|
المغاربة لسانهم مع الديمقراطية وقلبهم مع قوانين الشريعة .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 16:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
حدثان بارزان يستوجبان الوقوف عندهما بما يقتضيانه من دراسة وتأمل عميقين . فالأمر لا يخص آحاد الناس ، بل يهم ــ بالدرجة الأولى ــ الحاكمين وجميع التنظيمات السياسية المسئولة عن تأطير المواطنين . الحدث الأول يتمثل في وصول تنظيمات الإسلام السياسي إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في الدول التي عرفت ما بات يُعرف خطأ "بالربيع العربي" . ليس المشكل في وصول هذه التنظيمات إلى السلطة ، فهي في نهاية المطاف قوى اجتماعية وسياسية لها حق التنافس على الحكم ؛ بل المشكل في اقتناع هذه القوى الإسلامية بأن الدولة الديمقراطية هي مجرد محطة للانتقال إلى دولة الشريعة التي تمثل هدف كل التنظيمات الدينية ، معتدلة ومتشددة . ونتيجة لهذه القناعة تعالت الأصوات من داخل هذه التنظيمات، بمجرد ظهور نتائج الانتخابات التي أعطتها الفوز بالمراتب الأولى ، مطالبة بتطبيق الشريعة وإلغاء القوانين المدنية (حالة مصر ، تونس ). ورغم وضوح أهداف التيار الديني من الممارسة السياسية وآفاق دولة الشريعة التي يرنو إليها ، فإن الناخبين منحوا مرشحيه المراتب الأولى . وسواء أدرك المواطن أفق التيار الديني أو لم يدركه ، فتصويته لصالحه هو دعم لمشروعه المجتمعي الذي يقوم على أسس دينية وليست مدنية . وبسبب طبيعة المشروع المجتمعي هذا وخلفيات القوى السياسية الحاملة له ، لم يتم التنصيص في الدساتير الوليدة ، على مدنية الدولة وقوانينها . بل جاء التنصيص على أن الإسلام دين الدولة والمصدر الأساسي للتشريع . وبمقتضى نص الدساتير ، تكون الدولة دينية وليست مدنية طالما لم يُسمح فيها للمواطنين من الأقلية الدينية بالترشح لمنصب الرئيس . أما الحدث الثاني فقد كشفت عنه دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث ما بين عامي 2008 و2010 ، حيث تبين أن أغلبية المواطنين في الدول العربية تؤيد تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية . وبلغت هذه النسبة في صفوف المغاربة المستجوبين 83 في المائة . وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام : أبَعْدَ كل التضحيات التي قدمها المناضلون ،وعلى مدى أربعة عقود يطالب 83 في المائة من مواطنينا بتطبيق الشريعة ؟ ألم يستفد المغاربة من التجارب السياسية المأساوية التي قامت على تطبيق الشريعة ( طالبان أفغانستان ، الصومال ، شمال مالي ) ؟ لماذا الحنين إلى الدولة الدينية ؟ لفهم هذين الحدثين ، ينبغي فهم الذهنية العربية/الإسلامية التي تشكلت على مدى قرون خلت ، حيث ارتبطت الدولة بالدين وتأسست على تحكيم شرعه . وتختزل تجربة الحكم الإسلامي في تجربة الخليفة عمر بن الخطاب الذي جسد بساطة الحاكم وعدله . وظلت هذه التجربة ملهمة للمخيال الجمعي ، خصوصا وأن التجارب السياسية التي أنتجتها الدولة الوطنية وكرستها في واقع الشعوب العربية كانت ولا زالت قائمة على الاستبداد والقهر . فهذه الشعوب ، ومنذ انعتاقها من ربقة الاستعمار ، ظلت تشنف مسامعها شعارات الديمقراطية البراقة ووعود الحكام المعسولة بالحرية والكرامة والعدالة ، دون أن تلمسها أو تنعم بمكاسب الديمقراطية التي تصون حقوقها وتضمن كرامتها وتكف بطش الحكام عنها . فالتجارب التي عاشتها الشعوب في ظل الدولة الوطنية رسخت في وعيها الجمعي أن العدل مرهون بالدولة الإسلامية ، دولة الخلافة ، وأن الظلم قرين الدولة الوطنية . فالمواطن العربي ، والمغربي جزء منه ، يسمع بدولة الحق والقانون لكنه يعيش واقع النهب والاستغلال