|
الخطاب الصهيوني وآلية التلاعب بالعقول: الضحية نفس لوامة!!
عبدالعزيز الصالحي
(Abdalaziz Al-Salehi)
الحوار المتمدن-العدد: 4101 - 2013 / 5 / 23 - 13:00
المحور:
القضية الفلسطينية
على مر هذه العقود كلها، ناقشت العديد من الدراسات والكتب القضية الفلسطينية واللآجئين الفلسطينيين بالتحديد، ولكن يبقى هذا الطريق مفتوح أمام الاكاديميين والباحثين طالما أن هذه القضية لم تُحل وطالما أن تبعيتها لم تحل ولم تنتهي، العديد من هذه الدراسات ناقشت حالة اللجوء في فترة اللجوء، وحالة اللآجئين ما قبل التهجير وما بعد التهجير، كما وناقشت تطور حياة المخيم وتوسعه وتدميره وتهجير من فيه مرة أخرى وإعادة إعماره وتشكيله من جديد، ومن أهم هذه الدراسات هي ما ناقشت التاريخ وانتقاله وتوريثه شفوياً وكتابياً وتعتبر هذه الدراسات من أصعب الدراسات التي تناقش قضايا اللآجئين، خصوصاً وأن الجيل الفلسطيني الذي يغترب ويبتعد عن وطنه جغرافياً وثقافياً يقابله جيل صهيوني يقترب أكثر وأكثر من الذين يحتلون الآن يتمسكون بهذه الأرض جغرافياً. يشكل الخطاب جزءاً مهماً في وعي الناس والمجتمع بشكل عام، إذ يلعب الخطاب دوراً أساسياً في تشكيل ثقافة المجتمع وعكسها على أرض الواقع بشكل عملي، لكن بالطبع يختلف الخطاب بأنواعه المتعددة، ويختلف من حيث المصدر والسلطة والقوة والممارسة، ولا يمكن إنكار أهمية الخطاب بشتى أنواعه. وما يهمنا حقيقةً في هذا المقال هو الخطاب الصهيوني الكولونيالي وتأثيره على اللآجيء الفلسطيني، وذلك من خلال الروايات الصهيونية المتعددة وتأثيرها على الروايات الفلسطينية والهوية الثقافية للفلسطيني. تعتبر "إسرائيل" أحدث المستعمرات الكولونيالية الإحلالية المتبقية على الأرض، وكباقي المستعمرات التي أقيمت في العالم، مارس الكيان الصهيوني المدعو "إسرائيل" خطابه وروايته في محاولة لتثبيت حقه في أرض فلسطين، الأمر الذي كان له أبعاد أخرى غير احتلال هذه الأرض واستعمارها. المجادلة في هذا المقال تكمن في الخطاب الاستعماري الصهيوني وتأثيره على نظرة الفلسطيني لنفسه وبالتحديد على اللآجيء الفلسطيني أو ما يسمى (عقدة الذنب)، وكيف ساهم ذلك في تغيير تصور الفلسطيني لنفسه من ضحية إلى مجرم!! اذا ما اعتبرنا الخطاب أداة تأثير على المجتمع وأردنا فحص ذلك بصورة جماعية، إذاً لا بد لنا أن نعود لميشيل فوكو المفكر والفيلسوف الفرنسي، ويعرف فوكو الخطاب على أنه "كل إنتاج ذهني سواءً كان نثراً أم شعراً، منطوقاً أو مكتوباً، فردياً أو جماعياً، ذاتياً أو مؤسساتياً" (فوكو، ميشيل. 1984، نظام الخطاب ، ترجمة محمد سبيلا، بيروت، دار التنوير، ص8.) ، حيث ركز فوكو على المنطوق باعتباره وحدة الخطاب الأولى، وهو جزء أساسي من مكونات الخطاب، ويسمى المنطوق خطاباً في حال وضع ضمن تشكيلة خطابية، وهي عبارة عن مجموعة من المنطوقات، ولكشف وتحليل المنطوقات يجب معرفة ما يمكن الكلام فيه، ومن ماذا يتشكل ميدان خطاب معين، ومعرفة أي المنطوقات التي حازت على القبول والموافقة، والعمل على تثبيتها في ذاكرة الإنسان، وأي