|
هُوية مصر ليست إسلامية فقط
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن-العدد: 4105 - 2013 / 5 / 27 - 11:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الهوية هي الملامح الأساسية لكل كائن حي وهي الثابت المطلق الذي يشير إلى كيانه المحدد ، فكل شخص له هوية يعرف بها ويتميزعن غيره على أساسها ، وكذلك الدول بل والمؤسسات الكبري ، فهوية أية أمة المنبثقة من سماتها الخاصةهي التي تحدد شخصيتها وتمنع من وقوع أي لبس أو خلط بشأن وجودها المتفرد. وفي إطارهذه الهوية تعمل القطاعات المختلفة في تناسق وتوافق بحيث يتشكل بناء متماسك ينضوي تحته الجميع ويستطيعون العمل في خدمة فكر الحاضر والمستقبل دون تنازع ، مثل نهر له منبع ومصب ومجري وضفاف وغاية يمضي نحوها مهما كانت العقبات. يعتمد رسوخ مفهوم الهوية على ثوابت معنوية وأخري مادية، منها : الثوابت المعنوية :الولاء للوطن . اللغة .التاريخ. الحرية .العقيدة.منظومة العدل . الأصالة . .الضمير.الكرامة .العلم والمعرفة. الفنون والآداب.الحفاظ على التراث .حقوق الإنسان.تقدير النابغين وأصحاب المواهب في كل المجالات. الثوابت المادية : الحفاظ على الموارد الطبيعية( الأنهار والبحيرات ) . الآثار . الممتلكات العامة والخاصة . مصر : تنتسب مصر إلى ست مناطق تاريخية وجغرافية وثقافية هي : الفرعونية والقبطية والإسلامية والعربية والإفريقية والمتوسطية ، وهي بهذا الانتساب الواسع والمتعدد تكاد تكون دولة نادرة المثال ، ولا يتعين أن يكون ذلك مصدرا للصراع بل يمكن أن يكون دافعا للتوحد والاندماج ، فالتنوع لا يحول دون الوحدة ، والاختلاف الحضاري يفضي بالوعي والثقافة والعلم إلى الثراء الوجداني والإنساني . وإذا كانت الأمة المصرية طوال التاريخ قد تعرضت لعمليات غزو ومحاولات محمومة لتبديل ملامحها النفسية والمزاجية والدينية إلا كل تلك الهجمات لم تفلح في تغيير ملامحها وسماتها الأصيلة، فلا أصبحت شيعية مع الحضور المتغلغل للفاطميين ولا صارت عثمانية إبان تعاظم الإمبراطورية العثمانية وكانت مصر ولاية من ولاياتها ، ولا استطاع الإنجليز رغم احتلالها لمدة أربعة وسبعين عاما تغيير ثقافة الشعب وخاصة معتقداته الإسلامية والمسيحية السمحة، ولا استطاعوا محو تراثه الفني ولا قضوا على خفة ظله وميله للدعابة ولا استقر حكمهم وتمكن بفضل العديد من الثورات وعمليات مستمرة من المقاومة بالسلاح والكلمة والمقاطعة . وظلت مصر بللورة تجمعت فيها عصارة الحضارات الأصيلة التي عاشتها منذ عصر الأسرات في مصر القديمة حيث قدمت للعالم إسهامات بالغة الأهمية في الفلسفة والطب والفلك والآداب والفنون خاصة النحت والعمارة ، وبعد ثلاثة آلاف عام من الحضارة والإبداع تراجعت شمس الفراعنة لتظهر في الأفق غيوم الاحتلال الروماني الاستبدادي . من أهم ملامح تلك الفترة استقبال مصر للعائلة المقدسة الهاربة من طغيان الرومان حيث رعت السيدة العذراء ووليدها ، وأصبحت فيما بعد من أولي الدول التي انتشرت فيها المسيحية وتشهد الآثار والكنائس والأديرة وشتي المعالم المسيحية على هذه الفترة المزدهرة بالثقافة والفنون حتى دخل الإسلام مصر فأقبل عليه المصريون الذين عانوا من بقايا الحكم الروماني القمعي والأحمق ، وما لبث الدين الجديد أن غيّر وجه الحياة على أرض الكنانة وانضوي الجميع تحت رايته لتعيش مصر عدة قرون في استقرار ورغد إلى ما بعد حكم أحمد بن طولون لتتوالي فترات تعسة من الحكم والتحكم ، لكن هوية المصريين ظلت كما هي وكما جُبلوا مذ خلقوا على ضفاف النيل . محبون للاستقرار والزراعة والتكاتف والتجمع لا يكاد يزعجهم التكدس حول الوادي . ميالون بالفطرة للتدين الوسطى البسيط الذي يرتوي من أعذب الدعوات التي تبشر ولا تنفر ، والدين يسر لا عسر والدعوة إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ،والدين المعاملة واحترام الجار والحفاظ عليه كالأخ وأكثر، واللي يعوزه بيتك يحرم ع الجامع ، والمسيحية أقرب الأديان إلى قلوبنا