أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - ألّلهمّ أبعد عنّا الفتنة!














المزيد.....


ألّلهمّ أبعد عنّا الفتنة!


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4094 - 2013 / 5 / 16 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان ياما كان على الأرض إنسان. قبل ما قاله الدكتور رائد فتحي في حق طائفة المعروفيين بدأت الرواية، "الروّاد" سبقوا و"الفتح" كان. الأمور بخواتيمها .... وهاكم فصلاً من فصولها.
في القدس، في فلسطين، درجت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليات اغتيال ضد من قرّرت كلّية القوة والبطش أنّ ساعة ملاقاة ربِّه شهيدًا حضرت. قانون البارود، بقايا إرث معتق من أيام ما نزلت هناك على جبل ضائع، شريعة على "موسى" وصار الحجر لوحًا عليه نقشت وصايا الرب.
في ذات مساء وادع انطلق قنّاصة الاحتلال وأمطروا شابين مقدسين بدفعة من حقد وزخة من رصاص، أهدت فلسطين شهيدين استقبلتهم بالزغاريد. في زاوية جانبية،هكذا أخبرني قلبي، بكت أمّان من حب ولوعة.
أقيم للشهيدين بيت عزاء مشترك في إحدى ضواحي القدس. أمام البيت ساحة أعدّت لاستقبال وفود المعزين الذين تقاطروا من كل الجهات. المصاب مدوٍّ وأليم والجريمة نفذت في وضح النهار وببشاعة. أحاط سور بساحة البيت، توسطته بوابة واسعة، أمامها يمر شارع ضيق. في الجانب الآخر بيت من حجر تتقدمه ساحة تشبه الأولى، امتلأت بصفوف كراسٍ ستستوعب من لن يلقى كرسيًا في الساحة المقابلة. في منتصف القنطرة التي تزنر باب البيت الرئيسي ألصق حجر كبير وعليه نحت لصورة الخضر،"مار-جريس"، يضرب برمحه حلق التنين. الحجر، بما عليه، يعلن أن صاحب البيت مسيحيّ قدّم بيته للعزاء، كعادات الجيران أهل البلاد، بيت المسيحي وبيت الشهيد صارا بيتًا واحدًا يستقبل المعزّين والوجع.
مع مجموعة من أصدقائي، وجهاء ومشايخ، توجهت لبيت العزاء. استُقبلنا كما يليق بالمقام والحدث. أجلسنا في صف أمامي، بعد أن حُيينا وحيَّينا الموجودين. بجانبي نصبت سماعة لتكون تحت تصرف من يريد أن يجاهر بتعزيته أو يفيد الناس بحكمة ودرس. بعد دقائق توجه صوبها "شيخ" يافع. تنحنح فسكت الحاضرون بعضهم كان يهمس. تحدث "الشيخ" عن الشهادة والموت. خطبة نارية ، ألقاها وهو شبه متكئ على كتفي. أنهى كلامه بسلسلة من الأدعية، مسكها: "أللهم أنصرنا على بني إسرائيل، أللهم انصرنا على اليهود" بعدها رفع يديه، صار أقرب إلى السماء وبصوت متهدج ترجّى: "أللهم أنصرنا على الكافرين والنصارى"، أعادها ثلاثًا وقفل.
أحسست بيد صديقي، شيخ ومناضل، تضغط على ركبتي. فهمت أّنه محرج، ويطلب مني ضبط مشاعري والسكوت. بعض الحرج بدا على بعض الموجودين خاصة من كانت عيناه تحدقان بذلك الحجر والتنين ومن أحس بخوفي من أن تنهال يد ذلك الشيخ على رأسي ويستجاب الدعاء. في الغد زارني وفد من الأصدقاء، بعضهم كانوا شيوخًا. قدّموا اعتذارهم عما حدث. عتبت عليهم لسكوتهم هناك. التصدي لمثل هذا المخلِف واجب. الصمت موافقة خرساء وتربيت على كتف هؤلاء، هكذا قلت لهم.