المنطوقات مرفوضة، والعمل على اهمالها وتهميشها، واستبعادها بإعتبارها غريبة، وأي المنطوقات يتم تنشيطها ومن ثم الإحتفاظ بها، وإعادة تأسيسها وتكوينها . (بغورة، الزواوي، 1999، مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، ص98) والخطاب مرتبط بشكل أساسي بالسلطة كما يقول فوكو، إذ أنه نتاج السلطة و ينتج سلطة في نفس الوقت، لا يمكن فصل الخطاب عن السلطة. حتى نتمكن من تحديد مفهوم السلطة وعلاقتها بالخطاب، بشكل أكثر دقة، نذهب لفوكو عندما يقول أن السلطة عبارة عن علاقة قوى، و أن كل علاقة قوى هي بالضرورة، علاقة سلطة. إن سؤال الماهية الذي يمكن طرحه على السلطة ما السلطة- الخطاب؟ يجب أن يصبح سؤالاً عن الكيفية التي بها تحقق السلطة - الخطاب أو تمارس نفسها وتظهر إلى الوجود بالفعل. (الحميري، عبدالواسع. الخطاب والنص "المفهوم. العلاقة. السلطة" 2008م: ص188-187). الخطاب يستمد سلطته من قدرته الشمولية على ممارسة فعل القوة- القدرة (سياسية أم إقتصادية أم فنية أم عملية)، أو من طبيعة الخطاب نفسه، بوصفه – في منظور فوكو، تبعاً لنيتشه – عنفاً نمارسه على الأشياء، أو من سلطة الأيدلوجيا الدينية والأخلاقية. (الحميري، عبدالواسع. الخطاب والنص "المفهوم. العلاقة. السلطة" 2008م: ص192- 193) تعرف آنيا لومبا الاستعمار على أنه "غزو أراضي وممتلكات شعب آخر والسيطرة عليها" ، ولكن كيف يكون دور الخطاب الاستعماري في ذلك وكيف يساهم الخطاب الاستعماري في نجاعة فكرة الاستعمار؟ تعرض لومبا في كتابها (في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية) استنباطاً لمفهوم الخطاب الاستعماري، إذ تقوم بطرح أفكار فوكو حول الخطاب وسلطة الخطاب وتربط هذه الأفكار بأفكار ادوارد سعيد حول الاستشراق والاستعمار، إذ أن كتاب الاستشراق يستعمل مفهوم الخطاب من أجل إعادة تنظيم الاستعمار، وتخرج لومبا بتعريف للخطاب الاستعماري، تقول لومبا: "إذن الخطاب الاستعماري ليس مجرد مصطلح جديد وهمي للاستعمار، إنه بالإحرى يدل على طريقة جديدة في التفكير تشترك فيها عمليات ثقافية وفكرية اقتصادية أو سياسية معاً في تشكيل وإدانة وتعرية الاستعمار." (لومبا، آنيا. "في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية". ص18-64) بالتالي يمكن أن نستنتج أن خصائص الخطاب الاستعماري تكون: 1- هو أسلوب جديد في الخطاب ظهر مع المستعمر. 2- الخطاب الاستعماري نابع عن قوة وسلطة المعرفة. 3- في تشكيل الخطاب الاستعماري يكون هنالك عمليات مشتركة بين المؤسسات الاقتصادية والسياسية والثقافية، جميعها معاً. 4- الخطاب الاستعماري سهل الطريق أمام المستعمر في استعماره لدول "العالم الثالث". 