|
تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس – ألحلقة الثامنة (8) - ألحاجة إلى تغيير طرق تدريس اللغة العربية
شوقي إبراهيم قسيس
الحوار المتمدن-العدد: 4087 - 2013 / 5 / 9 - 21:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في هذه الحلقة موضوعَان منفصلَان: ألأوّل، اقتراحات عامّة لتغيير أساليب تدريس اللغة العربية. والثاني، عرض موجز لخمسة قوانين أساسية في قواعد اللغة، يليه التطرق إلى بعض هذه القوانين.
لماذا؟: نسبةُ الّذين بإمكانِهم التعاملُ مع اللّغةِ العربيّةِ بدونَ أخطاءَ وتجاوزاتٍ هي نسبة صغيرةٌ في مجتمعاتِنا العربية، وتتضاءلُ مع الزَّمنِ بوتيرةٍ مثيرةٍ للقلق. وإذا تفحَّصْتَ الصُّحفَ والمجلّاتِ الصّادرةَ في أيِّ مكانٍ في الوطن العربيِّ تفاجئُكَ كثرةُ الأخطاءِ (غيرِ المطبعية) والتَّجاوزاتِ اللّغويّةِ فيها. والكلامُ هو ليس عن تشكيلٍ صحيحٍ لأواخرِ ٱلكلماتِ، فهذا أمرٌ أَعْفَتْ صحفُنا ومجلاّتُنا نفسَها منه وأراحَتْنا، بل إنّه عن نصوصٍ مفكّكةٍ وركيكةٍ وغيرِ ملتزمة بما تتطلّبه الكتابةُ الصَّحيحةُ والعصريّةُ من تراكيبَ سليمةٍ ومن ضبطِ النّصًّ بالفواصلِ والنّقاطٍ؛ ناهيكَ عنِ التّجاوزاتِ النّحوية والصّرفية. طبعاً هناك ضائقاتٌ ماليّةٌ قد لا تسمحُ بوجودِ مُدقِّقٍ لغويٍّ ذي كفاءة. لكنّني أعتقدُ أنّه ينقصُنا أيضاً الاهتمامُ بلغتِنا والانتباهُ إلى قوانينِها الأساسيّة، ولا شكّ أنّ هذا النّقصَ يعودُ إلى مراحلِ الدِّراسةِ. فنجدُ العديدَ من الطُّلابِ والطّالباتِ يتخرَّجونَ منَ المدارسِ الثّانويّةِ بتفوُّقٍ في عددٍ من المواضيع، لكنْ بعلاماتٍ متدنيّةٍ في اللّغةِ العربيّةِ، ومعظمُهم يعبّرون، حين تتحدّثُ معهم، عن كرهِهم الشّديدِ لموضوعِ اللّغة العربيّةِ وخوفِهم منه. وعددٌ قليلٌ من هؤلاءِ الطُّلّاب يمكنُه أن يُعَبِّرَ عن أفكارِه كتابيّاً بلغةِ أُمِّهِ دونَ أخطاءٍ أو تجاوزاتٍ. وأنا لا أجرؤُ على مطالبةِ أيِّ عربيٍّ أن يقرأَ نصّاً (مشكَّلاً أو غيرَ مُشَكّلٍ) دونَ أخطاء، فهذا الصِّنفُ منَ ٱلعربِ قدِ انقرضَ أو كادَ. لعلّ أهمَّ أسبابِ ذلك هو قلّةُ الوحداتِ المخصّصةِ لِلُغةِ الأمّ في المدارس، وهو أمرٌ مهمٌّ، وعلى المسؤولين عن المناهجِ الدِّراسيّةِ خاصّةً في الثّانويات أن يُصرّوا على حدٍ أدنى لعددِ الوحداتِ المخصّصةِ للُغة الأمِّ في