|
إِسْفَاف القرآن، القَسَم : سورة -العاديات- نموذجاً
سائس ابراهيم
باحث في الأديان
(Saiss Brahim)
الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 14:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سأحاول أن أبدأ جل مقالاتي عن الإسلام بسؤال قد يعتبره البعض استفزازياً ولكن أريده كصاعق كهربائي يعيد الحياة إلى العقول المتحجرة المتكلسة النائمة منذ قرون ويدفعها إلى التفكير. السؤال الأول : يُجمع فقهاء السلاطين على أن جميع المشركين بدون استثناء سيدخلون النار حتى أولئك الذين عاشوا قبل مجيء مُحَمَّدِهِم، ضاربين عرض الحائط بكلام قرآنهم الذي يقول : "وما كنا مُعَذِّبِين حتى نَبْعَثَ رَسُولا" إذاً ما هو مصير آمنة بنت وهب أم محمد التي ماتت وهي تعبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وما مصير عمه "أبو طالب" الذي ربّاه وآواه وحماه، والذي رفض طول عمره وحتى وهو على فراش الموت توسلات ابن أخيه بالتحول إلى دين هذا الأخير؟
الموضوع : وَالْعَـادِيَـتِ ضَبْحاً * فَالمُورِيَـاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الإِنسَـانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِى الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
التلخيص : يقسم محمد على لسان الله بالخيل التي تعدو وهي تصدر أصواتاً "الضبح" ويقسم بحوافرها التي تُطِيرُ الشرر، كما يعود مرة أخرى للقسم بالخيل التي تهاجم في الصباح الباكر –والناس نيام- وهي تتوسط الجموع مثيرة الغبار (بعض المفسرين قالوا أنها الإبل)، يُقسم بأن الإنسان كافر بِِنِعَمِ ربِّه وأنه يحب المال كثيراً. ثم تنتقل الآية للتهديد بعذاب يوم القيامة. في الآية خطأ نحوي، فقد ورد الإنسان مفرداً ليدل على الجنس بكامله، لكن الضمير في آخر الآية القصيرة جاء بالجمع "ربهم، بهم" بدل المفرد "ربه، به" لأنه يعود على الإنسان وهم مفرد.
السؤال : ما هو وجه الإعجاز في هذا الفيلم الهندي الطويل، ولماذا يتلوا الناس بخشوع هذه الآية منذ قرون دون أن يفهموا معناها الركيك ؟
التحليل : أسلوب القسم في اللغة، طريقة من طرق توكيد الكلام يؤتى به لدفع إنكار المنكرين، أو إزالة شك الشاكين. والقسم بغير الذات الإلهية محرم في الإسلام، لكن محمداَ وإلهه مارسا الحلف بكل ما يخطر لهما على البال : الخيل، الشرر المتطاير من حوافرها، النقع، السحاب، الريح، الشمس، القمر، النجم... الخ. وقد كانت الأغلبية الساحقة من السور التي ورد فيها القسم مكية، أي في مرحلة ضعف محمد وحاجته إلى القسم طول الوقت من جهة، والتهديد بعذاب ربه من جهة أخرى
لغةً : من معاني اليمين الحلف والقسم، واليمين مأخوذ من أن المتحالفين، والمتعاهدين، قد يضع كل منهما يمينه في يمين الآخر للتعاقد الحلف : لا تخرج هذه المادة عن معنيين رئيسين هما القسم، والعهد القسم : تفسره المعاجم بالحلف دون أن تذكر فرقا بينهما
والقسم المسبوق بالنفي، هو عبارة من عبارات القسم، وليست "لا" أداة نفي نافية للقسم كما ادعى البعض، أمثلة : فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس، فلا أقسم بالشفق، لا أقسم بيوم القيامة، لا أقسم بالنفس اللوّامة، لا أقسم بهذا البلد، فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم تفسير مطول من شُرَّاح الأحاديث، وهم يختلفون كثيراً كالعادة، لكننا نورد ما قالوا حتى لا نُتّهم بأننا نفسر السورة على هوانا : يقسم الله بالخيل إذا عَدَتْ، والضَّبْحُ هو الصوت الذي يُسمع من الفرس حين تعدو فالموريات قدحاً : الخيل حين تقدح بحوافرها الحجارة فيتطاير الشرر فالمغيرات صبحاً : قال ابن عباس ومجاهد وقتادة يعني إغارة الخيل صبحا فأثرن به نقعاً : الخيل المثيرة للغبار (اختلف رواة الحديث وشرّاحه في تفسير "به" وعلام تعود دون أن يفطنوا أنها جاءت فقط للوزن والموسيقى مع التضحية بمبنى النص ومعناه "سجع الكهان قلنا وأعدنا) فوسطن به جمعاً : فتوسطت جموع العدو(اختلف رواة الحديث وشرّاحه في تفسير "به" الثانية وعلام تعود دون