|
كزدورة عَ الرصيف
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 4091 - 2013 / 5 / 13 - 11:54
المحور:
كتابات ساخرة
بعد أن لاحظ أبو محمد أن وزنه أخذ يزداد شهريا؛ قرر البدء بنظام حِمية، مع برنامج يومي للرياضة. وبالفعل توجه للسوق للبحث عن بعض الأنواع الخاصة من الحبوب والفاكهة والشوربات كما أوصى خبراء التغذية، وهناك عثر على بعضها، واستعاض عن الأشياء التي لم يجدها ببعض البدائل المتوفرة .. بعد بضعة أيام من المعاناة والجوع بدأ يشعر بالملل، وأخذت تنتابه موجات من الشوق والحنين للوجبات الدسمة، وصار حماسه للموضوع يخفت تدريجيا إلى أن عاد لسالف عهده، ورجع لمأكولاته الشهية، بدون حسابات للسعرات، ولا حرمان لما تشتهيه نفسه.
ومع ذلك، قرر الإبقاء على عادة الرياضة. لكن شقته صغيرة، ولا تتسع لأي جهاز رياضي، وبالكاد يمكنه القيام بداخلها بتمارين القرفصة والضغط. وتكررت الحالة؛ فبعد بضعة أيام من التعب والتدريب بدأ يضيق خناقه ويمل؛ فقرر أن ينقل رياضته للخارج؛ أي بالركض في الشوارع القريبة.
في اليوم الأول لبس بدلة الرياضة وخرج يهرول في الطريق المجاور، وبعد دقيقتين لمحه صديق قديم لم يره منذ عشر سنوات فسأله بقلق: خير أبو محمد ؟ شو في !؟ وبعد دقيقة أخرى أوقف جاره سيارته أمامه، وسأله بفضول: إذا مستعجل بوصلك بسيارتي ؟؟ علماً بأن جاره هذا لم يسبق له أن عرض عليه أي مساعدة، وبالكاد يقول له صباح الخير. وبعد ذلك، ظهر كل معارفه وأصدقائه دفعة واحدة، حتى أنه استغرب من أين أتته هذه الشهرة، وليت الأمر توقف عند السلام والكلام والسؤال عن الصحة؛ فقد أحاطته نظرات الريبة والإشفاق، وانهارت عليه التعليقات من كل جانب: شكلك ولا إله علاقة بالرياضة !! وين مفكر حالك ؟! هربان من مين ؟
في اليوم الثاني أراد استبدال الركض بالمشي، فقرر الخروج بصحبة العائلة؛ يتمشون على مهل، ويتمتعون بشمس العصارى .. المشكلة أن الرصيف لا يتسع لهم جميعا، ما يعني أن نصفهم سيمشي على الإسفلت، والنصف الآخر على الرصيف، شريطة أن يمشوا على شكل طابور حتى لا يسدوا الطريق على المارة، وبما أن طفله الصغير يتفوق بنشاطه على الكثير من فصائل القردة؛ فسيكون عُرضةً للسحق تحت عجلات سيارة مسرعة .. ومع ذلك واصلوا السير والأبوين على أعصابهم، وتحت إلحاح الأبناء توجهوا صوب المتنـزّه .. أثناء المسير اشترى الأولاد الآيس كريم، أما هو وزوجته فاشتروا كيسين من الترمس، وعند الوصول أحسّوا ببعض الجوع فتناولوا ساندويتشات، وشربوا العصائر والكولا ثم أقفلوا راجعين.
في اليوم التالي رغب أن يخرج بصحبة زوجته فقط، ليستنشقا الهواء الطلق، ويتجاذبا أطراف الحديث، فأمسكا بأيدي بعضهما كما لو أنهما ما زالا عاشقيْن .. وخلال "الكزدرة" كانا يضطران بين فينة وأخرى أن يتباعدا عن بعضهما بسبب الازدحام، أو أن يخفضا رأسيهما كلما مرّا تحت شجرة، أو لتغطية أنفيهما كلما اقتربا من حاوية نفايات، أو للتوقف قليلا للاحتماء من العواصف التي تخلّفها ورائها الشاحنات المسرعة، وبسبب الضجيج والزوامير وأصوات البريكات لم يتمكنا من التحدث .. وأخيرا وحتى لا تفسد الطلعة، دخلا "كوفي شوب" للاستراحة .. شربا وأكلا ثم عادا للبيت .. وفي طريق العودة اشتهت أم محمد قطعة شوكولاته وأصرت على أن يتقاسماها. وهكذا لليوم الثالث يفشل أبو محمد في حميته الرياضية.
في اليوم التالي اقترحت عليه أم محمد أن يتمشيا قرب بيت أهلها، حيث هناك الحي هادئ، والشوارع نظيفة، والأرصفة واسعة، وبالفعل استقلا تاكسي ونزلا في أول الشارع، وبعد قرابة الساعة مشياً على الأقدام وصلا البيت منهكين، استقبلتهما الحماة بكرم غير معهود، وأصرت أن يتناولا العشاء، (عملتلكم مقلوبة مخصوص)، وبعد العشاء الحلويات والمرطبات ..
بعد مسلسل الفشل هذا، قرر أبو محمد أن يمارس رياضة المشي منفردا .. لبسَ نظارته الشمسية السوداء على أمل أن لا يتعرف عليه أحد، ووضع هاتفه النقال في جيبه، والسماعات في إذنيه، كانت الأغاني تصدح .. وهو مسرور ومبتهج .. والدماء والموسيقى تتدفقان في عروقه وتشعرانه بنشاط غير عادي .. فجأة رن هاتفه .. كانت زوجته على الخط الآخر: أبو محمد جيب معاك فلافل وخبز من الفرن. وبعد قليل اتصلت مرة ثانية: إذا بتلاقي ذرة طازة أو بليلة سخنة .. وفي اتصال ثالث: جيبلك بطيخة للعشا .. وتنساش الكولا .. هاني بدّه شاورما، وهنيّة جاي عبالها بوظة .. يعني لازم ترجع بسرعة.
أخيرا، اقتنع أبو محمد أن أرخص وأريح خيار متاح له هو الجلوس أمام التلفزيون .. مع كيس بزر وتسالي وشوية بطيخ .. وبلا ريجيم وبلا رياضة وبلا بطيخ ..
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلعة الشقيف .. وقلعة متساداة
-
صواريخ أرب أيدول
-
كلمة بحق سلام فياض
-
باسم يوسف .. ظاهرة إعلامية خطيرة
-
أبو تغريد .. صيحة الاحتجاج الأخيرة
-
لو لم تكن السوريات جميلات ؟!
-
مئويات .. خرائط .. ومخططات
-
تحولات الزمن
-
هل المرأة ضحية للتحرش الجنسي ؟
-
الثقافة الوطنية في مواجهة الحركات السلفية
-
موقف حماس والحركات السلفية من الثقافة والجمال
-
أمريكا اللاتينية .. نماذج فريدة من الزعامة
-
اقتراح بشأن عيد الحب
-
لماذا أخفقت الثورة الفلسطينية !؟ مراجعة شاملة مختصرة
-
الحرب في مالي .. هل هي حرب على الإسلام ؟!
-
باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل
-
دار الحنان .. (اللي بالعطيفية)
-
حروب غبية
-
كيف يفكر العقل السياسي العربي ؟!
-
وصف مختصر لمشهد مكثف
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|