|
علم الإجتماع في الوطن العربي
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4099 - 2013 / 5 / 21 - 02:28
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
1. السوسيولوجيا علم " أيديولوجي" ، يصعب فصل نشأته وتطوره عن المناخ السياسي والثقافي العام المرتبط بمجمل التطورالإجتماعي البشري . وبالنسبة للوطن العربي ، فإن هذا المناخ ، قد شهد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، بروز أربعة تيارات سياسية ـ إجتماعية كبرى هي : التيار الليبرالي ، التيار الديني الإسلامي ، والتيار القومي العربي ، والتيار الماركسي اللينيني . ولكن هذه التيارات الرئيسية الأربع ، أخذت بعد هزيمة حرب 1967 بين العرب وإسرائيل ، ولأسباب متعددة ومختلفة ، تنقسم على نفسها ، إلى أجنحة وتيارات فرعية ، بعضها وقف إلى جانب السلطات القائمة ( بما في ذلك السلطات المهزومة في الحرب ) ، وبعضها ضدها ، وقد انعكس كل ذلك على نشاة وتطور السوسيولوجيا في الوطن العربي ، كما سنرى لاحقاً .
2. تختلف نشأة السوسيولوجيا في الوطن العربي ، من جهة بين المشرق والمغرب العربيين ، ومن جهة ثانية ، بين قطر عربي وآخر . ففي المشرق العربي ( حسب علي أومليل ) " نقل هذا الدرس أساساً طلاب ذهبوا لتحضير رسائل في الجامعات الأوربية والفرنسية خاصة ، ثم فيما بعد في الجامعات الأمريكية ، وعاد هؤلاء ليذيعوا ماتعلموه ، انطلاقاً من الجامعة المصرية ... أما في بلدان المغرب العربي ، فإن دخول الأبحاث .. قد بدأت كاستكشافات للتعرف على البلاد تمهيداً للغزو الاستعماري لها .. وهكذا تكوّن ركام ضخم من تقارير استكشافات ، ومنوغرافات .. وكذلك العديد من الأبحاث عن القبائل والمدن والزوايا الملتزم أغلبه بإنجاح عملية استتباع البلاد وإدماجها بالنظام الاستعماري " .
3. لقد دخلت السوسيولوجيا الجامعات العربية ، أولاً كمادة دراسية في إطار المواد الأساسية لقسم الفلسفة ، ثم بدأت تتحول تدريجياً إلى قسم مستقل . وتعتبر جامعة القاهرة أول جامعة عربية تحولت فيها السوسيولوجيا إلى قسم مستقل عام 1947 ، بينما تأخرت جامعة دمشق إلى 1976 ، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى 1978 م وما تزال السوسيولوجيا تدرس في العديد من الجامعات العربية في إطار العلوم الإجتماعية الأخرى أو الفلسفة .
4. تنطبق مسألة تبعية الوطن العربي الثقافية العامة للدول الصناعية المتطورة ، بصورة أساسية على السوسيولوجيا التي نشأت في أحضان الثورة الصناعية في أوروبا وأمريكا . ولم يكن الرواد العرب الأوائل من السوسيولوجيين سوى ممثلين لهذه المدرسة أو تلك من المدارس السوسيولوجية الأوروبية . فلقد كتب نقولا حداد عام 1924 أول كتاب عربي يحمل اسم " علم الإجتماع " ، وكان واقعاً بصورة خاصة ، تحت تأثير هربرت سبنسر ، ونظرية التطور الداروينية ، وحاول كل من عبد الواحد وافي ، وعبد العزيز عزت ،وحسن سعفان شحادة ، إلباس ابن خلدون قبعة أوغست كونت، ولم يكن عبد الكريم اليافي أكثر من ناقل لنظريات دوركهايم السوسيولوجية إلى اللغة العربية ، وبصورة عامة فإن مؤلفات ، وترجمات خريجي جامعات أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ، التي كانت تهيمن على المناخ الأكاديمي العربي ، قد جعلت السوسيولوجيا في الوطن العربي ، وحتى وقت قريب ، اسيرة الوضعية الفرنسية ، والإمبيريقية الأمريكية ، والاتجاه البنائي الوظيفي ( أنظر: عبد الباسط عبد المعطي ، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع ، الكويت 1981 ) . هذا وقد وضع كثير من السوسيولوجيين العرب ، إمكانياتهم ومعارفهم العلمية ، في خدمة الأنظمة التي يعيشون في ظلها وحولوا السوسيولوجيا إلى علم رسمي تبريري ، وأغرقوا طلبتهم في بحوث إمبيريقية جزئية بعيداً عن الحاجات الفعلية للجماهير الشعبية التي تحكمها هذه الأنظمة .