أن يفطنوا أنها جاءت فقط للوزن والموسيقى مع التضحية بمبنى النص ومعناه "سجع الكهان قلنا وأعدنا) إن الإنسان لربه لكنود : إن الإنسان لكفور لنعم ربه والأرض الكنود : التي لا تنبت شيئا وأنَّه على ذلك لشهيد : الضمير إنه يعود على الله، أي أن الله يشهد على العبد بأنه كفور لنعمة الله، وقيل : إنه عائد على الإنسان نفسه، أي أن الإنسان يشهد على نفسه يوم القيامة بكفر نعمة الله وإنه لحب الخير لشديد : أي أن الإنسان يحب المال أفلا يعلم إذا بُعْثِر ما في القبور : أي نُشِرَ وأُظْهِر فإن الناس يُخْرَجُون من قبورهم وحُصِّلَ ما في الصدور : مَيَّزَ وَبَيَّنَ، فأبرز ما في صدور الناس من خير وشر إن ربهم بهم يومئذ لخبير : أي إن الله بالعباد لخبير، وجاء في التعبير "ربهم، بهم" بدل أن يقول "ربه، به" لأن الضمير يعود على الإنسان وهو مفرد وليس جمعاً
حسب تفسير النحويين المسلمين : "حينما نزل القرآن وقف الناس منه مواقف متباينة، فمنهم الشاك، ومنهم المنكر، ومنهم الخصم الألد، فجاء القسم، لإزالة الشكوك، وإحباط الشبهات، وإقامة الحجة" ولهذا احتاج محمد على لسان إلهه إلى كل هذا الكم الهائل من قسم اليمين
وثانياَ ما هي الدلالة على غرابة الأشياء المُقْسَم بها والتي جعلت المفسرين يتخبطون في البحث عن تبريرات مقبولة مع اختلافهم وكالعادة دائماَ في محاولات التفسير هاته التي جاءت في كثير من الأحيان أغرب من الآيات نفسها
الحاجة الوحيدة في نظرنا التي أرغمت محمد على هذا كان العامل النفسي الذي يدفعه إلى أغلظ الإيمان معرفته أنه سيقول أشياء مستحيلة التصديق، وبالفعل كان العدد القليل "ثلاثة عشر شخصاَ حسب الرواة" الذي آمن به طوال سنوات إقامته بمكة، تُبَيّن أن الأغلبية الساحقة من ساكنة مكة لم تؤمن به رغم القسَم ورغم التهديد بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة
ثم إن الحاجة الوحيدة في نظرنا لرصف جمل لا تناسق بينها في القرآن، ولا رابط يَلُمُّها، ولا معنى يجمعها، كانت الضرورة الشعرية الغنائية، أو ما سماه المسلمون أنفسهم "سجع الكهان"، هذا السجع الذي عَمِلُوا على مَحْوه كتراث نثري/شعري سابق على قرآن محمد، كي لا ترى الأجيال اللاحقة أوجه الشبه بينه وبين إبداع "الرسول" لكن المُلِمّ البسيط بقواعد ومعاني اللغة العربية، يجد أن سجع الكهان هذا ينطبق بشكل مطلق على القرآن : كلام غريب، مُسْتَعْصِ على الفهم، لكنه مسجوع، موزون ومُقَفّى لكي يكتسب غنائية مستحبة، جذابة وسهلة الترتيل ولا بأس للتضحية بالمضمون وتناسق المعنى على مذبح الشكل اللغوي الجذّاب كمثل القسم بأشياء مُضحِكة كالتين والزيتون
وفي انتظار أن يستفيق العقل العربي الأمازيغي الإفريقي من سباته الطويل، تصبحون على عقل نقدي
#سائس_ابراهيم (هاشتاغ)
Saiss_Brahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذه المرة، دفاعاً عن بشار وعن الشعب السوري
-
العبيد في موريطانيا حالياً والمذهب المالكي الإسلامي
-
كذِبَ محمد فَكَذِبَ أتباعه الملائكة تقاتل في سوريا ضد قوات ب
...
-
ما لا يُعلّم في مدارسنا ولا جامعاتنا، مقتطفات من هنا وهناك
-
قصائد للربيع الحقيقي القادم
-
الصحراء الغربية ودرجة الصفر في الشوفينية المغربية
-
الرأسمالية هي الرأسمالية والطبقة العاملة هي الطبقة العاملة
-
ليس دفاعاً عن بشار
-
صمتاً إنهم يضطهدون المرأة
-
مداخلة السيد جميل المجدلاوي، حضور التأريخ وغياب التحليل
-
القرامطة، شعاع نور في تاريخ الإسلام الأسود
-
العنصرية والإسلام هل النجمة الصفراء نازية ألمانية، أم أن أصل
...
-
هل حقاً أن القرآن لا يأمر بضرب النسوان ؟
-
رد طلعت خيري على كامل النجار : شتائم وجهل وكذب قبيح..
-
الربيع -العربي- يستحيل خريفاً .. الدين واليسار والصراع الطبق
...
-
الجيلاني الهمامي ومداخلته : ملاحظات، ملاحظات
-
السيرة الذاتية لسياف عربي... لنزار قباني
-
أيمكن وصول لهيب الثورة إلى الجزائر والمغرب ؟
-
قذافيات
-
كل ثورة وإحنا دايماً فرحانين
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|