . عندما يرى الاخر صورة الاسلام الان فهو يشهد صورة محيرة وغامضة وملبدة بالتناقضات لان هناك اكثر من طرف يحاول رسم ملامح هذه الصورة وتسويقها للعالم على انها الصورة الحقيقية والوحيدة للاسلام كدين وشريعة ، الطرف الاول : تيار الاسلام السياسي بتدرجاته الرمادية المختلفة ( بدأ من الوهابية السلفية الى الاخوان المسلمين ) وهو الطرف الغالب و الاعلى صوتا في العالم الاسلامي وهو يرسم هذه الصورة بريشة تمتزج فيها الوان التعصب الديني و العنف الدموي والكراهية واقصاء الاخر وادعاء الصواب المطلق كما تفعل الجماعات الاسلامية المختلفة اما الطرف الاخر فهو الطرف الصامت الذي يقبع في الصف الثاني يحاول ان يرسم بريشة الاعتدال صورة مختلفة في التفاصيل رغم انها تحمل نفس المظمون لكنه في المقابل لايفعل شيئا ملموسا للجم تلك الجماعات بل انه احيانا يورد شتى الحجج والاعذار ليبرهن ان الضحايا هم المسؤولين عن هذه الهجمات ، كتبرير قتل الجندي البريطاني الطبال ( Lee Rigby) مؤخرا في لندن بالوجود البريطاني في افغانستان. هناك وجهات نظر متباعدة حد التناقض حول مستقبل الاسلام ودوره المرتقب في المنطقة والعالم ، فوجهة النظر المتشائمة تقول بان الاسلام كدين سينقرض ، وانا غير مقتنع بهذه الفكرة لانها نظرية بحتة وغير واقعية ، فالاديان لاتنقرض ، قد تنكمش وتتوارى عن مسرح الاحداث بصورة او باخرى لكنها تمرر افكارها الى الاديان الجديدة التي تظهر بعدها كما برهن على ذلك التاريخ وهي ترث بعضها البعض على صعيد الافكاروالطقوس حتى انه من المستحيل ان تجد الان دينا خالصا من بصمات الاديان الاخرى منذ نشوء الاديان البدائية وحد الان ، فاثر الديانات البابلية والمصرية والزرادشتية واساطيرها واضح على الديانات التي تلتها بما فيها الديانات الابراهيمية ويوجد الان حوالي 4200 دين او معتقد ديني في العالم (1) لاديان مختلفة نشأت في حقب زمنية مختلفة سواء قبل المسيح اوبعده و ما زال لها مريدين واتباع في الوقت الراهن وليس ذلك فحسب بل ان الاديان الجديدة ترث تلقائيا الامكنة المقدسة ذاتها للديانات السالفة فالمعبد الوثني قد يصبح معبدا يهوديا او كنيسة او ربما مسجدا وفقا لهوية الفاتحين الجدد ، وحين احتل المسلمون اراضي مسيحية حولوا الكنائس الى مساجد وهي ذاتها التي كانت معبدا وثنيا قبل عشرات السنين ، فكاتدرائية - جامع قرطبة في الأصل معبد وثني، ثم تحولت إلى كنيسة مسيحية في زمن القوط الغربيين، ثم إلى مسجد خلال الحكم الأموي في الاندلس و بعد حروب الاسترداد حول الإسبان المسجد إلى كنيسة تتبع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وكذلك مسجد ايا صوفيا في تركيا كان كتدرائية سان صوفيا التي بناها الامبراطور جستنيان و كان المسجد الاموي في دمشق في العام 1200 سنة قبل الميلاد معبدا للإله "حدد الأراني"، إله الخصب والرعد والمطر ثم توالت عليه التغيرات عند كل احتلال جديد . ولكن كيف يفسرالطرف المتشائم نظريته ، القائلة بانكماش دور الاسلام مستقبلا وتضائل تأثيره عالميا؟ يرى هذا الفريق بأن صورة الاسلام (التي تتمخض عن سجال التيارات المتصارعة التى تحاول كما اسلفت رسم ملامح تلك الصورة وتقديمها للعالم) هي العامل المرجح لمقبولية الاسلام وتأثيره على الاخر وليس المعوقات والكوابح الخارجية التي تصد انتشاره افقيا او عموديا فلم تستطع شتى انواع العنف والقسوة والاضطهاد التي مورست ضد الاديان على مر التاريخ ان تؤثر على انتشار الاديان الابصورة جزئية ومؤقتة ، سرعان ماتفضي الى عكس ماتتمناه وهو ازدهار تلك الاديان وانتشارها، ومادام التيار الاصولي باطيافه المختلفة هو الطرف الفاعل الان في رسم صورة الاسلام الدموي العنيف الذي يكفر الاخر ويحتكر الحقيقة لنفسه وتقديمها للعالم عبر الية الارهاب فان مستقبل الاسلام كدين موضع تساؤل جدي ، فهذه الصورة القاتمة للاسلام قد افضت الى نشوء ظاهرة الخوف من الاسلام Islamophobia بين الغربيين مثلما ادت فعليا الى تراجع الاسلام ليس في دول العالم فحسب بل في داخل الدول الاسلامية نفسها فاعداد العلمانيين والملحدين واللادينين الان في دول الربيع الاسلامي وايران والعراق هي اكثر بكثير قبل دخول هذه البلدان في طور الاسلام السياسي وهي في تزايد مضطرد بفعل اخفاق تجربة الاسلام السياسي في تلك الدول ونكوصها عن تلبية حاجات وتطلعات الناس في حياة حرة كريمة ، دعنا نعود للتاريخ قليلا ونتذكر بأن حفنة من التجار العرب اليمنين ساهمت في اقبال ملايين الناس على الاسلام في اسيا والصين لانهم قدموا صورة زاهية عن الاسلام من خلال سلوكهم الانساني الصادق والبسيط في حين لم يستطع الاحتلال العربي لاسبانيا ان يكسب احدا من الاسبان للاسلام بحد السيف رغم انه دام 800 عام . تتواتر اسئلة الجانب المتشائم لتبلغ التساؤل الهام بهذا الصدد وهو ماذا يستطيع المسلمون الذين يتبنون نظرية (الاسلام هو الحل) ان يقدموا للانسان والعالم في الوقت الحاضر من رؤية وحلول شاملة وذكية للمشكلات الراهنة ، وهم لم يستطيعوا ان يقدموا شيئا ملموسا وحلولا ناجعة لانفسهم ولم يستطيعوا تذليل معظلات مجتمعاتهم المتفاقمة في الدول التي يحكمونها ، ورب سائل يسئل ماذا يستطيع المسلمين ان يقدموا الى دول الغرب المتقدمة علميا وتقنيا و التي قطعت شوطا متقدما في العدالة الاجتماعة والديمقراطية الحقيقة والتسامح الديني وحقوق المرأة واحترام الانسان غير ثقافة البرقع والحجاب وتعدد الزوجات ورضاعة الكبير ام انهم يريدون استبدال الديمقراطية الاوربية هناك بالخلافة او الامامة كما يصرحون بذلك علنا ؟ ثم ان التجمعات السكانية المسلمة في العالم الغربي بوجه خاص لم تفلح في مد جسور التواصل بينها وبين المجتمعات المضيفة فهي تميل الى تكوين احياء خاصة على هيئة معتزلات Ghetto كما كان يفعل اليهود قبل عشرات السنين لحماية افرادها من الاندماج والذوبان في المجتمعات الغربية (وهذا مايشكو منه القادة الاوربيون على الدوام )، بل ويحاول بعضها السعي لتطبيق الشريعة على الطريقة الطالبانية في تلك الكوميونات الاسلامية كما في لندن وامستردام فاذا كنت كمسلم لاتستطيع الاندماج في مجتمع ما فكيف تفترض انك قادر على التأثير فيه ؟ اما الطرف المتفائل فيقول ان الاسلام سيزدهر على الصعيد العالمي ويصبح دين الاكثرية ويستند بذلك الى الاحصائيات التي يعلنها عن تزايد اعداد المسلمين في المجتمعات الغربية. لااريد مناقشة الارقام والاحصائيات التي يقدمها هذا الطرف او ذاك لانها ظرفية وغير حيادية وهي تعكس امنيات كل طرف ، فلو قلنا ان اعداد المسلمين تنمو في بريطانيا فيما تنخفض اعداد المسيحين في ظل التسامح الديني هناك على سبيل المثال ، وتناسينا المتغيرات التي تحيط هذا النمو وتمنحه المعنى الحقيقي مثل تدفق اللاجئين المسلمين على بريطانيا وتراجع التدين التقليدي القائم على الكنيسة وزيادة اعداد اللادينين والملحدين والتيارات الاخرى كالمثليين في بريطانيا وخصوبة المسلمين في الانجاب لقدمنا صورة غير دقيقة عن النمو الافتراضي للاسلام هناك ومن المفارقات التي اريد ان اوردها هنا ، ان كثيرا من القادمين الجدد الى الاسلام في الغرب ينتمون للشرائح المتطرفة التي تسهم عبر