لأن من رجالها قسيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون . صيغة إسلامية شكلت نسيجا متناغما استطاع أن يتآزر ويلتحم خاصة في عهود القهر ، والمسلمون يحتفلون بالأعياد المسيحية ويحتفل المسيحيون بالإعياد الإسلامية ، ولا يستطيع أحد كراهية الأهرامات وكنيسة العذراء وماري جرجس وكل الكنائس ولم تغير مصر اسم حارة اليهود وكان من أبرز رجالات مصر في كل العهود ساسة مسيحيون ورجال أعمال يهود مثل قطاوي وكان هناك فنانون يهود نالوا محبة المسلمين والمسيحيين مثل نجمة إبراهيم وليلى ومنير مراد وإلياس مؤدب وراقية إبراهيم واستيفان روستى ومن بين المصريين رجال فكر علمانيون و ملاحدة .. الحرية هي المطلب الأول والمشاعر تجمع الكل ومعها العادات والتقاليد والتكافل في إطار الوطنالذين ينتمون إليه كما ينتمون إلى أديانهم المختلفة ، فالدين لله والوطن للجميع . وظلت سائدة تلك السمات المصرية التي تتجلي في السماحة والصبر والفكاهة كشكل من أشكال المقاومة . كما كان المصريون دائما محبين للفنون خاصة الحكي والتمثيل والسخرية والأمثال الشعبية والغرام بسير الأبطال ، قادرون في كل وقت علي احتواء الغريب بحيث يأنس إليهم حتى لو جاء معتديا، هوية المصريين فيما يبدو صنعوها لأنفسهم وهي تناسبهم ولا يمكن تصورهم بدونها وهكذا يراهم الآخرون ، ولا يمنع هذا من الإقرار بأن ثمة مثالب في الشخصية المصرية ليست في الغالب أصيلة بقدر ما هي نتاج وتأثر طبيعي تحت وطأة المحتلين وما أقساهم وأغباهم . ومع ذلك فلم تتمكن قوة من محو الشخصية المصرية أو تحويلها مهما طال حكمها ، وقد كان بإمكان الإنجليز أن يفعلوا شيئا من ذلك كما حدث في الشمال الإفريقي على يد الفرنسيين والإيطاليين ، لكنهم برغم السلاح والبطش والسيطرة الكاملة على كل شئون البلاد لم يستطيعوا خلخلة الهوية المصرية التي ظلت كما هي أيضا بعد ثورة يوليو 52 ، وحتى ثورة يناير 2011. وإن تأثرت الهوية مؤقتا منذ تدشين أسوأ مشروعات القرن العشرين وهو الانفتاح الاستهلاكي الذي انفجر عام 1974مثل بركان أطلق النزوات نحو عالم المال بصورة محمومة وصادمة جرت البلاد إلى مواقف تعسة ترسخت بفضل سياسات الرئيس المخلوع والذي لم يتمتع بأية ميزة . أما اليوم فتتعرض هوية مصر للتهديد ،حيث تضغط على المصريين كثير من المشكلات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، ويرتطم الملايين كل يوم بمتغيرات أثرت على قيمهم الراسخة مثل التسامح والمحبة والتكافل والفكاهة ومبادرات الخير والرضا والوئام وطفت على السطح قيم العنف والصدام والاندفاع والتربص وسهولة اقتراف الجريمة ، والأسوأ هو محاولة فصيل يتاجر بالدين ويصر على اختطاف الأمة والاستحواذ عليها بالكامل مثل وحش بري من ساكنى الغابات وقد انقض على غزالة ويرفض أن يقاسمه فيها أحد والذي يتعين أن تهب كافة شرائح وطوائف المجتمع على قلب رجل واحد لمقاومة هذا التوجه الرهيب المناقض تماما لروح المصريين ، ولذلك نطمع في أن يتضامن الجميع حاكما ومحكوما ، نخبة وجماهير للعمل على الحفاظ على بلورة الهوية المصرية بمكوناتها الأصلية والأصيلة حتى يعود لمصر - أم الدنيا - وجهها المشرق وروحها النابضة بالفرح والابتسام كما اعتاد العالم أن يراها.
#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعود سيناء أو يذهب مرسي
-
مرسي المالك الوحيد لقناة السويس
-
محاكمة النظام أو المواجهة
-
التحرك الحاسم ولو بالقوة العسكرية
-
جرح مفتوح
-
ابحثوا معنا عن .. الرئيس
-
لماذا قبلت ؟
-
من جرائم الجماعة في حق الشعب
-
أخيرا .. يا حبيبتي
-
بغيرالعقل والشجاعة .. لن تصبح رئيسا
-
ماذا ينتظرون ؟! !
-
الحرب الأهلية تدق الأبواب
-
الهُوية المصرية بين الإخوان والإنجليز
-
من يحكم مصر الآن ؟
-
رسالة إلى صديق إخواني
-
يا ناس .. وَجَبَت مُحاكمته
-
عقلية مرسي
-
جماهير لا تعرف معني الوطن
-
أري ما لا يراه الناس..!
-
العرق النبيل
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|