|
البوذية: المنشأ والجذور والعقائد الروحة
صبري المقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 4090 - 2013 / 5 / 12 - 16:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
البوذية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية نشأت البوذية وترعرعت في الهند، كنظام روحيّ جديد داخل الديانة الهندوسية. وهي تعدّ من الديانات الرئيسة في العالم اليوم. تم تأسيسها عن طريق التعاليم التي تركها بوذا (المستنير أو المتنوّر أو الصاحي) في شمالي الهند، في ما يُعرف بمملكة(النيبال). والذي عُرف أيضا بإسم(غوتاما) وهو اسم عائلته و(سذهارتا) وهو اسمه الشخصي من عشيرة ساكياس. فالبوذية تبدأ إذا برجل استيقظ من العالم ومغرياته ونفض عنه الإنبهار بالحياة، في خطوة نحو استقلال الفكر والعمل والإنسلاخ من الروح الطبقية الفاسدة والتقرّب من جميع الطبقات البشرية من دون تفرقة ولا تمييز. تؤكد البوذية على أنها الطريق الوسط للروحانيّات الدينية، ولاتمانع التعايش مع الأديان الاخرى، وتبشر دائما برسالة السلام والحوار والمحبة في العالم. وجاءت نداءً لاقامة علاقات حسنة مع الغير وحرباً بالخير على الشر ورداً للكره بنقيضه وصرخةً توجه صوب الإنسانية بغض النظر عن إنتماءاتهم من لون أو طبقة أو دين. ويشهد التاريخ بأنها كانت ولا تزال الديانة الداعية الى الحوار والسلام وإحترام الآخر، والتي كان لها الدور الكبير في التخفيف من الصراعات والحروب في العالم تطبيقا لقول بوذا: "قاوموا الشر بالخير، فالكراهية لا تزول بكراهية مثلها.. بل بالحب". وبسبب تعاليمها المشبعة بالمحبة والسلام استطاعت البوذية أن تتعايش مع كل أنواع الثقافات العالمية وأن تلبس الزي الثقافي للبلد الذي تعيش فيه. ففي الصين مثلا تلبس الزي الحضاري الكونفوشيوسي، وفي اليابان الزي الحضاري الشنتوي، وفي الهند الزي الحضاري الهندوسي، وفي أميركا الزي الحضاري المسيحي. وأما بالنسبة الى عدد المنتسبين لهذه الديانة في العالم وفي البلدان الآسيوية، فتعد مشكلة معقدة، نظرا لتعوُّد الناس على إعتناق خليط من المعتقدات في آن واحد. ففي بعض البلدان مثل الصين يُمنع إجراء مثل هذه الإحصاءات نظرا لحساسية الموضوع الديني. إلا ان التقديرات المتوّفرة عن عدد المُنتمين الى البوذية تختلف من إحصاء الى آخر، فبحسب بعض المصادر الرسمية تتفاوت النسبة بين 230 مليون الى 500 مليون تابع، مع أن الإحصاءات الرسمية غير دقيقة في بعض الدول مثل الصين وفيتنام وكوريا الشمالية بسبب وجود أنظمة إلحادية لا تعترف بالدين. وللبوذية وجود ملحوظ في العالم الغربي ولاسيّما في الولايات المتحدة، حيث يتجاوز عدد أتباعها (300) الف تابع، وتتمتع بأغلبية لابأس بها في ولاية الهوائي الأمريكية مع وجود أقليات حيّة في اوروبا واستراليا وروسيا. وتعدّ البوذية الديانة الخامسة من حيث عدد الأتباع في العالم بعد المسيحية والاسلام والهندوسية والديانات الصينية التقليدية. وكان بوذا أول من أسس رهبنة (سونغا) للرجال ورهبنة أخرى للنساء، ووضع لها القوانين الرهبانية والنسكية للحياة الجماعية والتي ساهمت في نشر القيم البوذية في العالم. وهذه هي النسب التقديرية لعدد البوذيين في بعض البلدان: التايلاند 95%، كمبوديا90%، مينامار(بورما) 88%، البوتان 75%، سيريلانكا 70%، التيبيت65%، لاوس 60%، فيتنام 55%، اليابان 50%، ماكوو45%، التايوان 43%. وجدير بالذكر، أن البوذية فقدت الأغلبية العددية في كثير من الدول الآسيوية. ففي أرض نشأتها (الهند) شهدت إنحسارا وشبه اضمحلال بعد القرن السابع الميلادي وذلك لسببين مهمّين وأولهما غزو القبائل البيض(الهان) من الشمال وتدميرها للأديرة والمعابد البوذية في القرن السادس. والسبب الثاني، دخول الاسلام للهند في القرن السابع الميلادي. وأما في الصين وكوريا الشمالية، فالبوذية حوصرت وبقوة من قبل الأنظمة الشيوعية. ولكن تاثيرها بقي واضحا فيهما. وتعدّ جزيرة تايوان من أهم دول العالم بسبب ميزتها الخاصة، حيث الوجود البوذي القوىّ، ولكن الإيمان البوذي يتميّز بميزة خاصة جدا هناك لكونه خليط من الكنفوشيوسية والطاوية، مع وجود الأديان الاخرى جنبا الى جنب في تعايش سلمي غريب. ولا تزال البوذية تجذب اليها أعداداً لا بأس بها من المتأثرين بطرقها التأملية(اليوغا) وبطقوسها وممارساتها الروحية الجميلة في المجتمعات الاوروبية والأمريكية والاسترالية. البدايات والاصول كانت الهند تنقسم الى عدد من الممالك والجمهوريات والامارات الصغيرة، حيث كانت عالم قائم بذاته، تنمو فيها بذور الفلسفات المختلفة منذ القدم. وكانت تزدهر الحياة التجارية والزراعية المختلفة في الفترة التي نشأت فيها البوذية. وعرفت الهند الايمان بوجود الله قبل غيرها من الدول. إذ أن الشواهد التاريخية والملحمية تؤكد بوجود فكرة الكائن الواحد والخالق الأوحد والأبدي الموجود في ظواهر الكون المُتغيّرة في الفلسفات الهندية القديمة. بالاضافة الى ان الحضارة الهندية بوجه عام لها قيمة تاريخية عريقة إشتهرت بالحكمة والمعرفة الروحية وعدد من العلوم النظرية والكونية التي ساعدت في نشوء وولادة اديان عظيمة لها تاريخها العريق ومجدها التليد وروحانياتها العميقة. وإتصفت الهند أيضا بتعدد الأنبياء وبكونها مهد الأديان والفلسفات الروحية والطرق الصوفية المتعددة. ناهيك عن الحكماء والمعلمين الراشدين الذين كانوا ولا يزالون يتعلمون فيها ويصلون الى النضوج الروحي من خلال طبيعتها الخلابة وأسرار علومها السرّانية، فينطلقون يعلمون الناس الحكمة والرشد والطرق المؤدية الى الخلاص والتحرر. كانت الهندوسية، الأرض الخصبة التي أعطت الحياة لهذه الديانة الجديدة، إذ كانت تتخبط في الأساطير والخرافات والمراسيم والطقوس الدينية حول الآلهة وصراعاتهم من جانب وصراعات الكهنة واستبدادهم من جانب آخر. وكان الهندوس يؤمنون بعدد كبير من الآلهة، ولكن طائفة منهم، الكهنة البراهميين صاغوا رؤية أكثر عمقا عندما تصوّروا الإله بالعقل الكوني وبكونه مصدرا لكل شيء، واليه ترجع كل الأشياء. إذا كان ظهور بوذا في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الهند، نورا يهتدي به الفقراء والمعدمين وكل الباحثين عن الحقيقة السامية. وكان البوذيون في بداية تكوين ديانتهم جماعة من المتجوّلين في منطقة وسط وادي نهر الكانج بمدنها الصغيرة والكبيرة. واشتهروا في تلك المناطق داعين الى التخلص من الأنا لأجل الحياة الرهبانية المشتركة (السنغا). واستجاب عدد كبير من الناس لدعوتهم، فتبعهم الناس من جميع الطبقات ومن كافة المهن والأعمال. وكانت دعوتهم بالعمل على تغيير المآسي والآلام بإعتبارها مشاعر مؤقتة لا يمكن ان تدوم. والتطرّف والغلوّ في النسك ليست بالطريقة الصحيحة ولكن الإعتدال والبساطة هي الطريقة الملائمة لذلك، ولذلك جاءت التعاليم البوذية هداية وإطمئنانا للمتسولين والمتجولين والحجاج الذين كانوا ينشدون الحقيقة، إذ اصبح عليهم القيام برحلة داخل نفوسهم بدلا من التطواف في الخارج. وانتشرت التعاليم البوذية تدريجياً في التيبت وسريلانكا والصين ومنغوليا وكوريا واليابان ومن ثمّ في كل أرجاء العالم، كديانة أممية، خرجت من التقوقع والإنطوائية الهندوسية الى العالم الفسيح في بحث للذات الإنسانية ولتقيم وجود الإنسان والسير به نحو المعرفة الكلية القائمة على الخلاص في رحلة طويلة للتخلص من الألم والرغبة والجهل وذلك من خلال التأمل العميق لتغير الذات الى اللاذات والأنا الى اللاأنا والألم الى السعادة والجهل الى المعرفة. ورأت البوذية ان الانسان هو الذي يُحقق خلاصه بفضل الأعمال الصادقة وليس بتعذيب النفس وتدنيس الجسد وممارسة الصوم والتقشف الشديد. والانسان نفسه هو أعلى وأسمى من كل شيء في الكون وهو أسمى حتى من الآلهة والروح الكونية. والأهم في التعاليم البوذية، الاخلاق العملية الصارمة التي تمنح ممارستها في الحياة اليومية، القوّة والعزيمة والصبر في مواجهة الصعاب والشدائد وإزالة الجشع والخوف والكبرياء، والقيام بالأعمال الخيّرة الصالحة وأعمال المحبة والإحسان الى القريب. وكانت هذه التعاليم ولاسيّما الجزء المتعلق بالتحرّر من الآلهة وسلطة البراهما الكهنوتية وسلطة الكتب الفيدية المقدسة ونبذ فلسفة الطبقات الاجتماعية السيئة الصيت، لها الوقع الأكبر على قلوب المحتاجين والفقراء والمحرومين من الطبقات الدونية الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة للخلاص من التمييز البشع بين الطبقات الاجتماعية. وكان سيذهارتا غوتاما الرجل الهندوسي المُرشح لأخراج الهندوسية من هذا الواقع القومي الضيّق واعطائها دورا عالميا. ولهذا جاء بوذا ليُبشر العالم بعقيدة عالمية لجميع البشر من دون الإعتبار للجنس واللون والعرق. فإنتشرت الرسالة البوذية عن الحقيقة والاستقامة والسلوك الصحيح في الحياة، بين كل شعوب العالم ولا تزال تنتشر وخاصة في الغرب وبين الطبقات المثقفة والمستنيرة بالخصوص. ولا بد من الاشارة على ان البوذية تنقسم الى قسمين رئيسيين منذ اليوم الأول من تأسيسها وهما (المهايانا والهينايانا). ولا يشكل القسمين إنقساما أو إنشقاقا كما هو في الأديان الاخرى، إذ أن الرهبان من كلا المذهبين يعيشان معا من دون أية مشكلة تذكر. فالطابع البوذي بمذاهبه المختلفة غريب وبعيد عن التعصب الأعمى والتطرّف المتزمت المعروف لدينا في الشرق الأوسط تجاه الذين يختلفون معنا في الرأي. بوذا ليس من السهل أن نعرف الحياة الحقيقية لبوذا، وذلك لعدم توفر الوثائق اللازمة لذلك من جهة، وبسبب كثرة القصص والأساطير والخرافات التي تجعل من الصعب معرفة حياته الحقيقية من جهة أخرى. لذلك يختلف المؤرخون حول تاريخ ميلاد هذا المعلم الكبير(سيذهارتا غوتاما الساكياسي). ولكنهم يُقدرون الفترة التي ولد فيها بين 448 ق.