5. بعد فشل عقدي الأمم المتحدة الأول 1960 ـ 1970 ، والثاني من 1970 ـ 1980 ، في تضييق المسافة الإقتصادية والاجتماعية بين الدول المتطورة ، والأخرى ناقصة التطور (ومنها الوطن العربي ) بدأت أعين السوسيولوجيين العرب تتفتح على عيوب النظريات التي تدخل في إطار " علم اجتماع التنمية " Sociology of Development وبالتالي ، تم وضع هذه النظريات على محك النقد العلمي ، ولكن من منظورأبناء العالم الثالث أنفسهم هذه المرة حيث اخذت تتزاحم على هذا المحك النقدي ، تيارات سوسيولوجية أربع ، تمثل التيارات السياسية التي سبق أن أشرنا إليها في الفقرة الأولى أعلاه ، ألاوهي :التيار الليبرالي ، التيار الإسلامي ، والتيار القومي ، والتيار الماركسي ـ اللينيني .وبدأنا نرى في المكتبات العربية كتباً تحمل أسماء : علم الإجتماع الإسلامي ، علم الإجتماع البرجوازي ، علم الإجتماع الماركسي ، وكانت تنطوي على وجهات نظر متباينة حول قضايا التخلف والتبعية والتنمية.
6. في دراسة ميدانية قام بها الدكتور طاهر لبيب ، الأمين العام للجمعية العربية لعلم الإجتماع حول المؤلفين والمؤلفات المقترحة على طلبة السوسيولوجيا في ثمانينات القرن الماضي، تبين ( وبكلمات الباحث نفسه ) : ــ أن سمير أمين هو المرجع الأول في تدريس علم الإجتماع ، ــ أن ابن خلدون والمغرب العربي مقولتان متلازمتان ، يفضي كل منهما إلى الآخر ، ــ يمثل كارل ماركس المرجع الخفي ، الذي لايوجد ــ عموماً ــ رجوع مباشر إليه ، وإنما عبر قراءات ماركسية ، من نوع قراءات : ألتوسر Alltusser ، غرامشي A.Gramci ، سمير أمين ، عبد الله العروي ، ــ ينتمي كل من سمير أمين وماكس فيبر وابن خلدون وعبد الله العروي إلى النواة الأساسية لمجال المعرفة السوسيولوجية التي مصدرها التدريس في الجامعة التونسية .
إن دراسة الدكتور الطاهر لبيب ، تعكس واقع الحال واحداً من الاتجاهات السوسيولوجية الأربعة التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة ، ألا وهو الاتجاه الماركسي اللينيني ، وهو لايمثل واقعيّاً سوى جانب واحد من الواقع السوسيولوجي في جامعات الوطن العربي ، الذي سبق أن أشرنا إليه .
7.تنطوي الترجمة العربية لكلمة Sociologie الكومتية بـ " علم الإجتماع " ،على نوع من الإلتباس والازدواجية ويعود هذا الإلتباس إلى أن الظواهر الإجتماعية نفسها ، إنما تنطوي على بعدين اثنين : بعد " عام " يشير مفهوم " إجتماعي " بالمعنى الواسع الذي يشمل البعد السياسي والثقافي والاقتصادي والسوسيولوجي ، وبعد " خاص" يشير إلى مفهوم إجتماعي بالمعنى المحدود والضيق ، الذي ينحصر بالعلاقات الإجتماعية بين الأفراد والمجموعات كما أنه من الناحية اللغوية ، فإن تعبير " علم إجتماع " يمثل المفرد الذي جمعه " العلوم الإجتماعية " ، وبالتالي يمكن إطلاق تسمية " علم إجتماع " على كل من علوم السياسة والاقتصاد والتاريخ..الخ بسبب انضوائها جميعاً تحت مفهوم / تسمية العلوم الاجتماعية . وخروجاً من هذه الإشكالية نقترح على الزملاء في علم الاجتماع ، أن يستخدموا إما المصطلح الكومتي المعتمد في كل لغات العالم (Sociologie ) ،أوالمصطلح الخلدوني العربي (علم العمران ) . هذا مع العلم أن مصطلح " علم الإجتماع " يمكن أن يتحول مع الزمن إلى مصطلح مكتف ذاتياً ،ويصبح مرادفاً لمصطلح السوسيولوجيا ، أوعلم العمران ، أي ليس كمفرد لجمع ( العلوم الاجتماعية) ، وبالتالي فإن استخدامه يمكن أن يظل صحيحاً ومشروعاً.