فلسطين الحديثة، كانت بعيدة عن حروب الملل ولا تعيش هواجس الفرق. فضاؤها الثقافي والحضاري استوعب، بشكل عقلاني، وجود أتباع للديانات الموحدة الثلاث. لم يغب الدين عن حياة مجتمعاتها لكنه كان،على الغالب، عنصرًا مهذبًا للعلائق البشرية ووسيلة تواصل بين العبد وربه. عبر التاريخ، حاولت عناصر كثيرة تأجيج الصراعات الدينية. كانت نجاحاتها محدودة، لم تؤدّ إلى شروخات عميقة، ولم تخلف معسكرات متناحرة كما يجيد الدين المسيّس فعله. في تلك السنوات بدأت أعراض الآفة تظهر على الجسد الفلسطيني. خطابات التمترس الديني بدأت تسود، لغة التكفير تهدد وصكوك غفران محّدثة تنذر بما شهدته عصور الفتن الكبرى والاستبداد. مرّت على تلك الحادثة سنوات طوال، الساحات بدأ يملأها أمثال ذلك الداعي على الكفار والمسيحيين بالموت. الصمت تمادى فأصبح شريكًا وأصيبت فلسطين بداء النحر والتناحر.
حضرتني هذه القصة وأنا أقرأ ما قاله الدكتور رائد فتحي بحق أبناء الطائفة المعروفية. خفت علينا نحن من بقي في قلب نكبة.
بعيدًا عن دوافع المصرّح وعن مبرّرات ما قاله من حيث الزمان والمكان وبمعزل عن أي تسويغ فقهي لمضمون ما قيل يبقى وقع ما حدث كوقع سكين تهوي على جسد يتساقط مثخنًا بجراح. من المستفيد اليوم من هذه التصريحات ومطلقها ذو مكانة واحترام وتأثير بين فئات عريضة من الناس هنا في الوطن وخارجه؟
باستثناء بعض ردود جاءت من أبناء الطائفة المهاجَمة غابت المسؤولية والموضوعية؛ السياسيون تناسوا! المثقفون تشاطروا! المسيحيون استتروا. المسلمون، باستثناء قلّة كريمة من وجهاء وقادة استنكروا وشجبوا، غابت أكثريتهم غيبة لا تطمئن.
التسلّح بادعاءات التروّي الضروري والنضوج الحكيم، ذرائع لن تشفع لكل من "تقمّع" على رصيف العجز والمهادنة. القصة، كما كتبنا في الماضي، أنّ هذا الصمت سراب في البدايات، لكنّه الضياع والتيه الأكيد.
الحادثة ليست يتيمة ولا هي فريدة. في مجتمعنا يتشكّل مناخ تسوده منظومة قيم يسهل بموجبها إلغاء الآخر. أخطر هذه المظاهر ما تغذيه طائفية مقيتة قاتلة. أقوال الدكتور رائد فتحي سببت ضررًا فادحًا وعكٌرت أجواء مجتمعنا السقيم. صمت المؤثرين يشكل له دعمًا، صمت رفاقه يفسّر على أنه موافقة ومشاركة.
"ارحم من وافق الحق ومن خالفه رحمة له، فإن ذلك قسمةٌ. فإن الكافر إذا رحم المؤمن خفّف الله عنه، وإذا رحم المؤمن الكافر وفّى الله له. الكلُّ خلقُ الله ومضافٌ إليه. فتعظيم خلقه تعظيمه. فطوبى لمن رحم خلقه"، هكذا أوصى ابن عربي ولم يكن وحيدًا.

[email protected]



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحيا الخبيزة
- -هنيئًا لك يا إسرائيل-
- سامر الفلسطيني
- يوم الأسيرة
- عهدك بسّام
- أتركها أقفالًا على ضمائرهم
- أكذبُ من جيش الإنقاذ
- سلامٌ على منسف يوحّد بيننا
- في انتظار عنترة
- انت عربي، انت خطير!!
- ليس للدهر صاحب
- إليكَ أيّها الأشرف
- درس في الديماغوغية
- والدنيا لمن غلبا
- دَبّة صوت
- إنتخابات في اسرائيل
- تحطِّمُنا الأيامُ حتّى كأنّنا....
- عندما يكون العدل ورطة
- أما في الأرض من لبيب
- صوت صارخ في الصندوق


المزيد.....




- لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف ...
- أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
- روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ ...
- تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك ...
- -العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
- محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
- زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و ...
- في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا ...
- النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
- الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - ألّلهمّ أبعد عنّا الفتنة!