م ـ 368 ق.م، وأما البعض الآخر من العلماء فيُقدر الفترة بين 563 ـ 483 ق.م. ويتفقون بالإجماع حول مكان ولادته، وذلك في المملكة الهندية الصغيرة (ساكاي) على الحدود الهندية مع دولة النيبال في الشمال. كان بوذا من عائلة ثرية وحاكمة من طبقة الكشاتريا، قرب جبال الهملايا، وكان والده (سودهودان) ملكا وإقطاعيا كبيرا، واسم أمه الملكة (مايا)، وكانت نشأته حسب موازين عصره مترفة، وكان له كل نعم الحياة، مع ثلاث قصور خاصة به، قصر لكل موسم. ويُقال أنه في الليلة التي حُبل به حلمت امه الملكة (مايا)، بأن فيلا صغيرا دخل جنبها الأيمن، وفي أثناء عيد ميلاده الأول أعلن من قبل الحكماء أنه سيكون أحد الملوك العظماء أو أحد القديسين الكبار ومعنى اسمه الحكيم أو العاقل أو المتنوّر. وتوفيت أمه في اليوم السابع من ولادته، فتولت خالته (براجا باتي غوتامي) رعايته ومنها اخذ اسمه (غوتاما). والفت أساطير جميلة بعد ولادته ومن هذه الأساطير: • انتشار النور في العالم، وشفاء جميع أنواع الأمراض من البُكم والخُرس وفتح عيون المكفوفين، أثناء ولادته. • إنحناء شجرة (سال) في بستان (لومبينا)، لتستر والدته اثناء الولادة، لكي تستطيع ان تقطف منها الثمار. • تنبوء الحكماء عن مستقبله الملوكي إذا بقي في بيته وقديسا عظيما (بوذا) إذا ترك بيته هائما على وجهه في الأرض. • نطقه بعد الولادة مباشرة ومعرفته بنفسه وسلطانه في قوله: ((أنا سيد العالم..)) وظهور علامات كثيرة في السماء مباشرة بعد نطقه، من تفتح براعم الزهور وانتشار الرائحة الطيّبة التي عمّت المنطقة. • إعلان الناسك (كالاديفالا) بعد زيارته للطفل بوذا بأنه سيكون البوذا (المتنوّر) المنتظر. وكذلك شهادة ناسك عظيم آخر بعد زيارته من صومعته في الهمالايا بعد تتبع النور المُتجه نحو القصر الذي ولد فيه، وهتف قائلا بعد رؤيته: "انه سوف يهدي العالم الى الصواب والحقيقة الخالدة وبأنه سوف يرحم المساكين والفقراء ويُبشر بالخلاص لكل البشر من الألم والشقاء". وبعد أن جرّب بوذا حياة الألم والقلق الذي يُساور الانسان من الفقر والمرض، رفض الواقع الذي يعيشه من البذخ والغنى ورفض ايضا رؤية أخيه الانسان والمعانات التي يعيش فيها والحالة المزرية التي كان فيها، فقرّر أن يذهب هائماً في البراري مع رهبان البراهما الهندوس، متمسّكا بالزهد والإعتزال تمسّكاً شديداً وصارماً. وكان والد بوذا ينتظر ان يُصبح ابنه أحد الملوك العظام. وعندما اصبح عمره 16 سنة رتب زواجه مع ابنة عمه (ياسوداراه) والتي أنجبت له ابنا سماه (راهولا). وبعد ان قضى غوتاما 29 سنة من عمره أميرا في (كابيلا فاستو) في النيبال، شعر بتعاسة الحياة التي فيها بالرغم من أنه كان يعيش حياة الترف والميوعة لفترة طويلة، خلف جدران القصور الفخمة. وكان اصطدامه شديدا حينما تجوّل خارج أسوار القصور الملكية، إذ رأى أربعة اشخاص أثرّوا على حياته تأثيرا كبيرا، رأى شيخا ومريضا وميّتا ومستعطيا في اليوم نفسه، فتألم لرؤية هذه المناظر المتناقضة والمؤلمة، مما جعله يبتعد عن الحياة الدنيا ويتنسك لمدة سبع سنوات في حياة تقشفية قاسية. وكثيرا ما كان يغرق في التأمل والتفكير للبحث عن الحقيقة. فأكتشف (الطريق الوسط) بخصوص السلوك والمأكل والملبس على العكس من السلوك الهندوسي، فأنشق عن الهندوسية، لكي يؤسس طريقته الخاصة، والتي سُميّت بالتنويرية. وبدأ ينكر طريقة عيش الهندوس التقشفية وطرقهم الدينية المُعقدة، الا انه لم ينكر حقيقة آلهتهم ولم يُعلم تلاميذه وأتباعه عنها شيئا. ولم يُركز على وجودهم وعبادتهم مطلقا، معتقدا بأنها تبعد الإنسان عن النيرفانا. فهي في رأيه تعيش في دائرة الحياة، غير مُبالية بالإنسان الذي عليه أن يمرّ بحالات من الولادات الجديدة حتى يصل الى مرحلة النيرفانا. وأما بالنسبة الى تعاليمه، فهي في مجملها التعاليم الأخلاقية والروحية التي يحتاج اليها الانسان لكي يتغير للأحسن ويُصبح حرّا من الألم والشر الموجودين في العالم. وعندما يصل الى (الدهارما) وهي (الحالة الروحية الحقة) أي المشي في الصراط المستقيم، يجد المرء فيها، الرؤية الحقة والفكر الصائب والقول الصحيح والعمل النظيف والحياة المستقيمة والجهد المعقول والعلم البنّاء. ويُقال في إحدى الأساطير، أنه كان يتأمل جالسا تحت شجرة التين، والتي أصبحت تُعرف بشجرة الحكمة، جرّب حالات عديدة من التيّقظ، حتى أصبح مؤهلا لأن يَرتقى إلى أعلى مرتبة، وفي إحدى الليالي بلغ حالة الاستنارة، وأصبح بوذا(المتيقظ أو المستنير). وبعد أن بلغ أعلى درجات الحقيقة، شرع يدعو إلى عقيدته، وكان يتنقل بين القرى والأرياف، يُعلم الناس في كل مكان، يدعوهم الى نوع من الحياة الرهبانية التي سُميّت بالسانغا وهي نوع من المؤسسات الرهبانية للرجال والنساء، لنشر فكره بين الناس جميعا. وبعد موته أسس أتباعه 18 مدرسة تنويرية مختلفة، تكوّنت منها ثلاثة مذاهب رئيسة: الثيرافادا (تعاليم الشيوخ)، والماهايانا (العجلة الكبيرة)، والفاجرايانا (العجلة اللؤلؤئية الكبيرة). وتنحصر تعاليمه في عجلة الحياة التي هي الرمز المهم في الايمان البوذي، للبحث عن الحقيقة التي لم يكن سهلا الوصول اليها، إذ اجتاز في ثلاث مراحل. المرحلة الاولى: التعلم من المعلمين الهندوس عن(اليوغا). المرحلة الثانية: انضمامه لمجموعة من المتنسكين الهندوس الذين يصومون الى درجة الإنتحار، إذ كان يأكل لوبيا واحدة في اليوم لدرجة أنه وصل الى حد الموت لولا مساعدة أصدقائه الذين أسرعوا في اطعامه وإنقاذه من الموت وإلا كان قد فارق الحياة. فتعلم من هذه التجربة درسا لم ينساه وهو عدم جدوى محاربة الجسد والتقشف القاسي إذ أنها لا تؤدي الى التنوير ومعرفة الحقيقة. وكان لفشله هذا أثر كبير في إكتشاف الطريق الوسط وهو الطريق الذي يجمع بين الفكر الدقيق والتركيز التأملي الصوفي على طريقة اليوغا. قضى بوذا 45 سنة من عمره يُضحي من أجل نشر تعاليم الدهارما(العجلة). حتى أبيض شعره وبدأت تخور عزائمه لكبر سنه ولكنه مع ذلك استمر لسانه بالوعظ والتبشير الى أن أسس رهبنة يستطيع من خلالها ممارسة أفكاره عمليا ويضع من خلالها القوانين والسلوك الصحيح للعيش الجماعي للرجال والنساء ولأول مرة في التاريخ البشري. واستمر بوذا بالعمل الى أن سُمّم من قبل أعدائه، عندما وصل عمره 80 سنة، ومات بعد أن تعذب كثيرا من آلام التسمم في مدينة (كوسينارا) التابعة لولاية غوراغبور. وكانت كلماته الأخيرة التي نطق بها: "التلاشي مصير كل الأشياء، فجاهد واعمل لخلاصك في إجتهاد كبير .. كل شيء يؤول الى الإنحلال .. وأنا أيضا .. إن أجلي قد حان .. فعليكم التيّقض والتبصّر .. فلتكن ارادتكم طاهرة وعزيمتكم قويّة وصراعكم مرير وأفكاركم سليمة .. ولا تتأسفوا على شيء أبداً .. بل صونوا أنفسكم وقلوبكم من الغش والخبث والنميمة والإفتراء". فأغمض عينيه ومات ساكنا هادئا. وقام تلاميذه وأتباعه بعد موته بحرقه - كالهندوس - وأخذوا يطوفون حوله، كل واحد ثلاث مرات، ثم جمعوا رماد جثته وقسموه ثمانية أجزاء وأرسلوا كل جزء إلى الجهة التي رأوها لائقة به، وبنيّت البنايات والمعابد الفخمة فوق الرماد في الجهات الثمانية. بعد التعرّف على بوذا وحياته المثيرة للجدل، أصبح سهلا على العلماء والمفكرين أن يجمعوا صورا جميلة عن شخصيّته القوية إذ أجمعوا معظمهم على أنه كان بليغ العبارات، واسع الصدر، عزوفا عن الشهوة، مؤثراً على سامعيه في خطاباته وتعاليمه، يجالس الملوك والعلماء ويُناقشهم بثقة وفصاحة اللسان. لم يكن يتردد في مناصرة الحق ومحاربة الشر. النصوص المقدسة انتشرت التعاليم البوذية بسرعة كبيرة بعد وفاة مؤسسها. ففي القرن الأول والثاني بلغت أوج انتشارها في مناطق نهر الكانج، إذ إنضم الى صفوف البوذية عدد كبير من أفراد الطبقات الحاكمة وعدد من العشائر ذات النفوذ القويّ وكذلك من مختلف الشرائح البشرية مثل البراهميين والنبلاء والحلاقين وقطاع الطرق والمعدمين. ولعبت التعاليم الشفهية لبوذا وأتباعه، دورا مهمّا في هذا الإنتشار، إذ كانت تقرأ تعاليمه من قبل الرهبان والأتباع في الاجتماعات الدينية والتجمّعات الشعبية. وجُمعت تعاليمه ووصاياه في صحائف ورقائق من خشب (البامبو) بعد القرارات التي أعلنها الرهبان في المجامع الاولى. وكتبت كل تلك الصحائف في اللغة السنسكريتية القديمة ولهجاتها المحلية ولاسيّما لهجة (بالي) القديمة. وتصنف الكتب البوذية الى ثلاث مجموعات وتدعى التريباتاكا(السلال الثلاث): سوترا بيتاكا: وهي مجموعة الكتابات الأصلية التي جُمعت في القرن الميلادي الأول والتي تدور في معظمها حول بوذا وتعاليمه والأخلاق العامة والطرق اللازمة للسيطرة على النفس وتسمى عادة (سلة حكم المستنير). فينايا بيتاكا: وهي النصوص التي تتضمن القواعد المهمّة التي يجب على البوذي أن يتبعها في الرهبنة الرجالية والنسائية والعقوبات التي ترافق من لا يُطيع هذه القوانين وتسمى (سلة النظام أو سلة الشريعة). أبهيدارما بيتاكا: وهي مجموعة قواعد فلسفيّة وعقائدية للرهبان مع تحليلات لظواهر طبيعية وميتافيزيقية (ماوراء الطبيعة) وتسمى (سلة العقائد). وتسمى هذه الكتب السلال الثلاث أو البيتاكات. وتوجد نصوص اخرى دوّنها بعض الرهبان في القرن الأول والثاني والثالث والخامس الميلادي بالاضافة الى العقائد الموجودة في المدرسة الفكرية(الثيرافادا) عن اليوغا والتأمل. وإنتشرت التعاليم البوذية بمناهجها الثلاثة في كل أرجاء العالم، وترجمت النصوص الدينية الى كل اللغات المحلية في العالم، ولاسيّما في الغرب حيث يُنظر اليها والى تعاليمها نظرة ايجابية تساعد الانسان على التفكير السليم والتصرّف القويم، وهي تنمو بسرعة فائقة في الأوساط المثقفة، وتعدّ من أسرع الأديان إنتشارا في بعض