أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هذا كلام الله مش كلامي














المزيد.....

هذا كلام الله مش كلامي


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4101 - 2013 / 5 / 23 - 15:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المفهوم السائد من هذه العبارة هو أن مؤلف مثل هذا الكلام وواضع معناه هو الله وحده، بينما لا يتعدى دور قائله ومردده وناقله البشري مجرد القارئ والشارح والمفسر والمؤول لمحتوى هذا الكلام واستنباط معناه الإلهي الثابت والمطلق، غير القابل للتصحيح أو التعديل بالزيادة أو النقصان، وبالتالي الصالح لكل زمان ومكان وإنسان. بمثل هذه العبارة، يخلع قائلها عن نفسه أي مسؤولية محتملة عن التبعات المادية لما ينطق به من كلام مهما يكن شذوذ أو إجرام محتواه بمعايير الزمان والمكان الحاليين، بحجة أن هذا الكلام ليس من تأليفه هو شخصياً إنما هو كلام "شخص اعتباري" أزلي آخر ذو صدق وصواب مطلق، ومن ثم لا يعقل أبداً إخضاعه لأي مساءلة أو محاسبة بشرية من أي نوع، ولا حتى مناقشته. بجانب الإفلات من المسؤولية بهذا الشكل، تستغل مثل هذه العبارة أيضاً كسيف افتراضي بتار لإسكات ألسنة المجادلين في صحة أو وجاهة أو قابلية ما يقال للتطبيق، أو حتى استمرار ترديد القول به، في أحوال ووقائع وبيئات مختلفة. باختصار، حيث أن لا أحد بشر يستطيع أن يصحح أو يحاسب أحداً إلهاً، أناً أيضاً "لا أحد يستطيع أن يصححني أو يحاسبني" لأني مجرد ناقل ومتحدث أمين عن هذا الإله ولا أضيف أي جديد من عندي قد أستحق عليه الحساب.

نقطة مهمة هنا يجب الالتفات إليها. الكلام المكتوب أو المقروء، مهما كان، لا يكون مجرد "كلام" بعد إذا ما أضفيت عليه صفة "الإلزام"؛ هو، عندئذ، يتحول إلى جنس آخر- "أحكام". أي كلام به إلزاماً قطعياً هو في الحقيقة أوامر ونواهي وأحكام، لا مجرد كلام يتحمل الأخذ والرد والمناقشة. على سبيل المثال، من يستطيع أن يرد على حكم محكمة أو مرسوم رئاسي أو أمر عسكري. هذه، بما تحمل من صبغة إلزامية قطعية، لم تعد تتحمل بعد الأخذ والرد والمناقشة والمجادلة والتصحيح والتعديل والتطور، التي تعد صفات أساسية للكلام، أي وكل كلام. في مثال آخر، المداولة والمناقشة حول مشاريع القوانين تحت قبة البرلمان تندرج تحت طائلة "الكلام" القابل للأخذ والرد والمراجعة والتعديل والتحسين بالإضافة والحذف وحتى الإلغاء والاستبدال إلى حين صدور هذه المشاريع من البرلمان في قوانين نهائية، حينئذ تكتسب صفة الإلزام القطعي ولا تعد مطروحة بعد للمداولة والمناقشة والتنقيح إلا بإتباع الإجراءات المرسومة لذلك تحديداً. هذه القوانين لم تعد كلاماً، بل أصبحت نصوصاً وأحكاماً ملزمة وواجبة النفاذ دون نقاش وأخذ ورد.

خلاف "الأحكام" البشرية ذات الصبغة الإلزامية لكن النسبية، إذ يمكن بإتباع الإجراءات المرسومة الطعن فيها واستئناف الأحكام ومراجعة وتنقيح القوانين وحتى إلغائها واستبدالها كلياً، "كلام الله" غير قابل أو مطروح لأي من ذلك. هو كلام مطلق أو، بمعنى آخر، يتجاوز حدود الأحكام القطعية الإلزامية الصادرة من بشر؛ أو، في الواقع، هو أحكام مطلقة لا سبيل إلى الطعن فيها أو استئنافها أو مراجعتها أو تنقيحها أو حتى تعديلها وتطويرها مثل بقية الأحكام النسبية التي من وضع البشر. هكذا يجد المجادل نفسه أمام حائط سد، غير قادر حتى أن يرفع فيه البصر بينما يلح عليه الطرف الآخر في استعجال طالباً الرد: "هل تشكك في كلام الله؟!" حينئذ قد يكون من المنطقي أيضاً التساؤل: بماذا ترد على حكم القاضي ضدك من فوق المنصة؟ هل تستطيع أن تفلت من تطبيق القانون، أو من تنفيذ أوامر رئيسك المدني أو العسكري، من دون ملاحقة وعقوبة؟ إذا كان الأمر كذلك مع مجرد أحكام نسبية بشرية، كيف يكون مع الأحكام المطلقة الإلهية؟ هل يعقل إذا كنت لا تقدر أن ترد حتى على مجرد وزير أن تتجرأ على أن تجالس وتناقش إلهاً؟!

مما سبق قد يستنتج أن "كلام الله" المزعوم هذا ليس مجرد كلام قابل للنقاش والأخذ والرد كبقية الكلام، إنما هو أوامر ونواهي وأحكام صريحة يعتقد في إلزاميتها وقطعيتها ونهائيتها وأزليتها وصحتها المطلقة، وصلاحيتها لكل زمان ومكان وإنسان. إذا كان الحال كذلك، يصبح الطرف الآخر الجالس أمام مردد مثل هذا الكلام الإلهي المزعوم ليس حتى مثل الجالس بين يدي جلالة الملك أو سيادة رئيس الجمهورية أو معالي وزير الدفاع، إنما مثل الجالس بين يدي الله نفسه، ولا يزال يُلح عليه لكي يصحح لإلهه ويناقشه!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين الخارج عن القانون
- في العقلية الخرفانية
- إسلام بالقسوة
- إيران الإسلامية في سوريا العلمانية
- مصر- بلد .....
- صناعة العبيد
- عودة عمرو
- صناعة الأديان
- السيسي بونابرت
- عبدة الشياطين
- في البحث عن صهيوني عربي
- أنا بكره إسرائيل وبحب الدولة الوطنية
- في حب إسرائيل
- إيران القنبلة النووية
- مصر تحت الاحتلال
- للزوجة نصف ثروة الرجل
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (4- تركيا)
- بين القانون والقرآن والسلطان
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (3- قطر)
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (2- طائر النار)


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - هذا كلام الله مش كلامي