|
مكان الطقس في سميوطيقة العرض
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4094 - 2013 / 5 / 16 - 20:22
المحور:
الادب والفن
إذا كانت السميوطيقة تهتم بما يعنيه شئ، أو بمعنى آخر، كيف أن شيئاً يصير دالاً (تعبير) لشئ آخر وعليه يصير مدلوله (محتوى)، حينئذ يوجد فضاء لسميوطيقة الطقس، بعيداً عن أنثربولوجيته: دراسة كيف أن فعلاً (لأن "شيئاً" في هذه الحالة يجب أن يفهم على أنه فعل) يتميز عن الأفعال الأخرى كلها فيصبح حاملاً لمدلول "طقس". فيما يلي سنبرهن على اقتراحين متكاملين: سنرى الطقس بين أفعال أخرى، وهي تتمايز بطريقة محددة كحاملة لمدلول؛ وسنضع الطقس في إطار السميوطيقة الثقافية. مسرح وطقس على ضوء دائرة براغ إن الأفعال التي نرى أنها بطريقة جلية حاملة لمدلول هي هكذا لأنها في مكان أفعال أخرى (أو الأفعال الأخرى التي يقوم بها شخص آخر في زمان ومكان آخر) وهي التي نراها في المسرح. وفي سميوطيقة المسرح، منذ مدرسة براغ حتى وقتنا هذا، اصطدم الباحثون في مرات عديدة بمشكلة الطابع متعدد الوجوه للمسرح. وفي إطار الدائرة سالفة الذكر قام جان موكاروفسكيو Jan Mukar & Ovskyo في أربعينات القرن العشرين بتطوير نموذج يرى أن المسرح يؤدي عدة وظائف في الوقت نفسه، ولكن هناك دائماً وحدة أو أخرى لها السيطرة على الوظائف الأخرى وتؤثر فيها، أي لا تكتفي بأن يكون لها ثقل أكبر تجاه الوظائف الأخرى بل أيضاً تستخدمها لأغراضها الشخصية. وهذه الوظائف يمكن أن تكون نص الدراما، عمل الممثل أو الممثلة، العلاقة بين الجمهور والمسرح، إلخ. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه تذهب مدرسة براغ إلى ما هو أبعد من ذلك وهي الإحالات ومعروف أنها تقدم سميوطيقة مسرح لاحقة على تعدد النغمات حسب رولان بارت و لاحقة على عناصر كوزان Kowzan. قام السويديان المتخصصان في الثقافة السلافية أولي هيلدبراند Olle Hildebrand ولارس كليبرغ Lars Kleberg بجهد كبير في تطوير هذا النموذج، عازلين في جزء أوجه الشبه والاختلاف في هذا العناصر في "المسرح، الحدث الرياضي والطقس"، وفي جزء آخر معتبرين النظريات الأولى لمسرح الطليعة الروسي من هذا المنظور. المهم والجديد، في ما يتعلق بموكاروفسكيو هو أنها لا تخضع لعلاقات داخلية في المسرح كظاهرة في حد ذاتها في حالة تطور تاريخية، بل أيضاً يقارنانها بظواهر أخرى تشبه بطريقة أو بأخرى هذا الأخير. وكما سبق أن أثبت في مناسبات أخرى (سونيسون 1992ب؛ 1998) فمع ذلك نجد أن هذا النموذج، المتناقض