|
طريق الموت رحلة المنتفضين إلى سجون الرضوانية
قاسم البريسم
الحوار المتمدن-العدد: 1 - 2001 / 12 / 9 - 02:09
المحور:
الادب والفن
غطس سجن البصرة المركزي ، باعداده الهائلة في فوضى ، وبدأت تشيع الوساطات والعلاقات بين الضباط ، بعد أن شاعت بين الشرطة في بداية الأمر . وبدأنا نرى منفذا للخلاص من الموت ، او تخفيف العقوبات ، عبر تغيير الأفادات والاعترافات . وفعلا غير المئات افاداتهم ، وانقذوا انفسهم من الموت ، والبعض الأخر فلت من السجن تماما . تحمل الأمن والمخابرات مسؤولية التحقيق في البصرة ، وترشيح وغربلة قضايا الآلاف من المنتفضين ، وتحديد نشاطاتهم في الانتفاضة ، قبل ان يرسل اصحاب القضايا المهمة ، او الشائكة الى سجن الرضوانية في بغداد . وقد حشر مع من رحل إلى الرضوانية المئات من الأبرياء ، ساقتهم قوائم التحقيق الى هناك ومات الكثير منهم ، ولا يزال الكثير في السجون . كما اطلق المئات ممن دخلوا سجن البصرة ، عبر تحقيقات الأمن والمخابرات في البصرة بعد أن منّ الله ( والاقدار ) عليهم بالخلاص من العذاب . حملت معى الى الرضوانية اعترافات ، حملني إياها أقرب الناس إليّ في الوقت الذي مات آخرون تحت السياط دون كلمة اعتراف ، فقد اعترف عليّ دون ان تكون هناك ضرورات لاعترافه ونفض كل ما عنده ، من أول ضربة ( راشدي ) امام التحقيق الذي كان مناطا لمسؤولي الحزب والطوارئ . ولم يعتد الأمن والمخابرات بهذا التحقيق في اثناء وجودنا في سجن البصرة ، لكي يغير افادته ، عندما يستدعي من قبل الأمن ، الا انه خذلني مرة ثانية ، امام تحقيق الأمن ، وبرأ ساحته بدمي ، ووضعني في طريق الرضوانية المميت ، بحجة ( يموت واحد منا ) فوقعت قرعة الموت عليّ ، وصادق جبنه على حياتي . لم يبق امامي ، بعد أن دفعني الى حفرة الموت ، الا ان اقاتل انيابه الشرسة ، بوسائل عديدة ، بالذكاء مرة ، وبالصمود تحت التعذيب مرة ثانية . وفي الوقت الذي كنت قادرا أن آتي به الى العذاب الذي وضعني فيه ، بعد ان حملني حتى نشاطاته واعماله في اثناء الانتفاضة قررت أن اموت وحدي ، وأتحمل العذاب ، دون ان احشر احداً معي في العذاب ،من أجل الموقف الذي يبقي معي ابدا . في الاسبوع الأخير من نيسان ( ابريل ) عام 1991 ، بدأت قوافل المنتفضين من سجن البصرة المركزي تنتقل الى سجن الرضوانية كان اسمي ضمن الوجبة الثانية التي غادرت البصرة ، الساعة الثالثة فجر يوم 26 نيسان ( ابريل ) عام 1991 . كانت الحافلة الخاصة التي أقلتنا الى الرضوانية ( حفرة الموت ) في بغداد ، تحمل رائحة الموت ، الذي ترسب في عيوننا المعصبة بقوة ، وعلى مقاعدنا . كانت الساعة الثالثة ليلا ، عندما انطلقت السيارة ، وهي تحمل أجسادا أعدت كي تكون سمادا انسانيا في أرض صدام الزراعية . ودع كل منا بصمت تراث ذكرياته ، وقاموسه العاطفي ، وجدران العشار ، وساحة أم البروم وشط العرب ، وأطلق القلب كلمة الوداع الاخيرة في فضاء البصرة المفتوح على كل شيء . كان الفجر قد بدأ يرسل خيوطه الفضية في الأفق ، ويتسلل بعنف عبر ستائر الحافلة . كنت أسرق نظرة بين الحين والآخر ، قبل أن أرفع عصابة عيني ، كي أري نفسي بوضوح بين حطام الالم والوجع . فالمعصوب يهاجمه الخوف بشراسة ، ويزرع الظنون في نفسه . فلماذا العصابة على عيني ولماذا الخوف إذا ؟ ما دمت راحلا إلى مثواي الأخير . كانت رعشة الموت وخفقة الحياة تقفزان في ذاكرتي بين لحظة واخرى ، ولا أستطيع مقاومتها . لذة الحياة في حضرة الموت ، شعور غريب لا يمكن وصفه بدقة . حتى في أبعد حالات اليأس ، وتخوف الأستسلام للموت ، تبقى الحياة هى الأقوى في الصراع ، وتبقى سرا حقيقيا ، تغلف الانسان وتشده إلى الأرض بقوة ، وتبقى الحياة تبحث عن ذلك الامل الضعيف كي تتنفس لحين . فمن الطبيعي اننا لم نجرب الموت كي نصفه فالموت حالة غياب ، والالم حالة الحضور فيه ، ولكني جربت شفراته وتنفست رائحته المرعبة ، قبل هذا في البصرة وبالذات في دائرة ناقلات النفط حقل الدفن الجماعي والاعدام إبان فترة الانتفاضة الشعبية .قادني تيار التداعي أكثر نحو تخوم الفلسفة ، وارتسم في ذاكرتي السؤال الكبير ماذا يشكل موت انسان في خارطة العالم ، وفي قاموس الطغاة ؟ وماذا لو كنت واحدا من أولئك الشجعان الذين افترستهم الكلاب في شوارع البصرة ، والمحافظات الأخرى ؟إرتعدت خوفا ، انتابني شعور مخيف ، وأنا استحضر المشاهد المأساوية ، التي كانت الكلاب الضالة في الشوارع تنهش أجساد المنتفضين ، الذين تركت أجسادهم عمدا ، بعد سقوط البصرة بأيدي النظام . حاولت زرع العزيمة في نفسي ، والتغلب على نقطة الضعف من تلك المشاهد التي عكست بشاعة النظام العراقي ، وسقوط الانسان من عليائه في سجله الدموي ، قلت لنفسي ليس هناك كلاب تأكلنا بعد الموت ، ولكن هناك كلاب بشرية ، تذكرت احواض التيزاب ، التي سمعت عنها مرارا ، احتميت بيأسي ، كي أطرد هذه الفكرة ، قلت نحن ألاف لا تتسع حتى الانهار لنا . قطعت فكرة شجاعة هذه التداعيات ، الموت واحد ، هي لحظة انفجار ، تعقبها لحظة صمت أبدية وينتهي كل شيء ، فمن الأفضل ، أن أموت أنسانا ، يرفض الظلم ، ويؤمن بالانسان وحريته . قاطعتني ذكريات جميلة ، وزحزحت سلسلة أفكاري المتداعية ، حاولت أن أسد نوافذ هذا الباب ، لكن الذكريات على ما يبدو أقوى تسترسل دون موافقة . أنقذتني صيحة الحرس ( إنزلوا ) همس واحد منا ، هذه الرضوانية ، ارتجفت أوصالنا ، واقشعرت أبداننا ، ونحن ندخل عالمها الدموي ، ونستحضر مآسي الانسان العراقي فيها . وقفت الحافلة قبالة قاعة كبيرة ، أمامها ساحة واسعة ، عند باب السيارة عشرات الكلاب الجائعة ، للحم البشري ، ومتعطشة للأذى ، كانوا يحملون العصي الغليظة والبولتين والرشاشات . أقتديت القطعان البشرية ( بمصطلحاتهم ) . وأندفعنا بسرعة كي نتحاشى الهراوات ، وعند باب القاعة كان خزنتها ينتظرون القدوم السعيد . الدخول هنا لا يقبل المساومة ، وليس مجانيا وليس فيه رشوة كتلك التي إعتاد عليها أقطاب النظام ، دون استقبال حافل ، كما كانوا يسمونه ، ودفع كل واحد منا دون استثناء بطاقة الدخول إلى حفرة الموت ضربة على رأسه ، او في وجهه ، او كسر ضلع من اضلاعه ، كانت حصتي ضربة بين الرأس والاذن ( أحمد الله عليها ) بقيت أئن منها ، والعق جراحها أسابيع . تزاحمنا داخل القاعة ، بعد أن وجدنا وجبة كبيرة من أهل البصرة والجنوب فيها ، كانت جراحهم لم تجف