المدارس، وعلى أنْ يكونَ هذا العددُ أعلى من عددِ الوحداتِ المخصّصةِ لأيِّ لغةٍ أخرى. على أنّ هناك سبباً لا يقلُّ أهميةً عن ذلك، وهو طريقةُ تدريسِ اللّغةِ العربيّةِ والأساليبُ المتَّبعةُ في ذلك. وإذا تمعّنا في أساليبِ التَّدريسِ وفي المناهجِ الدِّراسيّةِ المتَّبعةِ حاليّاً لتدريسِ اللّغةِ العربيّةِ، خاصّةً تدريسَ قواعدِ اللّغة، نرى أنّها تميلُ إلى تعقيدِ البسيطِ وتوضيحِ الواضح. وفي النّهايةِ نخرِّجُ من مدارسِنا الثانويةِ طلّاباً وطالباتٍ معظمُهم غيرُ قادرين على أنْ يتعاملوا مع اللّغةِ شفهيّاً وكتابيّاً بشكلٍ صحيحٍ ودونَ أخطاءٍ وتجاوزات. والسّؤال: ماذا علينا أنْ نفعلَ كي يعرفَ خرّيجو الثّانويات لغتَهم؟ كمحاولةٍ للإجابةِ على هذا السّؤال وضعتُ في هذه الحلقة بالخطوطَ العريضةَ اقتراحاً لمشروعِ تغيير الطُّرقِ المتّبعةِ حاليّاً في تدريسِ اللّغةِ العربيةِ في المدارسِ تغييراً جذرياً، ولتغييرِ المنهجِ الدراسيِّ للُّغةِ، مِنَ الصُّفوفِ الأولى في المدارسِ الابتدائيةِ وحتّى نهايةِ الثّانوية، وذلكَ دونَ المساسِ بالقوانين الأساسية للّغة. ألهدفُ المرجو هو: أن نُخرِّجَ من مدارسِنا طلّاباً وطالباتٍ يعرفون لغتَهم ويتقنونها، وأنْ نجعلَ الطّالب في نفسِ الوقت يحبُّ موضوعَ اللّغةِ العربيّةِ بدلَ أنْ يكرهَه ويكرهَ لغتَه ويخافَها. وسأستعرضُ في حلقاتٍ قادمة التَّغييرات العينية المقترحة. أرغبُ أنْ أشدِّدَ على أمرين: أوّلاً، لا أقترحُ – بل أعارضُ – تغييرَ أو إلغاءَ أيٍّ من القوانينِ الجوهريةِ المبنيةُ عليها لغتنُا. ثانياً، لا أدّعي أنّ ما أطرحُه هنا من اقتراحات وآراء يشكِّلُ الأفضلَ والأنسب، وأعتقدُ أنّ البابَ يجبُ أنْ يكونَ مفتوحاً على مصراعيه لأيِّ رأيٍ إيجابيٍّ يُطرحُ لتحقيقِ الأهدافِ المنشودة. كذلك لا أدّعي أنّ التّغييراتِ المقترحةَ هنا تشكِّلُ حلّاً سحريّاً وشاملاً لكلِّ الصّعوباتِ الموجودةِ في تدريسِ العربية. فالحلُّ الشّاملُ هو مشروعٌ كاملٌ على المؤسساتِ المعنيّةِ أنْ تدعمَه وتتبنّاه وتفرضَ الالتزامَ به على الجميع. وما سأطرحُه هو لبنةٌ في مشروعٍ يحتاجُ إلى جهودٍ جماعيةٍ لرفعِ نسبةِ القادرين على التّعاملِ مع لغتِنا بكفاءة. كذلك أرى وجوبَ تشكيلِ لجانٍ مختصةٍ لتبحثَ في تبنّي أو رفضِ أيِّ تغيير، وفي تفاصيلِ طرقِ تنفيذه، وفي آليّة فرضِ الالتزام به.