8. تعني التنمية بصورة عامة : ــ تنمية الوعي السياسي (الفردي والجماعي) ، تنمية الممارسة الديموقراطية ، تنمية الإنتاج المادي والمعنوي . ويمثل العنصر الأول برأينا الشرط المسبق لتنمية كل من الديموقراطية والإنتاج المادي والمعنوي . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : " من سينمي من ؟ وكيف؟ ". وفي محاولة الإجابة على هذا السؤال الإشكالي ، لابد من التوقف عند المسائل السوسيولوجية التالية : 8. 1 ، إن تغييب الدور السياسي للجماهير العربية من قبل السلطات الحاكمة ، كان وما يزال ، السبب والنتيجة معاً لتخلف الوعي السياسي والاجتماعي لدى هذه الجماهير ، 8. 2 ، إنه إضافة إلى السلطات الحاكمة ، المرتبط معظمها بالدول الرأسمالية الكبرى ، المعروفة الأهداف والنوايا ، فإن شرائح كثيرة وكبيرة من المثقفين ( الأفندية ) غير العضوين ، بمن فيهم قسم من المشتغلين بعلم الاجتماع ، وقسم من رجال الدين ، وقسم من العسكريين ، قد وضعوا معارفهم النظرية والتطبيقية في خدمة " السلطان " والدولار ، بحيث لم يعد المرء قادراً على التفريق بين اليمين واليسار فيهم . 8. 3 ، يتميز التركيب الإجتماعي في الوطن العربي بالتداخل والتشابك بين الإنقسامين : العمودي ( الإثني ، الديني ، الطائفي ، القبلي الجهوي ) ، والأفقي ( الاقتصادي والطبقي ) ، الأمر الذي ترتب عليه ، انتقال هذا التداخل الإجتماعي إلى المستوى السياسي ، وبالتالي إلى العلاقة بين فئات الشعب المختلفة ، التي بدأ يضمر بينها وداخلها مفهوم " المواطنة " ، ليحل محله مفهوم " الأقلية والأكثرية " بكل إشكالياته المعروفة ( والتي نراها ونسمعها ونلمسها منذ أربعة عقود في الحالة السورية ) ، 8. 4 ، هناك محاولات سوسيولوجية تحاول الربط بين ظاهرة التخلف في الوطن العربي ، والدين الإسلامي الذي تدين به معظم المجتمعات العربية . غننا في الوقت الذي لاننكر فيه أن بعض أشكال التدين يمكن ان تبرر مثل هذا الربط المتسرع ، بيد أن هذا الحكم لاينطبق لاعلى الدين الإسلامي في صورته الصحيحة ، ولا على الأغلبية الساحقة من أتباع هذا الدين . إن الإشكالية التي نحذر السوسيولوجيين منها ، هو ألاّ تستجرهم مسألة الحداثة والتحديث ( وهي مسألة صحيحة ومشروعة ) إلى التماهي الفكري مع مقولة : " إن وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم !!" بدل العكس .
9. ينبغي أن تكون من أبرز مهام علم اجتماع التنمية ،وبالتالي مدرسي هذه العلم ، في الوطن العربي ، مايلي : ــ دراسات تتعلق بتحديد العلاقة بين متغيرات : التخلف ـ التبعية ـ التنمية ، ــ الكشف عن آلية الاستغلال الداخلي والخارجي للثروة القومية المادية ( ولاسيما النفط ) والبشرية ، ــ أثر الصراع السياسي والعسكري والأيديولوجي على المستوى العالمي ، على عملية التنمية في الوطن العربي ، ــ التداخل والتمايز بين الإنقسامين العمودي ( الديني ، الإثني ، الطائفي ، القبلي ، الجهوي ) والأفقي ( الاقتصادي والطبقي ) ، على عملية التطور الاجتماعي في الوطن العربي ، ــ الدور الإيجابي والسلبي للنخب الحاكمة في الوطن العربي ( المثقفون ، الجيش ، المستبد العادل ، المستبد الفاسد الحزب الحاكم ، الأسر الحاكمة ...الخ ) ، ــ الآثار الإجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، المترتبة على استيراد التكنولوجيا عامة ، والتكنولوجيا الجاهزة خاصة ( معامل تسليم المفتاح ، التكنولوجيا العسكرية ) من الدول الصناعية المتطورة ، ــ الدور السياسي والأيديولوجي لوسائل الإعلام المختلفة ، ولا سيما الفضائيات ، في صناعة وصياغة الوعيين الفردي والاجتماعي في الوطن العربي .
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر حول الإخوان المسلمين والثورة السورية
-
عامان والثورة مستمرة
-
في سورية : انتفاضة أم ثورة ؟
-
ثورات الربيع العربي بين الرأي والرأي الآخر
-
بشار الأسد وحكاية العصابات المسلحة
-
نداء أخوي ثان
-
المعارضة السورية في ميزان النقد ، مساهمة في التحليل والحل
-
الدفاع عن الرسول : نعم ولكن!
-
النظام السوري إلى أين؟
-
حزب البعث وسرطان الطائفية
-
التغير الإجتماعي بين الإصلاح والثورة الحالة السورية نموذجاً
-
ليس من رأى كمن سمع
-
جيش الأسد : من مذبحة الحولة إلى مجزرة تريمسة
-
نداء أخوي
-
الخامس من حزيران 1967
-
خواطر شاهد عيان الخاطرة العاشرة
-
ثورة آذار السورية بين إشكاليتين
-
في الذكرى الرابعة والستين لنكبة فلسطين
-
حول مؤتمر المنبر الديموقراطي السوري في القاهرة
-
نزار قباني
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|