البلدان الاوروبية مثل بريطانيا. وأما في آسيا فهي تتركز بقوة في البلدان التاريحية التي كانت تعدّ المهد الفكري لها في نشأتها ونموها مثل الهند والصين وكمبوديا والنيبال. الآلهة: رفضت البوذية عبادة الأصنام منذ اليوم الأول من تأسيسها، لأن التماثيل والأصنام لا تستطيع ان تتكلم أو تسمع. ولا تستطيع أن تساعد البشر أو تزيل عنهم الألم والشقاء، وتعدّ عبادتها خطأً وحماقة بحسب رأي بوذا ورهبانه. وكان هذا التعليم جديدا ومُخالفا لتعاليم الهندوسية في (الفيدا) التي تدعوا الناس الى تقديم القرابين للأصنام والصلاة لها، إذ رفض (بوذا) سلطة الله (براهمان) في تقسيم الناس الى الطبقات الاجتماعية أو خلقه للعالم والأشياء المرئية وغير المرئية. ولم يشغل نفسه بالكلام عنها إثباتا أو إنكارا، وتحاشى الخوض في القضايا اللاهوتية والكونية كما جاء إحدى خطاباته: "لا أدعو أحدا براهميا بحسب عائلته أو ثروته فالفقير الذي يتحرّر من الرغبات هو البراهمان الحقيقي لأن الأكل والشرب والصوم وتكريم الأصنام وتقريب الذبائح والتقدمات لا تطهّر الإنسان ولا تجعله براهميّا بل الأعمال والعفة وترويض النفس وإخضاع الذات، تجعل الانسان براهميا حقيقيا". فالبوذية لا تخصّص مكانا للآلهة في فلسفتها ولاتشجع المؤمنين بالبحث عن وجودها، فهي مسألة ليست ذات قيمة تذكر بحسب اعتقاد بوذا والمدارس الفكرية التي أسست بعده، لأن الخلاص ليس متوقف على الآلهة بل على الانسان نفسه. وسعي الانسان الأكبر هو التخلص من الألم في هذه الحياة وتغييره للوصول الى السعادة، وذلك بالتركيز على التأملات وتثبيت التعاليم الأخلاقية التي هي تعابير للأحاسيس البشرية وطبائعهم الخيّرة أو الشريرة من دون تدخل السلطة الآلهية والخارجية التي لها عالمها الخاص. وبعد فترة من موت بوذا بدأ الرهبان، يُفكرون في الله ويعملون على الوصول اليه أو التعرف عليه. وذهب بعض البوذيين الى القول بأن بوذا إله هبط من السماء لإنقاذ البشرية، وقاموا بتأليه معلمهم وعبادته ووضعوا تمثاله بين آلهة الهندوس. وكان هذا السبب المهم الذي أدى الى نشوء الإنشقاقات في الجماعة البوذية الأولى حول لاهوته وناسوته وحول العقائد والسلوك التي بشر بها بوذا في حياته. وشهدت الفترة بعد موت بوذا، قيام المجامع الدينية التي دارت حول صحة العقائد وكيفيّة تقديمها للآخرين وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية. وتكلمت بعض هذه المدارس الفكرية والمجامع العقائدية عن الإلحاد وعن عدم الفائدة من وجود الله كما أسلفنا سابقا، وتكلم بعضها الآخر عن التناسخ وارتباطه بالكارما وعن فصل التناسخ لدى البشر والحيوانات. وبالغت فرقة اخرى بمفهوم الحلولية، إذ قالت بأن لله يحل في كل شىء وقالت فرقة اخرى بظهور الله في البشر فقط. وأما الفرقة الرئيسية والتي تشمل الغالبية العظمى من البوذيين فهي التي أنكرت وجود الله أو الآلهة واستتبع ذلك الإنكار، إنكار للصلوات والعبادات، فمن ينكر وجود الآلهة، لمن تكون العبادات والتضرّعات والصلوات إذا؟. وهذا هو الرأي الغالب اليوم إذ يقولون: "إستعانتنا الوحيدة هي بأنفسنا .. نحن نفعل الشر .. ونحن نتحمل الألم .. نحن بمقدورنا التوقف عن فعل الشر.. نحن نستطيع أن نصبح أطهارا.. وبمقدورنا أن نخلص أنفسنا وأن نسلك الطريق.. بوذا مثالنا وقدوتنا وهو أرانا الطريق".
المدارس الفكرية: لم يكن في زمن بوذا أية نصوص مدوّنة، وقد شرع الرهبان بتدوين أولى المخطوطات المقدسة حوالي 400 سنة بعد خدمته الروحية. ولهذا نجد صعوبة كبيرة في معرفة الأقوال والخُطب الحقيقية التي ألقاها بوذا في حياته عندما كان يتجوّل في القرى والطرقات معلما في الناس. وتمارس كلتا المدرستين الرئيسيتين التعاليم والعقائد البوذية. فالإنقسام بعد المجمع البوذي الأول، كانت له مدلولات سياسيّة وادارية، بالاضافة الى الإختلافات العقائدية بين المجتمعين. وذهب بعد الانقسام مباشرة كل في طريقه المنفصل عن الآخر. وتنقسم البوذية الى ثلاثة مدارس: الثيرافادا: تركز على أقدس تعاليم بوذا وعلى الحياة الروحية التقشفية وكيفية تقديسها وتطهيرها لغاية أسمى. ولا تزال هذه المدرسة تمارس في أجزاء من جنوب آسيا (سيريلانكا) وأجزاء من جنوب شرق آسيا. وتتكون كتبها المقدسة على ثلاثة أجزاء، وتدعى تريبيتاكا أو السّلات الثلاثة. الماهايانا: وهي تعني المنهج الكبير أو المركبة الكبرى وهي أكثر وعيا من المدارس الاخرى بالشمولية ونشأت في القرن الأول قبل الميلاد، وجُمعت الكتب الخاصة بها، والتي تسمى (الماهايانا سوترا) والتي تمارس في شرق آسيا. وأما الماهايانا السريّة فتمارس في التيبيت ومنغوليا وتنتشر في الصين وكوريا واليابان. ونجهل المناطق الجغرافية التي نشأت فيها ولكننا نعرف التوقيت الذي ظهرت فيه وذلك في القرن الأول قبل الميلاد، ولاسيّما بين العلمانيين البوذيين. الفاجرايانا: وهي المركبة الماسية أو التترية التي تفرعت في القرن السابع الميلادي في الهند من المهايانا، وينتشر أتباعها في التيبيت والمناطق المجاورة مثل الهند والبوتان ومنغوليا والنيبال وروسيا الفيدرالية وبولندا والدانيمارك واليونان. ويرأس هذه الطريقة في التيبيت (الدلاي لاما). وبالرغم من كل الإختلافات الفكرية بين المدارس البوذية إلا أن هناك تشابهات كبيرة بينها ومنها: • قبول جميع المدارس الفكرية بوذا معلما لها. • قبول جميع المدارس الفكرية والمذهبية الطريق الوسط والحقائق النبيلة الأربعة مع الفضائل الأخلاقية الثمانية. • قبول جميع المدارس ممارسة الفضائل والحقائق من قبل الرهبان والعلمانيين مثل الاستنارة الروحية. • قبول جميع المدارس المعلم (بوذا) نموذجا وقدوة وإعتقادهم بأن الوصول الى مرحلة (الاستنارة) هو إنجاز روحيّ عظيم واجب تحقيقه. وجدير بالاشارة أن البحث عن الحقيقة هي الرحلة الأهم في حياة كل بوذي مؤمن. ويتحقق ذلك من خلال التأمل العميق في الروح والحياة والطبيعة. ومن يستيقظ من الجهل الروحي يُدرك إدراكا حقيقيا واقعه المؤلم ويتغلب على التعاسة والجهل، فهو يُدعى بوذا أو (المُتيقض ـ المتنوّر). وكان هناك عدد كبير من المتنورين في التاريخ قبل بوذا وبعده وسوف يكون عدد منهم في المستقبل. ومن يدرس تعاليم بوذا ويتبعها في حياته ويتنوّر في كلمات(الدهارما) ويطبقها اخلاقيا في حياته اليومية مُطهّرا عقله وقلبه يُدعى (بوذا). وأما الغاية من البوذية، فهي التغلب على كل أنواع الحزن والألم في حياة الانسان كما يقول بوذا نفسه: "أنا أعلم شيئا واحدا فقط، الآلام والتغلب على الآلام". ولتحقيق ذلك يكون بتطهير العقل والقلب من خلال النيرفانا ومن خلال الطرق الروحية الأربعة للوصول الى فهم خاص لكل شىء في الحياة. وفي هذه الطريقة يكون الانسان قد تخلص من الأحزان والآلام وكل ما يُعّكر صفوة الحياة ويتحرّر من كل المعوّقات للوصول الى النيرفانا (السعادة القصوى). كان لابد من مجامع فكرية وعقائدية تنظر الى الديانة والى ماضيها ومستقبلها وتنظم كتبها وعقائدها وتبدي رأيها بالعقائد المُخالفة للطريق الصحيح ومن هذه المجامع: مجمع راجاغراها: الذي عُقد في الهند سنة 483 ـ 477 ق.م، والذي كان يبحث عن الحياة الرهبانية وعن الطرق الروحية المُثلى في التعامل اليومي مع فحص التعاليم الشفهية لبوذا. مجمع فايسالي: عُقد في ولاية بيهاري الهندية، ودار حول العقائد والمذاهب والبدع وكيفية التعامل معها، وعن الحلال والحرام في الديانة. مجمع باتاليبورتا: عُقد في ولاية بيهار الهندية في القرن الثالث قبل الميلاد. ودار حول الأديرة المزيّفة والرهبان الخارجين عن القانون ومحاولة ابعادهم عن الأديرة. وعن الدعوة التبشيرية الى خارج الحدود الهندية. مجمع جلندار: عُقد في ولاية جامو كشمير سنة 100 ق.م، ودار حول الوحدة بين المذاهب الفكرية والتيارات الدينية ولاسيّما بين المذهبين (ثيرافادا) و(ماهايانا). شىء من التاريخ: التاريخ البوذي، موضوع شاسع لايُمكن ان نعطي حقه الكامل في هذا البحث، لأن التكلم عن تاريخ هذه الديانة وكل فعالياتها وحوادثها وانتشارها في الدول الآسيوية، أمر يحتاج الى الكثير من البحث والجهد والدراسة الخاصة، ولذلك فإننا سوف نحاول أن نعطي التواريخ المهمّة وبإختصار شديد. • يبدأ التاريخ البوذي من منتصف القرن السادس قبل الميلاد بولادة (سيذهارتا غوتاما) المدعو (بوذا)، مما يجعل البوذية من أقدم الديانات العالمية الممارسة الى اليوم. وتمرّ البوذية في فترات تاريخية مختلفة وتدخل في مناطق جغرافية عديدة وتتبنى قيّم وثقافات كثيرة، تحاول مزجها مع أخلاقياتها الجميلة سواء كانت في آسيا الوسطى أو في جنوب شرق آسيا أو في اوروبا والأمريكتين. • مرّت البوذية بانقسامات كثيرة مثل معظم الأديان العالمية الاخرى، والتي أثرت على تأريخها إيجابا وسلبا، ومن هذه الانقسامات: الثيرافادا والماهايانا والفيجرايانا والتقاليد المختلفة الاخرى التي احتضنت المدارس الفكرية والفلسفية الخاصة بها عبر التاريخ. وقد واصلت البوذية انتشارها وسيرها طوال 2500 سنة، وتطوّرت سواء من ناحية الفكر أو العقيدة أو التطبيق أو الآداب أو الممارسات العبادية. وكان تأثيرها كبيرا في الفلسفات والعبادات الموجودة في أكثر من ثلاثين بلدا في آسيا وغيرها من البلدان في العالم. وهذه نبذة عن التطوّر التاريخي للبوذية ونشاطاتها الدينية عبر التاريخ: • قبول أفكار بوذا في القرنين الاول والثاني بعد وفاته في مناطق الغانج الهندية الشمالية وزيادة أتباعه بين الطبقات البشرية المختلفة من الفقراء والمتسوّلين والملوك والجنود والأباطرة والطبقات العليا. • نشوء المجمع البوذي الأول في القرن الخامس قبل الميلاد بعد وفات بوذا مباشرة. وإقامة المجمع تحت رعاية (أجاتا ساترو) ملك امبراطورية (ماغادا) وباشراف الراهب (ماهاكاسيابا). وتسجيل الأحاديث التي ألقاها بوذا والبحث عن تعاليمه والنقاش حول العقائد الرئيسة في الكتب المقدسة التي سُميّت (سوترا)، وعن القوانين الرهبانية التي سُجلت في كتاب(فينايا). • نشوء المجمع البوذي الثاني في سنة 383 ق.