أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - رأسا الحداثةِ المنفصمان














المزيد.....


رأسا الحداثةِ المنفصمان


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 08:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين ظهرت الحداثةُ في إنجلترا وفرنسا وهولندا كانت حداثةً واحدة قوية، بسبب إن الرأسمال الصناعي كان متجذراً ذا تاريخ سابق مهّد للتطورات السياسية والفكرية، ومن هنا بدأت الحداثة في العالم والتطور الصناعي على موجات متدرجة حسب مستويات تطور البلدان المختلفة.
ولهذا حين جاءت الحداثة في تركيا أخذت وقتاً طويلاً لتنمو على مسرح المجتمع المعقد المحافظ، الذي كان مسيطراً على امبراطورية الرجل المريض الزراعي، وعبر دكتاتورية ومغامرة وشجاعة كمال أتاتورك أمكن لهذا المجتمع أن يتحرر من بقايا العصور الوسطى المُلصقة بجسده، ويضعُ مظلةً سياسية فكرية يسير تحتها بين الضواري الرأسمالية العالمية ولكن القواعد الاقتصادية العلمية الاجتماعية إحتاجت لعقود طويلة، لأن الفوائض الاقتصادية المتجهة للصناعة تخرج من بين أصابع العمال الممزقة وصدور النساء الفاقدة للحليب، وتتوجه للنفقات العسكرية الهائلة والبذخ الحكومي وإعادة الانتاج البطيء.
تشكل رأسٌ واحد للحداثة والصناعة في العاصمة الأولى الدينية إسطنبول التي كانت بركات السلاطين تمنع تفجرها، مثلما غدت أنقرة بعدها مقراً صارماً للعلمانية والحداثة، وغدا هذا الرأس عبر عقود يراكم التحولات الاقتصادية والسياسية ويقاوم عودات الدراويش وفِرق الصوفية حتى تقطعت أشباحُهم وصاروا ذكريات أدبية من الماضي.
لكنهما كانا رأسين للحداثة، فالشرق لا يمتلك فوائض كافية للقيام بثورة صناعية علمية اجتماعية تعيدُ تغيير شبكة القرى والأميين والعاطلين ونساء البيوت، والريف هائل وهو مستودع النقود الصغيرة والقوى العاملة ذات الأجور الرخيصة، فهو يمتلكُ برجوازيةً ريفيةً خاصة به، تعرف معرفة جيدة جداً قطعَ النقد المتناهية الصغر، وهي تغدو لها رأسٌ يكبر على مدى تاريخ التحول الصناعي وكيفية نموه، فإذا كان خراباً للريف أطلق هذا كائناته الكثيفة من بشر بلا عمل في أزقة المدن، تنشر خرافات ومهناً دنيا وعنفاً، وإذا كان تطوراً متصاعداً لهذا الريف فهو يصنعُ برجوازيةً تزداد فهماً للحداثة والتقدم، بل يمكن حتى أن تصير علمانيةً توحيدية بعد أن تذوق حلاوة الأرباح الجزيلة.
ضخامة البرجوازية الريفية المتمددة عبر عشرات المدن الصغيرة وغابات القرى والهضاب أعطتْ سكاناً وناخبين أكثر من بضع مدن رئيسية وأحياء رأسمالية مهيمنة فيها نخب، كذلك فإن الإرث الاجتماعي الديني هو صورةٌ معبرة عن مدى تطور أشكال الرساميل، فالشكل التجاري يعطي صورة دينية مبسطة فيها حرية، والشكلُ الحِرفي يعطي ذات الصورة الغيبية مع بعض السببيات العقلية كما هو شأن المعتزلة في العصر العباسي، أما الشكلُ الصناعي وحين تخترق الصناعةُ شرايين المجتمع وتظهر طبقات عاملة صناعية كاسحة، فإن الصورة العلمانية التحديثية ذات القراءات الموضوعية للوجود هي التي تبرز في الوعي السياسي والتي لم يتشرف العالم العربي حتى الآن بقدومها.
ولهذا فإن الرأس التحديثي الديني التركي المنفصم هو بسبب التطور الإجباري الذي أحدثه أتاتورك، ثم عادت الأمورُ لمستواها العادي الطبيعي، وانقسمتْ البرجوازيةُ بين علمانية ودينية حسب مستوى التطور الاجتماعي في مناطق البلد الرئيسية، غير أنهما تآلفتا، بسبب الحفاظ على المنظومة الاقتصادية المشتركة الناجحة، وبالتالي يمكنهما تبادل مواقع السلطة ومواقع القرارات الاقتصادية لصالح هذا الجزء أو ذاك حسب صناديق الانتخاب، كما أن مستوى التطور الذي فرقهما سوف يوحدهما ذات يوم حين تتقاربا وتنمو مصالحهما المشتركة.
هذان الرأسان التركيان يظهران في البلدان العربية والإسلامية الأخرى بذات الإشكالية، وحسب التطور الاقتصادي الصناعي العلمي، ولهذا هما كثيرا الشجار والشقاق وفقط في البلدان التي ظهرت فيها البرجوازية فوق سطح المياه الراكدة للاقتصاد التقليدي، كمصر وتونس يمكن سماع أصواتهما ورؤية شجاراتهما الكثيفة.
في البلدان العربية والإسلامية عامة فإن الرأسين متداخلان أو ذائبان في بعضهما، أو أن رأساً يحطم آخر ولا يسمح له حتى بالظهور، ويعود ذلك لجذور كل من الرأسين، فهل جاء من البادية والريف أو طلع من المدن التجارية، ومدى علاقاته بمفردات الرساميل وكيفية تجسيدها بين السكان ومدى ظهور المصالح المشتركة بين المدينة والريف، أي بين الرأسين المنقسمين، ومدى تطور العلاقات الاقتصادية الحرة والوعي السياسي المصاحب لها داخل الرأسين!



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورةُ السوريةُ وحربٌ إقليمية
- لماذا يكرهون قرناءهم؟
- اختلافاتُ تطورات الشعوب
- ثقافةُ الإعاقةِ
- رفسنجاني الليبرالي الذي لا يختفي
- الأمريكيونَ والنفطُ والمذهبيون
- تجربةُ اليسارِ الفرنسي في الحكم
- الأدب الحديث والقومية
- الأدبُ الفارسي القديمُ والقوميةُ(2-2)
- الأدبُ الفارسي القديم والقومية(1-2)
- انهيارُ العقلانيةِ في الثقافةِ البحرينية
- الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ (2-2)
- الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ
- معرضُ(إليكَ أيها العاملُ)
- البرجوازي الصغيرُ القائدُ الشرقي
- تكويناتُ الطبقةِ العاملةِ البحرينية
- مجنونانِ مسلحانِ في الشارع!
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد(6)
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (5)
- إفلاسُ الليبراليةِ: هجومٌ عالمي


المزيد.....




- إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي ...
- إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي ...
- ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
- سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
- جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
- ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟ ...
- كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
- الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة ...
- ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل- ...
- الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - رأسا الحداثةِ المنفصمان