5- الخطاب الاستعماري مبني على عنصرية نزعة المركزية الأوروبية المبنية على أوهام. ولا يخرج الخطاب الصهيوني عن إطار الخطاب الاستعماري، ويتمتع بنفس خصاله ومزاياه إلا أنه أقبح وأوقح منه. كما أن الخطاب العربي والرواية العربية وللأسف الشديد لا تخرج خارج إطار الرد على هذا الخطاب الاستعماري الصهيوني، وللوصول إلى إجابات واضحة لا بد من التطرق للرواية الصهيونية والعربية في الهجرة، ولا بد من مراجعة الخطاب الصهيوني الذي طغى وسيطر على الخطاب العربي إذ أصبح فقط مجرد استجابة للخطاب الصهيوني. ولتبسيط مفهوم الخطاب فيما طرحه فوكو حول الخطاب ووصف الخطاب الاستعماري لدى لومبا، يقول عالم اللغة فرديناند دي سويسر أن الخطاب ليس مجرد عملية لتسمية أو وصف الأشياء فقط، وإنما وسيلة للتعبير عن الأفكار التي سبقت إنتاج الخطاب، فالكلمات تكسب معانيها من إحالتها إلى الأشياء الواقعية، ومن الإختلافات المنظمة داخل الكتلة اللغوية، والتي هي عبارة عن نظام ألفاظ معتمد على بعضه البعض، ولا يمكن فهم معنى اللفظ وقيمته إلا من خلال حضور الألفاظ الأخرى. (أنظر جبارة، صفاء. 2009، الخطاب الإعلامي بين النظرية والتحليل، عمان، دار أسامة للنشر، ص214.) الصهيونية حركة يدعمها ويمولها الغرب الاستعماري لذا فإن الخطاب الصهيوني يوجه للدول الاستعمارية الراعية ولشعبها الذي لا يدرك الأبعاد الاستراتيجية للتحالف بين "اسرائيل" والغرب، وبما أن الصهيونية تعود لأصول ثقافية ودينية واجتماعية وطبقية متباينة، طورت الصهيونية خطاباً هلامياً مبهماً غير متجانس يحتوي على فجوات كثيرة بهدف تغييب الضحية وتشويه صورته. وباستعمال حيل بلاغة متعددة فالخطاب الصهيوني يحاول تجاهل الأصول التاريخية أو تزييفها لعزل الظواهر والدوافع عن أصولها التاريخية والاجتماعية والثقافية، كما وعلى سبيل المثال تقوم الحركة الصهيونية بينها وبين الدول العربية على أنه نتيجة رفض العرب لقرار التقسيم وهجومهم الغاشم على اليهود المسالمين دون سبب واضح. وتُقدم الصهيونية على أنها تعبيراً للحلم اليهودي بالصورة إلى أرض الميعاد وانقاذ يهود العالم من هجوم الأغيار وليس على اعتبارها حركة استعمارية استيطانية احلالية، داخل هذا الإطار تصبح المقاومة إرهاباً غير مفهوم وهجمات "اسرائيل" هي للدفاع عن النفس لذا سمي الجيش "الإسرائيلي" جيش الدفاع "الإسرائيلي". (من أفكار الموسوعة اليهودية للدكتور عبدالوهاب المسيري، انظر الرابط التالي: http://www.elmessiri.com/encyclopedia/JEWISH/ENCYCLOPID/MG6/GZ1/BA6/MD1/M0012.HTM) أما شعار الأرض مقابل السلام فهذا يعني بكل بساطة إعادة بعض القرى والمدن التي كان قد تم الاستيلاء عليها بالقوة مقابل وقف المقاومة الذي يعني الاستسلام، أي تصبح الأرض بلا شعب حي قادر على المقاومة وبلا ذاكرة تاريخية أي نسيان الظلم الذي وقع بالماضي. ومن البداية أشار الصهاينة لفلسطين باعتبارها "أرض بلا شعب" وزاد الأمر سوءاً عندما قرر الصهاينة أن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م هي أراضي متنازع عليها وليست محتلة. كما وأصبحت عملية الاستيلاء على فلسطين هي مجرد (إعلان لدولة "إسرائيل") وأصبحت أم الرشراش "إيلات" والضفة الغربية "يهودا والسامرة" وذلك بهدف محو المدلول واخفاؤه عن الخارطة الإدراكية. تعددت الروايات حول أسباب التهجير الفلسطينية، ومن حمّل الذنب في حصول النكبة والتهجير، يذكر عادل يحيى في كتاب التاريخ الشفوي