م، الذي التأم في عهد الملك (كالاسوكا) في فايسالي بعد الصراع الذي نشب بين المدارس التقليدية والليبرالية (ماهاسانخيكا) والذي انتهى بغلبة الأفكار التقليدية. وقد كان المجمع حول اعتبار بوذا انسانا متنوّرا وصل الى مرحلة الإستنارة الروحيّة بالتأمل وممارسة اليوغا القاسيّة. وأقتراح المجمع في إمكانية الرهبان للوصول الى نفس المرحلة بالتغلب على الألم. ولم تقبل المدارس الليبرالية بهذه الأفكار، إذ كانت تعدّها أفكارا شخصيّة وأنانية، مما أجبرها بالإنزواء مع أفكارها المُتحرّرة في الوسط والشمال الشرقي من الهند حتى يحين الوقت اللازم لقبول تفسيراتها. • استيلاء الأمير (شاندرا غوبتا)، الذي حكم بين 316 ـ 293 ق. م، والذي كان ملكاً لمملكة بانتا من الاسرة المورية واستيلائه على المملكة المقدونية في البنجاب والتي أسسها اسكندر المقدوني سنة 321 ق.م. ومحاولته نشر القيّم البوذية فيها، ومحاربة سيطرتهم على الهند. مع محاربة النظام الطبقي الاجتماعي السيئ الصيت المفروض على الشعب من قبل الهندوسية. • إهتداء الامبراطور آسوكا الكبير للبوذية بعد السيطرة الدموية على المناطق في (كالينغا) شرق الهند سنة 273 ـ 232 ق.م، غفرانا للعنف والرُعب الذي أصاب الشعب وتكفيرا عن الدماء التي سالت أثناء الحرب، وقراره بالتجرّد الشخصي ونبذ العنف ونشر الايمان البوذي الذي يدعو الى السلام واحترام الحياة مع القيام في حملة شعبيّة تدعو الى بناء الأبراج والمستشفيات والطرق والمدارس وأنظمة الري الزراعية واحترام جميع الأديان والطبقات من دون تمييز. والبدء بنشر العقيدة البوذية خارج أسوار الهند ولأول مرة. • التئام المجمع البوذي الثالث في باتالي بوترا(باتنا) في سنة 250 ق.م. بدعوة من قبل الراهب(موغالي بوتا). وذلك للتقريب بين المدارس الفكرية البوذية وكيفية تقديم العقيدة للملوك الراغبين بالإهتداء وتنظيم البعثات التبشيرية الى العالم المعروف آنذاك، وترتيب الحاضرين في المؤتمر في ما يُسمى بقانون (بالي) للكتب المقدسة. وقبول الأفكار الروحيّة لمدرسة (دهاراما كوبتاكا) في شمال غرب الهند والمناطق الوسطى في آسيا الى نشوء الامبراطورية الجديدة (كوشان) في العهد الأول من التاريخ الميلادي حيث كان تأثير تلك الأفكار سائدا ومنتشرا في الجماعة البوذية. • اهتداء شعب مونز (بورما) للبوذية سنة 200 ق.م، بتشجيع من الملك (آسوكا) وذلك قبل الإنشقاق الكبير بين ماهايانا والهينايانا. ومساهمة المونز في بورما في تأسيس الأديرة الرهبانية. وما رافق ذلك من تأثير المونز في فن بناء المنارات والأديرة بالفن الهندي من عهد(كوبتا). ومنافسة الأفكار الفلسفية للمذهبين في المناطق جنوب شرق آسيا وشمال جنوب شرق آسيا في القرن الخامس والثامن الميلادي. • اهتداء شعب سيريلانكا (ديفانامبيا تيسا) من قبل الملك ماهيندا ابن الملك آسوكا في القرن الثاني قبل الميلاد، والبدء بحملة شاملة في تعلم الديانة البوذية مع عدد كبير من حاشيته وشعب مملكته. وما رافق من الترجمات الكاملة للنصوص المقدسة الى اللغات المحلية والشروع ببناء الأديرة والمعابد في كل مكان. • عقد المجمع الرابع في حكم كوشان(كانيشكا) في سنة 100 ميلادية في كشمير، بتجمع ما يقرب من 500 راهب، تحت ادارة (فاسوميترا)، وذلك لتحرير النصوص المقدسة المسماة (تريبيتاكا) والشروحات المتعلقة بها، والقيام بتدوين الأقوال المنسوبة الى بوذا والبالغ عددها 000 ,300 ألف قول مع تحرير (9) مليون وثيقة تاريخية. وقضاء الحاضرين حوالي 12 سنة، لتحرير المجموعة الكاملة الاولى من النصوص المقدسة باللغة السنسكريتية. وإصدار القرار الثاني والخطير حول بوذا برفعه الى الالوهة وتشجيع العالم بعبادته. وإلتئام المجمع الرابع من قبل الرافضين للتجمع في كشمير وذلك في سيريلانكا وفي نفس الفترة الزمنية من قبل الرهبان التابعين للمذهب (ثيرافادا)، ولغرض الغاء المجمع المُنعقد في كشمير وإلغاء كل قراراته وإعتباره مجمعا هرطوقيا غير قانونيا. • تأسيس سلالة سونغا (185ـ 73 ق.م)، بحوالي خمسين سنة بعد وفاة الملك آسوكا ومواجهة الموريان بقيادة (الملك براهدراتا)، وانتصاره عليهم، واعلان (بوسيامترا سونغا) الذي كان قائدا عسكريا للحملة، بنشوء السلالة الملكية الجديدة وبتنصيب نفسه ملكا وشروعه في محاربة البوذية وتدمير أديرتها وقتل رهبانها. • انتشار مذهب الماهايانا البوذي حوالي سنة 100 ق.م الى القرن الثاني الميلادي وحدوث التغييّرات السياسية العديدة في الشمال الغربي من الهند، جنبا الى جنب مع مملكة كوشان، التي ورثت الثقافة الهندو ـ أغريقية. • دخول البوذية الى الصين في القرن الاول الميلادي وإنتشارها في جميع أرقاع البلاد وسيطرتها على كل زمام الامور في القرن الثامن الميلادي، ونشوء أقدس وأجمل الفنون والآثار البوذية والتي تحاول اليونسكو اليوم الحفاظ عليها وإعتبارها ذخرا وكنزا ثمينا للأنسانية. • تأسيس المهايانا من قبل المعلم ناغارجونا والذي أجاد دراسة الناموس البوذي في العدمية المطلقة التي تقول بأن الحقائق تمر بين الحقيقة المطلقة والنسبية والذي أنشأه في اللغة البالية في القرن الثاني والثالث الميلادي. • دخول البوذية الى شبه الجزيرة الكورية سنة 372 ميلادية، بوساطة السفراء الصينين الذين جلبوا معهم النصوص المقدسة والتماثيل والصور لبوذا. وتبني كوريا بأقسامها الثلاثة هذا الدين الجديد في منتصف القرن السادس الميلادي رسميا وانطلاقها بإرسال المبشرين الى اليابان. • انتشار البوذية في سيريلانكا وجاوه(اندونيسيا) بين سنة 399 ـ 414 ميلادية، وتعاون البوذية في هذه البقاع مع الأنظمة الملكية ودعم هذه الأنظمة بالمقابل في نشر المباديء البوذية بين الشعب. • تأسيس المدارس الدينية التابعة لمذهب الماهايانا ولاسيّما في منطقة (نالاندا) في شمال شرق الهند والتي كانت في حينها من أكبر وأشهر الجامعات البوذية ولقرون عديدة، إذ كان يُدرّس فيها مدرسون مشهورون مثل(ناغار هونا). ومن ثمّ انتشار البوذية الواسع في عهد سلالة (كوبتا) في القرن الرابع الميلادي الى القرن السادس الميلادي ولاسيّما بعد سقوط مملكة كوشان الهندية في الفترة التي تلت الاحتلال الاجنبي(الهون البيض) والاضطهادات التي رافقت ذلك الاحتلال. • انتشار البوذية (الماهايانا) في كمبوديا في القرن الخامس الى القرن الثالث عشر الميلادي، وبقاء تأثيرها على كل امور الحياة مع انتشار التعاليم المتعلقة بالسحر والشعوذة البوذية والتي دعيت بالتانترا وذلك بإستخدام القوة السحرية في معالجة الامور الصحية المختلفة. • انتشار البوذية في التيبيت سنة 630 ميلادية، في عهد الامير (سرونغ تسام غامبو) الذي أسس دولة التيبيت الجديدة وجعل عاصمتها (لاسا). ومن ثمّ نشوء العهد الجديد للبوذية على الطريقة التترية والتي كانت تدعى البوذية الحمراء لأن أتباعها كانوا يرتدون الثياب والقبعات الحمراء. • دخول البوذية الى اليابان في القرن السادس الميلادي بوساطة الرهبان الكوريين الذين زاروا تلك الجزر النائية حاملين معهم الكتب والصور والتماثيل البوذية وذلك في عهد الامبراطور (كيمي) في سنة 552 ميلادية، ولكن بعد انتشار الوباء بين اليابانيين، ألقى الامبراطور بالتماثيل والصور البوذية في البحر معتقدا بأن الآلهة اليابانية (كامي) تعترض على الدين الجديد. • انتشار البوذية الحقيقي في اليابان بعد إهتداء الامبراطور (شوتوكو تايشي)، الذي أصبح بوذيا متحمسا وأقدم على الإتصال بالبوذية الصينية وبإرسال التلاميذ هناك لكي يتعلموا المباديء البوذية في سنة 588 ميلادية، وأقام أول معبد بوذي في اليابان وأسس أول رهبنة بوذية على طريقة المهايانا. • انتشار البوذية في البنغال في عهد (مملكة بالا) في القرن السابع الميلادي وانتشارها الى مملكة (بوهتان) حتى سقوط مملكة (بالا) على يد (سلسلة سينا الملكية) في القرن الثاني عشر الميلادي. وانتشار الهندوسية والجاينّية على حساب البوذية في مناطق البنغالية والمناطق الهندية الأخرى. • انتشار البوذية في صورتها التترية في بورما في القرن السابع الميلادي وبقاء البوذية على طريقة ترافيدا، الصورة السائدة في جميع أنحاء بورما بعد إختفاء المهايانا. وإنتشار الأديرة البوذية التي وجدت بالقرب من كل مدينة تقريبا، والتي كان لها تأثيرها القوي على الحياة الأخلاقية في البلاد. • تأثير البوذية على فن التصوير والايقونات، في الحضارات الغربية المسيحية. ولاسيّما بعد ترجمة بعض النصوص البوذية المقدسة الى اللغة الآرامية والعربية من قبل القديس يوحنا الدمشقي ونشر قصة حياة بوذا بين المسيحيين في كل مكان حتى ان البعض منهم كان يعدّه قديسا مسيحيّا بسبب التشابه الكبير بين سيرة حياته وتضحياته مع سيرة حياة المسيح يسوع وتضحياته الكبيرة. • انتشار البوذية في اندونيسيا(جاكارتا) منذ سنة 780 ميلادية. وبناء أشهر وأكبر معبد بوذي في العالم في مدينة (جافا) حيث أقيم فيه 505 تمثالا لبوذا وهو جالس في حالة اليوغا. ولكن الوجود البوذي هناك تأثر سلبيا بسبب دخول الاسلام في القرن الثالث عشر الميلادي. • تدمير الامبراطور الصيني (وو تسونغ) وهو من سلالة تانغ سنة 850 ميلادية، خمسة وأربعين ألفا من الأبنية البوذية وإتلاف عشرات الألوف من صور بوذا، في اضطهاد دام قرابة ألف سنة. • انتشار البوذية في مملكة الخمير في شمال كمبوديا من القرن التاسع الى القرن الثالث عشر الميلادي وقيامهم ببناء أكثر من 900 هيكل في كل المناطق الكمبودية والتايلاندية. • بدء الفتوحات الاسلامية بقيادة القائد التركي (محمد كهيلجي) الذي