نايت الصغير عبد الرزاق
الحوار المتمدن-العدد: 4103 - 2013 / 5 / 25 - 16:14
المحور:
كتابات ساخرة
أنا متأكد الآن أن أجدادنا من الكراسي الأوائل لم يكونوا ليتصوروا أن فصيلتنا ستصل الى كل هذا الاهتمام و الأهمية بين بني آدم , عشق يكاد يصل الى درجة الهوس و العبادة , لا يتوانون عن ارتكاب أبشع الجرائم من قتل و سرقة و كذب و احتيال للوصول الينا
و الجلوس علينا و التشبث بنا أطول مدة ممكنة الى أن يرث الله البلاد التي يحكمونها و من عليها, يحبوننا أكثر من آبائهم و ابنائهم , تحضرني الآن تلك القصة التي حكاها لي "كرسي" صديق , عن ذلك الرجل الذي انقلب على والده و أدخله السجن فقط ليجلس على أحد "زملائنا" هناك , و الغريب أن هذا الرجل قد أصبح اليوم يتحكم في العديد من بني جلدتنا ...عفوا من "بني خشبنا" , يوزعنا كما يشاء ...
أصدقكم القول أننا نحن فصيلة الكراسي و في الكثير من الأحيان, نشعر بالحياء و تأنيب الضمير من أفعال البشر , رغم أننا نعرف أنه لا ناقة لنا و لا " بول بعير" في كل ما حدث و ما يحدث و سيحدث بسببنا , فمجرد التفكير أن كل تلك الجرائم التي يرتكبها "الجالسون" علينا عبارة عن جرائم "عاطفية" بسبب العشق و الحب و الغيرة التي تصيبهم لأجلنا , يجعلنا نستحي من الانتماء لفصيلة الكراسي و نندم على اليوم الذي خُلقنا فيه ...
لست متعمقا كثيرا و لا عالما بأمور التاريخ و لا أستطيع أن أُجزم بالتحديد عن الفترة الزمنية التي ظهر فيها جدنا "الكرسي الأول" على وجه الأرض , و لكن و حسب بعض الروايات "الكرسية" المتداولة , يُقال , و العهدة على القائل أن ظهور أول كرسي في التاريخ كان بعد زمن قليل فقط من ظهور آدم و حواء , و هناك من يقول أنها بضعة أجيال فقط بعد خلق البشر , فبالعودة الى كتاب الكراسي المقدس الذي لا يختلف كثيرا عن كتب البشر , نجده يقول ( في البدأ كان البشر و ظهر ابليس , ثم جاءت الكراسي ) و هذا ما يفسرأننا ظهرنا مباشرة بعد بداية تعامل ابليس مع بني البشر … كما أن هناك رواية أخرى تقول أننا (خُلقنا من "عقل" أعوج ) ...
رغم أن علاقتنا مع بني آدم قد ساءت كثيرا منذ أن بدؤوا بالتعامل مع ابليس للجلوس علينا , الا أننا لا ننكر أبدا أن ابن آدم كان السبب الرئيسي في وجودنا و أنه هو من اخترعنا و لازلتا نحترمه رغم كل ما فعله , و لسنا نعرف بالتحديد متى و من اخترعنا , رغم أن هناك العديد من الأساطير و الروايات التي يتداولها مؤرخوا الكراسي عبر التاريخ و لكن أغلبها غير موثوقة و لن نستفيض في سردها , و لكن الرواية الأقرب للحقيقة و التي يتداولها جميع الكراسي بمختلف مستواياتهم هي تلك التي يحكيها مؤرخ الكراسي الكبير , العالم "ابن كرسون" و الذي يتحدث عن أن علاقة البشر مع الكراسي في بداياتهم كانت جيدة و لم تكن الكراسي في الأزمنة الغابرة بكل هذا التنوع , فقد كان لكل بشري كرسيا من حجر يستعمله فقط للراحة من تعب يوم حافل برحلات الصيد و الهروب من الديناصورات , و بعد مرور مئات من السنين , حدثت مجاعة , جعلتهم يتقاتلون على الطعام و لم يكن يحصل على ما يسد الرمق الّا الأقوياء و الأشداء و المحتالين منهم و الذين قرروا أن يحتفظوا بالحصة الأكبر من الطعام لهم و لأقربائهم , ثم حدثت صراعات أخرى بين الأقوياء للسيطرة على الطعام , ليتمكن في الأخير فرد واحد منهم من التحكم في كل مصادر الرزق بسبب قوته و بطشه و وحشيته , و لتخضع له كل اقبيلة فيما بعد و تصنع له كرسيا فاخرا من الجلد و عظام الديناصور , ليتكرم عليها ببعض الفتات من مخازن الطعام التي يمتلكها , و كان هذا أول ظهور لجدنا "الكرسي الرئاسي" الأول في التاريخ و الذي كان سببا في سوء علاقتنا مع البشر ...
ثم يواصل مؤرخنا "ابن كرسون" قصته و يتحدث عن ثاني كرسي فاخر ظهر في تاريخنا , ففي نفس القبيلة التي كنا نتحدث عنها , كان يعيش رجل غريب الأطوار , كلامه عبارة عن طلاسم غير مفهومة و كان يتحدث دائما عن قرب نهاية العالم و بالعقاب لكل أهل القبيلة و أنه سيكون المخلّص و المنقذ من سوء العاقبة لكل من اتبعه , و كان أهل القبيلة يتجاهلونه , الى أن جاء يوم كانت كل القبيلة مجتمعة فيه و يحدث فجأة كسوف للشمس و يعم الظلام و يصاب الناس بالذعر , ليظهر الرجل الغريب الأطوار و يقول لهم أنه قد سبق له أن حذرهم من العقاب و لكنهم لم يسمعوه , و أن الشمس قد غضبت و ذهبت و لن تعود , ثم قال أنه يمكنه استرضاءها و اعادتها و بدأ بتمتمة بعض من تلك الطلاسم التي عودهم عليها و ولتحدث المعجزة و تعود الشمس ...و منذ ذلك اليوم ظهرت فصيلة جديدة من أجدادنا... "الكرسي المخلّص" , و لتقوم القبيلة بوضع "الكرسي الرئاسي" بجانب "الكرسي المخلّص" , الأول للتحكم في أرزاق البشر و الآخر لحراسة الشمس .
كانت هذه الرواية التي نراها الأقرب للحقيقة عن بدايات ظهور أجدادنا الكراسي و كيف بدأت تظهر فروع و أصناف منها و علاقاتها مع البشر , طبعا حدثت الكثير من التغييرات و لكن المبدأ و الهدف بقي ثابتا و لم يتغير الى يومنا هذا ....
#نايت_الصغير_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