الفلسطيني، أن الروايات تعددت حول أسباب هجرة اللآجئين الفلسطينيين، ويطرح أن هنالك عدة نظريات حول أسباب التهجير: 1- نظرية التحريض العربي: النظرية تتحدث حول ما إذا كان هنالك تحريض عربي أو دعوة من القيادات العربية موجهة للآجئين للخروج من قراهم، وهذا لا يثبت من خلال المقابلات، إذ انه لم يذكر في المقابلات أن اللآجئين كانوا قد سمعوا في المذياع فعلاً نداءً يطلب منهم ترك بيوتهم والخروج من القرى، ويعرض يحيى ان هذا الادعاء ضعيف جداً، وبالتالي من المرجح ان يكون هذا الإدعاء جزءاً من الرواية الصهيونية. 2- نظرية المؤامرة الصهيونية: الخطاب الفلسطيني والرواية الفلسطينية لا تخلو أبداً من اتهام الصهاينة لكل ما جرى لهم. بل إن الفلسطينيين يحملون الصهاينة كل الذنب في تهجيرهم ويأكدون على أن الصهاينة أسسوا مؤامرتهم وكان هنالك اتفاق مسبق على تهجير الفلسطينيين. 3- نظرية الجهل: يرى اللآجئون من وبالتحديد من الجيل الصغير أن أحد اسباب التهجير هو جهل أسلافهم وأجدادهم في ذلك الوقت، ويظهر ذلك من خلال المقابلات التي قام بها الباحث عادل يحيى. هذا الادعاء باطل وخطير، إذ أنه يتلائم تماماً مع الرواية الصهيونية التي تدعي بأن الفلسطينيون لا يملكون الحق في الأرض لأنهم جهلة وغير متحضرين!! كما أنه ولنفرض أن هذا كان واقع الفلسطينيين في تلك الحقبة الزمنية، هل ذلك يعطي الحق فعلاً للصهاينة للإستيلاء على الأرض وترهيب الفلسطينيين وقتلهم؟! (يحيى، عادل. " التاريخ الشفوي الفلسطيني ". ص29-37) كما ويطرح سميح فرسون أن أسباب الفرار في العام 1948م تمحورت حول مجموعة من التساؤلات الجوهرية: هل كان الخروج عمدياً، ومقصوداً، وقسرياً، ومتوقعاً، ومخططاً له؟ أم كان من دون إرادة ونتيجة لفزع عمومي ومن جراء سلوك الجمهور المنفلت؟ وقبل أن يخوض فرسون النقاش في هذه التساؤلات يقول وبشكل صريح: "بما أن رواية المنتصر هي التي تكون لها الغلبة عادةً، فمن المتوقع أن يسود كلام "الإسرائيليين" عن الأحداث ومسبباتها وعواقبها في وسائل الإعلام الشعبية والروايات وكتب التدريس في الغرب" ، نلاحظ في الاقتباس الماضي أن الباحث يحاول القول أن سيطرة الخطاب تكون للأقوى." ثم يذكر فرسون أن الرواية "الاسرائيلية" هي جزء لا يتجزأ من مجتمع "إسرائيل" المتخيل على حد تعبير بنديكت أندرسون، وأنه باختصار أساس القومية "الإسرائيلية". (فرسون، سميح. "فلسطين والفلسطينيون". ص199) ولم تقتصر الرواية الصهيونة على ذلك، ففي دراسة إبراهيم عبدالكريم، يذكر عبدالكريم أنه من خلال دراسته قد فند الروايات الصهيونية بأن العرب قد خلقوا مشكلة اللآجئين عندما بدأت الحرب وأن تدمير القرى الفلسطينية دمرت لأنها تحوي إراهابيين. كما كثرت أوصاف وتبريرات طرد الفلسطينيين من قبل الجانب "الإسرائيلي" مثل: خروج، هروب، مغادرة، رحيل، نزوح... واختفت من روايتهم كلمات مثل: طرد، تهجير، اقتلاع، تشريد، إجلاء. وتكررت أقوال الصهاينة أن ملوك الدول العربية ورؤسائها وقادة الشعب الفلسطيني هم الذين أوعزوا للسكان العرب أو طلبوا منهم أو حتى أمروهم بترك قراهم ومدنهم، الأمر الذي لا يوجد أي إثبات عليه. أما في دراسة سراج عاصي "المستشرقون الجدد في إسرائيل"، وفي طرحه لأفكار حاييم غربر، إذ سعى غربر إلى تقويض ثلاثة من الادعاءات المركزية التي يتأسس عليها الخطاب الصهيوني الرسمي حول فلسطين والفلسطينيون: 1- لم تكن هنالك قومية فلسطينية محددة. 