|
الروائي العراقي اليهودي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -:عندي كرامة الإنسان المثقف المتسلح بعقله وفكره والذي لا يخشى من أحد
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1175 - 2005 / 4 / 22 - 12:08
المحور:
مقابلات و حوارات
عندما التقيت بشمعون بلاص، القاص والروائي والباحث العراقي الذي وجد نفسه ذات يوم مقتلعاً من جذوره النابتة في حي " الدهانة " في بغداد، شعرت بألم كبير لمئات الآلاف من العراقيين الذين غادروا العراق إلى إسرائيل لسبب ديني لا غير، في حين أن كل الأعراف السماوية والأرضية تحض على التعايش السلمي بين الأديان. فالعراق ليس مقتصراً على المسلمين السنة أو الشيعة، وإنما هو لليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين، وكل الديانات والعقائد الأخر، ومن لا ديانة له أيضاً. ومثلما هو للعرب، فهو للكرد، والتركمان، والكلدوآشوريين، وللعراقيين المنحدرين من أصول فارسية، وأفغانية، وهندية، وأرمينية وما إلى ذلك. كما ذكّرني هذا الحوار بآلاف مؤلفة من العراقيين المنحدرين من " أصول فارسية " بحسب التوصيف الشائع آنذاك حيث أقصاهم النظام القمعي السابق منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، واقتلعهم من جذورهم، وقذف بهم إلى المنافي الإيرانية حيث واجهوا صعوبات جمة ما تزال آثارها المؤسية قائمة حتى هذه اللحظة من دون حلول منطقية عاجلة. هذا الحوار هو محاولة للتعرف على بعض الشخصيات الأدبية العراقية اليهودية التي غادرت العراق منذ أكثر من خمسين عاماً بينهم بلاص والمرحوم سمير نقاش وآخرين حاورت بعضهم، وما أزال أحاور البعض الآخر منهم أملاً في تسليط بعض الضوء على منجزنا الأدبي العراقي الذي أبدعته عقول عراقية يهودية ما تزال تنتمي إلى العراق بوصفه وطن العراقيين جميعاً بصرف النظر عن الديانات والأعراق والمذاهب. وفي الآتي الحلقة الثانية من الحوار: الجزء الثاني *على صعيد بنية النص الروائي أو القصصي هل تميل إلى التجريب أحياناً، أم تكتب ضمن بنية تقليدية هل تميل إلى التحديث، التجريب، الأشكال الجديدة؟ - لدي رواية " الوارث " فيها هذا النمط التحديثي أو التجريبي كما تسميه، وهي مبنية على عدة مستويات، المستوى الأول أنه واحد قصصي يتكلم عن نفسه، بدأ يكتب رواية التي بطلها روائي وأحداثها قريبة من الأحداث التي حدثت له، والروائي يكتب رواية بطلها يكتب قصة والذي يكتب القصة هو أحد الضباط يكتب عن نفسه. يعني هناك انعكاس أول، وانعكاس ثاني، وانعكاس ثالث. لدي محاولات تجريبية ولكن أغلب ما كتبت هو أقرب إلى الواقعية منه إلى أي شيء آخر؟ *هل تفيد من التشكيل والشعر والسينما في كتابة نصك الروائي، أعني هل تدخل هذه الأجناس الفنية في نسيج كتاباتك الأدبية؟ هل تُدخل الجانب المعرفي الإنساني في النص الروائي، أم أنك تكتب نصاً روائياً وقصصياً خالصاً لا أثر لهذه المؤثرات فيه؟ - طبعاً هناك تأثيرات تدخل في سياق أعمالي الأدبية، وهناك تداخل بين الأجناس الإبداعية، ولكن ليس بشكل واعٍ، وليس بشكلٍ مقصود، وإنما بشكلٍ عفوي؟ * إذاً النظرية القائلة بتداخل الأجناس الأدبية صحيحة من وجهة نظرك؟ هل تؤمن بها وتسعى لأن تؤكدها في نصوصك؟ - هناك إفادة من هذا التداخل، وقد صادف أن كتبت أنا عن رسام يقف أمام لوحته مثلاً، ولكن شخصية هذا الرسام هي اختراع داخلي من قبل كاتب القصة. - في بعض قصصك في " نذر الخريف " مثل قصة " الخالة غاوني " التي أعتبرها نواة لرواية طويلة، هل تميل لكتابة الرواية أو القصة الممطوطة أحياناً ولا تميل إلى القصة القصيرة أو القصيرة جداً؟ ما هو السبب من وجهة نظرك؟ - لا أكتب قصصاً قصيرة إلا نادراً، ولا قصصاً قصيرة جداً، وإنما أميل إلى القصص المطولة. وهذا هو نَفَسي في الكتابة. * هل أن الكائن الروائي في داخلك مسيطر على الكائن القصصي؟ - والله يبدو الأمر كذلك.في الرواية ليس فقط الحياة الداخلية للفرد، وإنما في الحياة الخارجية مثلاً الحياة الاجتماعية والسياسية، السياسة تدخل في أغلب كتاباتي، وترى طريقها إلى نسيج نصوصي الأدبية. * هل تؤثر هذه الحيوات الخارجية على الجانب الأدبي في كتاباتك؟ - كلا، لأنها لا تحرّض، لكن السياسة كجزء من الحياة. يقال إن الإنسان هو مخلوق سياسي، لذلك السياسة موجودة في أغلب أعمالي، ولا يشكل وجودها عائقاً أمام تدفق النص، خصوصاً إذا كان الكاتب يمتلك موهبة الكتابة، ويتقن حرفتها في الوقت ذاته. * لقد شاهدنا فيلم " إنسَ بغداد " وفي الحقيقة كنت أنت الشخصية الظريفة، وخفيفة الظل الوحيدة في الفيلم، هل أن الظرافة سجية لدى الروائي شمعون بلاص؟ - كنا نتكلم بشكل عادي جداً، ومن دون سؤال وجواب، فكانت هذه الظرافة التي لمستها، وأظن أنني هكذا دائماً. فلا يجب أن نأخذ الحياة بصرامة وجدية خارجة عن حدها. * هل حاولت أن تُدخل هذا النفس الظريف في القصة أو في الرواية التي تكتبها لكي يظهر هذا النفس بصيغة أدبية؟ ونحن، كما تعرف، نفتقد إلى هذا النفس الفكه في الكتابة؟ -لا والله لم أدخل هذا النفس الفكه، ربما هناك أشياء بسيطة من الفكاهة، ولكن ليس خطاً عاماً. * ألا تعتقد أنها من عناصر بناء النص، ألا تعتقد بأهمية هذا النوع من الكتابة فإن لدينا قصصاً واجمة، على الدوام، وجدية، وصارمة، ألا تعتقد أن هذا الجو المرح المسترخي يساعد القارئ على المضي في القراءة؟ - صحيح، والله ماذا أقول لك يا زميلي؟ لست أدري، لأنني لم أنتبه لهذا الموضوع. * لماذا ركزتم في الفيلم على الذكريات القديمة فقط، صحيح أن الفيلم يتحدث عن بغداد، لكن لماذا لم تتحدثوا عما حدث ويحدث في إسرائيل؟ -أن المخرج " سمير " لم تكن لديه فكرة واضحة عن الفيلم. أتذكر عندما زارني بدأ بالتصوير، وأحياناً كنا نتكلم من دون تصوير. الفكرة كانت كالآتي" هو أراد أن يرى أناساً من أصدقاء ومعارف أبيه، لأن أباه كان عضواً في الحزب الشيوعي العراقي. وأعتقد أنه وجد نوعاً من المسؤولية قد أُلقي على عاتقه، أو ربما قام بهذا الفيلم لتدوين الذكريات من خلال عدسة كاميرته التوثيقية. لذلك أراد أن يرى أناساً عراقيين يتكلمون عن العراق فجاء عندي ثم ذهب إلى أناس آخرين. أما كيف بدأ الحديث عن الاندماج مع هذا المجتمع الجديد في إسرائيل، أو كيف استقبلنا المجتمع اليهودي الإسرائيلي بوصفنا يهوداً قادمين من العراق، فتلك قضية أخرى. في الحقيقة لم يكن هذا الأمر هو الموضوع الرئيس لحديثنا، لكن المخرج اكتشف أهمية هذه المحاور التي لامسناها من خلال الأحاديث العفوية، فطورها خصوصاً في حديثه مع الناقدة والباحثة إلا حبيبا شوحات، وبالمناسبة فقد استغرقه هذا الفيلم وقتاً طويلاً. * أنت تقول إن هذا الفيلم طويل، لكن بالنسبة لي كعراقي، لم يكن الفيلم طويلاً، بل لامس مشاعري الحقيقية، وقد استقبله الناس استقبالاً حاراً من دون أن يشعروا بالملل. السؤال المهم هنا هو: لماذا إنسَ بغداد؟ بدل أن يكون تذكّر بغداد مثلاً؟ - المخرج هو الذي سمّى الفيلم، وهو الذي يتحمّل هذه التسمية، ربما أراد عن طريق النفي أن يثبت أننا لا ننسى بغداد أبداً. * أنت عندك أكثر من جانب بحثي فضلاً عن كتاب الأدب العربي في ظل الحرب، هل لأن الأمة العربية خاضت حروب متعددة، لماذا هذا الاختيار في ظل الحرب، هل لأن الأمة العربية أنتجت أدباً حربياً؟ -لا، طبعاً الأمة العربية أنتجت أدباً متنوعاً، وإذا كنت تقصد الحرب بين العرب وإسرائيل، فنعم، هذا هو قصدي. لأنني رأيت ذلك منذ بداية النزاع العربي – الإسرائيلي الذي انعكس في الأدب في البداية، خاصة في الأدب الفلسطيني، وبعد حرب الـ 48 ثم بعد الـ 67 أصبحت هذه هي الموضوعات الرئيسية في الإنتاج الأدبي، ولذلك اخترت عنوان الأدب العربي في ظل الحرب. هذا الموضوع كان رسالة جامعية، أما لماذا أخذ هذا الكتاب هذا العنوان فقط؟ تساءلت في نفسي" هل يمكن أن آخذ فترة زمنية محددة هي تاريخ الحروب العربية والإسرائيلية وتأثيرها على الأدب العربي فقط؟ قلت: طيب، وماذا عن السنوات الأخرى التي تكن فيها حروب؟ هل غُيّبت تلك السنوات عمداً؟ المهم أنني توصلت في النتيجة إلى أن أتناول مدة محدد محصورة من 1948 إلى 1967 وخاصة بعد الـ 1967 إذ ركزت على الأدب العربي المصري والسوري والعراقي الذي عكس هذا الموضوع، أعني الشخصية العربية في ظل الحرب، الجندي في الحرب، أو الإنسان العربي أيام الحرب. عندما تكلموا عن الانتصارات. والإنسان المضغوط لذي صوّره نجيب محفوظ وهو متأثر بجو الإخفاق والنزاع والقلق وما إلى ذلك. كما صوّر موقف الإنسان المدني تجاه النظام العسكري. هذه الموضوع كُتب عنها بسبب الحرب، وهذا ما درسته في الكتاب. إذ تحدثت عن مجموعة ضخمة من الإنتاج العربي. ليس عن الوقائع الحربية، وإنما عن ذلك الجو، بل، قل حياة الحرب بجوها المتجهم، ولذلك فقد ظهرت في تلك الفترة أساليب جديدة غير مألوفة، أساليب غربية مستحدثة تتناول الفرد المضغوط، وهذا الأمر تجلى في القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية، والقصيدة. أبرز من ركزت عليهم غير نجيب محفوظ، كان من الفلسطينيين غسان كنفاني مثلاً، وعشرات الأشخاص الذين كتبت عنهم، ومن العراق كتبت عن مسرحية اسمها " غرفة الماكياج " للمخرج قاسم حول، كما كتبت قصة عن " الأرجوحة " لمحمد خضير. * في إسرائيل ما هو طبيعة المنجز الأدبي الذي قُدم في تلك الفترة؟ هل وضعت في الحسبان يوماً أن تدرس ماذا قدّم الكاتب الإسرائيلي من منجز أدبي بموازاة الكاتب العربي؟ ما هي الشخصيات التي تناولها الكاتب الإسرائيلي في ظل الحرب؟ - هناك من تناول هذه الشخصيات التي تتحدث عنها، كالجندي الإسرائيلي أيام الحرب، والشخصية الفلسطينية التي تعاني من التردد والشعور بالإخفاق. نعم هناك عدة مصادر ونصوص أدبية تصف موقف ومشاعر الجندي الإسرائيلي تجاه الفلاح الفلسطيني، وفي هذه المشاعر والاحساسات نوعاً من الشعور بالذنب أحيانا. هذه المشاعر موجودة في الأدب العبري، وخاصة لدى أغلب الأدباء الذين ينتمون إلى ما يسمى باليسار، بالمناسبة قليل من الأدباء ينتمون إلى اليمين. أنا أقرأ هذه الأشياء ولا أرى نفسي جزءاً منها. * أنت موجود في إسرائيل وحصلت على جائزة رئيس الوزراء، وكثير من الأدباء العراقيين اليهود حصلوا على هذه الجائزة المهمة. ما هو موقع المثقفين العراقيين اليهود الذين يعشون في إسرائيل، هل يتقبلهم المجتمع الإسرائيلي كما يتقبل الكاتب الإسرائيلي نفسه؟ -تتقبلهم المؤسسة الأدبية لأن أغلبهم من الأشكيناز، ولكن عليك أن تنتبه إلى أن الفكرة الغربية تجاه الأدب والأدب العبري هو أنه أدب بدأ به الأشكيناز وإن كان بعض الشرقيين كتبوا في الفترات الأولى ولكنهم لا يعتبرون مؤسسين. الشخصية الأدبية هي شخصية غربية أو الشخصية التي تنفتح على الثقافة الغربية، وأن الشرق والعرب هم الآخر. كيف يتعاملون مع الأدباء الذين جاءوا من الخارج؟ يتعاملون معهم كأنهم يعطونهم بعض الأجواء غير المعروفة لا أكثر ولا أقل، ولا يعتبرونهم كجزء لا يتجزأ من الإنتاج الأدبي طبعاً. كل الدراسات الأدبية تحاول أن ترى تطور الأدب، وتحاول أن ترى العلاقة بين الجيل الأول والجيل الثاني، أما أن يكون متأثراً بالجيل الأول أو مؤثراً بالجيل اللاحق له فهذه مسألة أخرى. هكذا تحدث التطورات الطبيعية. نحن المزراحيم لا دخل لنا. هذا الشي موجود عند الأشكيناز. أنا قلت أنا ليس لدي ديالوغ مع الأدب العبري. أنا أكتب باللغة العبرية، وصلتي بالأدب العبري هي اللغة والبيئة لا أكثر ولا أقل. أنا لست في موضع نقاش معهم، أو في حوار معهم. كان لدي نقاش مع أستاذ الأدب العبري واتهمته بالعنصرية. * كم من الكتاب العراقيين أخذ هذه الجائزة؟ -هناك جائزة رئيس الحكومة، وهذه الجائزة يُعطى معها راتب لمدة سنة، أنا أخذتها مرتين. وهناك جوائز أخرى كثيرة. وسامي ميخائيل أخذ بعضاً من هذه الجوائز. * لماذا يشعر البعض إذاً بالتفرقة، أو بوجود جانب عنصري داخل إسرائيل طالما أن هناك تكريماً للمزراحيم أيضاً؟ - نعم، أقول لك أنا اتهمت هذا الناقد الكبير بالعنصرية إلى درجة أنه كتب عن رواية " المعبرة " بطريقة لاذعة. وقال إن شخصيتي تنعكس في كتاباتي، أي أنني جيء بي من العراق، ثم ساقوني إلى المخيم وأنا متذمر لذلك أصبحت شيوعياً، قلت له " هَيْ ابن الكلب " أنا شيوعي مسكين، أنت عنصري. في الفيلم تحدثت إلا حبيبا شوحات عن موضوع الشعور بالنقص عندما ذكرت واقعة الساندويتشة أنا لم يكن عندي هذا الإحساس، لأنه أنا عندي كرامة الإنسان المثقف المتسلح بعقله وفكره والذي لا يخشى من أحد، وعندي طريق سياسي رصين. وأنا لم أكتب عن الناس الذين يشعرون بالنقص، هذه الحالة موجودة عند بعض الكتاب لذلك فإن نقاد الأدب يميلون إليهم أكثر مني، وكأنما هناك استجابة للفكرة المسبقة عن الشرقي والتي تقول " نحن لم نعطكم بيوتاً، وإنما أعطيناكم معبرة.". * انطلاقاً من هذه النتيجة، هل هناك نقاد إسرائيليون تناولوا تجاربكم القصصية والروائية بالرصد والدراسة والنقد والتحليل، هل أعطوا لشمعون بلاص حقه الأدبي؟ - أنا شخصياً كتبوا عني قليلاً، للأسباب التي ذكرتها تواً، أو ربما لأنني دائماً في المعارضة. كل كتابتي هي معارضة لسيرة الأدب العبري. لماذا لا يتصدون لهذه الفكرة؟ لأنه يجب أن يكون عنده استعداد لذلك. الآن هناك واحد كتب أطروحة دكتوراه وأظن أنه متسلح بفكر جيد ورصين. الفكرة الصهيونية ما هي؟ هم يرون أنفسهم جزءاً من أوروبا، وأن العالم الشرقي والعربي هو العالم الآخر الذي هم في مواجهة معه، إما مواجهة عنف أو نوع من الصراع. أنا أقول لهم: أنتم عبرتم البحر، وجئتم إلى هنا، وأنا انتقلت من منطقة إلى منطقة في الشرق الأوسط، ولست دخيلاً عليها. هم يكرهوننا لهذه الأسباب. * أن ناقداً من طراز ساسون سوميخ مثلاً، ألا تثيره طريقتك في الكتابة؟ - ساسون مهتم بالأدب العربي، وهو أحياناً يكتب بعض الأشياء التي تنسجم مع رؤيته النقدية على ما يبدو. لكنه لا يكتب عن الأدباء العرب إلا ما ندر. لا يوجد نقاد متخصصون بالأدب العبري، وإذا كان هناك من نقاد، فهم قليلون جداً. * طيب فيما يخص عدد اليهود العراقيين الذين غادروا العراق إلى إسرائيل بين 1948 إلى 1952 هل صحيح أن العدد كان ربع مليون إنسان عراقي يهودي أم لا؟ا فيلم " إنسَ بغداد " وردت فيه معلومة تقول إن نصف مليون يهودي هاجروا إلى إسرائيل كان نصفهم من العراق؟ * لا، هذا الرقم خطأ، أعتقد أنهم 150 ألفاً، أو أكثر قليلاً. -هل كانت الضغوط من إسرائيل أم ضغوط من الحكومة العراقية، أم من بريطانيا في تلك الفترة ضمن الجو السائد على منْ تلقون اللوم؟ - يختلف هذا الأمر على نوع الشخص الذي يجيب عن هذا السؤال. كان الوضع في الأربعينات بعد الحرب العالمية الثانية جيداً، ولم تكن هناك أية أزمة بين اليهود وفئات الشعب العراقية الأخرى. كان هناك نوع من الحرية، الحزب الوطني الديمقراطي كان يعمل بشكل علني، ثم وقعت الحرب، وأُعلنت الأحكام العرفية العسكرية، واستغلت تلك الظروف، ودخلوا على القوى اليسارية، وشنقوا قادة الحزب الشيوعي العراقي، وكان كثير منهم يهود.كان الوضع صعباً في هذه الناحية، إذ استغلت الحرب من قبل اليمين، خاصة من قبل جريدة " اليقظة " للدعاية ضد اليهود، وكانوا يغنون لانتصار إسرائيل، هكذا بدأت الأمور تتعقد، وأصبحت الحياة صعبة، ثم وقعت اعتداءات على اليهود. الحركة الصهيونية بدأت تنشط، أو أنها كانت نشيطة بالفعل، ثم أُستجدت ظروف معينة تمكن الناس من خلالها الهروب عن طريق الحدود الإيرانية، إذ هرب عدد كبير من اليهود العراقيين. طبعاً كان أغلب العراقيين معارضين لفكرة الهروب أو الترحيل القسري، لكن كان الناس يهربون بالعشرات والحكومة العراقية لا تسطع أن تحافظ على الحدود، لذلك فقد أعلنت الحكومة قانون إسقاط الجنسية، وقد تم هذا التشريع بموافقة بين الحكومة العراقية والوكالة اليهودية التي تتبنى فكرة تهجير اليهود إلى إسرائيل. ثم بدأوا بالهجرة بعد أن حدثت تفجيرات الحركة الصهيونية في بغداد، وخلال ستة أشهر هاجر الجميع تاركين وراءهم كل شيء. يومياً كانت تأتي الطائرة من اللد إلى بغداد علنياً لتنقل اليهود العراقيين إلى إسرائيل. هذا ما حدث لأن اليهود شعروا بفقدان الأمل في البقاء، وأصابهم الرعب من هذه التفجيرات التي كانت تستهدف بيوت العبادة. وعندما ذهبوا إلى إسرائيل، كانت الدعاية الصهيونية تقول لهم أن البقاء في العراق هو موت محقق، هكذا تردى وضعهم لما حدث في فلسطين، بينما في المدارس، وفي كتب التاريخ تحديداً، يدرسون الطلاب على أن الحركة الصهيونية أنقذت يهود الشرق من الموت المحقق. * من المؤكد أن "الفرهود " حدث في العراق وهذا حقيقة يؤسف لها، ولكن هل حدثت أعمال عنف ضد يهود العراق من قبل الناس الموجودين داخل بغداد وبقية المدن العراقية الأخرى؟ هل صحيح أن أحد العراقيين قطع يد امرأة وأخذ يلوّح بها أمام الآخرين؟ -حدثت أعمال عنف، ولكن ليس بهذا الشكل الذي رُوي لكَ " بأنه قطعوا يد امرأة، وبدؤوا يلوحون بها "، لا ليس بهذا الشكل. قتلوا أحياناً واحد في القطار. وفي الشمال حدثت أعمال عنف فردية. أنا كان لدي العديد من الأصدقاء المسلمين، لكن بصفة عامة الجو كان موالياً للنازية أيام رشيد عالي الكيلاني، وهو جو ضد اليهود بشكل واضح، وقد أُستغل هذا الجو عندما كان الجيش البريطاني على أبواب بغداد والوصي على العرش معه، ويريد أن يدخلها، ثم قالوا نهجم على دكاكين اليهود، هكذا أظن الأمر، ثم قتلوا أكثر من 130 يهودياً، وكان هذا التصرف شيئاً غير طبيعي، لأن الحرب ضد المحور، واليسار العراقي أو اليسار الوطني، أو الحزب الديمقراطي وآخرين كان موقفهم طبعاً ضد المحور. المئات من الشباب، كما تعرف، دخلوا في النشاط السياسي، وكانت هناك أحزاب كثيرة مثل حزب الشعب لعزيز شريف، والحزب الوطني الديمقراطي للجادرجي، وحزب الاتحاد الوطني، والحزب الشيوعي. * أتفكر بالذهاب إلى بغداد للزيارة. ألديك هذا الحنين إلى بغداد التي عشت فيها سنوات طوالاً؟ -طبعاً، أنا مشتاق لكي أراها، أما أن أعود عودة كاملة فهذه مسألة صعبة. لدي حنين كبير إلى المناطق التي عشت فيها. أنا كنت أعيش في " الدهانة " في حي النصارى، قرب سوق الغزل. أحب هذه الأحياء كثيراً، وأتمنى أن أراها. * هل انقطعت علاقاتك القديمة، أم ما تزال عندك بعض العلاقات؟ - أتذكر الكثير من الأشخاص، ولكن ليس لدي أية علاقة الآن. كتبت عن شخص أتذكره. كنت أرى الأدباء، ولم تكن لدي علاقات معهم، كنت أرى محمد صادق بحر العلوم وأجلس معه، مرة التقيت بفؤاد التكرلي، لم تكن بيننا رسائل أدبية توثق هذا الكلام. سمير نقاش عنده علاقات واسعة بالأدباء. صلاح نيازي تعرفت به و بزوجته أيضاً، أقصد صاحب مجلة " الاغتراب الأدبي " التي تصدر في لندن، وعبد القادر الجنابي أعرفه جيداً. وهو شخصية روائية أكثر منه أي شيء آخر.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نز
...
-
الفنان سعد علي في معرضه الشخصي الجديد - الحب في مدينة الليمو
...
-
التشكيلي زياد حيدر لـ ( الحوار المتمدّن ): اللوحة بالنسبة لي
...
-
حفل لسيّدة المقام العراقي فريدة في دار الأوبرا في مدينة نايم
...
-
أكرم سليمان في فيلمه الجديد - هلو هولندا -: دقّة المخرج في إ
...
-
المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: شعوب الشرق الأوسط هم
...
-
المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: الفيلم التسجيلي هو ع
...
-
جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: لو لم اكن مخرجاً وممثلاً، ل
...
-
مهرجان السينما العراقية الثاني في لاهاي: ملامح جديدة لأفلام
...
-
حدوس ثاوية
-
المخرج العراقي ماجد جابر: الحيادية والتلقائية هما من مقومات
...
-
المخرج هادي ماهود: علينا أن نستثمر هذه الحقبة لصناعة أفلام و
...
-
المخرج هادي ماهود: الإنسان البسيط يتحدث على سجيته، ولا يتصنّ
...
-
المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجا
...
-
الفنان ستار كاووش لـ - الحوار المتمدن -: أحب الموضوعات التي
...
-
الشاعرة التونسية زهرة العبيدي لـ - الحوار المتمدن -: القصيدة
...
-
موفَّق السواد في (أسرَّة الفتنة): مُخيّلة مشتعلة تستقطر عسل
...
-
هادي ماهود في فيلمه التسجيلي الجديد - العراق وطني -: كوميديا
...
-
مدخل إلى نصب الحرية - لعدي رشيد: تفتيت الحبكة، وتشتيت الأحدا
...
-
الفنان الهولندي خيرت يان يانسن: أكبر مزوِّر في القرن العشرين
...
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|