افعالها الوحشية في تكريس الصورة المخيفة للاسلام و ابعاد الالاف من الناس عنه لانهم ببساطة تم تجنيدهم من قبل دعاة مدارس ومساجد التيارات الاصولية المنتشرة في اوربا لاغراض ارهابية(2) ولذلك قبل ان نتحدث عن تنامي اعداد المسلمين هناك ينبغي اولا ان نحدد اي صورة من الاسلام ستنتشرومن الطرف الذي يرسم هذه الصورة وبدون ذلك يغدو هذا النمو نموا هامشيا يزيد مشاعر العداء والكراهية تجاه الاسلام والمسلمين ويعمق عزلتهم عن المجتمعات المضيفة. و هناك اعتراض منهجي من المدرسة المتشائمة على الية احصاء المسلمين ذاتها في الوقت الحاضر ، حيث تؤكد ان الاحصائيات الحالية للمسلمين غير دقيقة وليست مبنية على اسس علمية فهي تفترض ان المسلم هو من كان والديه مسلمين دون النظر الى موقفه الديني الحالي والتحولات التي طرأت عليه فما دامت بوابة الاسلام ذات اتجاه واحد تسمح بالدخول ولاتسمح بالخروج اطلاقا تحت طائلة الردة وعقوبتها الموت، فالاحصائيات المتداولة لاتعكس الواقع الفعلي لمعتنقي الدين الاسلامي لعدم تماثل بيئة التسامح الديني بين الغرب والعالم الاسلامي فلوكانت الدول الاسلامية دول متسامحة دينيا كما هو الحال في الغرب ، فمانسبة الذين سينتقلون من الاسلام للمسيحية او الاديان الاخرى او الذين سيعلنون الحادهم او اعتزالهم الدين ؟ هذه المقاربة وما تفرع عنها من تساؤلات تستلزم مراجعة جدية ومتأملة لصورة الاسلام الحالية باتجاه تخليصها من التطرف والتعصب السلفي ومعاداة الحداثة والديمقراطية باتجاه الانفتاح على الاخر ونبذ تسيس الدين وتحويله الى اداة للوصول الى السلطة والتمكن منها ( وعلى اصحاب الشأن والمعالي والمعنيين بالدين الاسلامي العمل على ابعاد مفاهيم التراث الاسلامي من حياة المسلمين ابعادا قطعيا لا يقبل الجدل, واعتبار ان هذا التراث ارث تاريخي نشأ لاسباب تاريخية موضوعية لا علاقة لها بالحياة العصرية لهذا اليوم, ومن ثم اعادة تفسير القرآن تفسير رمزي مناسب لروح العصر والمواطنة, وتبني مفهوم فصل الاسلام عن الشؤون السياسية والقوانين المدنية فصلا تاما, اي بمعنى اخر تبني العلمانية كما تبنتها الديانات الاخرى واصبحت من اركان الايمان بجميع الاديان الاخرى تقريبا. وهنا نركز على التفسير الرمزي لآيات القرآن الجهادية, بحيث يكون الجهاد بعمل الخير ومساعدة المحتاج ومحبة الاخر فقط لاغير. أي أن يصبح الاسلام دين يهتم بالعبادات ويهتم بالمسائل الروحية للمسلمين فقط لا غير)(3). هوامش : 1. . http://en.wikipedia.org/wiki/Religion 2. هوزيه باديليا امريكي ، موريال ديغوك بلجيكية، ريتشارد ريد بريطاني قاموا جميعا باعمال ارهابية بعد اعتناقهم الاسلام، كذلك فان المتهمان بقتل الجندي البريطاني لي رجبي ولدا في عائلتين مسيحيتين، و قبل عدة سنوات ارتدا عن المسيحية واعتنقا الاسلام واصبحا من انصار النزعة المتطرفة. 3. طلال عبد الله الخوري- ما هو الحل 2 ( معضلة الدين الاسلامي) – الحوار المتمدن – العدد 3251
#عبد_عطشان_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين و صناعة عقلية القطيع
-
عنف الاديان : نصوص ام واقع؟
-
الخروج من الطائفة : المستحيل والممكن
-
عندما يتوقف التاريخ : حروب الطوائف العربية
-
من الدولة الفاشلة الى المجتمع الفاشل !
-
كيف يمكن انشاء قطيع من القطط؟
-
كهنة الفتاوى الجدد
-
الاسلام واصول الحكم بعد 88 عاما على صدوره
-
تساؤلات حول مستقبل العلمانية في المنطقة العربية
-
الديمقراطية عندما ترتدي الجلباب
-
خرافة التسامح الديني
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|