إقتراحاتٌ عامّة للتَّغيير: أقترحُ أوّلاً أن نشدِّدَ دائماً، ومنذُ المراحلِ الأولى في الابتدائية وحتى نهايةِ الثانوية، على أوجهِ الشَّبهِ الموجودةِ بين المحكيّةِ والفصحى، ونُجري المقارناتِ بينهما كلَّما أمكن، وذلك كي يدركَ الطّالبُ أنّه لا يدرسُ لغةً جديدة، وكي يتَّضحَ له أنّ المحكيّةَ ما هي إلاّ تحريفاتٌ بسيطةٌ عن الفصحى، وأنّه، في كثيرٍ من الأحيان، هذه التّحريفاتُ (على الأقلّ في طرق اللفظ، إن لم يكن في المفردات أيضاً) إنما نشأت مع الزَّمنِ في الأساسِ كعمليةِ تليينٍ للألفاظ فيما يتعلّقُ بالمَدّات القصيرة (الحركات) وعمليّاتِ الانتقالِ السّريعِ والمتتالي بين أنواعِها المختلفةِ عندما نتكلّم. وأكثرُ ما يظهرُ ذلك في تصريفِ الأفعالِ والأسماء مع الضمائر. وعملياتُ المقارنةِ هذه تساعدُ في خلقِ الألفةِ بين الطّالبِ ولغتِه الفصحى، وتُقرِّبُ الفصحى إلى قلبِه وإدراكِه، وتسهِّلُ على المدرِّس عمليةَ إيصالِ مادّةِ الموضوعِ إلى الطّالب. وسوف نرى في فصولٍ قادمةٍ أمثلةً عينيّةً كثيرة لمقارناتٍ مع العاميّةِ قد تكونُ ذاتَ فائدةٍ كبيرةٍ للدّارسِ وللمُدرِّس. كذلك أقترحُ مقارناتٍ مع لغاتٍ أخرى للتَّشديدِ على خصوصيّاتِ العربيّةِ وعلى البناءِ الدَّقيقِ لقواعدِها. ثانياً، على المدرِّسين أنْ يَلفتوا انتباهَ الطُّلّاب دائماً وفي جميعِ مراحلِ الدِّراسة الابتدائيّةِ والثّانويّةِ إلى أنّ قواعدَ اللُّغةِ العربيّةِ فيها نظام رياضيٌّ هندسيٌّ دقيقٌ ومتكاملٌ وواضحُ المعالم. وهو نظامٌ خالٍ كليّاً من الشَّواذّ والفوضى العارمةِ الّتي نراها في العديدِ من اللُّغاتِ الأخرى. وهو نظامٌ لا يخلو من منطقٍ كتابيٍّ ولفظيٍّ ونحويّ. وهو نظامٌ موجودٌ في لغتِنا كما تكلَّمها أجدادُنا قبلَ أنْ يضعَ علماءُ النَّحوِ قوانين اللُّغةِ في القرنين السابعِ والثامنِ الميلاديَّيْن. ثالثاً، تغييرُ المنهجِ الدِّراسيِّ بشكلٍ جذريٍّ بحيثُ نخلقُ مسارَين في تدريسِ اللُّغة. ألمسارُ الأوَّلُ مبسَّطٌ وأساليبُ التَّدريسِ فيه تنطبقُ على الجميع، وهدفُه أنْ يعرفَ الطّالبُ لغتَه لا أنْ يعرفَ عنها، وفيه نزوِّدُ الدّارسَ بما يحتاجه كي يتقنَ لغتَه لا أكثر من ذلك. والمسارُ الثّاني لمن يرغبُ في اختيارِ علومِ اللُّغةِ كحقلِ تخصّصِه في المستقبل، وتُدرَّسُ فيه بعمقٍ جميعُ علوم النَّحوِ واللُّغة. وسأتطرَّقُ لاحقاً إلى التّفاصيلِ وإلى المشتركِ والمختلفِ بين المسارين. رابعاً، أن تُدرَّسَ مواضيعُ النَّحوِ المختلفةُ من خلالِ مناقشةِ النُّصوصِ الأدبيّةِ، النَّثريةِ أو الشِّعرية، بدلَ أنْ تكونَ هناك حصصٌ مخصّصةٌ للنَّحو تُتلى خلالَها قوانينُ النَّحوِ بجفافٍ على مسامعِ الطُّلّاب. وعلى الأستاذِ أو المسؤولِ عن المنهجِ الدراسيِّ أنْ يختارَ هذه النُّصوصَ بعنايةٍ فائقةٍ لتناسبَ الموضوعَ اللُّغويَّ ولتتَّفقَ مع المرحلةِ الدراسيّة. خامساً، عدمُ القبولِ بأقلِّ من ستِّ وحداتٍ أو ستِّ حصصٍ في الأسبوعِ للُغةِ الأمّ. والقولُ إنّ المنهجَ الدراسيَّ لا يتَّسعُ لذلك هو قولٌ مرفوض، إذ أنّه لا يمكنُ أنْ يكونَ عددُ الوحداتِ للُغةِ الأمِّ مساوياً لعددِ الوحداتِ للُغةٍ أجنبية، عبريةً كانت أو إنجليزية أو فرنسية. وعليه فما يلزمُ من وحداتٍ إضافيةٍ للُغةِ الأمِّ لا بدَّ له من أنْ يكونَ على حسابِ اللُّغاتِ الأجنبية. أخيراً، أقترحُ تخصيصَ وقتٍ أكثر للكتابةِ الصَّحيحةِ وللتَّعبيرِ عن الأفكارِ كتابياً بلغةٍ سليمةٍ وواضحةٍ وعصرية، وتخصيصَ وقتٍ أكثرَ للقراءةِ الصَّحيحة. وأقترحُ أنْ تكونَ النُّصوصُ المختارةُ للقراءةِ مشكلةً تشكيلاً كاملاً في البداية، ثمّ يُتَّخَذ القرارُ المناسبُ بخصوص: في أيِّ مرحلةٍ دراسيّةٍ بالضبط يطالبُ الدّارسُ بقراءةٍ صحيحةٍ لنصوصٍ غيرِ مُشَكَّلةٍ، وهي معظمُ النُّصوصِ الموجودةِ في المطبوعاتِ المختلفة. كذلك ينبغي صرفُ وقت كافٍ لتمرين الطلاّب على التعبير عن أفكارهم بكلامٍ شفهيٍّ فصيحٍ وواضحٍ وعصريّ، ومفضَّل أن يخصِّصَ الأستاذُ فتراتٍ معيّنة خلالَ حصصِ التّدريس يكونُ الكلامُ فيها بالفصحى فقط.