والغير كافٍ، على وجه الخصوص مجحف في انتقاء عناصر أخرى يمكن أن يُقارَن المسرح بها. كان لدى أولي هيلدبراند Olle Hildebrand ولارس كليبرغ Lars Kleberg اهتمام بالتوجهات الجديدة للطليعة الروسية. وفي واحد من نصوصه الأولى يبرز هيلدبراند (1970) الرياضة والطقس والمسرح عبر تصنيف متقاطع لثنائيتي "مسرح ضد جمهور" و"دال ضد مدلول" التي تظهر فيها الرياضة على أنها أول ثنائية، والطقس هو الثانية والمسرح كلاهما. والمقابلة الأولى مصدرها موكاروفسكيو، الثانية سوسير Saussre/هجلمسليف Hjelmeslev . وحسب دائرة براغ فإن هذا على صلة بعنصري الإحالة والمشهد، على التوالي. ويمكننا صياغة هذا النموذج بطريقة سهلة بما فيه الكفاية (شكل 1). مسرح طقس رياضة تعبير/محتوى (وظيفة سميوطيقية + + - خشبة/جمهور (وظيفة مشهدية) + - + شكل 1. مقارنة بين مسرح، طقس ورياضة (حسب هيلدبراند)
وحسب هيلدبراند (1978) فإن الطقس والمسرح يتحدان، بالمعنى المشار إليه، في عمل المخرج الروسي إيفرنوف Eivrenov وعلى وجه الخصوص في "أرلكين السلبادور" Arlequí-;-n el Salvador أو المهرج المنقذ . فالمسرح يتميز عن الطقس فقط عبر تجلي طبقة أخرى، تعبير ضد محتوى، لا يُفهم ماذا يضيف إلى أسلوب إيفرنوف. وربما يمكن تصحيح هذا عبر إعادة إدراج مفهوم المسيطر في معنى موكاروفسكيو الذي يسمح لنا بالقول إنه رغم أن أسلوب ‘إيفرنوف وكذلك المسرح العادي فيهما الثنائيتان نفسهما، المسيطر مختلف، لأن ما هو شعائري في مسرح إيفرنوف مسيطر عليه، رغم كل شئ، من تعبير/محتوى؛ أو إذا لم يكن هناك شئ أكثر من معرفة الطقس مما يقوله هيلدبراند. وكليبرغ (s1984:60) يتحدث عن المسرح الذي يميل إلى التحذلق حسب تعريف هيلدبراند: "في المسرح كشكل فني اهتم بتغيير التركيز من "العرض" نحو العبادة. /---/ وإلغاء الثنائية بين الممثلين والجمهور أصبح استعارة من تصفية سلاسل تناقضات أخرى مثل شاعر ضد جمهور، فردية ضد جماعية، إلخ، (ص. 60f). وهنا يفسر تعبير تغيير التركيز " shift of emphasis " حسب مفهوم المسيطر لدى دائرة براغ، إلا أن المعنى يبقى غامضاً.. ويحملنا التعريف إلى سلسلة من التناقضات. فإذا كان الطقس يحمل مقابلة تعبير ضد محتوى ويضيف المسرح المقابلة بين خشبة وجمهور، فماذا يمكن أن يعني حينئذ أن مسرح إيفرنوف يوحدهما؟ وإذا ترك مسرح إيفانوف مقابلة خشبة ضد جمهور، وهو له وظيفة تمييزه عن الطقس، فما وجه اختلاف مسرحه عن الطقس بعد؟ هذا يوعز بوجود شئ أكثر في مفهوم طقس وربما أيضاً في مفهوم مسرح.