أحرق (نالاندا) في سنة 1193 ميلادية، ورافق ذلك إنتهاء الوجود البوذي في نهاية القرن الثاني عشر في المناطق القريبة من همالايا وذلك بتأثير الحركات الصوفيّة الاسلامية والصحوّة الروحية الهندوسية. • تاثر المناطق الواقعة في وسط آسيا منذ اليوم الأول من نشوء البوذية بسبب وقوعها على قارعة الطريق بين الامبراطورية الفارسية والصين والهند. ووقوعها على طريق الحرير وقربها من الأحداث، وتكوين جماعات بوذية في تلك المناطق في وسط آسيا منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وإنتشار البوذية بين العشائر التركمانية منذ القرن الثاني والثالث قبل الميلاد في المناطق مثل باكستان وكشمير وأفغانستان وايران وطاجيكستان. وإستمرار الوجود البوذي الى القرن الثالث عشر الميلادي، وإحلال الوجود الاسلامي محل البوذية بقيادة المغول المسلمين وفتوحاتهم المعروفة هناك. • توحيد الممالك في بورما تحت راية الديانة البوذية سنة (1044–1077) ميلادية، في عهد الملك (أناوراثا)، الذي تبنى المذهب (الثيرافادا)، ومن ثم انتشارها الى المناطق التايلاندية والكمبودية الجنوبية في نهاية القرن الثالث عشر والتي بقي وجودها قويّا الى يومنا هذا. • تراجع الايمان البوذي في الهند بسبب الصحوّة الهندوسية والفتح الاسلامي في القرن الحادي عشر واندثار الماهايانا رويدا رويدا في كل مناطق جنوب شرق آسيا، والقضاء النهائي على وجود البوذية في تلك المناطق. ومن ثمّ تراجع البوذية أمام الزحف الاسلامي في ماليزيا واندونيسيا وجنوب الفيليبين في القرن الرابع عشر. • الاتصال المباشر بين البوذية والغرب المسيحي الذي تمّ بتأثير الآباء الفرنسيسكان الكاثوليك في القرون الوسطى عندما عُيّن الراهب الكاثوليكي (وليم روبرك) رسولا ودبلوماسيا للمغول من قبل الملك الفرنسي القديس لويس سنة 1253 ميلادية. • نشوء الحركة الإصلاحية في البوذية في التيبيت بقيادة المعلم (تسونغ كابا) وبين سنة (1357ـ 1417)، الذي نادى بعودة الرهبان الى التقاليد البوذية القديمة وفرض العزوبية والنذور الاخرى مع استخدام الملابس الخشنة وعدم شرب الخمر وسميّت الجماعة المؤيدة للإصلاحات بأصحاب القبعات الصفراء. • تحدي البوذية ووقوفها وجها لوجه أمام الفكر الغربي الذي حمله الاستعمار الى تلك البقاع من القرن السادس عشر الى القرن العشرين، مما أدى الى توحد الطوائف البوذية وتعاونها معا للوقوف في وجه الاستعمار الغربي والقيم المسيحية التي كان يحملها. • استيلاء ذوي القبعات الصفراء على التيبيت من 1642 ميلادية وفرض طريقتهم الاصلاحية واستمرارهم في الحكم بقيادة (الدلاي لاما) الملقب (بالبوديسفاتا ـ بوذا المتجسد) الى مجيء الصينيين الشيوعيين وسيطرتهم الدموية على التيبيت سنة 1950 . • زيادة الاهتمام في البوذية من قبل الدول الاوروبية التي سيطرت على آسيا في عهد الاستعمار الحديث، ومقارنة المسيحية مع العقائد الموجودة في البلدان الاسيوية البوذية. مع زيادة الانتشار للبوذية وتوسعها في بعض البلدان الاوروبية مثل بريطانيا والمانيا. • تنازل الحكومة الهندية في سنة 1953 عن رعاية موقع شجرة (البو) للتنوّر والتي تسمى شجرة(بودا غايا) والتي حصل بوذا على التنوّر تحتها وحصل على لقب بودا بسببها. على أمل أن العالم كله يحج اليها ويتنور تحتها. • احتفال البوذيون في العالم أجمع بالذكرى السنوية ال 2500 سنة لميلاد (البوذا غوتاما) وذلك في مدينة رانغون من ايار 1954 الى ايار 1956 في مجمع عام يُدعى (المجلس البوذي السادس)، والذي دار في معظمه عن دور العلمانيين ورسالتهم في تبشير العالم ووضع الخطط المناسبة في هداية الناس. • تحوّل البوذية من نهج أخلاقي وفلسفي الى دين عالمي وأممي، وإنتشارها بين كل الطبقات البشرية وفي كل الدول العالمية ولاسيّما في الغرب إذ أصبحت موضة العصر هناك منذ سنة 1955 بسبب عدد من الأفلام الهوليودية الدعائية والموجهة، وتحوّل الموضة الى لعبة سياسية للتأثير على الصين في قبول استقلال التيبيت تحت قيادة (الدلاي لاما) الزعيم البوذي الروحي لشعب التيبيت. • اعلان الرئيس الاندونيسي (سوهارتو) في سنة 1966، بتطبيق قانون جديد حول الأديان بعد الحوادث المؤلمة في 30 من شهر ايلول سنة 1965، والذي نص على اختيار ديانة واحدة من بين خمسة ديانات معترف بها في البلاد (الاسلام، البروتستنتية، الكاثوليكية، الهندوسية، البوذية) ونبذ كل أنواع الالحاد واللادينية. كأجراء سياسي ضد الشيوعية التي كانت تنتشر في ذلك البلد. وتثبت الاحصاءات العالمية أن في أندونيسيا اليوم أكثر من 10 مليون تابع للديانة البوذية. التعاليم والعقائد: لم يترك بوذا وراءه كتاباً يُعبّر فيه عن معتقداته الروحيّة وآرائه الشخصيّة أو ذكرياته. ولكنه ترك تعاليم شفهية، قام أتباعه بتجميعها وتصنيفها بعد وفاته. ومن بين آلاف الخطابات والمواعظ الروحيّة الواردة في كتابات السوترا والتي تنسبها الآثار الهندية إلى بوذا، يصعب التفريق بين المواعظ التي ترجع إليه وتلك التي وضعها أتباعه وانصاره بعد وفاته. على أنها وثائق تسمح لنا باستخلاص الخطوط العريضة التي قامت عليها العقيدة البوذية. لأن العقائد الدينية هي الجزء الأهم في كل ديانة، بإعتبارها اللب والجوهر ولولاها لما بقيّت الديانات على قيد الحياة لعقود وقرون طويلة من الزمن. ولكن العقائد البوذية تبقى مسألة مُحيّرة، إذ لم يستطع العلماء أن يُثبتوا ما إذا كانت البوذية ديانة الحادية أم ديانة تؤمن بوجود خالق للكون مثل غيرها من الأديان العالمية. إذ لم تنكر البوذية حقيقة وجود الآلهة كما بيّنا سابقا، ولم تؤكد في الوقت نفسه على وجودها ودورها في الحياة. لان الآلهة بحسب بوذا، لها ما يُشغلها في دائرة الحياة، وهي غير مُبالية بالانسان الذي عليه أن يمر بحالات من الولادات الجديدة حتى يصل الى مرحلة النيرفانا. ولهذا تؤكد البوذية في معظم تعاليمها على أن الانسان الحكيم يحتاج الى أن يتغيّر للأحسن لكي يصبح حرّا من الألم والشر الموجودين في العالم. بالرغم من جمع 300 الف قول وحديث لبوذا من قبل الرهبان في الألواح المقدسة، إلا أن الأسئلة الفلسفيّة المهمّة حول الأبدية والعالم وخلود النفس وانفصالها عن الجسد ووجود الحياة بعد الموت ووجود الحقيقة المطلقة، تبقى كلها أسئلةً مُحيّرة، من دون جواب، ويبقى بوذا نفسه صامتا تجاهها، وجوابه الوحيد عنها هو:"أن الآلهة تربك النفس وتشغلها عن الوصول الى النيرفانا التي هي السعادة القصوى". ومن خطاباته التعليمية والأخلاقية ما جاء في السوترا:"أن حب الخير والصلاح والطهارة والنبل والرحمة هي السمة التي تميّز الدين الحقيقي. فإملؤوا قلوبكم بحب لامتناه لخير الوجود كله وكونوا كالأخوة موحدين في هذا الحب وموحدين في القداسة والتسامح وقبول الآخر وموحدين في سعيّكم للحقيقة التي عليكم نشرها في كل أرجاء الكون. وآمنوا بالحقيقة حتى لو كنتم عاجزين عن إدراكها لأنه ليس بمقدور أحد أن يُغيّرها فكنوا مؤمنين بها، مارسوها وعيشوها". تؤكد البوذية على ممارسة مجموعة من التمارين الروحيّة والطرق التقشفيّة التي تبعد الفكر عن الوجود الضيّق للدخول به في عالم أوسع يشمل الكل في الأنا والأنا في الكل. فلا يوجد أنا ذاتية أو روحا قائمة بذاتها(أتمان)، لأن الأنا الذاتية تؤدي الى الأنانية وتنجم عنها، الضياع والتشتت والألم. وأما العقيدة التي يدعو اليها بوذا فهي اللا أنا (أناتمان) والتي تدعو الى التحرّر من الألم بالتأمل المستمر. فلا شىء يدوم الى الأبد ولكن الحياة تستمر في دورة من التناسخات الجيّدة أو الرديئة الى أن تتحرر من الدائرة الضيّقة. ولهذا تدعو البوذية الى زيادة الحكمة والمعرفة الذاتية التي هي الجزء الجوهري المُساعد في التخلص من الجهل والتحرّر من الأنا ومن الرغبات الجسدية والمادية. إذ يُشدّد بوذا كثيرا على الناحية التطبيقية لتعليمه، فالمعرفة المُكتسبة بالفهم، غايتها إتباع السبيل الذي ينقل الإنسان من حالة عدم الرضا الى حالة الرضا الكامل. ومن العقائد البوذيّة المُهمّة: • تعلم البوذية، التركيز على الإتجاهات الستة: (الشرق والغرب والشمال والجنوب والأعلى والأسفل)، وذلك للحصول على الحقيقة التي تتم بحكمة ونزاهة في إزالة جميع الأرجاس وحراسة بوابات الذهن من: الجشع والغضب والحماقة والخوف. • تؤكد البوذية على ما هو جدير بالمعرفة وعلى ما هو جدير بالتدريب على معرفة ما هو أهم والبحث لأيجاد الحلول اللازمة للمشكلات بدلا من البحث عن الأسباب والمسببات التي تدخل الإنسان في دوامة من الأسئلة التي لا تنتهي. كأن تسأل من خلق الكون وكيف خلقه ومن ماذا خلقه وهل هو أزلي وهل هناك حدود للكون؟. • تؤكد البوذية على ثلاث طرق للتنوير، يجب فهمها واتباعها وهي: السلوك القويم والتركيز الصحيح للذهن والحكمة. والآراء الأربعة التي يجب الإهتمام بها: ابقاء الجسد نظيفا والإبتعاد عن جميع الأهواء العالقة به. وإعتبار الحواس مصدرا للمعاناة، برغم الألم أو اللذة وإعتبار الذهن حالة من التدفق وإعتبار كل ما في العالم نتيجة للأسباب والإيمان بأن كل شيء قابل للتغير وبشكل مستمر. وتؤثر هذه الآراء على قبول الحقائق النبيلة الأربعة: معرفة حقيقة المعانات وطبيعتها، معرفة مصدر المعانات، معرفة طريقة إنهاء المعانات، معرفة الطرق النبيلة الى ذلك. • تعلم البوذية بأن الإيمان يجعل الانسان يشعر بأنه في حضرة بوذا وبأنه يُخفف من أنانية الإنسان ويمنحه روح الصداقة والتعاون وهو كفيل بإزالة الجشع والخوف والكبرياء من حياته وبأنه يُعلم احترام الذات واحترام الآخرين، ويُبقي التزامات المرء صافية نظيفة تعطي القوة للتغلب على جميع الإغراءات اليومية. • تعلم البوذية، أن الفضائل الأخلاقية هي مثل صنع الإحسان مع من يستحق وزرع النوايا الحسنة بين الناس وصنع المعروف مع