ألقوانين الأساسية لِلُغة الضّاد: يمكنُ تلخيصُ قواعدِ اللّغةِ العربيّةِ في خمسةِ قوانين أساسيّةٍ تمثِّلُ بمجملِها ما علينا أنْ نلتزمَ به في تدريسِ اللُّغة، وما على الدّارسِ أنْ يعرفَه ويعرفَ جميعَ التَّفاصيلَ المتعلِّقةَ به كي يُتقنَ لغتَه، وهذه القوانين هي: 1. يُصنَّفُ الكلام إلى أنواعٍ ثلاثة: اسم وفعل وحرف. 2. تأتي الأسماءُ على صيغةِ المفرد والمثنى والجمع، ويكونُ الاسمُ مذكراً أو مؤنثاً. 3. ألكلماتُ من حيثُ الحركةِ (المدة القصيرة) على آخرِ حرفٍ فيها نوعان: ما تتغيَّرُ حركةُ آخرِة حسبَ وظيفته في الجملة ويسمّى معرباً، وما لا تتغيَّرُ حركةُ آخرِه في جميعِ التّراكيب ويسمّى مبنيّاً. ألمبنيُّ من الكلام: ألفعلُ الماضي، فعلُ الأمر، جميعُ الأحرف، وبعضُ الأسماء، مثل الضّمائر وأسماء الإشارة والاستفهام والشّرط والموصول. ألمعربُ من الكلام: معظمُ الأسماء، والفعلُ المضارع (إلاّ في حالتين). 4. ألأساس في الأسماء وفي الفعل المضارع هو الرَّفعُ، وتكون الحركة على آخِرِ حرف فيها هي الضّمّة. تُنصبُ الأسماء، وتكون الحركة على أواخرها هي الفتحة، إذا وقع عليها فعل الفعل أو إذا ارتبطت بفعل الفعل ولم تكن الفاعلَ، وتجرّ بالكسرة على أواخرها إذا دخل عليها أحد أحرف الجرّ، وفي الإضافة. يُنصَبُ الفعل المضارع، وتكون حركة آخره الفتحة، إذا دخل عليه أحد أحرف نصب المضارع، ويُجزم وتكون حركة آخره السّكون إذا دخل عليه أحدى أدوات الجزم. لا جزم في الأسماء ولا جرّ في الأفعال. 5. ألأسماء تكونُ إمّا نكرةً أو مُعرَّفة. ألأسماءُ المعربةُ إنْ لم تُعرَّفْ بِـأل التعريف أو بالإضافة فيجبُ أنْ تنوَّن. قد يكونُ استثناءٌ أو أكثر لبعضِ القوانين الأساسيّة، لكنْ لكلِّ استثناءٍ سببُه، وكلُّ استثناءٍ يشكِّلُ قاعدةً جديدة. سأطرحُ هنا وفي حلقات قادمة اقتراحاتٍ حولَ طرقِ التّعاملِ مع مواضيعِ النَّحوِ المختلفة، وتشملُ: اقتراحات لإلغاء تدريسِ بعضِ المواضيع، وأخرى لإجراءِ تغييراتٍ جذريةٍ في أساليبِ التدريس. وفي الحالتين أُشدِّدُ على: عدمِ المساسِ إطلاقاً بقوانينِ اللُّغةِ أو تغييرِها. قد تكونُ بعضُ الاقتراحات التي سأطرُحها ممّا هو معمولٌ به حاليّاً في المدارس. أقترحُ بشكلٍ عامّ الخروجَ من صندوقِ تفكير الكتبِ المقررةِ لتدريسِ علومِ النَّحوِ في المدارس، والتَّخلصَ من لعنتِها، إذ أنّ معظمَ هذه الكتبِ تتبعُ طرقَ التّلقين (التّبصيم)، وتميلُ إلى تعقيدِ البسيط وتوضيحِ الواضح. سأعتمدُ على القوانينِ الأساسيّةِ الخمسةِ في معالجةِ كلِّ موضوع.