الطقس كفرجة وبعيداً عن هذه التناقضات يظهر، رغم ذلك، سؤال أساسي أكثر: ما السيطرة التي يقسمها كل من المسرح والطقس والحدث الرياضي إلى ثلاثة أجزاء؟ في كلمات أخرى، هل هناك شئ مشترك بين هذه الأفعال الثلاثة الحاملة للمدلول لا يكون مشتركاً بين أنواع أخرى من الأفعال؟ يمكن أن يسأل واحد: لماذا يقارن المسرح بالطقس وليس، على سبيل المثال، مع السيرك، الباليه (إذا لم يكونا حالتين خاصتين من المسرح)، الحفلات الموسيقية، المحاضرات العامة، أو حتى بلعب الأطفال (اللعب الرمزي لدى بياجيه)، الاجتماعات الاجتماعية، الأسواق، إلخ. ربما قد يُستبعد بعضها من مفهوم "عرض" في معنى أوسع، فقناة المسيطر للإدراك الحسي ليس البصر بل الصوت، وعلى وجه التحديد اللغة. وإذا كنا سنصدق هيلدبراند وكليبرغ فإن الطقس عرض بدرجة أقل، ولا حتى هو مفتوح على الإدراك. وجزء من المشكلة هي أن "الوظيفة المشهدية"، مفهومة على أنها دعوة للتأمل، تعد شيئاً عاماً، في اتجاهين على الأقل: في المقام الأول فإن كل ما هو موجود في ما هو عام ( "الكرة العامة" لدى هابرماس Habermas) يفتح بطريقة ما على الإدراك؛ وفي المقام الثاني فإن كافة الأعمال الفنية أعدت على وجه التحديد كي تُدرك. وما هو عام، كشئ يدعو إلى الإدراك، وبالتأكيد يبرز، على سبيل المثال، -حسب رأي غوفمان Goffman- عندما تُرى الحياة الاجتماعية كما لو كانت مقسمة إلى مسرح وفضائه خلف المسرح Backstage منفصلين بواسطة باب دوّار في مطبخ مطعم، أو –حسب سينيت Sennett- عندما يقابل ما هو مسرحي في الحياة العامة حتى القرن الثامن عشر بعاطفية أيامنا (التي تقدم العرض نحو الداخل، بدلاً من نحو الخارج)، أو عندما يقوم واحد يماثل النظام الاجتماعي الرأسمالي (وهو في الوقت الراهن النظام العالمي الباقي لنا) "بجمعية عرض". ودون التحالف مع أيٍ من صور العالم هذه يجب أن نقبل، رغم ذلك، أن أجزاءً كبيرة من الحياة اليومية موجودة كي تُدْرَك من آخرين: وهذا صالح في الملابس والزينات الجسدية، ليس فقط في "الثقب" والوشم اللذين عادا ليكسبا شعبيةً من جديد مؤخراً، بل أيضاً في الأقراط العامة وزينات أخرى من هذا النوع. وبدرجة أعلى يبرز سوق العصر الوسيط كعرض، حتى عندما كان باختين Bakhtin يهتم بما يقال فيه أكثر مما يُشاهَد؛ وشئ مشابه يمكن أن يقال عن الشارع، المقاهي والمنظر العام في عاصمة القرن التاسع عشر، مثل وصفها كل من بودلير وبنجامين Benjamin في ما بعد ككل العواصم العالمية في الحقبة الحديثة، وهذا ينطبق على الساحة الصغيرة في الضيعة التقليدية، وكذلك عن الأعياد الشعبية، في اتجاه تقليدي وعندما تظهر مجدداً في العقود الأخيرة على شكل احتفالات سياحية تحت رعاية الإدارة البلدية (سونيسون، 1995). ومع ذلك فإن هذه الظواهر ليست على وجه الدقة عروضاً، وذلك لأسباب عدة من بينها أن الوظيفة المشهدية عندما تظهر ليست مسيطرة أو ليست هكذا بالنسبة لكيفية الرؤية، أو لأن الوظيفة المشهدية متقطعة فقط، أو لأنها أيضاً متناسقة. وبالنسبة للمحاضر أو لمشارك آخر في الانتظار العام يمكننا القول إن كيفية الرؤية ليست مسيطرة (باستثناء عندما يكون المحاضر نوعاً من الشخصيات المشهورة، على غرار ما كانه لاكان Lacan ورولان بارت Roland Barthes). في كثير من الأحوال نجد أن الوظيفة المشهدية ليست مسيطرة أو تظهر بشكل مؤقت