بعد . وبعد ان اكتمل دخولنا السعيد ، دخل علينا عدد كبير من الحرس ، بهراواتهم وأسواطهم القاسية ، وفر الجميع داخل القفص مذعورين ، الى زاوية من زوايا القاعة ( الكمين ) ، وإنهالوا علينا ضربا ، بكل ما لديهم من قوة ، ودون تمييز بين عين ، ووجه ورأس وضلع ، حتى أعياهم الضرب ، وإنسحبوا منتصرين فاتحين جراحنا ، وأنين ضلوعنا المكسرة . وبعد ساعة او أقل ، جاء كبيرهم ( ضابط ) وأعلن بدء رحلتنا بعبارته التي لا تنسى ( هل إستقبلتموهم ) كان المقصود الأستقبال المؤقت . لملمنا جراحنا ، وضمدنا نزيفنا بآلامنا ، بانتظار رحلتنا القاسية . وأعتقدنا أنها نهاية هذا اليوم ، إلا أن فرحنا لم يدم طويلا ، فسرعان ما دخل علينا ( جلادو المهنة ) هكذا يسمون أنفسهم بفخر ، بعد أن استحدث النظام العراقي وظيفة جديدة لهم ، درسوا فيها فنون القتل والتعذيب في مدرسة غسل العقول BRAIN WASHING وفيها مسخت عقولهم ، وتشوهت عواطفهم الانسانية ، وتحللت داخل تيزاب العذاب والقسوة التي مارسوها ، فباتت لا تعرف شيئا إسمه الانسان ، ولا شيئا اسمه الرحمة ، غادر الضمير من أجسادهم البشرية ، ورحل الله من أفكارهم . كنت أراهم بشرا آليين ، ضغُط زر ( عذّب ) في نفوسهم ، فإندفعوا بلذة التعذيب ، ونشوة المادة التي أعمت بصائرهم ، وأغرقهم فيها النظام ضحية الاستقبال افترش كل واحد منا أرض القاعة الكونكريتي ، وراح يضمد جراحه التي فتحها ما يسميه خزنة الرضوانية ( الاستقبال ) . كان استقبال بعضنا قاسيا ، وخاصة من كانت جراحهم في الرأس او الضلوع . كان الجو حارا ، زاده ما استعر في نفوسنا من غضب وحرارة انفعال ، لم نشرب ماء منذ ان غادرنا البصرة ، ولم نأكل ، فقد عافنا الأكل والشرب ، وعفناه .
تركنا الحرس بعد ساعة من الاستقبال ، وسط أنين الجراح ، نداوي انفسنا بأنفسنا ، قبل ان يعطونا دروس التعايش مع الموت ، والتكيف مع الجثث داخل القاعات . كان هذا الدرس الاول الذي تعلمناه من قاموس الرضوانية الدموي ، عندما صاح بنا الحرس ، وامرنا ان نقف صفوفا . شعرنا ، انه استقبال ثان ، او تمرين من تمارينهم القاسية . ولم تمض الا دقائق حتى دخل علينا خمسة من الحرس ، وهم يحملون الهراوات الخشبية الغليظة ، وبيد احدهم صنبور الماء ( صوندة الماء ) . شهقت رغباتنا ، وبرق الفرح في نفوسنا ، ونحن نرى الماء يتدفق ، ولكن أي حزن ، وألم انساني يحمله هذا الماء ؟ وكما هو مألوف في قانون الرضوانية ، فأن الماء لا يمنح في أرضها بالمجان ، فلا بد ان تدفع ضريبة له ، الاهانة ، والضربة ، وربما الموت . وهو في قاموس الرضوانية ، يخضع كما تخضع الاشياء الاخرى الى قواعد واصول ، لا توجد في كتب الكرة الارضية ، ونواميسها انها دائما مبتكرات العقل المريض ، والاضهاد الفريد في نظام صدام حسين الدموي . أعلن الحرس بعد دقائق ، قواعد شرب الماء في قاعات الرضوانية ، وهي أن تُفتح الافواه ، ويجب ان تبقي مفتوحة ، حتى يصل الحارس ، ويقطر من الماء ما يشاء بفم السجين . ، ومن قواعد شرب الماء ، ان لا تسد فمك ، ومن لمحه الحرس سادا فمه ، فاته حقه ( تخصيصه ) من الماء ، ولن يحصل على قطراته . وليس هذا هو حدود القانون ، بل أضيف له شرط آخر ، وهو أن تبقي مستمرا ، بلا حركة وبالطبع فاتحا فاك بانتظار الماء ( الحياة ) . ومن خالف قواعد الرضوانية في شرب الماء وسقي القطعان البشرية ( كما يسمونها ) لعنته ( تيامات الماء ) ( آلهة الماء ) في الاساطير البابلية ، وادخلته بحارها المالحة ، وصحراء الموت والعذاب والضرب . وأياك أن تسد فمك بعد تعب ، او تمسك الصوندة للمزيد تحت وطأة عذاب العطش او تتململ او حتى تبدو عليك ملامح عدم الرضا ، فحرس الرضوانية ، تدربوا على فنون قراءة النفوس الغاضبة ، وشم رائحة الغضب والتمرد وعدم الرضا ، شأنهم شأن الكلاب البوليسية . استسلمنا لقواعد هذا التمرين ، وبدأ الماء يقطر في افواهنا ، واحدا واحدا ، ومع قطرات الماء ( الهبة والمكرمة ) سيل من السب والشتم . جملة اعتراضية ، للحرس الذي يمسك صوندة الماء ، حق منح الماء ووقفه عن السجين ، اذا ما تفرس في وجه السجين وغاظه وجهه ، وملامح شكله . فكل شيء في الرضوانية يخضع لمزاج الحرس وساديتهم ، وكثيرا ما يتحول توزيع الماء بالقطرات الى لعبة تسلية واستهزاء علينا . استمر الماء يقطر في الافواه ، بعضنا يحصل على قطرات ، وبعضنا يتدفق في فمه الماء بعطاء ليس كرما ، بل وفقا لاسلوب الاستهزاء والتهكم والمزاج . وصلني الدور ، كنت كغيري فاتحا فمي للسماء ، واستجمع في ذاكرتي حق الماء ، وهبة النهرين العظيمين ( دجلة والفرات ) ، وهذه القطرات . كنت ملتزما بقواعد أرض الرضوانية ( لسقي الأفواه ) فلم احرك يدا ولم امسك صنبور الماء ، ولا . . ولا . . وقف الحرس امامي متفرسا وجهي الحزين ، ونداء العطش الصامت في نفسي ، لم يقل شيئا ، حصلت على قطرات ثم فجأة رفع صنبور الماء من فمى، وتركها تتدفق على أرض القاعة بسخاء، ربما أراد استفزازي، وتحريك مشاعري . ازدادت قسوة الحرس علينا ، وبدأ عبثهم بالسجناء ، والتهكم عليهم ، ووضع صوندة الماء في آذانهم ، وخلف رؤوسهم او في عيونهم . . كان البعض ينتظر الماء بلهف ، ويعكس التزاما كبيراً ، للحصول عليه ، الا ان الحرس على ما يبدو كان يسلك معنا هذا السلوك وفق وسائل تعذيب نفسية خاصة ، عرفناها فيما بعد . وقف الحرس امام شاب لم يتجاوز العشرين ، من مدينة الهارثة كان شديد العطش ، وكان مريضا ، وورث آلاما ونزيفا في كليتيه من جراء التعذيب في آمن البصرة . وضع الحرس الصوندة في فمه ، تحسس الماء وهو يروي العروق ، سحب الحرس الصوندة فجأة ، الا ان الشاب أمسك بالصوندة ، لا شعوريا لشدة عطشه ، سحب الحرس الصوندة بقوة ، الا أن الشاب تشبث بها للمزيد من الماء . انهالت الهراوات بسرعة البرق على رأسه ، التحق ثلاثة من الحرس للمشهد ، وكأنهم وجدوا ضالتهم ، وضحيتهم ، وفرصتهم لتعليمنا دروسا عن وسائل الموت في سجون الرضوانية ،والتكيف معها . سقط الشاب المثقل بالجراح والتعذيب في البصرة ، علىالأرض . ( بالتأكيد ليس هنا في أرض الرضوانية ، مساعدة أو نصرة أو أخوة ، او حتى ابداء الحسرة والعطف فهي ممنوعة ، ومحذوفة من قانونها ) ، أنت متفرج على موت الأخرين وموتك ايضاً ، يتركونك تشاهد موت الآخرين ، في انتظار مشهد موتك الدرامي . لم يتوقف الضرب ، لم يكن تأديبيا اذا ؟ فقد خلناه فورة غضب من الحرس ، وانه سينتهي ، استمر بقوة وبقسوة الهراوات الغليظة ، والرفس المؤذي على الكلي والوجه انه مدفوع بالغضب ، ومليء بالحقد والكراهية اللامحدودة . كنا نراقب دون حراك ، كان المشهد يذبحنا ألما ، ولكن ماذا نفعل وأمل النجاة الضئيل يشدنا الى الحياة ، ويصادر ما تبقي من شجاعتنا . ومهما يكن ، فلا قيمة للشجاعة في أرض الرضوانية ولا مجال للاحتجاج ، او الرفض ، ما دام قانون الرضوانية يبيح القتل والموت بنسبة 100 في صفوف المنتفضين . ماذا يفعل المظلوم تجاه سيف الظالم ، والمقيد بالاصفاد ، تجاه الجلاد انها ليست مواجهة عادلة ، او متكافئة ، وليست حرة . وحينما كانت حرة ، شهدت بطولات لهؤلاء الذين يموتون دون حراك . كان الشاب يستسلم للموت ، ويسبل يديه له ، عندما وضع الحرس صوندة الماء في فمه ، انتقاما ، وحين سقطت دفعها مرة ثانية بقوة الى عمق فمه ، امسك الحرس الصوندة كي يمتلئ جوف صاحبنا الميت الحي بالماء ، استمر الحرس ماسكا صوندة الماء ، والماء يتدفق في جوفه حتى بدأ يفيض من انفه وفمه ، كنا نراقب ذلك الحزن البشري ، والفزع الانساني ، ونموت وجعا ، في الوقت الذي كان الحرس يضحك على مشهده ، ويسب ويشتم . وبين ضحكات الحراس واستهزائهم ، وبين صمتنا الحزين الدامي ، غادرت روح صاحبنا القاعة والحياة . كان أول ضحية ندفعها سمادا انسانيا الى أرض الرضوانية ومزارعها ، وأول درس لنا في رؤية مشهد التطبيق الحي على موت الانسان ( صفر القيمة في قاموس النظام العراقي ) . ظل صاحبنا ممددا ، لا أحد يجرأ على تحريكه ، او حتى الأقتراب منه فقانون الرضوانية لا يحترم الميت او حتى التعاطف معه . التعاطف مع السجين ( الغوغائي ) او ( المجرم والخائن ) كما يسمونه جريمة ، تضاف الى تهمتك . وتهمة قد تؤدي الى الموت والاعدام . انه مجرم في دفاتر سجن الرضوانية ، وذبحه حلال ، وقربان في محراب حكومة العشيرة ، ونذر من نذور ادامة حياتها . طال بقاؤه معنا حتى ادركنا الليل ، لم نعرف ان هذا كان من دروس ثقافة الرضوانية ، وقوانين نظام صدام الدموي ، لم نعرف أن ضحايانا يجب ان تنام هنا طول الليل ، ونسهر معها ، ونفكر بها ، وحين نغط في نوم بعد تعب ، نحلم بها ، وبرعبها . نام صاحبنا هادئا ، ونمنا نحتضن القلق والخوف ، والموت البشع ، وحين افاقت القاعة في الصباح ، سحلوه سحلا الى باب القاعة ، مع من مات في القاعة لاحقا جراء تعذيب البصرة ، في انتظار سيارة ( النفايات ) التي تأتي في الصباح المتأخر ، كي تجمع حصاد القاعات من موتى الابرياء .
يتبع ـ لندن ـ
#قاسم_البريسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حواس
-
الإسكندرية مدينة السينما.. دور عرض تاريخية تتحول إلى صالات أ
...
-
لنعد صغاراً
-
أبكيت غزة يا جنين
-
العيال هيأدمنوها بجد “تردد قناة نتورك العربية 2025”.. ثبتها
...
-
الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة
...
-
تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
-
روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب
...
-
-مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في
...
-
الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|