أنواعُ الكلام: يمكنُ البدءُ بإطلاعِ الطّالبِ على أنواعِ الكلامِ منذُ الصَّفِّ الرّابعِ أو الخامسِ الابتدائيّ. ويمكنُ القول: ينقسمُ الكلامُ إلى اسمٍ وفعلٍ وحرف (وهو أمرٌ بديهيٌّ وموجودٌ في أيِّ لغة)، وإعطاءُ أمثلةٍ على ذلك، وجعلُ الأمثلةِ هي الّتي تقودُ الطّالبَ إلى استنتاجِ تعريفٍ مناسبٍ لكلٍّ منها. وأقترحُ في هذه المرحلةِ المبكِّرةِ أنْ يكونَ الطلاّبُ هم الَّذين يعطون الأمثلة، ولا بأسَ من الدُّخولِ في تفاصيلَ قليلةٍ كبعضِ أنواعِ الأسماء (أسماء علم، صفات (أسماء هيئة)، أسماء أشياء، ألضَّمائِر) وأزمنةِ الأفعال. ولا أعتقدُ أنّ الدُّخولَ في تفاصيلَ إضافيةٍ بطريقةِ التَّلقين (التّبصيم) سيأتي بأيِّ فائدة للدّارس، ومن الأجدى أنْ تُذكَرَ بعضُ الأمورِ التَّفصيليّةِ خلالَ مناقشةِ القطعِ النَّثريةِ والشِّعريةِ المقرَّرة، وفي مراحل مبكرة (ألرابع حتى السادس)، ومن هذه الأمور: يأتي الفعلُ على ثلاثِ صيغٍ من ناحيةِ زمنِ حدوثِه: ألفعل الماضي [قَرَأَ]، ألفعل المضارع [يَقْرَأُ] المعبر عن الزمن الحاضر والزمن المستمرّ، وفعل الأمر [إقْرَأْ]. لا توجدُ صيغةٌ فعليّةٌ مستقلة للزَّمنِ المستقبل، ونعبِّر عنه بإدخال حرف السّين أو كلمة سَوْفَ على المضارع [سَأَشْكُرُكَ، سَوْفَ أَشْكُرُكَ].
تشملُ الأسماءُ: أسماءَ العلم [مُحَمَّدٌ]، ألضَّمائر [أَنْتَ، كِتابُكَ]، أسماءَ الأشياء [جَبَلٌ] والهيئات أو الصِّفات [جَميلٌ]، أسماءَ الاستفهام [كَيْفَ، أَيْنَ]، أسماءَ الإشارة [هذا] والموصول [أَلَّذي]، وأيَّ نوع آخر من الأسماء يأتي في النُّصوصِ المقررة. مرةً أخرى: عدمُ التَّلقين، والاكتفاء بما يأتي ذكرُه في النَّصِّ. يُفضَّلُ عدمُ الدُّخولِ في الإعراب، وااّكتفاء بالإشارة إلى أنّ حركة الآخر في الكلمات الّتي تتغير حركة آخرها هي في الأساس الضّمّة.