والاستبداد دون أي مفعول للقانون ؛ بل القانون يحمي الفساد ويحصن المفسدين . من هنا فالمفارقة التي يلمسها ويعيشها المواطن بين الخطاب الرسمي والممارسة تغذي فيه الحنين إلى دولة الشريعة التي يجسدها الخليفة عمر الذي ، كما ارتبط في المخيال الجمعي ، كان العدل يجري على يديه ، ولا يروح المظلوم إلا وقد اقتص له الخليفة من ظالمه . بينما في الدولة الوطنية ، يعيش المواطن الاضطهاد بكل أشكاله ومستوياته دون أن يجد له سندا يحميه ، سواء قانونيا أو مؤسساتيا . إن الدولة الوطنية لم تجعل الممارسة الديمقراطية ذات مكاسب يلمسها المواطن العادي في الإدارة وفي الحياة العامة ،كما لم تحرره من الخوف الذي يطارده حتى داخل بيته وبين أهله ؛ إذ من شد الخوف والتوجس ، جعل للحيطان آذانا تلتقط همساته وللظلام أعينا ترصد تحركاته . ولو أن الدولة الوطنية نجحت في ترجمة شعرات الديمقراطية إلى واقع معيش يمارس من خلاله المواطن إنسانيته بكل حرية وكرامة ، فإن الحنين أو التطلع إلى نمط آخر للدولة يفقد دوافعه . وإنها لنتائج حتمية لعقود من القهر والاستبداد ، أن يطالب 83 في المائة بتطبيق أحكام الشريعة وليس قوانين الديمقراطية . ووجه الخطورة أن هذه النسبة المرتفعة من المواطنين تشكل خزان أصوات للتيار الديني الحامل لمشروع دولة الشريعة ، وكذا جيشا احتياطيا له القابلية المثلى للانخراط في معارك فرض الشريعة أيا كانت مستوياتها وأساليبها والجهات المطالبة بها . ولعل تطور أعداد التيار السلفي الجهادي في تونس من أربعة آلاف حضروا الملتقى التأسيسي الأول عام 2011 ، ثم 20 ألف حضروا الملتقى الثاني في مايو 2012 ، إلى 40 ألف التي كان مقررا حضورها في الملتقى الثالث لأنصار الشريعة يوم 19 مايو الجاري ؛ لعل هذا التطور التصاعدي ينبئ بما ستؤول إليه الأوضاع في مستقبل الأيام إذا لم يصبح الإنسان في صلب اهتمام الدولة والأحزاب .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكرى 16 ماي وأجواء الشحن الإيديولوجي .
-
فتوى قتل المرتد عنوان الردة الفكرية والثقافية .
-
طالبان بين ظهراني علمائنا فلا تبحثوا عنها هناك .
-
سعيد الكحل - باحث في قضايا الإرهاب والإسلام السياسي- في حوار
...
-
الإسلاميون مفترون.
-
أين المغرب من روح خطاب تاسع مارس ؟
-
سقطت الأنظمة فسقطت الأقنعة .
-
الذكرى الثانية لحركة 20 فبراير : نجاح أم إخفاق ؟
-
الزحف الأصولي وخطر تكميم الأفواه .
-
شاكر بلعيد يفدي تونس بروحه.
-
المغرب ومالي
-
معركة عزل الأئمة وضرورة مساندة وزير الأوقاف.
-
برلمانيون بدون ضمير أخلاقي ولا حس وطني أو إنساني.
-
مواطنو الدرجة الممتازة
-
شكرا لشجاعة الشيخ الفيزازي الابن .
-
أزهار الربيع التونسي تصبح أحجارا.
-
مرسي المصري ولشكر الاتحادي وجهان لعملية النسف الممنهج .
-
2 الدكتور أحمد الريسوني من الدعوة إلى الفتنة .
-
ألا في الفتنة سقطوا !!
-
افتراء وزيرة في موضوع المحْرم.
المزيد.....
-
ترامب يكشف موعد اتصاله مع رئيس وزراء كندا ويؤكد: -سيدفعون-
-
الصين لديها ورقة رابحة في مواجهة رسوم أمريكا الجمركية.. ما ه
...
-
أمراض يشير إليها تضخم الغدد اللمفاوية
-
روسيا تنشئ أنظمة تبريد تساعد على تطوير أجهزة الكمبيوتر الكمو
...
-
روسيا تستخدم الدرونات لمراقبة مسارات السكك الحديدية
-
روسيا تختبر منظومة جديدة مضادة للدرونات
-
البول الأسود.. اضطراب نادر يسبب مشاكل صحية خطيرة
-
الدنمارك.. اكتشاف نوع جديد من الفطريات تحوّل العناكب إلى زوم
...
-
روسيا تنتج بطاريات الليثيوم الأيونية للطائرات المسيرة
-
أمراض تسمى -القاتل الصامت-.. ما هي وكيف نكتشفها مبكرا؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|