فقط، وهو ما يمكن أن يقال بشكل أقل أو أكبر في الكثير من أجزاء الحياة اليومية. ومع ذلك، فإن التناسق يعد أكثر أهمية، كموناً على الأقل، في الكثير من المواقف المشهدية. ويبدو أن كل من موكاروفسكيو وهيلدبراند وكليبرغ يتخيلون الوظيفة المشهدية كنتيجة لتقسيم مطبق على مجموعة أشخاص- من بينهم فاعلون ومفعول بهم، على التوالي- في عملية مراقبة. في السوق والساحة والشارع إلخ، نجد أن المراقبة (احتمالياً) متبادلة، ليس في حالة الرياضة والمسرح. وفي ما يتعلق بالطقس، يبدو أن من الخطأ أن نقول إنه لا توجد وظيفة مشهدية، في الواقع، فكثيراً ما يوجد انقسام، على غرار ما يحدث في المسرح، بين من ينفذون الطقس والذين يشاركون فقط، على سبيل المثال في حالة القس في القداس المسيحي وجماعة المصلين، أي أن هناك فارقاً بين الذين يراقبون فقط ومن هم موضع مراقبة. ربما لا يوجد أحد في الطقس ليس فاعلاً فقط بل مفعولاً، موضع مراقبة، لأن القائم بالقداس حاضر ويجرب الطقس بصفته هذه؛ فهو يقوم به لنفسه بالدرجة التي يقوم به للآخرين (على خلاف الممثل). هذا بالإضافة إلى أننا عندما نفكر في الطقوس ذات النوع الذي يتخيله هيلدبراند وكليبرغ، حيث الفرق بين القائم بالطقس والمشاركين يُمحى في حالة تحول جماعية (طقس ديونيسيوسي أكثر منه أبوللي) (1)، وتبقى في أية حالة وظيفة مشهدية للمشارك التي دونها لا يكون للطقس معنى. ويضاف إلى هذا أن المشاهد والمراقب عادةً ما يمنحهما فضاءات مختلفة: هذا يقدم إمكان نقل الفضاءات مستقلة عن الأدوار، سواء في إيفانوف Ivanov أو في إيرنوف Eirnov، كما في مسرح الطليعة الأحدث، على سبيل المثال في المسرح الحي Living Theatre، مسرح الشمس Théatre du soleil، إلخ. وبالطبع هناك أيضاً طقوس حيث نجد أن فضاء منفذها مفصول تماماً عن فضاء المشاركين العامين؛ وهذا أيضاً صالح للطقس المسيحي العائلي، وبشكل خاص في فرعه الكاثوليكي. ولهذا فإن نقل الحدود لا يفسح المجال أمام فن جديد بل لتدنيس مقدسات. "اللعب الرمزي" وصراع الشخصيات الرئيسية في المسرحية هناك اتجاه آخر تبدو فيه الوظيفة المشهدية عامة أكثر من اللازم، وهو موجود في واقع أن كافة الأعمال الفنية، كي لا نقول كافة العلامات، تتطلب مشاهداً/متلقياً، ويمكن القول إنها مقدمة، أي الأعمال، مقدمة للإدراك. وهذا يبدو جلياً في موقف التوصيل على غرار وصف نموذج براغ حيث يكون على المتلقي أن يحول جهازاً إلى شئ للإدراك بواسطة عملية تجسيد. إذا اتكلنا على الطريقة البصرية المسيطرة، يمكننا القول إن الفن البصري يرتكز على تقسيم شئ مراقب وعلى مراقبه. في الواقع، كل تقسيم من هذا النوع يسجد كافة الأمكنة الموجودة في عملية تدوير العمل الفني، كالمتاحف وقاعات العرض وأمكنة أخرى للعرض. والأشياء الجاهزة Ready –mades تعني هذا: إنها أشياء ليست عامة أو شبه عامة (المكواة في البيت) أو ربما عامة، إلا أنها مقدمة بصرياً (المبولة) وتقع في مكان للتأمل. والمسرح والرياضة والشعيرة كلها مشهديات مسلك تقدم للتأمل. وهي تختلف في هذا عن العمل الفني العام، وهو ليس مسلكاً بل شيئاً جامداً، على الأقل في تعبيرها. والفعل المسرحي مكون من مسلك، سواء على مستوى التعبير أو المحتوى؛ والرياضة والطقس مثله على الأقل فيما يتعلق بالتعبير. وفي هذا الإطار فإن وصف الوضع المسرحي الأساسي الذي قام به إمبرتو