ألضَّمائر: مفيدٌ في هذه المرحلة (الرّابع حتّى السّادس) أنْ يعرفَ الطّالبُ أموراً أوّليّةً عن الضّمائر، فهو سيصطدم بأنواعها في النّصوص المقرّرة لهذه المرحلة، وأهمّها أمران: أنْ يعرفَ أنّ الضّميرَ يأتي منفصلاً (كلمةً مستقلّة) ومتَّصلاً بإحدى الكلمات، وأن يعرفَ إلى أيِّ ضميرٍ منفصلٍ يُشيرُ الضّميرُ المتّصل (ألمقارنة مع العاميّة هنا مهمّة وذات فائدة). في مرحلة متأخرة أكثر (السّادس حتى الثامن) يُنبَّهُ الطّالبُ إلى نوعَيْ الضّمير المتّصل: ضمير رفع، وضمير نصبٍ وجرّ، مع أمثلة من النّصوصِ على كلِّ نوع. وأهمّ من كلّ ذلك لفتُ انتباه الطّالب إلى التشابه الكبير بين الفصحى والمحكية في كل ما يختص بالضمائر.
ألحروف: وأعني حروفَ المعنى. أستغلّ موضوع الحروف لأشدِّدَ على عدّة أمور متعلّقة بتغيير أساليب تدريس قواعد اللغة، وهي أمور تنطبق على موضوع الحروف ذاته، وأيضاً على مواضيع لغوية أخرى كثيرة: أوّلاً، ألإشارة في مرحلة مبكِّرة (ألصّفّ الخامس مثلاً) إلى أنّ الحروفَ سُمّيت كذلك لأنّه لا معنىً لها حين تأتي لوحدها [في، لا، عَن، لِـ، بِـ، إذا، هَلْ...]. ثانياً، ألإشارة، ومن الصّفِّ الخامس، إلى أنّ معظمَ الحروف، وليس جميعَها، تغيِّرُ حركة أواخر الكلمات الّتي تدخل عليها. ألأمثلة من النّصوص، وأبسطُها نحو، [أَلْعُصْفورُ في الْقَفَصِ]، حيثُ "الْعُصْفورُ" لم يدخل عليها حرف، فحركة آخرِها هي الضّمّة، بينَما غيَّرتْ "في" حركة آخر كلمة "القفصِ" من ضمّة إلى الكسرة. حين يأتي نصٌّ من نوع: [عَلِيٌّ يَلْعَبُ في السّاحةِ، وَهُوَ لا يُريدُ أَنْ يَلْعَبَ في الشّارِعِ لأَنَّ أُمَّهُ قالَتْ لَهُ: لا تَلْعَبْ في الشّارِعِ! أَلشّارِعُ مَليءٌ بِالسَّيّاراتِ]، فمفضَّلٌ مناقشة الطّلاّب على شكلِ أسئلة وأجوبة في الأمور التالية: لماذا يوجد كسرة على آخر حرفٍ في كلمات "السّاحةِ"، "الشّارِعِ" الأولى والثّانية، "السَّياراتِ"؟ لماذا توجد ضمّة، لا كسرة، على آخر كلمة "الشارعُ" الثّالثة؟ ما هو الفرقُ في المعنى بين "لا" الأولى و "لا" الثّانية؟ لماذا حركة الآخر في "يَلْعَب" هي ضمّة في الأولى وفتحة في الثّانية وسكون في الثّالثة؟ يتبع هذا السؤال: ما الفرق في العمل بين "لا" الأولى و "لا" الثانية. مفضَّل عدم الدّخول في تركيب "لأَنّ أُمَّهُ" إلاّ إذا سأل/ت طالبٌ/ة نجيبٌ/ةٌ عن ذلك. أخيراً، الكلام عن الحروف من خلال مناقشة النّصوص فقط، والامتناع عن التّلقين.