2- المجتمع الفلسطيني كان متخلفا ومنشق وغير متماسك. 3- الانهيار المفاجئ لفلسطين عام 1948م كان نتيجة طبيعية لخلل جوهري في بنية المجتمع الفلسطيني. (عاصي، سراج. "المستشرقون الجدد في إسرائيل" أنظر الرابط التالي: http://www.alquds.co.uk/scripts/print.asp?fname=data%5C2009%5C10%5C10-24%5C23qpt14.htm) لقد أثر التهجير وممارسة الخطاب الصهيوني على الفلسطينيين وحياتهم بشكل كبير، الأمر الذي لم يقتصر فقط على سلبهم لأراضيهم وممتلكاتهم فقط، بل إلى ما هو أكثر من ذلك. في كتاب روزماري الصايغ (الفلاحون الفلسطينيون) تذكر أن اللآجئون الفلسطينيون وعقب الهجرة عانوا من آثار اجتماعية ونفسية سلبية، مثل العزلة الاجتماعية وفقدان الاحترام وتحطيم العائلة. (الصايغ، روزماري. " الفلاحون الفلسطينيون من الإقتلاع الى الثورة "، ص155-159). حقيقةً هذا لا يعود فقط إلى واقع الهزيمة وسلب الأرض من الفلسطينيين فقط، بل إن أسباب الروايات الصهيونية والعربية والتي تتمثل بما طرحه عادل يحيى والتي ذكرناها سابقاً في هذه الدراسة، أسهمت وبشكل كبير في ذلك. إن روايات الهروب والخذلان والشعور بالجهل، خلقت لدى اللآجيء شعور بفقدان الاحترام لذاته وشعور بالعزلة الاجتماعية اذ أنه يشعر بأنه مختلف!! كما أن هذا الخطاب وللأسف الشديد لم يكن يمارس من قبل الصهاينة فقط بل أيضاً من قبل العرب والفلسطينيين الذين لم يهجروا!! ولوم النفس وعقدة الذنب عبر عنها في الأدب أيضاً، يقدم مصطفى عبدالغني دراسة كيفية نشرت ككتاب أطلق عليه عنوان "نقد الذات في الرواية الفلسطينية" ويحلل الباحث فيها العديد من الروايات الفلسطينية ويقيس رؤية الفلسطيني لنفسه ونقده لذاته من خلال انعكاس نفسية وشخصية الفلسطيني في الروايات الأدبية، وحقيقةً يرى البعض أن نقد الذات يعود في أساسه إلى (عقدة الذنب)، حتى أن عبدالغني في دراسته هذه يشير إلى ذلك في المقدمة: "أما عند الفلسطينين، فإن التعبير عن واقعهم المرير كان يتم باللجوء إلى تجاوزه، ومن ثم التعامل معه بشكل أكثر إيجابية. ولا يعني ذلك أن الأدب الفلسطيني لم يعرف ما يسمى (بعقدة الذنب)، وإنما عرفها، منذ فترات مبكرة، مع الأديب العربي في كل أقطاره بوصفها تعبيراً عن قصوره عن الفعل في المجتمع يعاني الويلات من الخارج والداخل، غير أنه بمرور الوقت، جاوز الأديب الفلسطيني تعذيب الذات إلى نقدها." ويعطي مثالاً من رواية عائد إلى حيفا لغسان كنفاني بحيث أنها محاسبة للذات، فهي على حد قوله طاردت الوهم بدلاً من مواجهة الواقع أن اذ تحول ابن سعيد وصفية "خلدون" إلى ضابط "إسرائيلي" وعندما لم يستطيعا استرداد ابنهما عادا خائبان وهذا دليل على انهيار منظومة من القيم والمفاهيم المغلوطة بين الوطن