إكو (1975) ليس موضحاً بهذا الشكل: فمدمن خمور نائم على مصطبة حيث يعلق جيش التحرير فوقها لافتة حول خطورة شرب الكحول. هذا المشهد ذو طابع جامد يقترب من تأمل الشيء: إنه "لوحة حية"، وهو من وجهة نظر الحياة شئ ميت بما فيه الكفاية. إن جانب الوظيفة السميوطيقية الذي يطلق عليه بياجيه :اللعب الرمزي" يمكن أن يُرى على أنه سابق على المسرح وعلى الطقس (سونيسون، 19992أ). وهنا يبدو أن لا شك في أن التعبير والمحتوى مسلكان (ما تفعله الطفلة مع دميتها هو ما تفعله أمها مع أخيها الصغير). وفي الوقت نفسه، يبدو أنه لا يوجد جمهور في اللعب دون أن يكون ممثلاً أيضاً. في البرهان السابق وصلنا إلى تجسيد مراجع للطقس كشيء يمنح فيه دور المشاهد لكافة المشاركين، في حين أن دور الممثل لا يوزع على الجميع بالضرورة. وعلى عكس ذلك ففي اللعب يبدو أن كافة الحضور ليسوا مشاركين بدرجة ما هم مشاهدين. و"اللعب الرمزي" عند بياجيه Piaget يقابل واحداً من الأنماط الأربعة للعب التي يميزها كالوا Callois (1968): التنكر mimicry أو التظاهر simulacro. والأنماط الأخرى صراع agon أو منافسة competencia، ككرة القدم مثلاً؛ المصادفة aléa أو الصدفة casualidad، مثل اليانصيب؛ وكذلك ilinx أو الدوار vértigo، مثل حالة عضوية. وهذه الأنماط الأخرى للعب تبدو بلا وظيفة سميوطيقية. ويمكننا ربط "الحدث الرياضي" عند هيلدبراند بالصراع agon، ولكن ليس هناك شئ في تصنيف كالوا يقابل الطقس، طالما أننا لا نفهمه على أنه شئ ديونيسيوسي صرفاً، طبقاً لتوجه كليبرغ ونربطه بـ ilinx. من المحتمل أن يتطابق هذا مع مفهوم مالينوفسكي Malinowski بخصوص "الصلة الحميمة" phatic communion أو الصلة الكلامية (وهي وظيفة توصيل لدى جاكبسون Jakobson). إلا أن تقليص الطقس إلى النشوة ليست طريقة للعدل. ويبدو أن بعض أنواع العروض التي أشرنا إليها سابقاً، مثل السيرك والباليه يجب أن تُفهم على أنها صراع agon، على غرار ما يحدث في الرياضة، وعليه فإنهما لا يستندان على أي تقسيم من التعبير والمحتوى. ويبدو أن هذا يطبق بشكل خاص على عدد كبير من السيرك تحتوي عنصر تصاعد. وكما ترك واضحاً بول بويساك Paul Bouissac (1981) فإن هذا التصاعد، رغم ذلك، يمكن أن يكون منفرداً: توضع الأرقام واحداً تلو الآخر بنظام يبدو زيادة متدرجة من الصعوبة، في حين أن الجهد الحقيقي يمكن أن يتحقق بالعكس. فواقع أن الرقم يجب أن يُرى صعباً يحتوي عنصر معنى، فرقاً بين تعبير ومحتوى. وفي الاتجاه نفسه أعتقد أن الباليه الكلاسيكي أيضاً حامل مدلولات (مستقلة تماماً عن عنصر التقليد الخالص)، لأن من الضروري أن تُرى الأفعال سهلة (أي، سهلة لأولئك الذين يحققونها). ومن هذا يستنتج أن السيرك والباليه لديهما شئ مشترك مع المسرح واللعب الرمزي: قيمته في الفعل بهذه الصيغة، بكل تفاصيله، كما أن هذا الأخير يُدرك و/أو يجرب. والحدث الرياضي وكل صراع على العكس له قيمته في ما يحصلان عليه، وهذا في رأيي هو حالة الطقس؛ فهي أفعال آلية، وسائل لهدف (حتى عندما لا يكون لهذه الوسائل، كاللعب، هدف خارج دائرتها الذاتية). وفعل المسرح تعبير على علاقة بمحتواه؛ صراع وطقس على علاقة بالاستخدام. ومجموعتا الأفعال تتميز في ما بينها هكذا على غرار ما يطلق عليه غريميه Gremais (1968) إيماءات gestos أو تطبيق عملي praxis؛ والأولى