ألتَّثنية والجمع: نشتقُّ المثنّى من المفردِ بإضافةِ ألف ونون أو ياء ونون إلى المفرد: [أَلْكِتابُ مُمْتِعٌ – أَلْكِتابان مُمْتِعان]، [قَرَأْتُ كِتاباً – قَرَأْتُ كِتابَيْن]. مقارنة مع العاميّة. يأتي الجمعُ على ثلاثِ صِيَغ: 1) جمعُ المذكَّر السالم، ونشتقُّه من المفرد بإضافة واو ونون أو ياء ونون [أَلْمُجْتَهِدون ناجحون]، [أَحْتَرِمُ الْمُجْتَهِدين]. 2) جمعُ المؤنَّث السالم، ونشتقُّه من المفردِ بإضافةِ ألِف وتاء بعدَ حذفِ التّاء المربوطة (علامة التّأنيث): [طالِبةٌ - طالِباتٌ]. 3) جمعُ التَّكسير، ونشتقُّه من المفردِ بتغييرِ حروفِ الكلمة حسبَ قوانين معينة، مثلاً: كلماتُ [فَعيلة] التي لم تُؤَنَّث من [فَعيل] جمعُها دائماً على [فَعائِل] مثل [قبيلة - قَبائِل، جريمة - جرائِم، وغنيمة - غَنائِم]، والكلماتُ الخماسيّة جمعُها دائماً على [مفاعيل] نحوَ [مِفْتاحٌ - مَفاتيحُ، قِنطار – قناطير، دُستور - دَساتير]. لذا فمن المفيدِ أنْ ينبَّه الدّارسُ إلى أنّ الأسماءَ الّتي تُجمع بالتَّكسير لا تُشكِّلُ شواذاً كما في اللّغاتِ الأخرى، بل إنّ هناك قوانين وصيغاً لجموعِ التكسير، وإن كانت كثيرةً، إلاّ أنّها تكونُ حسبَ نظامٍ معيَّن، ومعظم هذه القوانين هو ما نقوله في لغتنا المحكيّة. ألمهمّ هو الامتناع عن التلقين واستبداله بتمارين ومحادثات هدفها استنباطي، وبإجراء مقارنات مع العاميّة في كلِّ ما يختص بالتثنية والجمع، وإبراز أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينهما. ومقارنات كهذه تجعلُ الطّالبَ يدرك أنّ أوجهَ الشبه أكثر بكثير من أوجهِ الاختلاف، وخير مثال على ذلك صيغ الجمع [مَفاعيل، مَفاعِل، فَعائل] الّتي نجد فيها تطابقاً كاملاً تقريباً بين العامية والفصحى.
ألمعرفة والنكرة: لفتُ الإنتباه إلى أمرين مهمَّين ومعروفَين للجميع: أوّلاً، الأسماءُ النكرة تُعرَّف بطريقتين، بأل التَّعريف [كتابٌ - أَلْكِتابُ] أو بالإضافةِ إلى معرفة [كتابُ الطّالِبِ، كِتابُكَ]. ثانياً، ألنَّكراتُ، إنْ لم تعرَّفْ بإحدى الطَّريقتين أعلاه، يجبُ أنْ تنوَّنَ، بما في ذلك المفردُ والجمعُ وأسماءُ العلم الّتي تنصرف. في مرحلةٍ متأخِّرة (من السادس حتى الثامن)، وبعدَ أنْ يتعرَّفَ الطّالبُ على حالاتِ الإعرابِ الثلاث في الأسماء (ألرَّفع والنَّصب والجر)، يمكنُ الدُّخولُ في موضوعِ التَّنوين من خلالِ مناقشةِ النُّصوصِ المقرّرة، بإبراز نقطتين أساسيَّتَين: ألأولى، أنّ ألتَّنكير للأسماءِ المعربةِ والمنصرفةِ يكونُ بالتَّنوين (ضمّة أو فتحة أو كسرة + صوت النون). ألضَّمّة في حالةِ الرَّفع، والفتحة في حالةِ النَّصب، والكسرة في حالةِ الجرّ. والثّانية، أنّ تنوينُ الفتحة يكونُ بإضافة أَلِفٍ إلى نهايةِ الاسم [قرأَتُ كِتاباً مُمْتِعاً] إلاّ إذا انتهتِ الكلمةُ بالتّاء المربوطة أو بالهمزة: [أَكَلْتُ حَلاوةً وشَرِبْتُ ماءً، فَكَأَنّي لا أَكَلْتُ وَلا شَرِبْتُ].