الآخرين والإهتمام بهم، وإحترام الوالدين وكبار السن والإعتناء بهم ومشاركة الآخرين في الخيّرات والمكاسب والتبشير بين الناس. • تؤكد البوذية بأن الدهارما (الحقيقة) لا يُمكن فهمها بالعقل الطبيعي المحدود وذلك في كل النصوص المخطوطة سواء في السوترا أم التانترا. وكما يقول بوذا في أحاديثه: "ان العقل الكامل والنقي هو فوق الشرح والإدراك". ويُضيف بثقة كاملة قائلا: "أنا هو الدرب الأحسن للتحرّر. أنا هو الدرب البديع، الصعب للأدراك والفهم، المحفوف بالمخاطر. والذي لايُمكن حصره بالكلمات، وغير القابل للشرح". • تؤكد البوذية، على الايمان بالحقيقة حتى لو كان الانسان عاجزا عن إدراكها لأنها مُثمرة وعظيمة وأبدية. وعلى الانسان أن يعي وجود المُعاناة وأسبابها والوسائل الحقيقية لمعالجتها وعليه أن يُجدّد الوسائل الصحيحة لكسب عيشه وأن يتنفس بحسب الأفكار القويمة وأن يسعى بحب الخير للكائنات كلها وأن يعيش حياة القداسة من أجل أن يقطع دابر المعاناة والآلام. • تعلم البوذية، بأن العقل هو العنصر الأكثر دقة بين عناصر الطبيعة الانسانية وهو البشير الحقيقي في الأعمال الإنسانية، إذ يصعب السيطرة عليه لكونه ماكر، مُتحرك، يرغب في التحلق في كل مكان، ومن يُمسك به ويُسيطر عليه ينجح في الوصول الى النرفانا. • تعلم البوذية، أن الإصلاح الإجتماعي والديني في الهندوسية ضروري في التخلص من روح الطبقية الفاسدة التي تخلق التمييز والتفرقة بين الناس، ولذلك إعتمدت في بداية إنطلاقها ونشوءها على الفقراء والمنبوذين من الهندوس الذين كانوا يُعانون من أشد المُعانات في الحياة اليوميّة لكونهم كانوا من الطبقات الدونية. ودعت البوذية الى العدالة والمساواة ومحبة الآخر ومحبة الطبيعة والهروب إليها والتأمل في جمالها طريقا لأيجاد الأجوبة لكل المشاكل الحياتيّة والصحيّة وكل أنواع التحديّات الأخرى. • تؤكد البوذية على السلوك الأخلاقي بالأفعال من دون التركيز على الطقوس والشعائر العبادية والقضايا الميتافيزيقية التي لاتهم في الحياة اليومية بقدر ما يهم فعل الخير وتجنب الشرّ بكل أنواعه والوصول الى السعادة الحقة، كما جاء في أقوال بوذا: "لا يتطهّر الإنسان من قيود الضلال بتقديم القرابين وبإطلاق الشعر منقوشا وبإرتداء الثياب الخشنة، بل بالأعمال". • تؤكد البوذية على كيفية إطفاء نار الرغبات والتحرّر من الأنانية لأن ترويض الجسد باطل ما دامت الأنانية باقية وعلى الناس إشباع الضرويات الطبيعية للحياة والحفاظ على الجسد سليما معافى. • تركز البوذية على الصراع الأزلي بين الخير والشر وعلى الفضائل الأخلاقية ولاسيّما فضيلة المحبة والشفقة نحو جميع المخلوقات ومحاربة الشرور في كل أنواعها. وتؤكد على عدم التفكير بالشر وعدم القيام به لأن فعل الشر يعذب الانسان بعد إتيانه. فمن الأفضل فعل الخير لأن تحقيقه لا يُفضي الى الندم. وبهذه الطريقة يصل الانسان الى الخلود ويُحقق الكمال الانساني الذي هو ممكن فقط بأعمال الخير المتواصلة والمستمرة. • تركز البوذية على الإهتمام بالمصاريف اليومية وعلى العمل بجد وإخلاص كالنملة والنحلة من دون الإتكال على الآخرين. وعلى الفرد أن لا يعتبر ما وفره خاصا به إذ أن جزءاً من ذلك المال يجب تقاسمه مع الفقراء. • تؤكد البوذية على العلاقات الزوجية ذات المعاني العميقة وعلى الزوجين أن يستفيدا من علاقتهما بثقة وتصميم ثابت وعلى الزوج والزوجة أن يطلبا الإستنارة أولا والأشياء الاخرى سوف تزاد لهم، إذ لا يوجد تمييز بين الرجل والمرأة في الطريق الى التنوير. • تؤمن البوذية بالعقائد الهندوسية نفسها حول النفس والروح. وتعدّ عقيدة تناسخ الأرواح من العقائد الجوهرية المُهمّة والتي ورثتها عن الديانة الهندوسية. • تؤمن البوذية بأن الأحاسيس والأفكار لدى الشخص الميّت مهمّة جدا في تجربة الموت ولذلك يُرافق الشخص المقبل على الموت أقرباءه وأصدقاءه وأعضاء عائلته للدعم النفسي والروحي. • تدعو البوذية الى التقشف في الحياة للسيطرة على النفس وتطهيرها من الشر والآثام بدلا من السيطرة على الآخرين وما ينجم عن ذلك من اللاعدالة والتمرّد. ومنطق العزلة في الطبيعة هو السلاح المهم في مواجهة الغرائز والتحرّر من كل أنواع الشهوات والدعوة الى محبة الفضيلة وممارستها في الحياة. • تؤكد البوذية على الأخلاقيات اليومية للحصول على الهدوء والسكينة وذلك بممارسة الطقوس التي تجعل الانسان نظيفا من الداخل والخارج، وبهذه الطريقة يحصل الانسان على التفكير السليم والنقي واستعمال الكلمات الحسنة في التعامل اليومي مع الآخرين. • تحاول البوذية جهدها ان تعلم أتباعها كيفية تجنب الشر وتهذيب العقل والوصايا التي تحاول نشرها بين أتباعها وزرعها في قلوبهم والتي تدور في مجملها حول الملبس والمأكل والفضيلة والآداب والسلوك مع الوصايا التي تتعلق باحترام بوذا وقوانينه ورهبانه والسلوك التي يدعو اليها والطهارة النفسية والهدوء والصحة العامة. • تؤكد البوذية بأن الحياة مليئة بالألم والوهم والخداع. والشىء الأهم هو كيفيّة التغلب على هذه الأوهام والآلام لتحقيق السعادة. وليس هذا بالشىء الهيّن، إذ يحتاج المرء الى الولادة الثانية في دورة التناسخ حتى تصل النفس الى حالة الاستنارة (النيرفانا). وفيها مستويين، المستوى الاول: هو الخلاص في الحياة الدنيا أي الوصول الى السعادة القصوى(النرفانا). والمستوى الثاني: هو الخلاص من الولادات المتتالية بعد الموت وهي النرفانا الكاملة. والتأكيد في المستوين هو على الأخلاق والشفقة والمحبة إزاء جميع المخلوقات الحيّة. هذا ما تؤمن به البوذية وما تؤكده في عقائدها وتعاليمها. وما لا تؤمن به هو تحديد الزمن الذي ابتدأت فيه الحياة، والزمن الذي تنتهي فيه الحياة، إذ أن الاشياء جميعها أزلية وأبدية. وهي لا تؤمن بالكذب وشهادة الزور واللغو والثرثرة والشتم والقذف(تشويه سمعة الآخرين) والغش والنميمة والخداع والإجهاض والقتل والحروب، إذ لم تشترك يوما في حرب ما في التاريخ، لأن الدم البشري هو أغلى من أي شيء مادي. وتلزم البوذية كل المؤمنين البوذيين بثلاثة أشياء أساسية: 1 ـ الاقتداء ببوذا التاريخي والمؤسس للعقيدة ومحاولة الوصول الى مرحلته الروحية. 2 ـ دراسة التعاليم المقدسة حول المجتمع (الدهارما) والتي تسمى بالسوترا والايمان بها وتطبيقها. 3 ـ السانغا: وهي الطريقة الرهبانية التي يجب احترامها من قبل المنتمين الى البوذية مع إحترام المجتمع وقيّمه وتقاليده. وعليه فإن من يُمارس هذه العقائد فإنه سوف يتنوّر بإيمانه لأن بوذا هو التنوير التام ومن يعمل بحسب فلسفته يتطهّر ببركته ويسعد نفسه بالرغم من كل الآثام والآلام التي تعمّ العالم، لأن السعادة الحقة التي يبتغيها البوذي هي تلك الحالة التي يصل اليها في القضاء على رغباته المتغايرة وأنانيته. لم يُقصد من التعاليم البوذية أن تكون عقائد بالمعنى المعروف في الأديان الاخرى والتي تركز على النبي والنبوّة والرسالات السماوية. ولم يُقصد منها كذلك أن تكون فلسفة أو عقيدة وإنما قصد منها أن تكون دعوة وسلوك روحاني لا يُمكن بيانها بالألفاظ والكلمات والعبادات كما يقول بوذا: "لا تعرف الحقيقة بالنظريات، بل بالسير المتواصل في التدريب الأخلاقي والعمل على تغيير السلوك، لأن العمل هو الملك والميراث والرحم الذي يحمل الحقائق والملجأ الذي يلتجيء اليه الانسان". العبادة والممارسات: تكثر العبادات البوذية في الدول ذات الأغلبية البوذية، حيث التأملات الروحية في أماكن العمل والبيوت والأديرة ودور العبادة. وهناك ممارسات عبادية خاصة في البوذية مثل معظم الأديان الأخرى ومن هذه الممارسات:1ـ العبادة لبوذا، حيث يذهب الناس الى المعابد الخاصة لتكملة الطقوس اللازمة بذلك، ويُخصّص عدد كبير من البوذيّين أماكن خاصة لعبادة بوذا في بيوتهم بالتوقف أو بالركوع أمام تمثاله الجالس في وسط الزهرة(زهرة الخليقة). أو الجلوس بهيئة القرفصاء في صلاة اليوغا مع بسط الأذرع لتلمس الأرض مع الترديد أو تكرار هذه القراءة: "أتخذ البوذا ملجا لي. اتخذ الدهارما ملجئا لي. اتخذ السانغا مسكنا روحيا لي. وينحني البوذي بعد ذلك ثلاث مرات، إحتراما للرموز الروحيّة الثلاثة التي يلتجىء اليها والتي تسمى بالجواهر أو السلاة الثلاثة". 2 ـ العبادات التي يتبادلها الرهبان والعلمانيين والتأكيد على مشاركة الشعب في الترتيل والترنيم. لكونهما الجزء الجوهري في العبادات والممارسات الروحية، وذلك لتحرير العقل من الانفعالات والعواطف اليومية. ويُمارس البوذيون التأملات اليومية مع ترديد الترانيم لفقرات من النصوص البوذية المقدسة. ويتم التأمل غالبا في كيفيّة التعامل مع المفاهيم الأساسية للعقيدة وحول كيفيّة تطبيقها عمليا في الحياة. والمفاهيم الأساسية هي مراعات السلوك الأخلاقي اليومي من الكف عن القتل والسرقة والكلام السيئ والسلوكيات الحِسيّة المُشينة وتناول المشروبات المُسكرة والمخدرات. وإذا ما اقترف الإنسان إثما فليمتنع عن إقترافه مرة أخرى وليبتعد عن الإستمتاع به، لأن نتيجة الشرّ هي المُعاناة، فلينتصر الإنسان على الغضب بالحب، وليهزم الشر بالخير والشحّ بالكرم والكذب بالصدق. ولا تشجع البوذية كثيرا ممارسة الطقوس الدينية المُعقدة وليس فيها كهنة بالمعنى المعهود والرهبان المنتشرين في كل مكان ليسوا في الحقيقة وسطاء بين الناس وبين الآلهة أو بين الناس وبين بوذا إذ أن الانسان وحده مسؤول عن خلاصه. ومن الأعياد البوذية المعروفة، عيد بداية الصيف، إذ يذهب البوذيون الى الأديرة مرتلين على أصوات الموسيقى، يسيرون لمسافات طويلة، حاملين مظلات كبيرة ملوّنة ومزركشة، يؤدون رقصات شعبية بعد أن يحلقون رؤسهم ويلفون أجسادهم بقطع من القماش الأصفر وهم في طريقهم الى المعابد والأديرة والتماثيل المنتشرة في كل