والمواطن، كذلك رجال في الشمس إذ صوّر غسان صوت ثلاثة أجيال في غير مكانها المعتاد بأنه موت مجاني يلاحق الفلسطينيين. (عبدالغني، مصطفى. "نقد الذات في الرواية الفلسطينية ". ص7) السبب الذي يجعلني استذكر هذا الكتاب في المقال، والمتلخص بتثبيت فكرة أنه حقيقةً هنالك شعور بالذنب ولوم النفس يشعر بها الفلسطيني، الأمر الذي ينعكس في الرواية الفلسطينية، وفي مجال معرفة ومحاولة فهم لما يشعر الفلسطيني بهذا الشعور ويحاول التهرب منه في كثير من الأحيان مع العلم أنه هو الضحية!! "اللآجئون الفلسطينيون في الفكر الصهيوني" دراسة لإبراهيم عبدالكريم، يفند فيها الباحث ادعاءات "إسرائيل" بأن العرب قد خلقوا مشكلة اللآجئين عندما بدأوا الحرب وأن "إسرائيل" غير مسؤولة عن ذلك وما حدث من تدمير للقرى الفلسطينية (الخطة دالت) بررها الصهاينة على أن هذه القرى تحوي إراهابيين. كما كثرت أوصاف وتبريرات طرد الفلسطينيين من قبل الجانب "الإسرائيلي" مثل: خروج، هروب، مغادرة، رحيل، نزوح... واختفت من روايتهم كلمات مثل: طرد، تهجير، اقتلاع، تشريد، إجلاء. وتكررت أقوال الصهاينة أن ملوك الدول العربية ورؤسائها وقادة الشعب الفلسطيني هم الذين أوعزوا للسكان العرب أو طلبوا منهم أو حتى أمروهم بترك قراهم ومدنهم، الأمر الذي لا يوجد أي إثبات عليه. (أنظر الرابط التالي: http://www.group194.net/index.php?mode=article&id=18264) وعودةً لسراج عاصي ومقال "المستشرقون الجدد في إسرائيل"، يذكر أنه لعل أكبر المفارقات في العصر الحديث كما يرويها الراحل إدوارد سعيد والباحثة إيلا شوماط من جامعة نيويورك هي تحول اليهود من ضحايا لنظريات المركزية الأوروبية ذات النزعة الاستشراقية إلى منتجين ومصورين لها منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك بعد أن تبنى الخطاب الصهيوني عن فلسطين والفلسطينين المقولات المركزية للاستشراق الغربي ليتحول الفلسطينيون في الأدبيات الصهيونية إلى ضحايا ضحايا الاستشراق الغربي وتستشهد الكاتبة بمقالة في مجلة الدراسات الفلسطينية (2003) للكاتب حاييم غربر تحت عنوان "الصهيونية والاستشراق والفلسطينيون". مقال غربر يدحض كل الاطروحات الاستشراقية في الخطاب "الاسرائيلي" مبرهناً على أن الثورة العربية الكبرى (1936- 1939م) وهي الأكبر في تاريخ الامبراطورية البريطانية في تاريخ القرن العشرين، هي دليل واضح على أن الشعور القومي عند الفلسطينيين كان قوياً ومتنامياً، حتى أنه يضيف أنه كان هنالك مشاركة للفلسطينين في البرلمانات في الامبراطورية العثمانية. كما تناول عاصي عرضاً حول "المستشرقون الجدد في إسرائيل"، مثل ران برايمن الذي ذكر في مقال له في صحيفة هآرتس "الإسرائيلية" بتاريخ 2009-10-04 بعنوان "المحتل الحقيقي"، كان برايمن قد حذّر مّما أسماه "الاحتلال العربي لأرض إسرائيل"، موجّها نقدا لاذعا إلى اليساريين "الإسرائيليين" الذي يدعون إلى إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" (واضعا عبارة احتلال بين مزدوجين)، ومعتبرا أن حل الدولتين هو بمثابة نكسة بحق