ألممنوعاتُ من الصرف: وهي الأسماء التي لا تنصرف، أي لا تُنَوَّن وتُجَرُّ بالفتحة لا بالكسرة. يأتي ذكرُ أنواعِها من خلالِ ورودِ هذه الأنواعِ في النُّصوص، وليس بطريقة التَّلقين. وهذه فائدةٌ للمُدَرِّس عن أنواعِها وشروطِها: هناك أحدَ عشرَ نوعاً من الأسماءِ الممنوعة من الصَّرف، وإذا استثنينا أسماءَ العلم منها، وهي معظمُها، فنسبةُ هذه الأسماء من مجموعِ الأسماء المعربة هي جداّ ضئيلة، وهذه أنواعها كفائدة للمدرِّس:
1. كلُّ اسمِ علم لأنثى فوق الثُّلاثي، نحوَ [خديجة، زينب، فاطمة] فنقولُ [مَرَرْتُ بِخَديجةَ. ذَهَبْتُ إلى زَيْنَبَ]. أمّا إذا كان من ثلاثةِ أحرفٍ، فلك أنْ تصرفَه أو تمنعَه [جاءَتْ هِنْدُ أو هِندٌ. ذهبتُ إلى دَعْدٍ أو دَعْدَ]. أمّا إذا صَلُحَ الاسمُ للمذكَّر والمؤنَّثِ فيُصرَفُ للمذكَّر ويُمنع من الصَّرفِ للمؤنَّث [جاءَ نَجاحٌ مُسْرِعاً، جاءَتْ نَجاحُ مُسْرِعةً]. 2. كلُّ عَلَمٍ أجنبيٍّ حروفُه أكثرُ من ثلاثة: [إبراهيم، يوسف، أنطون]. 3. كُلُّ علمٍ مزيدٍ في آخِره ألف ونون: [عَدْنان، مَروان]، فالأوَّل من المكان عدن، والثّاني من المَرْوِ وهي الحجارة. 4. كُلُّ علمٍ مركَّبٍ تركيباً مزجياً من كلمتين: [حَضْرَمَوْت = حضر + موت. بعلبك = بعل + بك]. 5. كلُّ علمٍ على وزنِ الفعل: [يَزيد، تَغْلِب، يَثْرِب]. 6. خمسةَ عشرَ علماَ ثلاثياً على وزن [فُعَل]، مضموم الأوّل مفتوح الثّاني، ومنها ثلاثةُ أو أربعةُ أعلام فقط مستعملة اليوم: [عُمَر، مُضَر، زُحَل، زُفَرْ]. 7. كلمة [أُخَر]، وهي جمع أُخْرى. 8. كلُّ اسمٍ معربٍ - بغض النظر عن نوعه - زيدت في أخرِه ألفٌ مقصورة أو ممدودة [أُخْرى، حُبْلى، جَرْحى، قَتْلى، شُعَراء، أَصْدِقاء، صَحْراء، عُظَماء]. 9. كلُّ اسمٍ على وزن [أَفْعَل] إن كان عَلَماً [أَحْمَد] أو صفةً [أخضر] أو أفعلَ التّفضيل [أَكْبَر]. 10. صيغتا الجمع [مَفاعِل] و [مَفاعيل]، نحوَ [مَصانِعَ، مَفاتيحَ]. 11. وزنا [مَفْعَل] و [فُعال] حين نستعملُهما للاستغناءِ عن تكرارِ الأعدادِ من واحد إلى عشرة، نحوَ [أُحاد، رُباع، خُماس، مَوْحَد، مَثْنى]، فنقولُ [سافر الناسُ أَحادَ أو مَوْحَدَ] بدلَ واحداً واحداً. ولا بأسَ من لفتِ الانتباهِ في أيِّ مرحلةٍ دراسية إلى أنّ الأسماءَ الممنوعةَ من الصَّرفِ تُصرَفُ فتُجرُّ بالكسرة (لا بالفتحة) إذا عُرِّفَتْ بأل أو بالإضافة (أسماء العلم هي من المعارف، فلا تُعَرَّف بأل أو بالإضافة)، فنقول مثلاً: [يَجِبُ تَغييرُ الْمَناهِجِ الدراسِيّةِ والأَساليبِ الْمُتَّبَعةِ في تَدْريسِ اللُّغةِ الْعَرَبِيّةِ في الْمَدارِسِ] مقابل: [يجِبُ تَغييرُ مَناهِجَ دِراسِيّةٍ كَثيرةٍ وَأَساليبَ عديدةٍ في مَدارِسَ كَثيرةٍ حين نُدَرِّسُ الْعَرَبِيّةَ].
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة، وهي عن المبنيات.
#شوقي_إبراهيم_قسيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة السابعة (7) - ردود
...
-
تعلَّموا العربية وعلِّموها النّاس – ألحلقة السادسة (6) - أئم
...
-
تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الخامسة (5) - تشكي
...
-
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الرّابعة (4): ألهم
...
-
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثالثة (3)
-
تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثانية (2): في ال
...
-
تعلَّموا العربيّة وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)
-
تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|