مكان. ويُقدمون القرابين والتي قد تكون عبارة عن قليل من الأرز أو الأزهار أو البخور والعطور مع تلاوة تراتيل روحية بمصاحبة الأدوات الموسيقية الخاصة. ومن الأماكن المهمة للحج في البوذية، زيارة الأماكن التي شهدت أهم الأحداث في حياة بوذا: مدينة كبيلا فستو(مكان ولادته)، بودهغايا(مكان استنارته)، بناريس(مكان الموعظة الاولى)، كوسينارا(مكان وفاته). ويفضل المؤمنون بالاضافة الى كل هذه الأماكن المقدسة، شجرة (البو) التي تشبه كثيرا شجرة التين وتسمى بشجرة العلم والمعرفة، إذ أن بوذا حصل على الاستنارة والاشراق تحتها. وتحتل مكانة مقدسة لدى البوذيين الى يومنا هذا. الكارما: تعلم البوذية على ان الإنسان يمرُّ في التناسخات المُختلفة، مع التقدير لوجود عوالم متعدّدة مثل العالم الحيواني والانساني والإلهي والسماوي. وتؤمن الى حد ما بأن مصير النفس يتوقف الى حالة الكارما والى الافعال التي يقوم بها المرء في حياته بعد الموت، وحول مفهوم الجنة والجحيم والثواب والقصاص الذي تمثله العجلة الدائرية التي لانهاية لدورانها. وجدير بالاشارة، ان المفهوم العقائدي حول الجحيم هو مفهوم مؤقت والمدة التي تقضيها الروح(أتمان) للتطهير قصاصا لها، قد تطول أو تقصر، وتنبعث مرة اخرى لتدخل في عجلة الحياة وقد تتجسّد في إنسان آخر أو في حيوان أو حشرة أو قد تسمو في تجسّد أعلى. ويُقال في الأدب الديني، أن بوذيّا كبيرا في العمر سأله شاب فيما إذا كان الانسان المُتنوّر يخضع لقانون الكارما أم لا. فكان جوابه بالنفي، وجاء قصاصه المُريع بسبب هذا الخطأ، بمروره في تناسخات انتهت في التجسّد في جسد ثعلب. ويعد هذا من أردأ التناسخات على الاطلاق، فإجتهد كثيرا في التخلص من ذلك التجسّد الى أن ساعده معلم حكيم لإنقاذه من هذا الواقع الأليم بنصحه عن كيفية التخلص من ذلك التجسّد الرديء. فالإنسان هو الذي يختار كارماه لأنه يملك حرية الإرادة وحق الإختيار، ولكي يستطيع الإنسان أن يختار طريقه، عليه أن يزداد معرفة. فالمعرفة هي السبب في بناء الكارما الجيّدة لأنه بالمعرفة تزداد إستنارة الانسان الروحية ونقصانها هو السبب في بناء الكارما السيئة. ويستطيع الانسان أن يتجاوز كارماه إذا ما طوّر قواه الروحية ووجهها لخير الآخر ولفائدته وإرتقائه. لأن التصرّفات التي يتصرفها الفرد يرتد تأثيرها على فاعلها. فإذا كانت جيّدة فالفاعل يحصل على النتائج الجيّدة، وإذا كانت سيّئة فيحصل على نتائج سيئة ورديئة. ونستنتج من هذا كله بأن لكل شيء علة والأشياء جميعها تخضع لقانون السببية، فلا ثواب ولا عقاب لكن البشر يتحملون نتيجة أعمالهم. وكل إنسان يتحمل وحده مسؤولية أعماله سواء الصالحة أم السيئة. اليوغا: اليوغا من أقدم الطرق الفلسفية في الهند، وهي طريقة تأملية تعود بجذورها الى بدايات الهندوسية القديمة وتعني التنوّر ويُقصد بها إخضاع الإنسان لنظام نسكي نحو تحرير النفس من الإرتباطات الجسدية والمادية لبلوغ التنوير الأعلى. وتدل كل الدلائل عن حياة سيذهارتا غوتاما(بوذا) على انه درس اليوغا على يد الرهبان البراهميين، في الفترة التي بقي فيها ناسكا ومتعلما في جبال الهمالايا كجزء من المنهج الفلسفي المُقرّر دراسته. ولربما كانت اليوغا التي استعملها بوذا وصاغها على طريقته الخاصة قبل تأليف النصوص المقدسة للهندوسية مثل (البهاجافاد جيتا) وغيرها من الكتب، التأثير الايجابي القويّ في انتشار البوذية السريع في القارة الهندية بعد موته. وجدير بالاشارة، أن العلاقة بين اليوغا والبوذية هي علاقة متداخلة ومتشابكة بشكل يجعل البوذية تشتهر باليوغا في العالم الخارجي وكأن اليوغا هي البوذية والبوذية هي اليوغا. فاليوغا في الحقيقة هي الجسر الذي يربط بين الهندوسية الديانة الأم والبوذية التي إنشقت عنها في القرن السادس قبل الميلاد. مع وجود تشابهات اخرى في الوصايا الاخلاقية بين الديانتين مثل مبدأ اللاعنف (أهيمسا) ومبدأ التركيز والاستنارة. والتركيز على اليوغا البوذية، هو أكثر وضوحا وقوّة في التيبيت الصينيّة وذلك بسبب الحوادث التاريخية وبتأثير التانترا الهندوسية (عبادة الأله شيفا والأله شاكتي) على التقاليد هناك. وخير مثال على ذلك السيطرة على النظام الخاص بالنبضات القلبية والقوانين والحركات الجسديّة الملازمة لها والتي تعدّ مهمّة في التعبير عن الديانة البوذية. وتستعمل هذه الأساليب اليوم من قبل الرياضيين للسيطرة على العقل وفي الحركات العصرانيّة الجديدة في الغرب وفي الجلسّات الشيطانية لتحضير الأرواح والسحر والشعوذة في الغرب. ولا توجد في البوذية طقوس تدعو الى الصلاة والعبادة ولكن توجد خمسة أنواع من التأمل التي تحل محلها: 1 ـ ميتا ـ بهافتا (التأمل في الحب)، وهو التأمل في الكائنات والدعوة الى ارضائها وسعادتها. 2 ـ كارونا ـ بهافاتا (التأمل في الشفقة)، وهو نوع من المشاركة في حزن الآخرين الذين هم في حاجة ولا سيّما المتسوّلين. 3 ـ موديتا ـ بهافاتا (التأمل في الفرح)، وهو نوع من التأمل الذي يبهج الآخرين ويشترك في فرحهم وسرورهم. 4 ـ أسوبها ـ بهافاتا (التأمل في اللاطهارة) وهو التأمل في أهوال المرض والفساد واستقبال الولادة والموت. 5 ـ أبكا ـ بهافاتا (التأمل في الهدوء)، وهو التأمل في التناقضات مثل الخير والشر والحب والبغض والغنى والفقر والصحة والمرض. وينصح المعلمون البوذيون بإجراء اليوغا في مكان هاديء، يستطيع الممارس أن يجلس وساقاه مضمومتان مثنيتان، حيث يكون الجسّد مستقيما والوجه مرفوعا ومحاطا بهالة من التفكير النشط وأن يبحث عن نقطة معيّنة للتركيز. فيمر الانسان في درجات من بلوغ الثقة من خلال التحرّر من الجسد، بالتركيز والتحديق أولا، ومن ثمّ الصحوّة والإلهام والتحرّر من الرغبات وتمني الخير لجميع الكائنات ثانيا. والإستغراق والتخلص من الألم لغرض ايقاف كل إحساس، ثالثا. والوصول الى حالة تنظيم التنفس واللامبالاة تجاه كل الأشياء ما عدا حركة التنفس، رابعا. فالتجرّد وسيطرة العقل على الحواس مع التركيز الذي يملأ العقل والحواس بفكرة واحدة بحيث يصرف النظر عن كل ما عداها، خامسا. وحينئذ يستطيع الإنسان ان يستقي المعلومات من الماضي وأن يرى المستقبل وما يحمله من الأفكار والآلام، فتحدث الولادة الثانية. النيرفانا: النيرفانا حالة من التحرّر التام من دائرة الحياة التي تبدأ في الولادة وتنتهي بالموت. أوهي بداية النهاية لأخماد نيران الشهوات والآلام والمُعانات اليومية والتحرّر منها والتركيز على التقدم نحو الامام. وأما الكلمة (النيرفانا) فتعني، نفيا للرغبة والتوق وتخلصّا منهما، وذلك لإخماد نار الشهوة والغضب والظلال. ويؤكد البوذيون على ان الانسان يقع في شرك التناسخات منذ ولادته الى موته النهائي وتحت قوانين الكارما. وتؤكد التعاليم البوذية بهذا الخصوص على التحرّر الكامل والمباشر من كل المُعوّقات التي تقع حجر عثرة أمام العقل والروح للوصول الى الحقيقية وفهمها. أو هي حالة من الإدراك يصل اليها الكائن الحيّ، ويُصبح بعدها متنوّرا، بعد أن يقوم بتبديد كل الكارما الخاصة به. وهناك خطوات يجب على البوذي أن يتخذها لإختبار هذا النوع من الممارسات الروحية. والغاية منها: اكتشاف الذات والوصول الى الحالة التي لا يشعر فيها المرء الى العطش والجوع أو التعلق بالماديّات والشهوات الجسدية. ويُعبّر الرهبان عن هذه الحالة بحركة العجلة التي تشرح العقائد وذروة الحقائق الدينية. وتوضح مفهوم الوجود على المراحل والدرجات الثمانية. وبالرغم من التطوّرات العديدة التي مرّت بها البوذية خلال القرون الماضية والمدارس الفلسفية الكثيرة التي انتشرت في الشرق والغرب والتي تشرح عقائدها وباللغات المحلية، إلا ان المبادىء البوذية الأساسية بقيّت كما كانت، منذ تأسيسها من قبل بوذا نفسه قبل 2500 سنة ومن دون تجديد كبير. والطرق العقائدية النبيلة الأربعة التي يجب اتباعها: الحياة هي المُعاناة: الحياة في المفهوم البوذي هي المُعانات بعينها منذ الطفولة حتى الممات وهي المُعاناة المتواصلة والمُلازمة لكل دورةِ من دورات الحياة (التناسخ). أصل المُعاناة: الأسباب التي تؤدي الى المُعانات هي الملذات الدنيوية والشهوات الجنسيّة وحُب المال والشهرة والسلطة وهي أصل كل الرذائل. منع المعاناة والسيطرة عليها: السيطرة على الجسد وكل أنواع الشهوات بالتأمل والتركيز على المعرفة الروحيّة والسموّ بها الى الأعالي، وذلك بالإستعانة بالقديسين والإقتداء ببوذا نفسه، وهو الطريق الصحيح للوصول الى النيرفانا. الطرق والوسائل لأيقاف المُعاناة: وهي عادة ثمان فضائل تمتد على طريق كل مؤمن بوذي: 1ـ الفهم السليم. 2ـ التفكير السليم. 3 ـ القول السليم. 4 ـ الفعل السليم. 5 ـ الارتزاق السليم. 6 ـ الجهد السليم. 7ـ الانتباه السليم. 8 ـ التركيز السليم. والغاية من تطبيق هذه الفضائل في الحياة هي الخلاص الذي ينوي البوذي الوصول اليه من خلال تطبيق هذه الطرق التي تنقي الفكر والقلب والروح من الشوائب والأفكار السيّئة. وفي النيرفانا التي هي التحرّر من الرغبات وإخماد نارها وترويض الأهواء والأحاسيس وقمع الآثام والتحرّر من الغرور والسيطرة على النفس سيطرة تامة لبلوغ السكينة المغبوطة(النرفانا). وخير مثال على ذلك هو التعريف التالي: "النيرفانا، أبدية، ثابتة، قويّة، وغير متحركة وهي الملاذ الآمن والملجأ الحصين، والحقيقة الأعلى والأسمى، والخير المحض والسلام الأزلي، الباطني، غير القابل للإستيعاب". والإنسان الباحث عن الحقيقة يستطيع إذا أن يكون سيّد رغباته وليس عبدا لها وفي مقدوره الإفلات من هذه الرغبات بقوة الثقافة الروحية الداخلية ومحبة الآخرين. فالنرفانا إذا هي القضاء على الأنانية والتحرّر من شقاء الحياة بخيرها وشرها. الدهارما: الدهارما تعني قانون الحياة في اللغة السنسكريتية الهندية. وأما في البوذية فتعاليم بوذا هي الدهارما الحقيقية. حيث اجتمع اتباع بوذا بعد موته مباشرة لتكوين نوع من الانظمة العقائدية التي اتفقوا عليها. وانتقلت تلك الانظمة شفهيّا من خلال الرهبان لقرون عديدة الى ان سُجلت في كتب ومخطوطات وذلك في سنة 80 ق.