تؤدي إلى تفسير العالم، والثانية إلى تغييره. وكتطبيق عملي الطقس كافتراض تناقضي: لا يغير العالم مادياً (مهما يكن الأمر لا أساسياً) بل يقوم به بشكل "روحاني". يمكن القول إن ما يغير العالم هو تفسيره. كان بطريقة شبيهة بحيث قام أحد أعضاء مدرسة براغ جيندريش هونزل Jindrich Honzel (1982) بوصف الفرق بين مسرح وطقس. وقد قال إن كلاهما فعلان سميوطيقيان ولهذا فكثيراً ما يلتبسان، على سبيل المثال في فاغنر Wagner وسلفه. ومع ذلك ففي حين أن الفعل المسرحي يمثل فعلاً حقيقياً، فإن الفعل الشعائري صيغة لتغيير العالم مع فرض تفسير ديني له. ولكن هونزل Honzel يعتقد أيضاً أن الطقس، لمن يؤمن به، ليس كالمسرح يمثل فعلاً آخر، بل إنه الفعل. في المناولة المسيحية، على سبيل المثال، نجد أن تلقي القربان والنبيذ ليس تمثيل تضحية المسيح بل التضحية مرة أكثر. إذا كان هذا حقيقياً فإن الطقس لن يكون تعبيراً يشير إلى فعل آخر مثل المحتوى؛ بل إن كل فرصة من الطقس ستكون على صلة بالفعل الأصلي كنموذج لنمط، أو النموذج الذي خلقه النمط؛ لأنه من الواضح ستكون مسألة نمط النوع الذي يجرب كمخلوق على أساس نموذج خاص محدد في الزمان والمكان، كما هو الحال في عمل فني تحيل إليه النسخ (سونيسون 1997ب؛ 1998ب). غير أن الطقس في هذا الإطار ليس شيئاً خاصاً: فكل الأفعال من هذا النوع، بمستوى أكبر أو أقل من التنظيم (فلنعد إلى هذه النقطة في ما بعد). وغير ذلك يرى علماء أنثروبولوجيا معاصرون أن التفسيرات التي من هذا النوع تجعل "البدائيين" أكثر سذاجة: ينتظرون للقيام بطقس المطر إلى أن يلحظوا أن موسم الأمطار يقترب حسب دوغلاس (1996).
• هذه ترجمة كاملة لدراسة باللغة الإسبانية نشرت على الشبكة الدولية تحت عنوان: ( El lugar del rito en la semió-;-tica del espectá-;-culo)) لمؤلفه Goran Sonessonوموقعه على هذه الشبكة هو: http://www.arthist.lu.se/kultsem/sonesson/SemRito.html. (1) نسبة إلى ديونيسيوس أو باخوس إله الخمر وإلى أبوللو إله الجمال.
#خالد_سالم (هاشتاغ)
Khaled_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السارد في المسرح
-
سميولوجيا العمل الدرامي
-
الشاعر أوكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن
...
-
المسرح والخيال
-
عبد الوهاب البياتي محلقًا عبر أشعاره وحيواته في العالم الناط
...
-
مسرحية -القبيحة- وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
-
الصراط المستقيم وتخلف العرب المبين: الهنود الحمر نموذجًا
-
ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المع
...
-
نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
-
شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل
...
-
هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
-
إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
-
قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
-
حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي
...
-
مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل
...
-
لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال
...
-
كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
-
كان ياما كان
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|