أرض "إسرائيل" الكاملة . برايمن يرى أن إنشاء جبهة تحرير فلسطين في عام 1964، أي قبل احتلال الضفة (الذي لا يعتبره احتلالا)، كان يهدف في الأساس إلى احتلال أرض إسرائيل وليس إلى استعادة الأراضي المحتلة (التي يعتبرها أراضي محررة) مصرّا على أن مصطلحات من قبيل احتلال والأراضي المحتلة تزيد من تغريب شعب "إسرائيل" عن وطنهم الحقيقي واغترابهم عن الأراضي التي تم احتلالها (هذه المرة من دون مزدوجين) على أيدي الجيش الأردني عام 1948 ولمدة 19 عاما. كما تستعرض أفكار برايمن الأخرى التي تعكس عنصرية هذا الشخص التي تعكس طبيعة الفكر الصهيوني القائم على أكاذيب يدعي الصهاينة بأنها "أساطير". يحاول عاصي أن يعكس صورة الخطاب الصهيوني الحقيقية في أعقاب تـــصاعد الضغــوطات الدولية على "إسرائيل" بقبول حل الدولتين. فما كان يُصرح به يوما من وراء الكواليس الصحافية والإعلامية يقال اليوم علنا في "إسرائيل" ويحظى بشعبية متصاعدة، الأمر الذي يفضح البعد الإيديولوجي العميق لرفض الكثير من "الإسرائيليين" لأي شكل من أشكال السلام مع العرب والفلسطينيين. ولعلّ خطورة مثل هذه الأطروحات ليست محصورة في دورها التعبوي والعنصري فحسب، بل إن فاعليتها الديناميكية تتجاوز مستوى الخطاب السياسي والإيديولوجي إلى مستوى المخططات السياسية والإستراتيجية، فمثل هذه الأطروحات تتغذى من السياسة "الإسرائيلية" وتغذيها في آن، وتثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل المنطقة في ظل هذا المد الإيديولوجي المتصاعد في الخطاب "الإسرائيلي". (عاصي، سراج. "المستشرقون الجدد في إسرائيل" أنظر الرابط التالي: http://www.alquds.co.uk/scripts/print.asp?fname=data%5C2009%5C10%5C10-24%5C23qpt14.htm) إن آليات التلاعب بالعقول التي يمارسها الخطاب الصهيوني أصبحت مكشوفة في عديد من الجوانب، لكن تبقى الكارثة الحقيقية هي في أن هذا الخطاب قد زرع العديد من الجوانب السلبية في عقلية اللآجيء الفلسطيني بشكل خاص والفرد الفلسطيني بشكل عام، ويجب الإلتفات على هذا الجانب ومعالجته إذ أن اللآجيء تحول من ضحية إلى جبان مجرم قد هرب وخان أرضه وتركها، هذه هي الطامة الكبرى!! هذا المقال هو مدخل بسيط ومتواضع للعديد من المحاور التي تحتاج للبحث والتمحيص، كالأبعاد النفسية التي تركها الخطاب الصهيوني على اللآجيء الفلسطيني، والابعاد الاجتماعية التي تركها الخطاب الصهيوني على اللآجيء الفلسطيني، وكيف ورث اللآجيء الفلسطيني هذا الخطاب وورث أبعاده السلبية؟ كيف ساهمت العوامل التاريخية التي مر بها اللآجيء على تعزيز تلك الأبعاد؟ ولماذا لا يسعى اللآجيء وراء الخطاب الحقيقي الذي يجب أن يكون في خلفيته الثقافية؟ رجاء بالله عليكم، لا تحولوا الضحية إلى مجرم...!!
#عبدالعزيز_الصالحي (هاشتاغ)
Abdalaziz_Al-Salehi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاث معيقات داخلية في اقتصاد السلطة الوطنية الفلسطينية
-
تلاشي وهج مدارس التنمية لعدم واقعيتها وعالميتها
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|