م. والتي اصبحت تدعى (قوانين بالي) و(التريبيتاكا ـ السّلاة الثلاثة). وتتكون هذه الكتب من القوانين الأخلاقية والسلوكية والطرق الروحيّة والتربوية المُتعدّدة لتعاليم بوذا وعقائده المختلفة. وتختلف الدهارما البوذية عن الهندوسية بخصوص الطبقات الاجتماعية، إذ ان الهندوسية تعلم بتجسّدات عديدة للتخلص من الطبقات الدونية أو النزول الى الطبقات الدونية ولكن التعاليم البوذية تعلم النيرفانا والتخلص من الألم لكل شخص يُطيع هذه القوانين. والانسان يستطيع ان يصل الى السموّ والدرجات الروحيّة العُليا مهما كان وضعه الاجتماعي ولونه ودرجته ومستوى ذكائه. والشىء المهم الثاني الذي يختلف بينهما هو بخصوص الآلهة التي لها الدور الآهم في الهندوسية وأما في البوذية فإن دورها يكاد لا يُذكر، لكونها تعيش في عالمها الخاص ولا تهتم كثيرا بالانسان وآلامه العديدة. والأنا في الهندوسية تتوحد مع البراهما (الروح الكونية) بعد التناسخات الجيّدة العديدة ولكن الأنا البوذية لا وجود لها، فهي تخرج من الدائرة وتنتهي من الوجود الى اللا أنا (التلاشي)، بعد التناسخات العديدة. السانغا (الحياة الرهبانية): ظهرت في البوذية مدارس فكرية وروحية عديدة منذ نشوءها والى اليوم، وكانت الرهبنات من المنظمات الروحية (الرجالية والنسائية) التي نظمت من قبل بوذا نفسه لضرورتها الاجتماعة والدينية والتبشيرية. والتي سُميّت بالسانغا، يعيش فيها من هم عادة ينذرون أنفسهم لهذا النوع من الروحانية ويُمارسون بعض الطقوس المُهمّة سواء في الملبس أو المأكل أو الطقوس العبادية كالتأمل واليوغا. ويقومون بحلق رؤسهم وبلبس الروب الرهباني المتكوّن من قطعة واحدة برتقالية اللون، يسترون بها جسمهم العاري تماما. وينذر الراهب منذ اليوم الأول من دخوله الى الدير بالطاعة المطلقة للقوانين الخاصة بالرهبنة ومن ضمنها قوانين ((السلات الثلاث))، والوصايا الأخلاقية الخمسة التي تمنع السرقة والكذب والقتل واستخدام الكلام البذىء والسلوكيّات الحسيّة المُشينة والكف عن تناول المشروبات الكحولية والمسكرة والمخدرات مع القوانين العديدة التي يجب على الرهبان اتباعها والتي تزيد عن 250 قانونا للرهبان وأكثر من ذلك للراهبات. ويجتمع الرهبان كل اسبوعين ليقرأوا ترتيلا هذه القوانين التي عليهم ان يطيعوها ويُطبقوها حرفيّا ويُطرد من يُخالفها نهائيا، من الدير والرهبنة. ومن هذه القوانين، (البتولية، الطاعة، الفقر) وهي فرض لجميع الرهبان والراهبات. وجدير بالاشارة، ان البوذية هي من الأديان الاولى في العالم التي انشأت الأديرة الرهبانية والتي كانت بمثابة الجامعات والمراكز الثقافية المهمّة التي يُدرّس فيها الطلاب المهتمين بالإنتماء اليها. وكان للروحانية النسكية في البوذية تأثير على الأديان التي جاءت بعدها مثل الأديرة الرهبانية المسيحية وكذلك حركات التصوفية الاسلامية. وكان الرهبان والراهبات يقضون فترة (ثلاثة اشهر) في الأديرة يتعلمون فيها ويتأملون. ويخرجون في مواسم معيّنة للتجوال في الطرقات البعيدة وللتنقل من قرية الى اخرى للإستجداء من الناس ما يأكلون وما يشربون. ويتجاوز عدد الرهبان في بعض الأديرة في التيبيت اليوم أكثر من 15,000 راهب. الزن: الزن مشتقة من كلمة سانسكريتية (دبيانا) وتعني (التأمل). وقد اشتهر هذا الاسم ولاسيّما في الغرب وفي الأوساط الجامعية المُثقفة. ومن الغريب ان الكلمة (زن) تعني من جهة (كل شىء) ومن جهة اخرى تعني (لاشىء). وقد ظهرت مدرسة زن في القرن الثاني عشر في اليابان وكان لها أثر كبير على هندسة الحدائق وفن العمارة والفنون العامة والتقاليد الاجتماعية والدينية والثقافية في اليابان. وربما كان الدور الذي لعبته في الرياضة ولاسيّما في فنون الجودو والكاراتيه والفنون الاخرى بالعموم، أكبر الأثر على انتشارها السريع في العالم. وتركز البوذية على طريقة الزن اليوم على النفس والاستنارة الروحية وعلى التحليل النفسي طريقا أو سلوكا لابد منه في ممارسة بعض الجوانب المهمّة فيها والتي تسمى (زن). وهي محاولة لدمج العلم بالصلاة في اشفاء النفس وانقاذها من الألم وعلاج الانسان من كل أنواع الأمراض النفسيّة وبعض الأمراض الجسديّة. فالزن إذا حالة صوفية للوصول الى الاستنارة الروحية وللتخلص من كل ما يُزعج أو يُربك العقل والروح. ولكي يفهم المرء الزن فهما كاملا علينا دراستها مع البوذية ولاسيّما في مفهوم الاستنارة واليقضة الروحية، مع استخدام المقايس العلمية في علم النفس لتحرير الطاقات المكبوتة والمحبوسة في داخل كل إنسان وجعله شخصا صحيّا وخيّرا وسعيدا، فيما يُدعى بالساتوري. والغاية المهمّة في الزن هي معرفة الذات لتغيير الطبع وهو شىء صعب للغاية ولاسيّما في كيفية التخلي عن كل أنواع الجشع المادي والجسدي والسلطوي وكل أنواع الحسد والمجد للوصول الى التحرّر الكامل من الأنا ومن العالم. من الصعب جدا أن نتابع التاريخ الحقيقي لدخول البوذية (الزن) في اميركا الشمالية ويُعتقد ان زيارة الراهب الياباني (سويان شاكو) الى شيكاغو في مؤتمر برلمان الأديان سنة 1893 البذرة الاولى في تعريف البوذية من هذا النوع في الغرب ولكن الوجود الحقيقي لها في الغرب على طريقة الزن كان بين 1950 الى 1960 ولاسيّما بعد اهتداء عدد من الغربيين الذين أضهروا رغبة في ممارسة الزن وبجدارة كبيرة أعجبت المعلمين الرهبان الآسيويين. وأما عن تأثير الزن على الثقافة الغربية فكان منذ نصف قرن، إذ بدأت هذه الطريقة الروحية بالانتشار في الغرب الأمريكي منذ سنة 1960 من قبل الراهب (هوسان هوا) حيث أسس ديرا كبيرا مع جناح خاص للعجزة وذلك في مدينة (يوكايا Ukaia) كاليفورنيا، ومن ثم انتشرت في المدن الامريكية الاخرى. وتفرعت الزن عن الفرقة المذهبية البوذية الصينية(تشان) في القرن السابع الميلادي من قبل الراهب البوذي (هان تشان) الذي أراد تجديد البوذية مع التركيز على الاستنارة واليقضة الروحية أكثر من أي شىء آخر، والتركيز على الطريقة التي فيها يتأمل البوذي للوصول الى المستوى الروحي لبوذا نفسه. ويجب علينا أن لا ننسى دور المعلم في الزن، فهو دور مركزي لأن التقاليد البوذية غالبا ما تركز على الحوار الروحي، ويكون المعلم عادة مرسوما قانونيا لتعليم الدهارما، التي هي التأمل وكل الطقوس التي ترافقها. ويحدث تدريب الزن في غرفة تأمل كبيرة وهي تعني حرفيا (التأمل في حالة الجلوس) ويدوم التأمل الى ساعات طويلة جدا وبشكل صامت وبعيون نصف مغلقة وفي وضعية اللوتس وهي حالة الجلوس على شكل وردة ولكن بشكل مستقيم ورأس مرفوع، بينما تركز الأنظار على نقطة معيّنة، فيصل الى حالة سامية تسمى الساتوري فيقول البوذي في هذه الحالة فرحا: "آه! لقد وصلت .. فقدت حدود جسمي وأنا الآن أسبح .. أسبح في الكون الشاسع .. أنا العالم والعالم أنا .. أنا الكون كله .. يبدو كل شيء جميل جدا". الرموز البوذية (العجلة): العجلة، رمز للحياة الجديدة، والولادة الجديدة. وكذلك رمز للتعاليم البوذية (الدهارما). ولها عادة (8) درجات أو رؤوس، وهي ذات معاني متعددة. ومن إحدى معانيها الكثيرة، الروح الملوكية العالية، والسموّ والنبوغ في الحياة. والدرجات الثمانية، وهي الدرجات التي يجب على كل بوذي أن يسلكها في حياته للوصول الى مرحلة الكمال (النيرفانا). واما في الغرب فإنها ترمز الى الحظ والمستقبل، ولذلك نجد العجلة في رسومات القرون الوسطى. وكذلك في رسومات الثقافات الأصلية في اميركا الجنوبية تحمل نفس المعنى السابق ذكره. ومن الرموز البوذية الاخرى التي تبشر بالأمل والنجاح: درع المحّارة.. نبات اللوتس.. المظلة (الشمسية).. العقدة اللانهائية.. زوج الحمام الذهبي.. شعار النصر.. الاناء للزهور. ويشبه العالم البوذي العالم المسيحي في كثرة الرموز وعمق معانيها. وبركة اللوتس هي رمز مهم من هذه الرموز وهي تكون عادة، مليئة بأنواع النباتات والأزهار المتعددة، البعض منها: الأبيض، أو الأزهري، أو ألأصفر أو ألأزرق. وينمو البعض تحت سطح الماء وينشر البعض الآخر أوراقه على سطح الماء. وكما هي الزهرة، فكذلك الانسان، حيث توجد الاختلافات بين البشر الى أن يصل الى حالة التنوير المطلوبة وهي الولادة الثانية.
#صبري_المقدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلام: المنشأ والجذور والعقائد الروحية (ج 2)
-
الإسلام: المنشأ والجذور والعقائد الروحية (الجزء الثاني)
-
الإسلام:المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الاول)
-
المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثالث)
-
المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية(الجزء الثاني)
-
المسيحية: المنشأ والجذور والعقائد الدينية(الجزء الاول)
-
اليهودية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الزرادشتية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الزواج: واحد + واحد = واحد
-
الهندوسية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
-
الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة
-
سعادتي في الايمان
-
الثقافة الصحية ركن من اركان المجتمع المتمدن
-
لا نظام من دون منظم ولا حركة من دون محرك
-
هل وجد الكون بالصدفة، أم هو أزلي، أم هو مخلوق؟
-
الكون في نظر العلم والاساطير الدينية
-
العمل قانون الحياة
-
لماذا نحتاج الى الصداقة والاصدقاء؟
-
مفهوم الزمن وقيمته في العلم والحياة اليومية
-
بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|